جلاء الأفهام في فضل الصلاة - القرآن الكريم
أهلا وسهلا بك إلى معهد توب ماكس تكنولوجي.
  1. ما شاء الله تبارك الله ( يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك )
  2. معهد توب ماكس تكنولوجي | أعلى قمة للتكنولوجيا الحديثة في الشرق الأوسط - صرح علمي متميز
  3. طريقة تسجيل عضوية في معهد توب ماكس تكنولوجي بشكل سريع
    مع ملاحظة أن التسجيل مجاني ومفتوح طيلة أيام الأسبوع عند تسجيل العضوية تأكد من البريد الالكتروني أن يكون صحيحا لتفعيل عضويتك وأيضا أن تكتبه بحروف صغيره small و ليست كبيرة تستطيع أيضا استخدام الروابط التالي : استرجاع كلمة المرور | طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية
  4. اشترك ألان في خدمة رسائل المعهد اليومية لتعرف كل جديد اضغط هنا للاشتراك
التفاصيل : الردود : 2 المرفقات : 0 المشاهدات: 2022 مشاهدة
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
أرسل هذا الموضوع إلى صديق…

المواضيع المتشابهه

  1. إغلاق المحلات خلال وقت الصلاة - يوسف بن عبدالعزيز أبا الخيل
    بواسطة كاتب الأخبار في المنتدى مقالات وأخبار الحوادث
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-28-2012, 03:10 AM
  2. حكم الصلاة من غير خشوع
    بواسطة علي بن يوسف في المنتدى الحديث الشريف و السيرة النبوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-08-2011, 05:37 AM
  3. كيف تعشق الصلاة
    بواسطة سائر في ربى الزمن في المنتدى الحديث الشريف و السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-06-2009, 08:59 AM
  4. شروط الصلاة
    بواسطة ibiza1964 في المنتدى القرآن الكريم
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-07-2009, 11:21 PM

النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تكنولوجي جديد الصورة الرمزية المحترم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    6
    معدل تقييم المستوى
    0

    Q (20) جلاء الأفهام في فضل الصلاة


    جلاء الأفهام في فضل الصلاة
    على محمد خير الأنام
    ابن قيم الجوزية



    مقدمه الكتاب :-

    وتقسيمه إلى خمسة أبواب ، رب يسر و أعن وصلى الله على محمد و آله و سلم ، قال الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ابن قيم الحنبلي إمام الجوزية رحمه الله .

    هذا كتاب سميته جلاء الإفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام ، وهو خمسة أبواب وهو كتاب فرد في معناه لم نسبق إلى مثله في كثره فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وصحيحها من حسنها ومعلولها بينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ، ثم أسرار هذا الدعاء و شرفه ، و ما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم و محالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ومخبر الكتاب فوق وصفه والحمد لله رب العالمين .

    الباب الأول : ما جاء في الصلاة على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم :-

    ما جاء في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال أتانا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن في مجلس سعد بن عبادة -رضي الله عنه- فقال له : بشير بن سعد - رضي الله عنه- : قد أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، والسلام كما قد علمتم . رواه الإمام أحمد ، ومسلم والنسائي والترمذي وصححه . و لأحمد في لفظ آخر نحوه : فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ .



    فيمن روى أحاديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عنه رواها : أبو مسعود الأنصاري و البدري - رضي الله عنه- وكعب بن عجرة ، أبو حميد الساعدي ، أبو سعيد الخدري ، و طلحة بن عبيد الله ، وزيد بن حارثة ، و يقال : ابن خارجة و علي بن أبي طالب . و أبو هريرة ، وبريدة بن الحصيب وسهل بن الساعدي ، و ابن مسعود و فضالة بن عبيد ، و أبو طلحة الأنصاري و أنس بن مالك ، و عمر بن الخطاب ، وعامر ابن ربيعة ، وعبد الرحمن بن عوف ، و أبي بن كعب ، وأوس بن أوس ، والحسن و الحسين ابنا علي بن أبي طالب ، و فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و البراء بن عازب و روفيع بن ثابت الأنصاري ، و جابر بن عبد الله ، أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و عبد الله بن أبي أوفى ، وأبو أمامة الباهلي ، وعبد الرحمن بن بشر بن مسعود و أبو بردة بن نيار ، و عمار بن ياسر ، وجابر بن سمرة ، و أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، و مالك بن الحويرث ، و عبد الله بن جزء الزبيدي ، وعبدالله بن عباس ، و أبو ذر ، وواثلة بن الأسقع و أبو بكر الصديق ، و عبد الله بن عمرو ، و سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه عمير ، وهو من البدريين ، و حبان بن منقذ - رضي الله عنهم أجمعين .



    فحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه : عن يحيى بن يحيى . و أبو داود : عن القعبني ، كلاهما عن مالك . والترمذي : عن إسحاق بن موسى ، عن معن ،عن مالك . و النسائي : عن أبي سلمة ، و الحارث بن مسكين ، كلاهما عن ابن القاسم ، عن مالك ، عن نعيم المجمر ، عن محمد بن عبد الله بن زيد .

    وأما زيادة أحمد فيه : إذا نحن صلينا في صلاتنا . فرواه بهذه الزيادة : عن يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال حدثني محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري ، عن أبي مسعود قال : أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، ونحن عنده ، فقال : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك ؟ قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله.فقال :إذا أنتم صليتم علي فقولوا : اللهم صل على محمد النبي الأمي ، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم . . . )) و ذكر الحديث . و رواه ابن خزيمة ، و الحاكم في صحيحيهما ، بذكر هذه الزيادة . وقال : الحاكم فيه : على شرط مسلم . وفي هذا نوع مساهلة منه فإن مسلما لم يحتج بابن إسحاق في الأصول ، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد. وقد أعلت هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها ومخالفة سائر الرواة له في تركهم ذكرها . و أجيب عن ذلك بجوابين : أحدهما : أن ابن إسحاق ثقة لم يجرح بما يوجب ترك الاحتجاج به ، وقد وثقه كبار الأئمة ،وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة ، اللذين هما ركنا الرواية .

    و الجواب الثاني : أن ابن إسحاق إنما يخاف من تدليسه ، وهنا قد صرح بسماعه للحديث من محمد بن إبراهيم التيمي فزالت تهمة تدليسه . و قد قال : الدارقطني . في هذا الحديث - و قد أخرجه من هذا الوجه - و كلهم ثقات . هذا قوله في كتاب السنن وأما في العلل فقد سئل عنه . فقال : يرويه محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد ، عن أبي مسعود ، حدث به عنه محمد بن إسحاق ، و رواه نعيم المجمر ، عن محمد بن عبد الله بن زيد أيضا ، و اختلف عن نعيم ، فرواه مالك بن أنس ، عن نعيم ، عن محمد ، عن أبي مسعود حدث به عنه كذلك القعنبي ، و معن وأصحاب (( الموطأ )) - و رواه حماد بن مسعدة ، عن مالك ، عن نعيم فقال : عن محمد بن زيد ، عن أبيه ووهم فيه . و رواه داود بن قيس الفراء ، عن نعيم ، عن أبي هريرة خالف فيه مالكا , و حديث مالك , أولى بالصواب .

    قلت : و قد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة ، فذكرها عنه إبراهيم بن سعد ، كما تقدم .و رواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة .كذلك قال : عبد بن حميد في مسنده : عن أحمد بن يونس .و الطبراني ، في المعجم : عن عباس بن الفضل ، عن أحمد بن يونس ، عن زهير و الله أعلم .

    قال عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي في (( نسب الأنصار )) - أبو مسعود عقبة بن عمرو : بن ثعلبة البدري ، نزل بماء بدر أو سكنه ، فسمي البدري لذلك ، و لم يشهد بدرا عند جمهور أهل العلم بالسير ، و قد قيل : إنه شهدها و اتفقوا على أنه شهد العقبة و ولاه علي الكوفة لما خرج إلى صفين ، و كان يستخلفه على ضعفة الناس فيصلي بهم في العيد في المسجد ،قيل : مات قبل الأربعين . و قيل : بعد الستين .
    قلت : ذكر أربعة من الأئمة أنه شهد بدرا : (( البخاري - و ابن إسحاق - و الزهري )) .

    و أما حديث :كعب بن عجرة

    فقد رواه أهل الصحيح و أصحاب السنن و المسانيد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عنه ، و هو حديث لا مغمز فيه بحمد الله. ولفظ الصحيحين فيه : عن أبي ليلى عنه ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آ ل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

    وله حديث آخر رواه الحاكم في المستدرك : من حديث محمد بن إسحاق - هو الصغاني - حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن هلال ، حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبيه ، عن كعب ابن عجرة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : احضروا المنبر فحضرنا ، ارتقى الدرجة قال : آمين . ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال : آمين ، ثم ارتقى الدرجة الثالثة ، فقال : آمين فلما فرغ نزل عن المنبر ، فقلنا : يا رسول الله سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه ، فقال : إن جبريل عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له ، فقلت : آمين ، فلما رقيت الثانية ، قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك . فقلت : آمين ، فلما رقيت الثالثة ، قال : بعد من أدرك أبوية الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة ، فقلت : آمين . قال الحاكم : صحيح الإسناد .

    و كعب بن عجرة : أنصاري سلمى ، كنيته فيما قيل : أبو إسحاق ، عداده في بني سالم أخي عمرو بن عوف ، وهو قوقل ، يعرف بنوه بالقواقلة ،لأن عوفاً هذا كان له عز ومنعه ، وكان إذا جاء خائف إليه يقول له : قوقل حيث شئت ، أي : أنزل فإنك آمن . وقال ابن عبد البر : كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوي ثم السوادي ، من بني سواد ، حليف للأنصار ، قيل : حليف لبنى حارثة بن الحارث بن الخزرج ، وقيل : حليف لبنى عوف بن الخزرج ، وقيل : حليف لبنى عوف بن الخزرج ، وقيل : حليف لبنى سالم من الأنصار ، وقال الواقدي : ليس بحليف للأنصار ، ولكنه من أنفسهم . وقال ابن سعد : طلبت اسمه في نسب الأنصار فلم أجده ، يكنى أبا محمد ، وفيه نزلت : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك . [ البقرة : 180 ] ، نزل الكوفة ، ومات بالمدنية سنة ثلاث ، أو إحدى ، أو اثنتين وخمسين ، وهو ابن خمس وسبعين ، روى عنه أهل المدنية وأهل الكوفة .

    وأما حديث : أبي حميد الساعدي

    فرواه البخاري ، وأبو داود ، عن القعنبي ، عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن الساعدي ، أنهم قالوا : يا رسول الله ‍ كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : قولوا : اللهم صل على محمد وأزوجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . ورواه مسلم : عن ابن نمير ، عن روح بن عبادة وعبد الله بن نافع الصائغ .
    ورواه أبو داود أيضاً : عن ابن السرح ، عن ابن وهب ، و النسائي : عن الحارث بن مسكين ، محمد بن مسلمة ، كلاهما عن ابن القاسم . و ابن ماجة عن عمار بن طالوت ، عن عبد الملك بن الماجشون ، خمستهم عن مالك ، كما تقدم . وأبو حميد الساعدي : قال ابن عبد البر اختلف في اسمه ، فقيل المنذر بن سعد بن المنذر ، وقيل : عبد الرحمن بن سعد بن المنذر وقيل : عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن المنذر وقيل : عبد الرحمن بن سعد بن مالك ، وقيل : عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة يعد في أهل المدينة . توفي في آخر خلافة معاوية ، روى عنه من الصحابة . جابر . ومن التابعين : عروة بن الزبير ، و العباس بن سهل بن سعد ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، و خارجة ابن زيد بن ثابت ، وجماعة من تابعي أهل المدنية .

    5- ( وأما حديث أبي أسيد وأبي حميد ) ، فرواه مسلم : عن يحيى ابن يحيى ، عن سليمان بن بلال ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري ، قال : سمعت أبا حميد و أبا أسيد ، يقولان : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك .

    وأما حديث : أبي سعيد الخدري

    فقال : قلنا : يا رسول الله هذا السلام عليك عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم .

    فرواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن يوسف ، عن الليث ابن سعد ، عن إبراهيم بن حمزة ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عبد العزيز الدراوردي ، ثلاثتهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب . عن أبي سعيد . ورواه النسائي : عن قتيبة ، عن بكر بن مضر ، عن ابن الهاد .ورواه ابن ماجة : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن خالد بن مخلد عن عبد الله بن جعفر ، عن ابن الهاد .

    وأبو سعيد الخدري : اسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو مشهور بكنيته . قال ابن عبد البر : أول مشاهده الخندق ، وغزا مع رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ اثنتي عشرة غزوة ، وكان ممن حفظ عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ سنناً كثيرة ، وروي عنه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين .



    فقال الإمام أحمد في المسند : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري ، حدثني عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، قال : قلت : يا رسول الله ‍‍، كيف الصلاة عليك ؟ قال : قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
    ورواه النسائي عن عبيد الله بن سعد ، عن عمه يعقوب بن إبراهيم ابن سعد ، عن شريك ، عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه : أن رجلاً أتى البني ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فقال : كيف نصلي عليك يا نبي الله ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد ( وعلى آل محمد ) ، كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد .

    ( وقال النسائي ) : أخبرني إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا مجمع بن يحيى ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة عن أبيه ، قال : قلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .

    واحتج الشيخان بعثمان بن عبد الله بن موهب ، عن موسى بن طلحة .




    ‎‎
    وقال‏‏ ‎‎الحافظ‏‏ ‎‎أبو‏‏ ‎‎عبد‏‏ ‎‎الله‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎مندة ‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎كتاب‏‏ ‎‎الصحابة‏‏ : ‎‎روى‏‏ ‎‎عبد‏‏ ‎‎الواحد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎زياد‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎ ‎عثمان‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎حكيم‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎‎خالد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎سلمة‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎قال‏‏ ‎‎سمعت‏‏ ‎‎موسى‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎طلحة‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎سأله‏‏ ‎‎عبد‏‏ ‎‎الحميد‏‏ : ‎‎كيف‏‏ ‎‎الصلاة‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎النبي‏‏ ‎‎‏‏‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ‎‎؟‏‏ ‎‎فقال‏‏ : ‎‎سألت‏‏ ‎‎زيد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎خارجة‏‏ ‎‎الأنصاري ‏‏ .. ‎‎فذكره‏‏ .
    ‎‎
    وأما‏‏ ‎‎زيد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎حارثة‏‏ ‎‎هذا‏‏ : ‎‎فهو‏‏ ‎‎زيد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎ثابت‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎الضحاك‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎حارثة‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎زيد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎ثعلبة‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎بني‏‏ ‎‎سلمة‏‏ - ‎‎ويقال‏‏ ‎‎ابن‏‏ ‎‎خارجة‏‏ - ‎‎الخزرجي‏‏ ‎‎الأنصاري‏‏ ‎‎ذكره‏‏ ‎‎ابن‏‏ ‎‎مندة‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎الصحابة‏‏ ‎‎والصواب‏‏ : ‎‎زيد‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎خارجة‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎وهو‏‏ ‎‎ابن‏‏ ‎‎أبي‏‏ ‎‎زهير‏‏ ‎‎الأنصاري‏‏ ‎‎الخزرجي‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎شهد‏‏ ‎‎بدراً‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎توفي‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎خلافة‏‏ ‎‎عثمان‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎وهو‏‏ ‎‎الذي‏‏ ‎‎تكلم‏‏ ‎‎بعد‏‏ ‎‎الموت‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎قاله‏‏ ‎‎أبو‏‏ ‎‎نعيم‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎و‏‏ ‎‎ابن‏‏ ‎‎عبد‏‏ ‎‎البر‏‏ ‎‎وقيل‏‏ : ‎‎بل‏‏ ‎‎هو‏‏ ‎‎خارجة‏‏ ‎‎بن‏‏ ‎‎زيد‏‏ ‎‎والأول‏‏ ‎‎أصح‏‏ ‎‎،‏‏ ‎‎والله‏‏ ‎‎أعلم‏‏ .

    حديث علي بن أبي طالب



    قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب : وفي بعض النسخ :
    حديث حسن غريب ، ورواه النسائي و ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك .

    وروى الحسن بن عرفة ، عن الوليد بن بكير ، عن سلام الخزاز ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث بن عبد الله الأعور ، عن علي رضي الله عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلى على محمد ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، فإذا صلي على النبي محمد ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ انخرق الحجاب واستجيب الدعاء ، وإذا لم يصل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ لم يستجب الدعاء .

    ولكن للحديث ثلاث علل :

    إحداها : أنه من رواية الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب .
    العلة الثانية : أن شعبة قال : لم يسمع أبو إسحاق السبيعي من الحارث إلا أربعة أحاديث فعدها ولم يذكر هذا منها ، وقاله العجلي أيضاً . العالة الثالثة : أن الثابت عن أبي إسحاق وقفه على علي رضي الله عنه .

    1 - وروى النسائي في مسنده ، عن أبي الأزهر : حدثنا عمرو بن عاصم ، فحدثنا حبان بن يسار الكلابي ، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي رضي الله عنه ، قال رسول الله‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل : اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته ، وكما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد .

    2- و حبان بن يسار وثقه ابن حيان . وقال البخاري : إنه اختلط في آخر عمره . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالقوي ولا بالمتروك. وقال ابن عدي : حديثه فيه ما فيه ، لأجل الاختلاط الذي ذكر عنه .

    3- قلت : لهذا الحديث علة ، وهي أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه ، فرواه عن حبان بن يسار : حدثني أبو المطرف الخزاعي ، حدثني محمد بن عطاء الهاشمي ، عن نعيم المجمر ، عن أبو هريرة ، أن رسول الله قال : من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فذكره ، ورواه أبو داود : عن موسى بن إسماعيل به .

    4- وله علة أخرى : وهي أن عمرو بن عاصم قال :أخبرنا حبان بن يسار ، عن عبد الحمن بن طلحة الخزاعي ، قال موسى بن إسماعيل : عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز . وهكذا هو تاريخ البخاري ، وكتاب ابن أبي حاتم ، والثقات لابن حيان ، وتهذيب الكمال لشيخنا أبي الحجاج المزي . فإما أن يكون عمرو بن عاصم وهم في اسمه ، وإما أن يكونا اثنين ، ولكن عبد الرحمن هذا مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث ، ولم يذكره أحد من المتقدمين . و عمرو بن عاصم وإن كان روى عنه البخاري و مسلم واحتجا به ، فموسى بن إسماعيل أحفظ منه ، والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا مستند والمتن ، ونحن نذكره .

    حديث أبي هريرة رضي الله عنه

    قال محمد بن إسحاق السراج : أخبرني أبو يحيى و أحمد بن محمد البرتي ، قالا : أنبأنا عبد الله ابن مسلمة بن قنعب ،أنبأنا داود بن قيس ، عن نعيم بن عبد الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنهم سألوا رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎: كيف نصلي عليك؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم . وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين ، رواه عبد الوهاب بن مندة ، عن الخفاف ،عنه.

    13- وقال الشافعي :أنبأنا إبراهيم بن محمد أخبرنا صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أنه قال يا رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎! كيف نصلي عليك - يعني في الصلاة -‏‏‎‎‎؟ قال : تقولون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم ، ثم تسلمون علي .

    إبراهيم هذا هو ابن محمد بن يحيى الأسلمي، وكان الشافعي يرى الاحتجاج به على عجره وبجره ، وكان يقول : لأن يخر إبراهيم من السماء أحب إليه من أن يكذب ، وقد تكلم فيه مالك والناس ، ورموه بالضعف والترك ، وصرح بتكذيبه مالك و أحمد ، و يحيى بن سعيد القطان ، و يحيى بن معين ، و النسائي . قال ابن عقدة الحافظ : نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيراً وليس بمنكر الحديث. وقال أبو أحمد ابن عدي : وهو كما قال ابن عقدة ، و قد نظرت أنا فحديثه الكثير فلم أجد فيه منكراً إلا عن شيوخ يحتملون ، يعني أن يكون الضعف منهم ، ومن جهتهم . ثم قال ابن عدي : قد نظرت في أحاديثه وتبحرتها وفتشت الكل فليس فيها حديث منكر ، وقد وثقه محمد بن سعيد الأصبهاني مع الشافعي .
    و لأبي هريرة أيضاً أحاديث الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ .

    14- منها : ما رواه العشاري : من حديث محمد بن موسى ، عن الأصمعي ، حدثني محمد بن مروان السدي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبو هريرة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎: من صلى على عند قبري وكل الله به ملكاً يبلغني ، وكفي أمر دنياه و آخرته ، وكنت له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً .
    لكن محمد بن موسى هذا هو محمد بن يونس بن موسى الكديمي متروك الحديث .

    15- ومنها : حديث صالح مولى التوأمة ، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ :ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه إلا كان مجلسهم عليهم تره يوم القيامة ، إن شاء عفا عنهم ، وإن شاء أخذهم .
    ورواه الترمذي : من حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن صالح بن أبي صالح ، قال فيه : حديث حسن .
    ورواه : عن يوسف بن يعقوب ، وحدثنا حفص بن عمر ،حدثنا شعية ، عن أبي إسحاق ، وقال : سمعت الأغر أبا مسلم ، قال : أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما شهدا على رسول الله‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎ ...‏‏‎‎‎فذكر مثله .

    ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب فضل الصلاة على النبي : في حديث محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن صالح . ورواه أبو داود والنسائي ، و ابن حيان في صحيحه : من رواية سهيل ،عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وهو شرط مسلم .

    ورواه ابن حبان أيضاً : من حديث شعبة ، عن الأعمش عن ، أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه : وما قعد قوم مقعداً لا يذكرون من الله فيه ، ولا يصلون على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة ، وإن دخلوا الجنة للثواب ، وهذا الإسناد على شرط الشيخين .

    وأخرجه الحاكم في صحيحه من رواية ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎. قال الحاكم : صحيح على شرط البخاري .
    وفيما قاله نظر، فإن إبراهيم بن الحسن بن يزيد راويه عن آدم بن أبي إياس : ضعيف متكلم فيه ، علته أن أبا إسحاق الفزاري رواه عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة موقوفاً .
    و صالح مولى التوأمة : كان شعبة لا يروي عنه وينهي عنه ، قال مالك : ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئاً . وقال يحيى : ليس بالقوي في الحديث . قال مرة : لم يكن ثقة . وقال السعدي : تغير ، وقال النسائي : ضعيف.
    قلت للحفاظ في صالح هذه ثلاثة أقوال ، ثالثها أحسنها ، وهو أنه ثقة في نفسه ولكن تغير بأخرة ، فمن سمع منه قديماً فسماعة صحيح ، ومن سمع منه أخيراً ففي سماعه شيء ، فمن سمع منه قديماً ابن أبي ذئب ، و ابن خريج ، و زياد بن سعد . وأدركه مالك و الثوري يعد اختلاطه ، وهذا منصوص الإمام أحمد رحمه الله ، فإنه قال : ما أعلم بأساً بمن سمع منه قديماً .

    ثم إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ : صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم قال : واسألوا الله لي الوسيلة ،قال : فإما حدثنا وأما سألناه ، قال : الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل .
    حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا معتمر ، عن ليث .. فذكره بإسناده ولفظه .
    ورواه ابن أبي شيبة في مستنده.

    وقال إسماعيل أيضاً : حدثنا محمد بن أبي بكرالمقدمي ، حدثنا عمرو بن هارون ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، أن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ قال : صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني ، صلوات الله وسلامه عليهم .

    قلت : سعيد بن زيد هذا هو أخو حماد بن زيد ، ضعفه يحيى بن سعيد جداً . قال السعدي : يضعفون حديثه وليس بحجة . قال النسائي : ليس بالقوي ، وروى له مسلم .
    وأما الإمام أحمد رضي الله عنه فكان حسن القول فيه ، قال : ليس به بأس ، وقال يحيى بن معين : ثقة ، وقال البخاري : ثقة . و عمرو بن هارون و موسى بن عبيدة ، و محمد بن ثابت ، وإن لم يكونوا بحجة ، والحديث له شواهده ، ويصلح للاستشهاد .

    ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً في الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ ما رواه الترمذي : عن الدرقي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المبقري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلي علي ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلا الجنة .

    قال الترمذي : وفي الباب عن جابر ، و أنس ، وهذا حديث حسن غريب من الوجه ، و ربعي بن إبراهيم : هو أخو إسماعيل بن إبراهيم ، وهو ثقة ، وهو ابن علية.
    ويروى عن بعض أهل العلم قال : إذا صلى الرجل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس . ورواه الحاكم في المستدرك .

    و عبد الرحمن بن إسحاق احتج به مسلم ، قال فيه أحمد بن حنبل : صالح الحديث ، وتكلم فيه بعضهم ، قال فيه أبو داود : ثقة إلا أنه قدري .

    ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي : حدثنا أبو ثابت ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ رقى المنبر فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فقيل له : يا رسول الله ، ما كنت تصنع هذا ! فقال : قال لي جبريل : رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ولم يغفر له ، فقلت آمين . ثم قال : رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما الكبر لم يدخل الجنة ، فقلت : آمين . ثم قال : رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلي عليك ، فقلت : آمين .

    كثير بن زيد ابن حبان ، وقال أبو زرعة : صدوق وقد تكلم فيه .
    ورواه ابن حبان ، في صحيحه ، ومن حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، فذكره وقال فيه : من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين . و محمد ابن عمرو هذا أخرج له البخاري ،و مسلم في المتابعات، ووثقه ابن معين ويصحح له الترمذي .
    ورغم : يكسر الغين المعجمة ، أي : لصق بالتراب ، وهو الرغام . وقال ابن الأعرابي : هو يفتح الغبن ، ومعناه ذل .

    ومن حديثه أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه : من حديث العلاء بن عبد الحمن ، وعن أبيه ، عن أبى هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ قال من صلي علي واحدة ، صلى الله عليه عشراً .
    ورواه أبو داود والترمذي و النسائي و ابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي بعض ألفاظه : من صلى علي مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات .ذكرها ابن حبان .
    ومن حديث أبي هريرة وما روى ابن خزيمة في صحيحه : حدثنا محمد بن نشار ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، حدثنا سعيد المقبري ، حدثنا أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎، وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، فإذا خرج فليسلم على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ ، وليقل : اللهم أجرني من الشيطان . ورواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد ، عن إسحاق ابن إبراهيم ، عن أبي بكر الحنفي به .

    ومنها ما رواه الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن فيل ، صاحب الجزء المعروف : عن مسلم بن عمرو ، حدثنا عبد الله بن نافع ،عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ أنه قال : لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم .

    ومن حديثه أيضاً ما رواه مسلم بن إبراهيم : حدثنا عبد السلام بن عجلان ، حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ : إن الله سيارة من الملائكة إذا أمروا بحلق الذكر ، قال بعضهم لبعض : اقعدوا ، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم ، فإذا صلوا على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ صلوا معهم حتى يفرغوا ، ثم يقول بعضهم لبعض : طوبى لهؤلاء يرجعون مغفوراً لهم رواه أبو سعيد القاص في فوائده .

    ومن حديثه أيضاً ما رواه الإمام أحمد ، و أبو داود ، قال احمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا: حيوة ،حدثنا أبو صخر ، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ قال : ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد إليه السلام .

    أبو صخر : اسمه حميد بن زياد ، ورواه أبو داود عن محمد بن عوف ، عن عبد الله بن يزيد المقرئ وقد صح إسناد هذا الحديث . وسألت شيخنا عن سماع يزيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال : ما كان أدركه وهو ضعيف ، ففي سماعه منه نظر .

    وقال أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ : حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج ، حدثنا الحسين بن الصباح ، حدثنا أبو معاوية ،حدثنا الأعمش ،عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي من بعيد أعلمته .

    ومن حديثه أيضاً ما رواه أبو نعيم ، عن الطبراني : حثنا عبيد الله بن محمد العمري ، حدثنا أبو مصعب ، حدثنا مالك ، عن أبي الزناد ،عن الأعرج ،عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏‎‎‎‎ : ما من مسلم يسلم علي في شرق لا في غرب إلا وأنا وملائكة ربي نرد عليه السلام ، فقال له قائل : يا رسول الله! ما بال أهل المدينة ؟ قال : وما يقال لكريم في جبرته وجيرانه ، إنه مما أمر به من حفظ الجوار وحفظ الجيران .
    قال محمد بن عثمان الحافظ : هذا وضعه العمري . وهو كما قال ، فإن هذا الإسناد لا يحتمل هذا الحديث .

    فرواه الحسن بن شاذان ، عن عبد الله بن إسحاق الخراساني : حدثنا الحسن بن مكرم ، حدثنا يزيد ابن هارون ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود ، عن بريدة قال : قلنا : يا رسول الله قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم أجعل صلواتك ، ورحمتك على محمد ، وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد .
    و أبو داود : هو نفيع بن الحارث الأعمى ، وإن كان متروكاً مطرح الحديث ، فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول .

    وأما حديث: سهل بن سعد الساعدي
    فرواه الطبراني في المعجم : عن عبد الرحمن بن معاوية العتبي ، حدثنا عبيد الله بن محمد ابن المنكدر ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن أبي بن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده سهل بن سعد ، أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : لا صلاة لمن لم يصل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار
    رواه ابن ماجة : من حديث عبد المهيمن بن عباس أخي أبي بن عباس
    فأما أبي بن عباس فقد احتج به البخاري في صحيحه ، وضعفه أحمد و يحيى بن معين وغيرهما .
    وأما أخوه عبد المهيمن : فمتفق على تركه و اطراح حديثه ، فإن كان عبد المهيمن قد سرقه من أخيه فلا يضر الحديث شيء ولا ينزل عن درجة الحديث الحسن ، وإن كان ابن أبى فديك أو من دونه غلط من عبد المهيمن إلى أخيه أبي - وهو الأشبه - والله أعلم ، لأن الحديث معروف بعبد المهيمن ، فتلك علة قوية فيه .
    28- وله حديث آخر رواه عبد الله بن محمد البغوي : حدثنا محمد ابن حبيب ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال : خرج رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فإذا أنا بأبي طلحة ، فقام إليه فتلقاه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! إني لأرى السرور في وجهك ، قال : أجل ، إنه أتاني جبريل آنفاً فقال : يا محمد من صلى عليك مرة - أو قال واحدة - كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات . قال ابن حبيب : ولا أعلمه إلا قال : وصلت عليه الملائكة عشر مرات .
    وهذا الحديث بمسند سهل أولى منه بمسند أبي طلحة .

    حديث ابن مسعود
    فرواه الحاكم في المستدرك :من حديث الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال عن يحيى بن السياق ، عن رجل من آل الحارث ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه البيهقي في السنن هكذا .
    وفي تصحيح الحاكم لهذا نظر ظاهر ، فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ، ولا جرح ، وقد ذكر أبو حاتم بن حبان يحيى بن السباق في كتاب الثقات .
    وقد رواه الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهد : حدثني مجاهد ، حدثني ابن أبي ليلى أو أبو معمر ، قال : علمني أبو مسعود التشهد ، وقال : علمنيه رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ كما يعلمنا السورة من القرآن : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وعلى أهل بيت محمد ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل علينا معهم ، اللهم بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك علينا معهم ، صلوات الله وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    قال : وكان مجاهد يقول : إذا سلم فبلغ وعلى عباد الله الصالحين فقد سلم على أهل السماء والأرض .
    وعلة هذا الحديث : أنه رواية عبد الوهاب بن مجاهد ، وقد ضعفه يحيى بن معين ، و الدارقطني ، وغيرهما ، وقال في الحاكم : يروي عن أبيه أحاديث موضوعه .
    وله علة أخرى : وهي أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    ثم روي عنه موقوفاً ومرفوعاً ، فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد ، والموقوف أشبه وأصح .
    30- ومن حديث ابن مسعود أيضاً ، ما رواه محمد بن حمدان المروزي : حدثنا عبد الله بن خبيق ، حدثنا يوسف بن أسباط ، عن سفيان الثوري ، عن رجل ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ من لم يصل علي فلا دين له .
    31- وروي الترمذي في جامعه : من حديث موسى بن يعقوب الزمعي ، عن عبدالله بن كيسان ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة . قال الترمذي ، حديث حسن غريب .
    ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه : من حديث خالد بن مخلد ، عن موسى بن يعقوب ، وقال فيه : عن عبد الله بن شداد ، عن أبيه عن ابن مسعود .
    وهو في مسند البزار : و الترمذي عنده عن ابن شداد ، عن ابن مسعود .
    وعند أبي حاتم : عن ابن شداد ، أو عن أبيه ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
    وكذلك رواه البغوي : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا موسى ..فذكره. وقال : عن ابن شداد ، عن أبيه، عن ابن مسعود .
    32- وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاختة ، عن الأسود بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : إذا صليتم على رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فأحسنوا الصلاة علية ، فإنكم لا ترون لعل ذلك يعرض عليه . قال : فقالوا له : فعلمنا ، قال : قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد .
    33- ومن حديثه أيضاً ما رواه النسائي : من حديث سفيان عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : إن الله ملائكة سياحين يبلغون عن أمتي السلام . وهذا إسناد صحيح .
    ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أبي يعلي ، عن أبى خيثمة ،عن وكيع ،عن سفيان ، به .

    وأما حديث: فضالة بن عبيد
    فقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرني حميد بن هانئ ، أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه ، أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : سمع رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ رجلاً يدعو في صلاة لم يحمد الله ولم يصل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فقال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : عجل هذا ثم دعاه ، فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فيبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ثم يدعو بعد بما شاء .
    رواه الإمام أحمد ، و أبو داود - وهذا لفظه - و الترمذي و النسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
    فرواه الترمذي : عن محمد بن غيلان عن المقرئ . و النسائي : عن محمد بن سلمة ، عن ابن وهب ، عن حيوة . و ابن خزيمة في صحيحه : عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، عن عمه ، عن أبي هانىء . قال أبو عبد الله المقدسي : وأظن سقط من روايته حيوة . وعن بكر بن إدريس ابن الحجاج بن هارون المصري ، عن أبى عبد الرحمن . ورواه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن إسحاق السراج .

    حديث: أبي طلحة الأنصاري
    فقال الإمام أحمد في المسند : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبي طلحة الأنصاري ، قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً طيب النفس ، يرى في وجهه البشر . قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبحت اليوم طيب النفس ، يرى في وجهك البشر ، قال : أجل أتاني آت من ربي عز وجل وجل فقال : من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها .
    حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن سلمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبى طلحة ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله ! إنا لنرى السرور في وجهك ؟ فقال : إنه أتاني الملك فقال : يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل وجل يقول : إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً ، قال : بلى .
    ورواه النسائي : من حديث ابن المبارك وعفان ، عن حماد . رواه ابن حبان في صحيحه أيضاً : من حديث حماد .
    وأما حديث : أنس بن مالك
    فقال النسائي : أخبرنا محمد ابن المثنى ، عن أبي داود ، حدثنا أبو سلمة _ وهو المغيرة بن مسلم الخراساني _ عن أبي إسحاق ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : من ذكرت عنده فليصل علي ، ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً .
    حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، حدثني يزيد بن أبي مريم ، عن أنس ، أنه سمعه يقول : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات ، ورفعه بها عشر درجات .
    ورواه الإمام أحمد في المسند عن أبي نعيم ، عن يونس ، رواه ابن حبان في صحيحه : عن الحسن بن الخليل ، عن أبي كريب ، عن محمد بن بشر العبدي ، عن يونس . وعلته ما أشار إليه النسائي في كتابه الكبير ، أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، عن الحسن ، عن أنس ، وهذه العلة لا تقدح فيه شيئاً ، لأن الحسن لا شك في سماعه من أنس ، وقد صح سماع بريد بن أبى مريم من أنس أيضاً هذا الحديث ، فرواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من حديث يونس بن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، قال : سمعت أنس بن مالك .. فذكره . ولعل بريد سمعه من الحسن ، ثم سمعه من أنس فحدث به على الوجهين ، فإنه قال : كنت أزامل الحسن في محمد ، فقال : حدثنا أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، فذكره ، ثم إنه حدثه بن أنس ، فرواه عنه كما تقدم .
    لكن يبقى أن يقال : يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبى طلحة بعينه أرسله أنس عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ويدل عليه :
    37 - ما رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن عبد الله بن عمر عن ثابت البناني ، قال : قال أنس بن مالك : قال أبو طلحة رضي عنه : إن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ خرج عليهم يوماً يعرفون البشر في وجهه ، فقالوا : إنا نعرف الآن البشر في وجهك .. فذكر حديث أبي طلحة المتقدم ، والله أعلم .
    38- وروي العشاري : من حديث الحكم بن عطية ، عن ثابت عن أنس ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة .
    قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتاب الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية . قال الدارقطني حدث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها . وقال الإمام أحمد : لا بأس به إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة وقال : وروي عن يحيى بن معين أنه قال : هو ثقة .
    39 - وقال جعفر الفريابي : حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ، حدثنا الفضل بن دكين حدثنا سلمة بن وردان ، قال : سمعت أنساً يقول : ارتقى رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ المنبر فرقى درجة فقال : آمين ، ثم ارتقى درجة فقال : آمين ، ثم ارتقى الثالثة فقال : آمين ، ثم استوى فجلس ، فقال أصحابه : أي نبي الله علام آمنت ؟ فقال : أتاني جبريل فقال : رغم أنف امرئ أدرك أبويه الكبر أو أحدهما لم يدخل الجنة ، فقلت : آمين ، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له قلت : آمين ، قال : ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت : آمين .
    ورواه أبو بكر الشافعي عن معاذ بن معاذ ، حدثنا القعنبي ، حدثنا سلمة بن وردان .. فذكره . وسلمة هذا لين الحديث ، قد تكلم فيه ، وليس ممن يطرح حديثه ، ولا سيما حديث له شواهد ، وهو معروف من حديث غيره .
    40 - ومن حديث أنس أيضا ، ما رواه أبو يعلى الموصلي : حدثنا شباب خليفة بن خياط ، حدثنا درست بن حمزة ، عن مطر الوراق ، عن قتادة ، عن أنس ، عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، قال : ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما الآخر ، ويصليان على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ إلا لم يتفرقا حتى تغفر لهما ذنوبهما ، ما تقدم منها وما تأخر .
    41- ومن حديث أنس أيضاً ، ما رواه ابن أبي عاصم : حدثنا الحسن بن البزار ، حدثنا شباب ، حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي إسحاق ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ صلوا علي ، فإن الصلاة علي كفارة لكم ، فمن صلى علي صلى الله عليه .
    42- ومن حديثه أيضاً ما رواه ابن شاهين : حدثنا محمد بن أحمد ابن البراء ، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري ، حدثنا قرة بن حبيب القشيري ، حدثنا الحكم بن عطية عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة وتقدم هذا الحديث من طريق آخر .

    وأما حديث : عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    فقال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سلمة بن وردان قال : سمعت أنس بن مالك قال : خرج النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎ يتبرز فلم يجد أحداً يتبعه ، ففزع عمر فاتبعه بمطهرة - يعني إداوة -‎ فوجده ساجداً في شربة ، فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه ، قال : فقال : أحسنت يا عمر ، حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشراً ورفعه عشر درجات .
    وهذا الحديث يحتمل أن يكون في مسند أنس وأن يكون في مسند عمر وجعله في مسند عمر أظهر لوجهين : أحدهما أن سياقه يدل على أن أنساً لم يحضر القصة وأن الذي حضرها عمر ، والثاني أن القاضي إسماعيل قال :
    44- حدثنا يعقوب بن حميد ، حدثني أنس بن عياض ، عن سلمة ابن وردان ، حدثني مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : خرج النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء ، فوجدته ساجداً في شربة ، فتنحيت عنه ، فلما فرغ رفع رأسه فقال : أحسنت يا عمر حين تنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشراً ورفعه عشر درجات .
    فإن قيل : فهذا الحديث الثاني علة الحديث الأول ، لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان
    قيل : ليس بعلة له ، فقد سمعه سلمة بن وردان منهما .
    45- قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب مسند عمر حدثني عبد الرحمن بن عبد المؤمن ، أنبأنا أبو موسى الفروي ، حدثني أبو ضمرة عن سلمة بن وردان ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : خرج رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ومعه عمر بن الخطاب بإداوة وحجارة ، فوجده قد فرغ ووجده ساجداً في شربة ، فتنحى عمر .. وذكر الحديث .
    حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا ابن كاسب ، حدثنا أنس بن عياض ، عن سلمة بن وردان ، حدثني مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر - وحدثني أنس بن مالك - ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين ، حدثنا سلمة بن وردان ، سمعت أنس بن مالك ، ومالك بن أوس بن الحدثان .. فذكره .
    46- وقال ابن شاهين : حدثني العباس بن العباس بن المغيرة ، حدثنا عبيد الله بن ربيعة ، قال : سمعت عبد الله بن شريك ، عن عاصم ابن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن عمر بن الخطاب ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ أنه قال : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ، فليقل عبد بعد علي من الصلاة أو ليكثر .
    47- ومن حديث عمر رضي الله عنه في الباب ، ما رواه الترمذي في جامعة : من حديث النضر بن شميل ، عن أبي قرة الأسدي ، عن سعيد ابن المسيب ، عن عمر رضي الله تعالى عنه ، قال : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ . هكذا رواه موقوفاً .
    وكذلك رواه الإسماعيلي في مسند عمر : من حديث النضر أتم من هذا ، قال :
    48- أخبرني الحسن ، حدثنا محمد بن قدامة , إسحاق بن إبراهيم ، قالا : أخبرنا النضر ، عن أبي قرة ، سمعت سعيد بن المسيب ، يقول : قال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما من امرئ مسلم يأتي فضاء من الأرض فيصلي به الضحى ركعتين ، ثم يقول : اللهم أصبحت عبدك على عهدك ووعدك ، خلقتني ولم أك شيئاً ، أستغفرك لذنبي ، فإني قد أرهقتني ذنوبي وأحاطت بي إلا أن تغفرها ، فأغفر لي يا رحمن ، إلا غفر الله له في ذلك المقعد ذنبه ، وإن كان مثل زبد البحر .
    49- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ذكر لي أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    50- قال : وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ذكر لي أن الأعمال تتباهى ، فتقول الصدقة : أنا أفضلكن . وقال : ما من امرئ مسلم يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجبة الجنة .
    قال الإسماعيلي : الحديث الأول في صلاة الضحى موقوف ، وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف ، والباقي سواء .
    قلت : يريد به أن حديث الصلاة وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع ويحتمل الوقف على السواء .
    وقد روي حديث الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ من حديث معاذ بن الحارث ، عن أبي قرة مرفوعاً ، لكنه لا يثبت . والموقوف أشبه ، والله أعلم .
    وحديث أنس بن مالك عنه المتقدم قد روي من طريق آخر . قال الطبراني :
    51- حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن يحيى بمصر ، حدثنا عمرة ابن الربيع بن طارق ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثني عبيد الله بن عمر ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال : خرج رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ لحاجته ، فلم يجد أحداً يتبعه ، ففزع عمر ، فأتاه بمظهرة من خلفه فوجد النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ساجداً في شربة ، فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ رأسه ، وقال : أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشراً ورفعه بها عشر درجات . قال الطبراني : لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا يحيى بن أيوب ، تفرد به عمرو بن طارق .


    فقال أحمد في مسنده .
    52- حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله ، قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال : سمعت رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يخطب على المنبر ويقول من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر .
    ورواه ابن ماجة عن بكر بن خلف ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة .
    53- ورواه عبد الرزاق : عن عبد الله بن عمر العمري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عارم ، عن أبيه ، ولفظه : من صلى علي صلاة صلى الله عليه ، فأكثروا أو أقلوا .
    و عاصم بن عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و عبد الله بن عمر العمري ، وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف ، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أن له أصلاً . وهذا لا ينزل عن أوسط درجات الحسن ، والله أعلم .

    حديث :عبد الرحمن بن عوف
    فقال: الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، ويونس قالا : حدثنا ليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلاً ، فسجد فأطال السجود ، حتى خفت ، أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه . قال : فجئت أنظر ، فرفع رأسه ، فقال : ما لك يا عبد الرحمن ؟ قال : فذكرت ذلك له . قال : فقال : إن جبريل قال لي ألا أبشرك ؟ إن الله عز وجل وجل يقول : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه .
    55- حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده .. فذكره ، وقال فيه : فسجدت لله شكراً
    ورواه الحاكم في المستدرك : من رواية سليمان بن بلال ، عن عمرو ، وقال : صحيح الإسناد .
    56- حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرني موسى بن عبيدة ، أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده عبد الرحمن بن عوف ، قال : سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة فأطالها ، فقلت له في ذلك . فقال : إني سجدت هذه السجدة شكراً لله عز وجل فيما أبلاني في أمتي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً .
    وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف ، فهو شاهد لما تقدم .
    57- وقال المخلص : حدثنا البغوي ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن ابن عوف ، عن عبد الرحمن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقيني جبريل فبشرني أن الله عز وجل وجل يقول لك : من صلى عليك صلاة صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت لذلك .
    وأما حديث : أبي بن كعب رضي اللّه عنه
    فقال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا قبيصة بن عقبة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي ، عن أبي بن كعب ، قال : كان رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ إذا ذهب ربع الليل قام ، فقال : يا أيها الناس ، اذكروا الله اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه - قال أبي بن كعب - ، قلت : يا رسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ما شئت . قلت : الربع ؟ قال : ما شئت ، وإن زدت فهو خير ، قلت : النصف ؟ قال : ما شئت ، وإن زدت فهو خير ، قلت : الثلثين ؟ قال : ما شئت ، وإن زدت فهو خير ، قال : أجعل لك صلاتي كلها ، قال : إذن تكفي همك ، ويغفر لك ذنبك .
    وأخرجه الترمذي : عن هناد ، عن قبيصة ،به
    وأخرجه الإمام أحمد في المسند : عن وكيع ، عن سفيان ، به وأخرجه الحاكم في في المستدرك .
    وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
    وعبد الله بن محمد بن عقيل احتج به الأئمة الكبار ، كالمحيدي ، وأحمد ، و وإسحاق ، و علي بن المديني ، والترمذي ، وغيرهم ، و الترمذي يصحح هذه الترجمة تارة ويحسنها تارة .
    وسئل شيخنا أبو العباس ( ابن تيمية ) ، عن تفسير هذا الحديث فقال : كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه ، فسأل النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ؟ فقال : إن زدت فهو خير لك . فقال له : النصف ؟ فقال : إن زدت فهو خير ، إلى أن قال : إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك لأن من صلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ صلاة الله عليه بها عشراً ، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه ، هذا معنى كلامه رضي الله عنه .

    وأما حديث : أوس بن أوس
    قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎ : من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي قالوا : يا رسول الله ‍ كيف تعر عليك صلاتنا وقد أرمت ؟

    قال الإمام أحمد في المسند : حدثنا حسين بن علي الجعفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس ، فذكره . ورواه أبو داود : عن هارون بن عبد الله ، والنسائي : عن إسحاق بن منصور ، وابن ماجة : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ثلاثتهم عن حسين الجعفي .
    ورواه ابن حبان في صحيحه ، و الحاكم في المستدرك أيضا ، من حديث حسين الجعفي .
    وقد أعله بعض الحفاظ بأن حسيناً الجعفي حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس ، قال : ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته ، لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم ، وعلته : أن حسيناً الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، و عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا يحتج به ، فلما حدث به حسين الجعفي غلط في اسم الجد ، فقال : ابن جابر ، وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه .
    فقال : البخاري في التاريخ الكبير : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي عن مكحول ، سمع منه الوليد بن مسلم ، عنده مناكير ويقال : هو الذي روى عنه أبو أسامة ، وحسين الجعفي ، وقالا : هو يزيد بن جابر وغلطا في نسبه ، و يزيد بن تميم أصح ، وهو ضعيف الحديث .
    وقال الخطيب : روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ووهموا في ذلك ، والحمل عليهم في تلك الأحاديث .
    وقال : موسى بن هارون الحافظ روى أبو أسامة ، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر ، وكان ذلك وهماً منه ، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فظن أنه ابن جابر نفسه ، و ابن تميم ضعيف .
    وقد أشار غير واحد من الحفاظ إلى ذكروه هؤلاء الأئمة .
    وجواب هذا التعليل من وجوه :
    أحدها : أن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر . قال : ابن حبان في صحيحه : حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا حسين بن علي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، فصرح بالسماع منه .
    وقولهم : إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم ، فغلط في اسم جده بعيد ، فإنه لم يكن يشتبه على حسين هذا بهذا ، مع نقده وعلمه بهما وسماعه منهما .
    فإن قيل : فقد قال : عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل سمعت أبي يقول : عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، لا أعلم أحداً من أهل العراق يحدث عنه ، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد ، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي إمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة ، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثله ولا أعلم أحداً من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئاً .
    وأما حسين الجعفي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث ، عن أوس بن أوس ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ في يوم الجمعة أنه قال : أفضل الأيام يوم الجمعة ، فيه الصعقة ، وفيه النفخة ، وفيه كذا ، وهو حديث منكر ، لا أعلم أحداً رواه غير حسين الجعفي ، وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث ، و عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة . تم كلامه .
    قيل : قد تكلم في سماع حسين الجعفي ، و أبي أسامة من ابن جابر ، فأكثر أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه . قال : شيخنا في التهذيب : قال ابن نمير - وذكر أبا أسامة - فقال : الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف ، ذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر . قال يعقوب : صدق ، هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث فروى عنه ، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر . قال يعقوب : وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك . قال لي ابن نمير : أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه ؟ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، فقال : قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، و عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر ، بل هو ابن تميم ، وقال ابن أبي داود : سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر ، وجميعاً يحدثان عن مكحول ، و ابن جابر أيضاً دمشقي ، فلما قدم هذا قال : أخبرنا عبد الرحمن الذي روى عنه ابن المبارك ، و ابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه ، و ابن تميم ضعيف . وقال أبو داود : متروك الحديث ، حدث عنه أبو أسامة وغلط في أسمه ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي ، وكل ما جاء عن أبي أسامة وعبد الرحمن بن يزيد ، فإنما هو ابن تميم .
    وأما رواية حسين الجعفي ، عن ابن جابر ، فقد ذكره شيخنا في التهذيب ، وقال : روى عنه حسين بن علي الجعفي ، و أبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظاً . فجزم برواية حسين عن ابن جابر وشك في رواية حماد .
    فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل :
    ثم بعد أن كتبت ذلك رأيت الدارقطني قد ذكر ذلك نصاً ، فقال في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء قوله : حسين الجعفي ، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، و أبو أسامة يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، فغلط في اسم جده . تم كلامه .
    وللحديث علة أخرى : وهي ، عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث . قال علي بن المديني : حدثنا الحسين بن علي بن الجعفي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس ... فذكره .
    وقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه : حدثنا علي بن عبد الله ... فذكره .
    وليست هذه بعلة قادحة فإن للحديث شواهد من حديث أبى هريرة ، أبى الدرداء ، وأبي أمامة ، وأبي مسعود الأنصاري ، و أنس بن مالك و الحسن ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    فأما حديث أبي هريرة : فرواه مالك ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، فيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة ، من حين ( تصبح حتى ) تطلع الشمس ، شفقاً من الساعة ، إلا الجن والإنس ، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي ، يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه .
    فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس ، دال عل مثل معناه .
    وأما حديث أبي الدرداء ففي الثقفيات : أخبرنا أبو بكر بن محمد ابن إبراهيم بن علي بن المقرئ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن ابي هلال ، عن زيد بن ايمن عن عبادة بن نسي ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحداً لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها . قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق .
    وسيأتي في حديث أبي الدرداء بإسناد آخر من الطبراني ، ورواه ابن ماجة أيضاً .
    وأما حديث أبي أمامة : فقال البيهقي : حدثنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنبأنا أحمد بن عبيد ، حدثنا الحسن بن سعيد ، حدثنا إبراهيم بن الحجاج ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن برد بن سنان ، مكحول الشامي ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة ، فإن صلاة أمتي تعرض علي كل يوم جمعة ، فمن كان أكثرهم صلاة كان أقربهم مني منزلة .
    لكن لهذا الحديث علتان :
    أحدهما : أن برد بن سنان قد تكلم فيه ، وقد وثقه يحيى بن معين .
    العلة الثانية : أن مكحولا قد قيل : إنه لم يسمع من أبي أمامة ، والله أعلم .
    وأما حديث أنس، فقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي الأحمر ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا النعمان بن عبد السلام ، حدثنا أبو ظلال ، عن أنس ،قال: قال رسول الله: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه أتاني جبرائيل آنفاً من ربه عز وجل ، فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صلي أنا وملائكتي عليه عشراً.
    وقال محمد بن إسماعيل الوراق : حدثنا جبارة بن مغلس : حدثنا أبو إسحاق خازم ،عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، قال: قال رسول الله: أكثروا الصلاة عليً يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي .
    وهذان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد.
    ورواه ابن أبس السري : حدثنا رواد بن الجراح ، حدثنا سعيد بن بشر رضي الله عنه، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي: أكثروا الصلاة على يوم الجمعة . وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة.
    قال محمد بن يوسف العابد : عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ،قال : قال لي ابن مسعود رضي الله عنه: يا زيد بن وهب ، لا تدع_ إذا كان يوم الجمعة - أن تصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ألف مرة ، تقول : اللهم صلي على محمد النبي الأمي .


    فقال أبو يعلى في مسند : حدثنا موسى بن محمد بن حبان ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الله بن نافع ، أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن ، قال : سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال : رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : صلوا في بيوتكم ولا تتخذوا قبوراً ، ولا تتخذوا بيتي عيداً ، صلوا علي وسلموا ، فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم .
    وعلة هذا الحديث أن مسلم بن عمرو ، رواه عن عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم وهذا أشبه .
    61- وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا أحمد بن رشدين المصري ، حدثنا سعيد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا حميد ابن أبي زينب ، عن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه : أن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : حيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني .


    ، فقال الطبراني في المعجم : حدثنا يوسف بن الحكم الضبي ، حدثنا محمد بن بشير الكندي ، حدثنا عبيد بن حميد ، حدثني فطر بن خليفة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده حسين بن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من ذكرت عنده فخطئ الصلاة علي خطئ طريق الجنة .
    وعلته أن أبي عاصم رواه عن أبي بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ مرسلاً
    ورواه عمر بن حفص بن غياث ، عن أبيه ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    ورواه إسماعيل بن إسحاق ، عن إبراهيم بن الحجاج ، حدثنا وهيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .. مرسلاً .
    ورواه علي بن المديني حدثنا سفيان ، قال : قال عمرو ، عن محمد ابن علي بن حسين ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ مرسلاً ، ثم قال سفيان : قال رجل بعد عمرو : سمعت محمد بن علي يقول : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ثم سمى سفيان الرجل ، فقال : هو بسام ، وهو الصيرفي .
    ذكره إسماعيل ، عن علي ، وقال : حدثنا سليمان بن حرب وعارم ، قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو ، عن محمد بن علي ، قال : رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎ ...‎مرسل.
    وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس ، سيأتي إن شاء الله تعالى .
    63- وقال النسائي : أخبرنا سليمان بن عبيد الله ، حدثنا أبو عامر حدثنا سليمان ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن علي بن حسين ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي .
    أخبرنا أحمد بن الخليل ، حدثنا خالد - وهو ابن مخلد القطواني - حدثنا سليمان بن بلال ، حدثني عمارة بن غزية ، به .
    ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما : من حديث خالد بن مخلد ، والترمذي في جامعه ، وقال : حديث حسن صحيح غريب ، وزاد في مسنده : عن علي بن أبي طالب .
    قلت : وله علة ذكرها النسائي في سننه الكبير فقال : رواه عبد العزيز بن محمد ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن علي بن الحسين ، عن علي بن أبي طالب ... مرسلاً .
    64- أخبرنا ذكريا بن يحيى ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن علي بن الحسين ، قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : إن البخيل الذي إن ذكرت عنده لم يصل علي .
    قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه : اختلف يحيى وأبو بكر بن أبي أويس في إسناد هذا الحديث ، فرواه أبو بكر ، عن سليمان ، عن عمرو ابن أبي عمرو ، ورواه الحماني عن سليمان بن بلال ، عن عمارة بن غزية ، وهذا حديث مشهور عن عمارة بن غزية ، وقد رواه عنه خمسة : سليمان بن بلال ، عمرو بن الحارث ، عبد العزيز الدراوردي ، وإسماعيل بن جعفر ، عبد الله بن جعفر والد علي . ثم ساقها كلها .
    ورواه عن إسماعيل بن أبى أويس حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، فذكره .


    فقال أبو العباس الثقفي : حدثنا أبو رجاء ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز - هو ابن محمد - عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه ،أن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال لفاطمة ابنته رضي الله عنها : إذا دخلت المسجد فقولي : بسم الله والحمد لله ، اللهم صل على محمد وسلم ، اللهم أغفر لي وسهل لي أبواب رحمتك ، فإذا خرجت من المسجد فقولي كذلك إلا أنه قال : وسهل لي أبواب رزقك .
    ورواه الترمذي : عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن ليث ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه ، عن جدتها فاطمة الكبرى .
    قال إسماعيل : فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة ، فسألته عن هذا الحديث ، فحدثني به ، وليس إسناده بمتصل ، فاطمة بنت الحسين رضي الله عنها لم تدرك فاطمة الكبرى .
    ورواه ابن ماجة عن أبي بكر ، عن ابن علية و أبي معاوية ، عن ليث نحوه .


    فقال : أحمد بن عمرو بن أبي عاصم : حدثنا يعقوب بن حميد حاتم بن إسماعيل ، عن محمد بن عبيد الله ، عن مولى البراء بن عازب ، عن البراء ، أن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال : من صلى علي كتبت له عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات ، وكن له عدل عشر رقاب .

    حديث: جابر بن عبد اللّه
    فقال النسائي في سننه الكبير : حدثنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله عز وجل وجل وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا عن أنتن من جيفة .
    قال أبو عبد الله المقدسي : هذا عندي على شرط مسلم .
    68- وقال أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عاصم ، عن موسى بن عبيدة ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجعلوني كقدح الراكب ، إن الراكب يملأ قدحه فإذا فرغ وعلق معاليقه فإن كان فيه ماء شرب حاجته ، أو الوضوء توضأ ، وإلا أهراق القدح ، فاجعلوني في أول الدعاء ، وفي أوسطه ، ولا تجعلوني في آخره لفظ ابن أبي عاصم .
    69 - وقال الطبراني : حدثنا إسحاق الدبري ، أنبأنا عبد الرزاق عن الثوري ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جابر ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فاجعلوني في أول الدعاء ، وفي أوسطه ، وفي آخره .
    حديث :أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم
    فقال الطبراني حدثنا نصر بن عبد الملك السنجاري - بمدينة سنجار سنة ثمان وسبعين ومائتين - حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : حدثني أبي محمد ، عن أبيه عبيد الله بن أبى رافع ، عن أبي رافع ن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي .
    قال الطبراني : لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد ، تفرد به معمر ابن محمد .
    71- وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة : حدثنا أبو الخطاب زياد ابن يحيى الحساني ، حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أخبرني أبي محمد ، عن أبيه عبيد الله ، عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ، وليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير .

    فقال الترمذي في جامعه : حدثنا علي بن عيسى بن يزيد البغدادي ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، وحدثنا عبد الله بن منير ، عن عبد الله بن بكر ، عن فائد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ ، فليحسن الوضوء ، ثم ليصل ركعتين ، ثم ليثن على الله ، وليصل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته ، ولا عهماً إلا فرجته ، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين .
    قال الترمذي : هذا حديث غريب ، وفي إسناده ، وفائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث ، وفائد هو أبو الورقاء .
    وقال الإمام أحمد بن حنبل ، فائد متروك الحديث ، وقال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال أبو حاتم بن حبان : كان ممن يروي المناكير عن المشاهير ، ويأتي عن بن أبي أوفى بالمعضلات ، لا يجوز الاحتجاج به .
    ورواه الحاكم في المستدرك وقال كتابه العزيز إنما أخرجته شاهداً ، وفائد مستقيم الحديث ، كذا قال .


    فقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم / عن وفاء بن شريح الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من قال : اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي .
    74- ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه : عن يحيى ، حدثنا زيد ابن الحباب ، أخبرني ابن لهيعة ، حدثني بكر بن سوادة المعافري ، عن زياد ابن نعيم الحضرمي ، عن ابن شريح ، حدثني رويفع الأصناري ، فذكره .
    73- ( و أما حديث رويفع بن ثابت ) ، فقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير المصري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم / عن وفاء بن شريح الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من قال : اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي .
    74- ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه : عن يحيى ، حدثنا زيد ابن الحباب ، أخبرني ابن لهيعة ، حدثني بكر بن سوادة المعافري ، عن زياد ابن نعيم الحضرمي ، عن ابن شريح ، حدثني رويفع الأنصاري ، فذكره .


    فقال الطبراني : حدثنا محمد بن إبراهيم بن عوف ، حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن الحراث ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : ما من قوم جلسوا مجلساً ثم قاموا منه لم يذكروا الله لم يصلوا على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة .
    76 - وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب الأشناني ، حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا موسى بن عمير ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي ، صلى الله عليه عشراً ، بها ملك موكل بها حتى يبلغنيها .
    75- ( وأما حديث أبي أمامة ) ، فقال الطبراني : حدثنا محمد بن إبراهيم بن عوف ، حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن الحراث ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : ما من قوم جلسوا مجلساً ثم قاموا منه لم يذكروا الله لم يصلوا على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة .
    76 - وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب الأشناني ، حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا موسى بن عمير ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي ، صلى الله عليه عشراً ، بها ملك موكل بها حتى يبلغنيها .


    فقال : إسماعيل بن إسحاق في كتابه : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود ، قال : قيل : يا رسول الله ! أمرتنا أن نسلم عليك ، وأن نصلي عليك ، فقد علمنا كيف نسلم عليك ، فيكف نصلي عليك ؟ قال : تقولون : اللهم صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، اللهم بارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم .
    حدثنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود ، فذكره .
    78 - حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا هشام ، عن محمد بن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قلنا - أو قيل - للنبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : أمرنا أنم نصلي عليك ونسلم عليك ، فأما السلام فقد عرفناه ، ولكن كيف نصلي عليك ؟ قال : ستقولون : اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم ... فذكره بمثله سواء .
    وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة ، ذكره ابن منده وقال : ابن بشير ، وقال ابن عبد البر : ابن بشير ، ويقال : ابن بشر رضي الله عنه ، روى عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ في فضل علي ، روى عنه الشعبي ، وروى عنه محمد بن سيرين ، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قالوا : يا رسول الله ! قد عرفنا السلام عليك ... الحديث .


    فقال النسائي : أخبرنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو أسامة ، عن سعيد بن سعيد ابن عمير بن عقبة بن نيار ، عن عمه أبي بردة بن نيار ، قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ، ورفعه بها عشر درجات ، وكتب له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات .
    لكن علة هذا الحديث أن وكيعاً رواه عن سعيد بن سعيد ، عن سعيد ابن عمير الأنصاري ، عن أبيه - وكان بدرياً - قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎ : من صلى علي ...‎. فذكره .
    قال النسائي : أخبرنا الحسين بنم حريث ، حدثنا وكيع ، فذكره .
    فقد أختلف فيه أبو أسامة و وكيع .
    قال الحافظ أبو قريش محمد بن جمعة : سألت أبا زرعة - يعني الرازي - عن اختلاف هذين الحديثين ؟ فقال : حديث أبي أسامة أشبه .
    80 - وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبيد بن غنام ، حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن سعيد بن سعيد أبى الصباح ، حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاري ، عن عمه أبي بردة بن نيار ...فذكره .
    ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن سعيد بن سعيد ، به .


    فقال أبو الشيخ الأصبهاني : أخبرنا إسحاق بن أحمد الفارسي ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا قبيصة ، عن نعيم بن ضمضم ، قال : قال : لي عمران بن حميري : ألا أحدثك عن خليلي عمار بن ياسر رضي الله عنه ؟ قلت : بلى . قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : إن الله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماع الخلائق ، فهو قائم على قبري إذا مت ، فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال : يا محمد صلى عليك فلان ابن فلان . قال : فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً .
    82 - وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا قبيصة بن عقبة ، عن نعيم بن ضمضم ، عن ابن الحميري ، قال لي عمار : با ابن الحميري ! ألا أحدثك عن حبيبي نبي الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ؟ قلت : بلى . قال : قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : يا عمار إن الله ملكاً أعطاه أسماع الخلائق كلها ، وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة ، فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه ، قال : يا محمد ، صلى عليك فلان كذا وكذا ، فيصلي الرب عز وجل وجل على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً .
    83 - حدثنا أحمد بن داود المكي ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح الكوفي ، حدثنا نعيم بن ضمضم ، عن خال له يقال له عمران الحميري ، قال : سمعت عمار بن ياسر يقول : سمعت رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يقول : إن لله ملكاً أعطاه سمع العباد . فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها ، وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إللا صلى الله عليه عشر أمثالها رواه الروياني في مسنده : عن أبى كريب ، عن قبيصة ، عن نعيم بن ضمضم .


    فقال الشافعي في مسنده : اخبرني مطرف بن مازن ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ أن السنة في صلاة في الجنازة : أن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ، ثم يصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ، ولا يقرأ في شيء منهن ، ثم يسلم سراً في نفسه .
    85 - وقال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، قال : سمعت أبا أمامة بن سهل ابن حنيف يحدث سعيد بن المسيب ، قال : إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ فاتحة الكتاب ويصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ . ولا يقرأ إلا مرة واحدة ، ثم يسلم في نفسه . ورواه النسائي في سننه .
    وهذا إسناد صحيح .
    وأبو أمامة بن سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري ، من بني عمرو ابن عوف بن مالك ، اسمه أسعد سماه رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ باسم جده أبي أمامة أسعد بن زرارة ، وكناه بكنيته ، ودعا له وبرك عليه .
    وعده أبو عمر وغيره في الصحابة . قال ابن عبد البر : توفي سنة مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة .
    قال : وروى الليث بن سعد : عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وكان ممن أدرك النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    لكن قد اختلف في هذا الحديث ، فقال : مطرف بن مازن ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة ، عن رجل من أصحاب النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : من السنة . . .
    وقال عبد الأعلى : عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة : من السنة . . . ورواه الشافعي بالوجهين .
    وليس هذا بعلة قادحة فيه . فإن جهالة الصحابي لا تضر .
    وقول الصحابي : من السنة اختلف فيه ، فقيل : هو في حكم المرفوع ، وقيل : لا يقضي له بالرفع ، والصواب التفصيل كما هو مذكور في غير هذا الموضع .


    فقال الدقيقي حدثنا إسماعيل بن ابان الوراق الكوفي ، حدثني قيس بن الربيع ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة ، قال : صعد النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ المنبر فقال : آمين ، آمين فقيل : يا رسول الله ، ما كنت تصنع هذا ؟ فقال : قال لي جبريل . . . فذكر الحديث . وقال فيه : يا محمد ! من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل : آمين . قلت : آمين .
    وقيس بن الربيع : صدوق سيء الحفظ ، كان شعبة يثني عليه ، وقال أبو حاتم : محلة الصدق . وليس بالقوي . وقال ابن عدي : عامة رواياته مستقيمة .
    وهذا الأصل قد روي من حديث أبي هريرة ، ومن حديث كعب بن عجرة ، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ومن حديث مالك بن الحويرث ، ومن حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، ومن حديث جابر بن سمرة .
    فأما حديث أبي هريرة ، وجابر بن سمرة ، وكعب بن عجرة ، وأنس ابن مالك ، فقد تقدمت .


    فقال أبو حاتم البستي في صحيحه : حدثنا عبد الله بن صالح المحاربي ببغداد ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا عمران بن أبان ، حدثنا مالك بن الحويرث ، عن أبيه ، عن جده ، قال : صعد رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ المنبر ، فلما رقى عتبتة قال : آمين ، ثم رقى عتبة أخرى قال : آمين ، ثم رقى عتبة ثالثة ، وقال : آمين ، ثم قال : أتاني جبريل ، وقال : يا محمد ، من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله . قلت : آمين . ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله ، فقلت : آمين . فقال : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ، قل : آمين . قلت : آمين .

    حديث :عبد اللّه بن جزء الزبيدي رضي اللّه عنه
    فقال جعفر الفريابي : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله ابن يزيد الحضرمي ، عن مسلم بن يزيد الصدفي ، عن عبد الله بن الحارث ابن جزء الزبيدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ، فصعد المنبر ، فلما صعد أول درجة قال : آمين ، ثم صعد الثانية ، فقال : آمين ، ثم صعد الثالثة ، فقال : آمين . فلما نزل ، قيل له : رأيناك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه ؟ فقال : إن جبريل تبدي لي في أول درجة ، فقال : يا محمد ! من أدرك أحد والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله ، ثم أبعده ، قال : فقلت : آمين ، ثم قال في الثانية : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له أبعده الله ، ثم أبعده الله ، فقلت : آمين . فقال في الثالثة : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ، ثم أبعده الله ، فقلت : آمين .
    حديث :ابن عباس رضي اللّه عنهما
    فقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا ليث بن هارون العكلي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر إذ قال : آمين ثلاث مرات ، فسئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريل ، فقال : من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين . قال : ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات ولم يغفر له فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ، قل : آمين . فقلت : آمين .
    90 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً في ذلك ، ما رواه محمد بن الحسن الهاشمي : حدثني سليمان بن الربيع ، حدثنا كادح بن رحمة ، حدثنا نهشل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .
    وكادح هذا ، ونهشل غير ثقتين ، وقد اتهما بالكذب ، لكن لم يرو في هذا الأصل إلا هذا الحديث .
    91 - وحديث آخر من رواية ابن الجارود : حدثنا محمد بن عاصم ، حدثنا بشير بن عبيد ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . فذكره .
    وقد روي موقوفاً من كلام جعفر بن محمد ، وهو أشبه ، يرويه محمد ابن حمير عنه ، قال : من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحاً ما دام اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الكتاب .
    وقال أحمد بن عطاء الروذباري : سمعت أبا صالح عبد الله بن صالح يقول : رؤى بعض أصحاب الحديث في المنام . فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي . فقيل : بأي شيء ؟ فقال : بصلاتي في كتبي على النبي صلى الله عليه وسلم .
    92 - ومن حديثه أيضاً ما رواه الطبراني في معجمية : عن عبدان ابن أحمد ، حدثنا جبارة بن مغلس ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة .
    ورواه ابن ماجة في سننه عن جبارة بن مغلس ، وجبارة هذا كان ممن إذا وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر .
    وهذا المعنى قد روي من حديث أبي هريرة ، وحسين بن علي ، ومحمد بن الحنفية ، وابن عباس .
    فأما حديث حسين بن علي وابن عباس ، فقد تقدما .
    حديث :محمد بن الحنفية رضي اللّه عنه
    فقال ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم / حدثنا أبو بكر ، حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطىء طريق الجنة .
    94 - وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فقال عبد الخالق بن الحسن السقطي : حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثني أبي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي الصلاة علي خطىء طريق الجنة .
    حديث أبي ذر رضي اللّه عنه
    فقال: إسماعيل بن إسحاق في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن معبد بن هلال العنزي ، قال : حدثني رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي .
    96 - وقال ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة : حدثنا عمر بن عثمان ، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بأبخل الناس ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : من ذكرت عنده فلم يصل علي فذلك أبخل الناس ، وهذا من رواية الصحابي عن مثله .
    وهذا الأصل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي بن أبي طالب ، وابنه الحسين رضي الله عنهما ، وقد ذكرا .
    حديث :واثلة بن الأسقع رضي اللّه عنه
    فقال ابن منيع في مسنده : حدثنا يوسف بن عطية الصفار ، عن العلاء بن كثير ، عن مكحول ، عن واثلة بن الأسقع ، قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما قوم جلسوا في مجلس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة يعني : حسرة .
    وهذا الأصل قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري ، و أبو هريرة رضي الله عنهما .
    حديث :أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه
    فقال ابن شاهين : حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا علي بن الحسين المكتب ، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي ، حدثنا فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى علي كنت شفيعة يوم القيامة .
    99 - وقال ابن أبي داود أيضاً : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا إسماعيل بن يحيى ، حدثنا فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول : إن الله عز وجل وجل قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار ، فمن استغفر بنية صادقة غفر له ، ومن قال لا إله إلا الله رجح ميزانه ، ومن صلى علي كنت شفيعه يوم القيامة .
    حديث :عائشة رضي الله عنها
    فقال إبراهيم بن رشيد ابن مسلم : حدثنا عمر بن حبيب القاضي ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد صلى علي صلاة إلا عرج بها ملك حتى يجيء به وجه الرحمن عز وجل ، فيقول ربنا تبارك وتعالى : أذهبوا بها إلى قبر عبدي تستغفر لصاحبها وتقر بها عينه .
    101- وقال أبو نعيم : أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا إسماعيل ابن عبد الله ، حدثنا عبد الرحمن بن هانئ ، حدثنا أبو مالك ـ هو عبد الملك بن حسين ـ عن عاصم بن عبيد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي ، فليكثر عبد أو يقل .
    حديث :عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
    فقال أبو داود في سننه : حدثنا محمد ـ يعني ابن سلمة ـ حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وحيوة ، وسعيد بن أبي أيوب ، عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة ، حلت عليه الشفاعة .
    ورواه مسلم عن محمد بن سلمة .
    103- وله حديث آخر موقوف ، ذكره عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الله بن مريح ـ وفي نسخة عبد الرحمن بن مريخ الخلاوني ـ قال : سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة ، فليقل من ذلك أو ليكثر .
    كذا رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى موقوفاً ، ذكره أب نعيم عن أحمد بن جعفر ، عن عبد الحميد ، عن أبيه .
    104- وله حديث آخر موقوف ، رواه الحافظ أبو موسى المديني : من حديث محمد بن أبي العوام ، عن أبيه ، حدثنا إبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل المؤدب ، عن سعيد بن معروف ، عن عمرو بن قيس ـ أو ابن أبي قيس ـ عن أبي الجوزاء ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : من كانت له إلى الله حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد ، فتصدق بصدقة ـ قلت أو كثرت ـ فإذا صلى الجمعة قال: اللهم إني أسألك باسمك ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، الذي ملأت عظمته السموات والأرض ، الذي عنت له الوجوه ، وخشعت له الأصوات ، ووجلت القلوب من خشيته : أن تصلي على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن تعطيني حاجتي وهي كذا وكذا ، فإنه يستجاب له إن شاء الله تعالى . قال وكان يقول : لا تعلموه سفهاءكم لئلا يدعو به في مأثم أو قطيعة رحم .
    حديث :أبي الدرداء رضي الله عنه
    فقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي ، حدثنا محمد بن علي بن ميمون ، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن محمد بن زياد ، قال سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي .
    106- قال الطبراني : حدثنا يحيى بن أيوب العلاف ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ، ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان قلنا : وبعد وفاتك ؟ قال : وبعد وفاتي ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .

    فقال عبد الباقي بن قانع : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة، قال : حدثني محمد بن هشام ، حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن أبي الصباح البهري ، حدثنا سعيد بن عمير ، عن أبيه ، قال رسول الله: من صلى علي صادقا من نفسه صلى الله عليه عشر صلوات ،ورفعه عشر درجات ،وكتب له عشر حسنات .


    فمنها ما رواه إسماعيل في كتابه:
    108- حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، حدثنا هشيم، حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن يزيد الرقاشي، قال إن ملكاً موكل يوم الجمعة ، من صلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يبلغ النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يقول: إن فلاناً من أمتك يصلي عليك . هذا موقوف.
    109 ‏-‎‎ وقال إسماعيل: حدثنا مسلم، حدثنا مبارك ، عن الحسن، عن النبي ، قال: أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة .
    110 ‏-‎‎ وقال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب، عن أيوب، قال: بلغني _ والله أعلم _ أن ملكاً موكل بكل من صلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ حتى يبلغه النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎.
    111 ‏-‎‎ حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل قال: جئت أسلم على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ وحسن بن حسن رضي الله عنه يتعشى في بيت عند النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، فدعاني ، فجئته ، فقال: ادن فتعش قال: قلت : لا أريده، قال لي: ما لي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه ، ثم قال: إن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم .
    112 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الحس يقول، قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎: بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي ‏‏ .
    113 ‏-‎‎ حدثنا سلم بن سليمان الضبي، حدثنا أبو حرة عن الحسن، قال: قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ كفى به شحا أن يذكرني قوم فلا يصلون علي .
    114 ‏-‎‎ حدثنا عارم، حدثنا جرير بن حازم، عن الحسن ، رفعه: أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة .
    115 ‏-‎‎ حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، رفعه إلى النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ من نسي الصلاة علي ، خطئ طريق الجنة .
    116- حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان، قال: قال عمرو: عن محمد بن علي بن حسين، قال: قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎: من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة .
    قال سفيان:قال رجل بعد عمرو ، سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ من ذكرت عنده فلم يصل علي خطئ طريق الجنة ،ثم سمى سفيان الرجل فقال: هو بسام ، وهو الصيرفي.
    117 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، وعارم، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، يرفعه: من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة .
    118 ‏-‎‎ حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب ، عن جعفر، عن أبيه ، أن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قال: من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد خطئ طريق الجنة .
    119 ‏-‎‎ حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا عمر بن علي، عن أبي بكر الجشمي، عن صفوان بن سليم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ من صلى علي أو سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة .
    120 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا سعيد الجريري، عن يزيد بن عبد الله ، أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي (عليه السلام).
    121-حدثنا عاصم بن علي، حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاختة، عن الأسود ، عن عبد الله، أنه قال: إذا صليتم على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه ، قالوا: فعلمنا، قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، قائد الخير وإمام الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
    122 ‏-‎‎ حدثنا يحيى الحماني، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بلج، حدثنا يونس مولى بني هاشم قال: قلت لعبد الله بن عمرو _ أو ابن عمر _ كيف الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ؟ فقال: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، اللهم ابعثه يوم القيامة مقاماً محموداً يغبطه الأولون والآخرون، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم .
    123 - حدثنا محمود بن خداش ، أخبرنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: قالوا: يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
    124 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا السري بن يحيى، قال: سمعت الحسن قال: لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب: 56 ]، قالوا: يا رسول الله! هذا السلام قد علمنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد .
    125 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا عمرو بن مسافر، حدثني شيخ من أهلي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول : ما من دعوة لا يصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ قبلها إلا كانت معلقة بين السماء والأرض .
    126 ‏-‎‎ وفي الترمذي: من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسدي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    وقد روي مرفوعاً والموقوف أصح.
    127- وروى عبد الكريم بن عبد الرحمن الخزاز، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه ، أنه قال: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلي على محمد ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ فإذا صلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ لم يستجب الدعاء.
    هذا هو الصواب موقوف، ورفعه سلام الخزاز، وعبد الكريم بن مالك الخزاز، عن أبي إسحاق ، عن الحارث.
    128- وقال القاضي إسماعيل: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث ، أن أبا حليمة _ معاذاً _ كان يصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎في القنوت .
    129 ‏-‎‎ حدثنا معاذ بن أسد، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب ، أن كعباً دخل على عائشة رضي الله عنها، فذكروا رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم القبر، ويصلون على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط سبعون ألفاً حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم، فيصلون على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه .
    130 ‏-‎‎ حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الدستوائي، حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة ، أن ابن مسعود وأبا موسى، وحذيفة ، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوماً، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتح بها الصلاة ، وتحمد ربك وتصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتركع، وتحمد ربك، وتصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ محمد ، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك يم تركع . فقال حذيفة، وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن..
    131 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن أبي بكر قال: كنا بالخيف ومعنا عبد الله بن أبي عتبة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ودعا بدعوات ، ثم قام فصلى .
    132 ‏-‎‎ حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، عن صالح بن محمد بن زائدة، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ .
    133 ‏-‎‎ حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا سيف بن عمر التيمي، عن سليمان العبسي، عن علي بن حسين، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎.
    134 ‏-‎‎ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن ذي حران، قال: قلت لعلقمة: ما أقول إذا دخلت المسجد؟ قال: تقول : صلى الله وملائكته على محمد ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
    135 ‏-‎‎ حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا زكريا عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، يقول : إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعاً، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عليه، وصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك.
    136 ‏-‎‎ حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، حدثنا هشيم، أخبرنا العوام بن حوشب، حدثني رجل من بني أسد، عن عبد الرحمن بن عمرو قال: من صلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات.
    137 ‏-‎‎ حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن يعقوب بن زيد ابن طلحة التيمي،قال: قال رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ : أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشراً . فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك ؟ قال: إن شئت ‍ .
    قال: أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: إن شئت
    قال: أجعل دعائي كله لك؟ قال: إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة ، فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع: سفيان عمن أسنده فقال: لا أدري.
    138 ‏-‎‎ حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، حدثنا حشيم، حدثنا حصين ابن عبد الرحمن، عن يزيد الرقاشي، قال: إن ملكاً موكل يوم الجمعة بمن صلى على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ يبلغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: إن فلاناً من أمتك يصلي عليك .
    139 ‏-‎‎ وقال علي بن المديني: حدثنا سفيان، حدثني معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى، وارفع درجته العليا وأعطه سؤله في الآخرة والأولى، كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام .
    140 ‏-‎‎ وقال إسماعيل: حدثنا عاصم بن علي، وحفص بن عمر، وسليمان بن حرب، قالوا: حدثنا شعبة ، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي سعيد قال: ما من قوم يقعدون ثم يقومون لا يصلون على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة ، وإن دخلوا الجنة يرون الثواب . وهذا لفظ الحوضي .‏‏

    ووجه تشبيه الصلاة على النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ بالصلاة على إبراهيم وآله من بين سائر الأنبياء، وختم الصلاة بالاسمين الخاصين ، وهما الحميد المجيد، وفي بيان معنى السلام عليه ، والرحمة والبركة، ومعنى اللهم، ومعنى اسمه محمد ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، فهذه عشرة فصول.‏‏
    ومن نسائه ميمونة بنت الحارث الهلالية
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها بسرف وبنى بها بسرف، وماتت بسرف، وهي على سبعة أميال من مكة، وهي آخر من تزوج من أمهات المؤمنين، وتوفيت سنة ثلاث وستين، وهي خالة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فإن أمه أم الفضل بنت الحارث وهي خالة خالد بن الوليد أيضاً، وهي التي اختلف في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم هل نكحها حلالاً أو محرماً؟ فالصحيح أنه تزوجها حلالاً، كما قال أبو رافع السفير في نكاحها، وقد بينت وجه غلط من قال نكحها محرماً، وتقديم حديث من قال: تزوجها حلالاً من عشرة أوجه مذكورة في غير هذا الموضع.
    فهؤلاء جملة من دخل بهن من النساء، وهن إحدى عشرة.
    قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره: وعقد على سبع ولم يدخل بهن.
    فالصلاة على أزواجه تابع لاحترامهن وتحريمهن على الأمة وأنهن نساؤه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والأخرة، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل بها لا يثبت لها أحكام زوجاته اللاتي دخل بهن ومات عنهن، صلى الله عليه وسلم وعلى أزواجه وذريته وسلم تسليماً.
    فصل : في الكلام على الذرية، وفيه مسألتان
    وأما الذرية فالكلام فيها في مسألتين:
    المسألة الأولى في لفظها، وفيها ثلاثة أقوال:
    أحدها: أنها من ذرأ الله الخلق، أي : نشرهم وأظهرهم، إلا أنهم تركوا همزها استثقالاً، فأصلها ذرأة بالهمز فعلة من الذرء، وهذا اختيار صاحب الصحاح وغيره.
    والثاني: أن أصلها من الذر، وهو النمل الصغار، وكان قياس هذه النسبة ذرية بفتح الذال وبالياء، لكنهم ضموا أوله وهمزوا آخره وهذا من باب تغيير النسب.
    وهذا القول ضعيف من وجوه:
    منها مخالفة باب النسب، ومنها إبدال الراء ياء، وهو غير مقيس.
    ومنها أن لا اشتراك بين الذرية والذر إلا في الذال والراء، وأما في المعنى فليس مفهوم أحدهما مفهوم الآخر.
    ومنها أن الذر من المضاعف والذرية من المعتل أو المهموز، فأحدهما غير الآخر.
    والقول الثالث:ت أنها من ذرا يذروا: إذا فرق، من قوله: تذروه الرياح [الكهف:45]، وأصلها على هذا ذرية فعلية من الذرو ثم قلبت الواو ياء لسبق إحداهما بالسكون.
    والقول الأول أصح، لأن الاشتقاق والمعنى يشهدان له، فإن أصل هذه المادة من الذرء ، قال الله تعالى: جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه [ الشورى: 11]، وفي الحديث: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، وقال تعالى: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس [الأعراف:179]، وقال تعالي: وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه [النحل:13]، فالذرية منه بمعنى مفعولة أي مذروة ثم أبدلوا همزها فقالوا ذرية.
    المسألة الثانية في معنى هذه اللفظة.
    ولا خلاف بين أهل اللغة أن الذرية يقال على الأولاد الصغار وعلى الكبار أيضاً، قال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي [البقرة:124]، وقال تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض [آل عمرا:34-35]، وقال: ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [الأنعام:87]، وقال تعالى: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا [الإسراء:2-3].
    وهل تقال الذرية على الأباء؟ فيه قولان: أحدهما أنهم يسمون ذرية أيضاً.واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون [يس:41].
    وأمكر ذلك جماعة من أهل اللغة، وقالوا لا يجوز هذا في اللغة، والذريية كالنسل والعقب لا يكون إلا للعمود الأسفل، ولهذا قال تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم [الأنعام:87]، فذكر جهات النسب الثلاث من فوق، ومن أسفل، ومن الأطراف.
    قالوا: وأما الآية التي استشهدتم بها فلا دليل لكمت فيها، لأن الذرية فيها لم تضف إليهم إضافة نسل و إيلاد، وإنما أضيفت إليهم بوجه ما. والإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، وإذا كان الشاعر قدت أضاف الكوكب في قوله:
    إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة سهيل أذاعت غزلها في القرائب
    فأضاف إليها الكواكب لأنها كانت تغزل إذا لاح وظهر، والاسم قد يضاف بوجهين مختلفين إلى شيئين، وجهة إضافته إلى أحدهما غير جهة إضافته إلى الأخر، قال أبو طالب في النبي صلى الله عليه وسلم :
    لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعزى لقول الأباطل
    فأضاف بنوته بجهة غير جهة إضافته إلى أبيه عبد الله، وهكذا لفظة رسول الله، فإن الله سبحانه يضيفه إليه تارة، كقوله قد جاءكم رسولنا [المائدة:15]، وتارة إلى المرسل إليهم كقوله:أم لم يعرفوا رسولهم [المؤمنون:69]، فإضافته سبحانه إليه إضافة رسول إلى مرسله، وإضافته إليهم إضافة رسول إلى مرسل إليهم، وكذا لفظ كتاب فإنه يضاف إليه تارة، فيقال: كتاب الله. ويضاف إلى العباد تارة، فيقال: كتابنا القرآن، وكتابنا خير الكتب، وهذا كثير، فهكذا لفظ الذرية أضيف إليهم بجهة غير الجهة التي أضيف بها إلى آبائهم.وقالت طائفة: بل المراد جنس بني آدم، ولم يقصد الإضافة إلى الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما أريد ذرية الجنس.
    وقالت طائفة:بل المراد بالذرية نفسها، وهذا أبلغ في قدرته وتعديد نعمه عليهم ، أن حمل ذريتهم في الفلك في أصلاب آبائهم، والمعنى: أنا حملنا الذين هم ذرية هؤلاء وهم نطف في أصلاب الآباء، وقد أشبعنا الكلام على ذلك في كتاب الروح والنفس.
    إذا ثبت هذا، فالذرية الأولاد، وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد ، إحداهما: يدخلون، وهو مذهب الشافعي. والثانية: لا يدخلون، وهو مذهب أبي حنيفة.
    واحتج من قال بدخولهم/ بأن المسلمين مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الصلاة، لأن أحداً من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته، فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته: إن ابني هذا سيد فسماه ابنه. ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم [آل عمران:11] الآية، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً، وخرج للمباهلة.
    قالوا: وأيضاً فقد قال تعالى في حق إبراهيم: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس [الأنعام:84-85]. ومعلوم أن عيسى لم ينتسب إلى إبراهيم إلا من جهة أمه مريم عليها السلام.
    وأما من قال بعدم دخولهم : فحجته أن ولد البنات إنما ينتسبون إلى آبائهم حقيقة، ولهذا إذا ولد الهذلي أو التيمي أو العدوي هاشمية لم يكن ولدها هاشمياًً، فإن الولد في النسب يتبع أباه، وفي الحرية والرق أمه، وفي الدين خيرهما ديناً، ولهذا قال الشاعر:
    بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
    ولو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها.
    قالوا: وأما دخول فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ، فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظم قدره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحاً، فما الظن بهذا الإيلاد، العظيم قدره الجليل خطره؟
    قالوا: وأما تمسككم بدخول المسيح في ذرية إبراهيم فلا حجة لكم فيه. فإن المسيح لم يكن له أب، فنسبه من جهة الأب مستحيل، فقامت أمه مقام أبيه، وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة الأب إما بلعان أو غيره قامت أمه في النسب مقام أبيه وأمه، ولهذا تكون في هذه الحال عصبته في أصح الأقوال، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد ، وهو مقتضى النصوص، وقول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره، والقياس يشهد له بالصحة، لأن النسب في الأصل للأب، فإذا انقطع من جهته عاد إلى الأم، فلو قدر عوده من جهة الأب رجع من الأم إليه، وهكذا كما اتفق الناس عليه في الولاء أنه لموالي الأب، فإن تعذر رجوعه إليهم صار لموالي الأم، فإذا أمكن عوده إليهم رجع من موالي الأم إلى معدنه وقراره،ومعلوم أن الولاء فرع على النسب يحتذى فيه حذوه فإذا كانت عصبات الأم من الولاء فرع على النسب يحتذى فيه حذوه، فإذا كان عصبات الأم من الولاء عصبات لهذا المولى الذي انقطع تعصيبه من جهة موالي أبيه، فلأن تكون عصبات الأم من النسب عصبات لهذا الولد الذي انقطع تعصيبه من جهة أبيه بطريق الأولى، وإلا فكيف يثبت هذا الحكم في الولاء ولا يثبت في النسب الذي غايته أن يكون مشبهاً به ومفرعاً عليه، وهذا مما يدل على أن القياس الصحيح لا يفارق النص أصلاً، ويدلك على عمق علم الصحابة رضي الله عنهم، وبلوغهم في العلم إلى غاية يقصر عن نيلها السباق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
    فصل : في الاحتجاج للقول الرابع أن آله الأتقياء من أمته
    وأما أصحاب القول الرابع : أن آله الأتقياء من أمته.
    فاحتجوا بما رواه الطبراني في معجمه: عن جعفر بن إلياس بن صدقة، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس بن مالك ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من آل محمد ؟ فقال: كل تقي ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم : إن أولياؤه إلا المتقون [ الأنفال: 38]، قال الطبراني : لم يروه عن يحيى إلا نوع، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي : من حديث عبد الله بن أحمد بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس، فذكره.
    ونوح هذا ونافع أبو هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، وقد رميا بالكذب
    واحتج لهذا القول أيضاً بأن الله عز وجل قال لنوح عن ابنه: إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح [ هود: 46]، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتباعه.
    وأجاب عنه الشافعي رحمه الله بجواب جيد، وهو أن المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم، ووعدناك بحلتهم، لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك : احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول [هود: 40] ، فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم.
    قلت:ت ويدل على صحة هذا أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه قال سبحانه: احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن [هود: 40] فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل، وهم الأهل والاثنان من كل زوجين
    واحتجوا أيضاً بحديث واثلة بن الأسقع المتقدم ، قالوا: وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة في حكم الأهل تشبيهاً بمن يستحق هذا الاسم.
    فهذا ما احتج به أصحاب كل قول من هذه الأقوال.
    والصحيح هو القول الأول، ويليه القول الثاني.ت وأما الثالث والرابع فضعيفان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع الشبهة بقوله: إن الصدقة لا تحل لآل محمد، وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وقوله: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعاً. فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك، وأما تنصيصه على الأزواج والذرية، فلا يدل على اختصاص الآل بهم، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما روى أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام، وعكسه، تنبيهاً على شرفه،وتخصيصاً له بالذكر من بين النوع، لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان:
    أحدهما : أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه.
    والطريق الثاني: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له تنبيهاً على مزيد شرفه، وهو كقوله تعالى: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم [الأحزاب:7]، وقوله تعالى: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [البقرة: 98].
    وأيضاً فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره كما سيأتي، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كالأمة، فقد أبعد غاية الإبعاد.
    وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في السلام تسليم المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولا وعلى نفسه ثانياً، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثاً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض ، وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه.وأيضاً فإن الله سبحانه أمرنا بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خصه به دون أمته من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله.
    ثم قال تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [الأحزاب: 53]، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن، ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامه، مستفتحاً ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : على أي صفة يؤذن هذا الحق؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفاً وعلواً.ت صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
    وأما من قال إنهم الأتقياء من أمته فهؤلاء هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقربائه فهو من أوليائه، ومن لم يكن منهم من أقربائه، فهم من أوليائه، لا من آله.ت فقد يكون الرجل من آله وأوليائه، كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه، ولا يكون من آله ولا من أوليائه، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته الداعين إلى سنته ، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون أين كانوا ومن كانوا ، وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال: إن آل أبي ... بياض .
    والذي غر هذا أن في الصحيح: إن آل بني ... ليسو لي بأولياء وأخلى بياضاً بين بني وبين ليسوا فجاء بعض النساخ فكتب على ذلك الموضع بياض يعني أنه كذا وقع ، فجاء آخر فظن أن بياض هو المضاف إليه فقال أبي بياض، ولا يعرف في العرب أبو بياض، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك، وإنما سمى قبيلة كبيرة من قبائل قريش، والصواب لمن قرأها في تلك النسخ أن يقرأها في تلك النسخ أن يقرأها إن آل بني بياض بضم الضاد من بياض لا بجرها. والمعنى : وثم بياض، أو هنا بياض. ونظير هذا ما وقع في كتاب مسلم في حديث جابر الطويل: ونحن القيامة - أي: فوق كذا انظر- ، وهذه الألفاظ لا معنى لها هنا أصلاً، وإنما هي من تخليط النساخ، والحديث بهذا السند والسياق في مسند الإمام أحمد : ونحن يوم القيامة على كوم أو تل فوق الناس فاشتبه على الناسخ التل أو الكوم، ولم يفهم ما المراد فكتب في الهامش انظر، وكتب هو أو غيره كذا فجاء آخر فجمع بين ذلك كله وأدخله في متن الحديث، سمعته من شيخنا أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله.
    والمقصود أن المتقين هم أولياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه هم أحب إليه من آله. قال الله تعالى: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير [التحريم:4]، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال: عائشة رضي الله عنها، قيل من الرجال؟ قال: أبوها متفق عليه.وذلك أن المتقين هم أولياء الله كما قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون [يونس: 61-62]، وأولياء الله سبحانه وتعالى أولياء لرسوله صلى الله عليه وسلم .
    وأما من زعم أن الآل هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص، والله أعلم
    فصل : في اختلاف الناس في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال وبيانها مفصلة
    فقيل : هم الذين حرمت عليهم الصدقة ، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
    أحدها : أنهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه .
    والثاني : أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة ، والرواية عن أحمد واختيار ابن القاسم صاحب مالك .
    والثالث : أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى بني غالب ، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك ، حكاه صاحب الجواهر عنه ، وحكاه اللخمي في التبصرة عن أصبغ ، ولم يحكه عن أشهب.
    وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين ، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي .
    والقول الثاني أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة ، حكاه ابن عبد البر في التمهيد قال في باب عبد الله بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد الساعدي: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر، وفي غير ما حديث اللهم صل على محمد صل على محمد وأزواجه وذريته ، قالوا : فهذا تفسير ذلك الحديث ، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته ، قالوا : فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذريته صلى الله عليك، إذا واجهه ، وصلى الله عليه إذا غاب عنه ، ولا يجوز ذلك في غيرهم .
    قالوا: والآل والأهل سواء ، وآل الرجل وأهله سواء ، وهم الأزواج والذرية بدليل هذا الحديث .
    والقول الثالث : أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم ، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله ، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري وغيره ، واختاره بعض أصحاب الشافعي ، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقة ، ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في شرح مسلم واختاره الأزهري.
    والقول الرابع : أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته ، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة .
    فصل : في ذكر حجج هذه الأقوال ، وتبين ما فيها من الصحيح والضعيف
    فأما القول الأول : وهو أن الآل من تحرم عليهم الصدقة على ما فيهم من الاختلاف ، فحجته من وجوه :
    أحدها : ما رواه البخاري في صحيحه : من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه ، فيجيء هذا بتمرة وهذا بتمرة حتى يصير عنده كوم من تمر ، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه ، فقال : أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة ، ورواه مسلم وقال : إنا لا تحل لنا الصدقة.
    الثاني : ما رواه مسلم في صحيحه : عن زيد بن أرقم ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأنى عليه وذكر ووعظ ، ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل، وإني تارك فيك ثقلين : أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، وقال : وأهل بيتي : أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .
    فقال له حصين بن سبرة : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : إن نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس . قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال: نعم .وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الصدقة لا تحل لآل محمد .
    الدليل الثالث : ما في الصحيحين : من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم . فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ، ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل .
    فآله صلى الله عليه وسلم لهم خواص : منها حرمان الصدقة ، ومنها أنهم لا يرثونه ، ومنها استحقاقهم خمس الخمس ، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم.
    وقد ثبتت أن تحريم الصدقة واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه صلى الله عليه وسلم فكذلك الصلاة على آله.
    الدليل الرابع : ما رواه مسلم : من حديث ابن شهاب ، عن عبدت الله ابن الحارث بن نوفل الهاشمي ، أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره، أن أباه ربيعة بن الحارث، قال لعبد المطلب بن ربيعة، وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات - فذكر الحديث - وفيه : فقال لنا : إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد
    الدليل الخامس : ما رواه مسلم في صحيحه : من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، - فذكر الحديث - وقال فيه : فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، ومن آل محمد ، ومن أمة محمد . ثم ضحى به
    هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمته صلى الله عليه وسلم أعم من آله .
    قال أصحاب هذا القول: وتفسير الآل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تفسيره بكلام غيره .
    فصل : في الاحتجاج للقول بأن آل النبي صلى الله عليه وسلم ذريته وأزواجه خاصة
    وأما القول الثاني : أنهم ذريته وأزواجه خاصة، فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له، بأن في حديث أبي حميد اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، وفي غيره من الأحاديث : اللهم صل على محمد وعلى وأزواجه وذريته ، وفي غيره من الأحاديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر.ت واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب ، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة وإلى الآن . وأما أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم فكان رزقهم قوتاً ، وما كان يحصل لأزواجه بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتاً . وقد جاء عائشة رضي الله عنها مال عظيم فقسمته كله في قعدة واحدة، فقالت لها الجارية : لوخبيت لنا منه درهماً نشتري به لحماً؟ فقالت لها: لو ذكرتني فعلت.
    واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين : عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل . قلوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها.
    قال هؤلاء : وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصاً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالسبب، لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته،ت وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليهن، ولهذا كان القول الصحيح، وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله: أن الصدقة تحرم عليهن ، لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم، ويالله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ، وقوله في الأضحية: اللهم هذا عن محمد وآل محمد، وفي قول عائشة رضي الله عنها : ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بر وفي قول المصلي : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ولا يدخلن في قوله: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مع كونها من أوساخ الناس، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها.
    فإن قيل : لو كانت الصدقة حراماً عليهن لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم على مواليهم، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.
    قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
    وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة، وإنما هو تبع لتحريمها عليه صلى الله عليه وسلم وإلا فالدقة حلال لهن قبل اتصالهن به، فهن فرع في هذا التحريم على المولى فرع التحريم على سيده، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم/ ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً ، لم يقو ذلك على استتباع مواليهن، لأنه فرع عن فرع.
    قالوا: وقد قال الله تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [ الأحزاب: 30 -34 ].
    فدخلن في أهل البيت لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء ، والله أعلم.
    فصل : في الاحتجاج لمن يقول : آل الرسول أمته و أتباعه إلى يوم القيامة
    وأما القول الثالث: وهو أن آل النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة فقد
    فقدت احتج له بأن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه وأمره، قريبهم وبعيدهم.
    قالوا: واشتقاق هذه اللفظة تدل عليه ، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم لأنه إمامهم وموئلهم.
    قالوا: ولهذا كان قوله تعالى: إلا آل لوط نجيناهم بسحر [القمر: 34]، المراد به أتباعه وشيعته المؤمنون به من أقاربه وغيرهم . وقوله تعالى: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر: 46]،المراد به أتباعه.
    واحتجوا أيضاً بأن وائلة بن الأسقع روى : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا حسناً وحسيناً، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة رضي الله عنها من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهلي، قال واثلة : فقلت يا رسول الله، وأنا من أهلك؟ فقال: وأنت من أهلي ورواه البيهقي بإسناد جيد.
    قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وإنما هو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم
    فصل : في الكلام على الزوج هل يختلف لفظه بين الذكر والأنثى وتحقيق ذلك
    وأما الأزواج فجمع زوج، وقد يقال: زوجة، والأول أفصح، وبها جاء القرآن، قال تعالى لآدم: اسكن أنت وزوجك الجنة [الأعراف:19]، وقال تعالى في حق زكريا وأًصلحنا له زوجه [الأنبياء:90]، ومن الثاني : قول ابن عباس رضي الله عنه في عائشة رضي الله عنها: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة. وقال الفرزدق : وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
    وقد يجمع على زوجات، وهذا إنما هو جمع زوجة، وإلا فجمع زوج أزواج قال تعالى: أنتم وأزواجكم تحبرون [الزخرف:70]، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً كما تقدم.
    وقال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب:6]، وقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك [الأحزاب:28]، والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة قال تعالى:تبت يدا أبي لهب إلى قوله: وامرأته حمالة الحطب [المسد: 1-4]، وقال تعالي: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط [التحريم:11]، فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم المرأةلما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا له،وقال في فرعون :وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ،وقال في حق آدم :اسكن أنت وزوجك الجنة [ البقرة:35]، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا أحللنا لك أزواجك [ الأحزاب:50]، وقال في حق المؤمنين : ولهم فيها أزواج مطهرة [البقرة:25].
    فقالت طائفة - منهم السهيلي وغيره - إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج ، لأنهن لسن بأزواج لرجالهم في الأخرة، ولأن التزويج حلية شرعية، وهو من أمر الدين، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط.
    ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا: وكانت امرأتي عاقراً [مريم: 5]، وقوله تعالى عن إبراهيم: فأقبلت امرأته في صرة [الذريات : 29].
    وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع، لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به. لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع، لا من حيث كانت زوجا.
    قلت: ولو قيل إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، كما هو المفهوم من لفظه، فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أو المتساويان، ومنه قوله تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [الصافات : 22]، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم. وقاله الإمام أحمد أيضاً : ومنه قوله تعالى: وإذا النفوس زوجت [التكوير: 7]، أي : قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: الصالح من الصالح في الجنة، والفاجر مع الفاجر في النار . وقاله الحسن ، وقتادة ، و الأكثرون.
    وقيل زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين، وهو راجع إلى القول الأول. وقال تعالى: ثمانية أزواج [الأنعام : 143]، ثم فسرها: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين [الأنعام:144]، فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد، ومنه قولهم : زوجا خف، وزوجا حمام ونحوه، ولا ريب أن الله سبحانه قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن، قال تعالى: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة [ الحشر:20]. وقال تعالى في حق مؤمني أهل الكتاب وكفارهم: ليسوا سواء من أهل الكتاب [آل عمران: 113] الآية، وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا، فلا يتوارثان، ولا يتناكحان، ولا يتولى أحدهما صاحبه، فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم، فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثة المجرد، دون لفظ المشاكلة والمشابهة.
    فتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقاً لهذا المعنى، والله أعلم.
    وهذا أولى من قول من قال: إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ولم يقل لها زوجته، لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة، بخلاف أنكحة أهل الإسلام فإن هذا باطل بإطلاقة اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط، مع صحة ذلك النكاح.وتأمل في هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقة سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة، كما في قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم [النساء:12]، إيذاناً بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب ، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث.
    وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين.
    فصل : في ذكر أزواجه عليه الصلاة والسلام وأولهن خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها
    وهذا أليق المواضع بذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم .
    * وأولهن خديجة بنت خويلد : بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب . وقد تزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته فكانت له وزير صدق، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح، وقيل: بأربع، وقيل بخمس، ولها خصائص رضي الله عنها.
    ومنها: أنه لم يتزوج عليها غيرها .
    ومنها : أن أولاده كلهم منها إلا إبراهيم رضي الله عنه فإنه من سريته مارية.
    ومنها: أنها خير نساء الأمة.
    واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال، ثالثها الوقف: وسألت شيخنا ابن تيمية - رحمه الله- فقال: اختص كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها. وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين ، وتبليغه إلى الأمة، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. هذا معنى كلامه.
    قلت: ومن خصائصها أيضاً أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل فبلغها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال البخاري في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة ، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصبوهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها.
    وأما عائشة رضي الله عنها، فإن جبرائيل سلم عليها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: يا عائشة، هذا جبرائيل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى ، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن خواص خديجة رضي الله عنها: أنها لم بسؤه قط ولم تغاضبه، ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قط ولا هجر، وكفى به منقبة وفضيلة.
    ومن خواصها أنها أول امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمة.
    فصل : في أن زوجته صلى الله عليه وسلم الثانية كانت سودة بنت زمعة رضي الله عنها
    * فلما توفاها الله تزوج بعدها سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس، بن عبد شمس ، بن عبد ود ، بن نصر، بن مالك بن حسل، بن عامر، ابن لوي. وكبرت عنده وأرد طلاقها فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها، وهذا من خواصها أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبا له، وإيثاراً لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لنسائه ولا يقسم لها، وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنها.

    لا خلاف أن لفظة اللهم معناها يا الله ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم،بل يقال: اغفر لي وارحمني.
    واختلف النحاة في الميم المشددة من آخر الاسم:
    فقال سيبويه: زيدت عوضاً من حرف النداء، ولذلك لا يجوز عنده الجمع بينهما في اختيار الكلام، فلا يقال: يا اللهم إلا فيما ندر، كقول الشاعر:
    إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما
    ويسمى ما كان من هذا الضرب عوضاً ، إذ هو في غير محل المحذوف، فإن كان في محله سمي بدلاً، كالألف في قام و باع فإنها بدل عن الواو والياء، ولا يجوز عنده أن يوصف هذا الاسم أيضا، فلا يقال: يا اللهم الرحيم ارحمني ولا يبدل منه.
    والضمة التي على الهاء ضمة الاسم المنادى المفرد، وفتحت الميم لسكونها وسكون الميم التي قبلها، وهذا من خصائص هذا الاسم، كما اختص بالتاء في القسم، وبدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف، وبقطع همزة وصله في النداء، وتفخيم لامه وجوباً غير مسبوقة بحرف إطباق.
    هذا ملخص مذهب الخليل وسيبويه.
    وقيل: الميم عوض عن جملة محذوفة، والتقدير: يا الله أمنا بخير، أي: اقصدنا، ثم ح

    وأصل هذه اللفظة يرجع إلى معنيين:
    أحدهما: الدعاء والتبريك.
    والثاني: العبادة . فمن الأول قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [ التوبة: 103]، وقوله تعالى في حق المنافقين: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره [التوبة:84] وقول النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ إذا دعي أحدكم على الطعام فليجب، فإن كان صائماً فليصل ، فسرهما، قيل : فليدع لهم بالبركة ، وقيل يصلي عندهم بدل أكله.
    وقيل : إن الصلاةفي اللغة معناها الدعاء.
    والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة ، والعابد داع كما أن السائل داع، وبهما فسر قوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]، قيل:أطيعوني أثبكم ، وقيل: سلوني أعطكم، وفسر بهما قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة: 186].
    والصواب: أن الدعاء يعم النوعين، وهذا لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض [سبأ: 22]، وقوله تعالى: والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون [ النحل:20]، وقوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم [الفرقان:77].
    والصحيح من القولين : لولا أنكم تدعونه وتعبدونه، أي : أي شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، وقال تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا [الأعراف:55-56]، وقال تعالى إخباراً عن أنبيائه ورسله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا [الأنبياء: 90]. وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى ، ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازاً شرعياً.
    فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة ،وهو الدعاء، والدعاء: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقة لا مجازاً، ولا منقولة ، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة ، كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها، كالدابة والرأس، ونحوهما، فهذا غاية تخصيص اللفظ وقصره على موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلاً ولا خروجاً عن موضوعه الأصلي، والله أعلم.‏‏

    هذا الاسم هو أشهر أسمائه‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، وهو اسم منقول من الحمد، وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه. هذا هو حقيقة الحمد وبني على زنة مفعل مثل معظم ، ومحبب، ومسود ومبجل، ونظائرها، لأن هذا البناء موضوع للتكثير، فإن اشتق منه اسم فاعل، فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة، كمعلم ، ومفهم، ومبين، ومخلص، ومفرج، ونحوها ، وإن اشتق منه اسم مفعول فمعناه من كثر تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى صلى الله عليه وسلم إما استحقاقاً أو وقوعاً. فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى) أو الذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى.
    ويقال: حمد فهو محمد، كما يقال: علم فهو معلم. وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ وإن كان علماً مختصاً في حق كثير ممن تسمى به غيره.
    وهذا شأن أسماء الرب تعالى، وأسماء كتابه، وأسماء نبيه، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف، فلا تضاد فيها العلمية الوصف، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو الله، الخالق ، البارئ المصور ، القهار . فهذه أسماء له دالة على معان هي صفاته، وكذلك القرآن، والفرقان، والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه.
    وكذلك أسماء النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ محمد، وأحمد، والماحي، وفي حديث جبير بن مطعم، عن النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ أنه قال: إن لي أسماء : أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر .
    فذكر رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ هذه الأسماء مبينا ما خصه الله به من الفضل، وأشار إلى معانيها، وإلا فلو كانت أعلاماً محضة لا معنى لها ، لم تدل على مدح، ولهذا قال حسان رضي الله عنه:
    ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد‌‌‌‌‌‌
    وكذلك أسماء الرب تعالى كلها أسماء مدح ، ولو كانت ألفاظاً مجردة لا معاني لها ، لم تدل على المدح، وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلها ، فقال: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون [الأعراف:18]، فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال، ولهذا لما سمع بعض العرب قارئاً يقرأ: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله [المائدة:38]، والله غفور رحيم.
    قال: ليس هذا كلام الله تعالى، فقال القارئ: أتكذب بكلام الله تعالى ؟ فقال: لا ، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى، فعاد إلى حفظه وقرأ: والله عزيز حكيم ، فقال الأعرابي: صدقت : عز ، فحكم، فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع.
    ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب، أوبالعكس، ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه.
    وفي السنن من حديث أبي بن كعب حديث: قراءة القرآن على سبعة أحرف ، ثم قال: ليس منهن إلا شاف كاف إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب .ولو كانت هذه الأسماء أعلاماً محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أو بهذا.
    وأيضاً فإنه سبحانه يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه، ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحاً ، كقوله: استغفروا ربكم إنه كان غفارا [نوح: 10]، وقوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم [البقرة: 226-227]، فختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة والإحسان إليها، بأنه غفور رحيم يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من جنس العمل، فكما رجع إلى التي هي أحسن ، رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ، فإن الطلاق لما كان لفظاً يسمع ومعنى يقصد ن عقبه باسم السميع للنطق به العليم بمضمونه.
    وكقوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم [البقرة: 235]، فلما ذكر سبحانه التعريض بخطبة المرأة الدال على أن المعرض في قلبه رغبة فيها ، ومحبة لها، وأن ذلك يحمله على الكلام الذي يتوصل به إلى نكاحها، ورفع الجناح عن التعريض وانطواء القلب على ما فيه من الميل والمحبة، ونفي مواعدتهن سراً. فقيل: هو النكاح، والمعنى: لا تصرحوا لهن بالتزويج إلا أن تعرضوا تعريضاً، وهو القول المعروف.
    وقيل : هو أن يتزوجها في عدتها سراً فإذا انقضت العدة أظهر العقد، ويدل على هذا قوله: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله [البقرة : 235]، وهو انقضاء العدة ، ومن رجح القول الأول قال: دلت الآية على إباحة التعريض بنفي الجناح، وتحريم التصريح بنهي المواعدة سراً، وتحريم عقد النكاح قبل انقضاء العدة، فلو كان معنى مواعدة السر هو إسرار العقد كان تكراراً، ثم عقب ذلك بقوله: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه [البقرة:235]، أن تتعدوا ما حد لكم فإنه مطلع على ما تسرون وما تعلنون، ثم قال: واعلموا أن الله غفور حليم لولا مغفرته وحلمه لعنتم غاية العنت ، فإنه سبحانه مطلع عليكم يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تعملون، فإن وقعتم في شيء مما نهاكم عنه فبادروا إليه بالتوبة والاستغفار، فإنه الغفور الحليم.
    وهذه طريقة القرآن يقرن بين أسماء الرجاء ، وأسماء الرجاء ، وأسماء المخافة، كقوله تعالى : اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم [المائدة: 98]، وقال أهل الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور [فاطر:34]، لما صاروا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم، قالوا: إن ربنا لغفور شكور وفي هذا معنى التعليل، أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته، فإنه غفر لنا السيئات ، وشكر لنا الحسنات، وقال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً [النساء:147] فهذا جزاء لشكرهم، أي إن شكرتم ربكم شكركم، وهو عليم بشكركم، لا يخفى عليه من شكره ممن كفره.
    والقرآن مملوء من هذا، والمقصود التنبيه عليه ، وأيضاً فإنه سبحانه يستدل بأسمائه على توحيده ونفي الشريك عنه ، ولو كانت أسماء لا معنى لها لم تدل على ذلك، كقول هارون لعبدة العجل: يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن [طه: 90]، وقوله سبحانه في القصة : إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما [طه:98]، وقوله تعالى: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [آل عمران: 163]، وقوله سبحانه في آخر سورة الحشر: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون [الحشر:22-23]، فسبح نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده، واستحالة إثبات شريك له.
    ومن تدبر هذا المعنى في القرآن هبط به على رياض من العلم حماها الله عن كل أفاك معرض عن كتاب الله ، واقتباس الهدى منه. ولو لم يكن في كتابنا هذا إلا الفضل وحده لفى من له ذوق ومعرفة، والله الموفق للصواب.وأيضاً فإن الله سبحانه يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف والجار والمجرور وغيرهما، ولو كانت أعلاماً محضة لم يصح فيها ذلك، كقوله: والله بكل شيء عليم [الحجرات: 16]، والله عليم بالظالمين [الجمعة:7]، الله عليم بالمفسدين [آل عمران: 63]، وكان بالمؤمنين رحيماً [الفرقان:43]، إنه بهم رؤوف رحيم [التوبة: 117]، والله على كل شيء قدير [آل عمران : 189]، والله محيط بالكافرين [البقرة:19]، وكان الله بهم عليماً [النساء:49]، وكان الله على كل شيء مقتدرا [الكهف:45]، إنه بما يعملون خبير [هود :111]، والله بصير بما تعملون [الحجرات:18]، إنه بعباده خبير بصير [الشورى: 27]، ونظائره كثيرة.
    وأيضاً فإنه سبحانه يجعل أسماءه دليلاً على ما ينكره الجاحدون من صفات كماله، كقوله تعالى: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك:14].
    وقد اختلف النظار في هذه الأسماء ، هل هي متباينة نظراً إلى تباين معانيها، وأن كل اسم يدل على معنى غير ما يدل عليه الآخر ، أم هي مترادفة، لأنها تدل على ذات واحدة، فمدلولها لا تعدد فيه، وهذا شأن المترادفات ؟ والنزاع لفظي في ذلك.
    والتحقيق أن يقال: هي مترادفة بالنظر إلى الذات ، متباينة بالنظر إلى الصفات ، وكل اسم منها يدل على الذات الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة، وعلى أحدهما وحده بالتضمن ، وعلى الصفة الأخرى بالالتزام.
    فصل : في وجه تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد
    إذا ثبت هذا فتسميته صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإن صلى الله عليه وسلم محمود عند الله، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلهم ، وإن كفر به بعضهم، فإن ما فيه من صفات الكمال محمود عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحوداً، أو عناداً، أو جهلاً باتصافه بها ، ولو علم اتصافه بها لحمده فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال، ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له ، وهو صلى الله عليه وسلم اختص من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه اسمه محمد وأحمد، وأمته الحمادون ، يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد ، هكذا عند الله في اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحاً بالحمد ، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه عز وجل للشفاعة، ويؤذن له فيها ، يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، قال تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء: 79].
    ومن أحب الوقوف على معنى المقام المحمود فليقف على ما ذكره سلف الأمة من الصحابة والتابعين فيه في تفسير هذه السورة ، كتفسير ابن أبي حاتم، وابن جرير، وعبد بن حميد، وغيرها من تفاسير السلف.
    وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمهم و كافرهم أولهم و آخرهم ، و هو محمود صلى الله عليه وسلم بما ملأ الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، وفتح به القلوب،، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض، واستنقذهم من أسر الشياطين ، ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها ، فإنهم كانوا بين عباد أوثان وعباد صلبان وعباد نيران وعباد الكواكب، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله ، وحيران لا يعرف ربا يعبده ، ولا بماذا يعبده ، والناس يأكل بعضهم بعضاً ، من استحسن شيئاً دعا إليه ، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرق بنور الرسالة، وقد نظر الله سبحانه حينئذ إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا على آثار من دين صحيح، فأغاث الله به البلاد العباد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به من الجهالة، وكثر بعد القلة ، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم ، غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبداً وأعاد، واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين ، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره ، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده ، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ العتكبوت:51].
    روى أبو داود في مراسيله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى بيد بعض أصحابه قطعة من التوراة فقال: كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتابهم أنزل على غير نبيهم ، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ العتكبوت :51، فهذا حال من أخذ دينه عن كتاب منزل على غير النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمن أخذه عن عقل فلان وفلان ، وقدمه على كلام الله ورسوله؟.
    وعرفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع حسناً إلا أمرهم به ، ولا قبيحاً إلا نهى عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به، ولا من شيء يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه .
    قال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً.
    وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع باباً من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلاً إلا بينه وشرحه، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منهصلى الله عليه وسلم وجزاه عن أمته أفضل الجزاء.
    وأصح القولين في قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء:107]، أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان:
    أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين عدل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر، وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له.
    وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها ، وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته.
    الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد ، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض.
    ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق و كرائم الشيم ، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثاً، و أجودهم و أسخاهم ، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً ، كما روى البخاري في صحيحه : عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً، حتى يقولوا لا إله إلا الله .
    وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم ، وأفصح خلق الله، وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه ، وأشد الخلق ذباً عن أصحابه وحماية لهم ودفاعاً عنهم ، وأقوم الخلق بما يأمر به ، وأتركهم لما ينهي عنه ، وأوصل الخلق لرحمه ، فهو أحق بقول القائل:
    ‌برد على الأدنى ومرحمة وعلى الأعادي مازن جلد
    قال علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس صدراً، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بدهية هابه،
    ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
    فقوله : كان أجود الناس صدراً : أراد به بر الصدر وكثرة خيره، وأن الخير يتفجر منه تفجيراً، وأنه منطو على كل خلق جميل، وكل خير، كما قال بعض أهل العلم: ليس في الدنيا كلها محل كان أكثر خيراً من صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جمع الخير بحذافيره، وأودع في صدره صلى الله عليه وسلم.
    وقوله: أصدق الناس لهجة : هذا مما أقر له به أعداؤه المحاربون له ، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة قط ، دع شهادة أوليائه كلهم له به ، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات، مشركوهم وأهل الكتاب منهم، وليس أحد منهم يوماً من الدهر طعن فيه بكذبة واحدة صغيرة ولا كبيرة.
    قال المسور بن مخرمة : قلت لأبي جهل_ وكان خالي _ يا خال‍ هل كنتم تتهمون محمداً بالكذب قبل أن يقول مقالته؟ فقال: والله يا ابن أختي لقد كان محمد وهو شاب يدعى فينا الأمين، فلما وخطه الشيب لم يكن ليكذب. قلت : يا خال‍ فلم لا تتبعونه؟ فقال: يا ابن أختي،تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف ، فأطعموا وأطعمنا ، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، فلما تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي ، فمتى نأتيهم بهذه ؟‍ . أو كما قال.
    وقال تعالى : يسليه ويهون عليه قول أعدائه: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [الأنعام: 33-34].
    وقوله: ألينهم عريكة: يعني أنه سهل لين ، قريب من الناس ، مجيب لدعوة من دعاه ، قاض لحاجة من استقضاه، جابر لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده خائباً، إذا أراد أصحابه منه أمراص وافقهم عليه وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم.
    وقوله: أكرمهم عشرة : يعني أنه لم يكن يعاشر جليساً له إلا أتم عشرة وأحسنها وأكرمها ، فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمل غاية الاحتمال، فكانت عشرته لهم احتمال أذاهم وجفوتهم جملة، لا يعاقب أحداً منهم ولا يلومه ولا يباديه بما يكره. من خالطه يقول: أنا أحب الناس إليه ، لما يرى من لطفه به، وقربه منه، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، وتضحيته له ، وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأي عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة.
    قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، و لا فحاش ، ولا عياب ، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وترك ما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة من منطقه، ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه ، حتى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام.
    وقوله: من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه: وصفه بصفتين خص الله بهما أهل الصدق والإخلاص: وهما الإجلال والمحبة، فكان قد ألقى عليه هيبة منه ومحبة ، فكان كل من يراه يهبه ويجله، ويملأ قلبه تعظيماً وإجلالاً وإن كان عدواً له، فإذا خالطه وعاشره كان أحب إليه من كل مخلوق، فهو المجل المعظم المحبوب المكرم، وهذا كمال المحبة أن تقرن بالتعظيم والهيبة ، فالمحبة بلا تعظيم ولا هيبة ناقصة، والهيبة والتعظيم من غير محبة ناقصة، كما تكون للغادر الظالم نقص أيضاً، والكمال: أن تجتمع المحبة والود، والتعظيم والإجلال، وهذا لا يوجد إلا إذا كان في المحبوب صفات الكمال التي يستحق أن يعظم لأجلها ويحب لأجلها.
    ولما كان الله سبحانه وتعالى أحق بهذا من كل أحد كان المستحق لأن يعظم ويكبر ويهاب ويحب، ويود بكل جزء من أجزاء القلب، ولا يجعل له شريك في ذلك ، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله سبحانه: أن يسوي بينه وبين غيره في هذا الحب، قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله [البقرة: 165] فأخبر أن من أحب شيئاً غير الله مثل حبه لله كان قد اتخذه نداً، وقال أهل النار في النار لمعبودهم : تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء: 98]، ولم تكن تسويتهم لهم بالله في كونهم خلقوا السماوات والأرض، أو خلقوهم، أو خلقوا آباءهم ، وإنما سووهم برب العالمين في الحب لهم كما يحب الله، فإن حقيقة العبادة هي الحب والذل، وهذا هو الإجلال والإكرام الذي وصف به نفسه في قوله سبحانه وتعالى: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام [الرحمن: 78].
    وأصح القولين في ذلك: أن الجلال هو التعظيم، والإكرام هو الحب ، وهو سر قول العبد: لا إله إلا الله، والله أكبر ، ولهذا جاء في مسند الإمام أحمد: من حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام أي : الزموها والهجوا بها.
    وفي مسند أبي يعلى الموصلي: عن بعض الصحابة ، أنه طلب أن يعرف اسم الله الأعظم ، فرأى في منامه مكتوباً في السماء بالنجوم: يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، وكل محبة وتعظيم للبشر، فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسوله وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أ/ته يحبونه لحب الله له. ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له ، فهي محبة لله من موجبات محبة الله ، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان، ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم، تابع لمحبة الله ورسوله لهم.
    والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه من المهابة والمحبة ، ولكل مؤمن مخلص حظ من ذلك.
    قال الحسن البصري رحمه الله: إن المؤمن رزق حلاوة ومهابة. يعني يحب ويهاب ويجل بها، ألبسه الله سبحانه من ثوب الإيمان المقتضي لذلك ، ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صدره من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الصحابة رضي الله عنهم.
    قال عمرو بن العاص قبل إسلامه: إنه لم يكن شخص أبغض إلي منه ، فلما أسلم لم يكن شخص أحب إليه منه ولا أجل في عينه منه، قال: ولو سئلت أن أصفه لكم لما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له.
    وقال عروة بن مسعود لقريش: يا قوم‍ والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً صلى الله عليه وسلم، والله ما يحدون النظر إليه تعظيماً له، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فيدلك بها وجهه وصدره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
    فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملاً على ما يقتضي أن يحمد مرة بعد مرة سمي محمداً، وهو اسم موافق لمسماه، و لفظ مطابق لمعناه ، والفرق بين محمد وأحمد من وجهين.
    أحدهما: أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه . وأحمد أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره ، فمحمد زيادة حمد في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر.
    الوجه الثاني : أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل أحد الاسمين وهو محمد على كونه محموداً، ودل الاسم الثاني وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل، لا يبنيان من فعل المفعول، بناء منهم على أن أفعل التعجب والتفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم لا من المتعدي، ولهذا يقدرون نقله من فعل وفعل إلى بناء فعل بضم العين، قالوا: والدليل على هذا أنه تعدى بالهمزة إلى المفعول ، فالهمزة التي فيه للتعدية ، نحو: ما أظرف زيداً ، وأكرم عمراً، وأصلهما ظرف وكرم.
    قالوا: لأن المتعجب منه فاعل في الأصل، فوجب أن يكون فعله غير متعد.
    قالوا: وأما قولهم: ما أضرب زيداً لعمرو، وفعله متعد في الأصل. قالوا: فهو منقول من ضرب إلى وزن فعل اللازم، ثم عدي من فعل بهمزة التعدية.
    قالوا: والدليل على ذلك مجيئهم باللام فيقولون: ما أضرب زيداً لعمرو. ولو كان باقياً على تعديه، لقيل: ما أضرب زيداً عمراً، لأنه متعد إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بهمزة التعدية، فلما عدي إلى المفعول بهمزة التعدية عدي إلى الآخر باللام، فعلم أنه لازم، فهذا هو الذي أوجب لهم أن يقولوا: لا يصاغ ذلك إلا من فعل الفاعل، لا من الفعل الواقع على المفعول.
    ونازعهم في ذلك آخرون ، وقالوا: يجوز بناء فعل التعجب والتفضيل من فعل الفاعل، ومن الواقع على المفعول، تقول العرب : ما أشغله بالشيء، وهذا من شغل به على وزن سئل، فالتعجب من المشغول بالشيء لا من الشاغل، وكذا قولهم: ما أولعه بكذا، من أولع به مبني للمفعول، لأن العرب التزمت بناء هذا الفعل للمفعول ، ولم تبنه للفاعل، وكذلك قولهم: ما أعجبه بكذا، هو من أعجب بالشيء ، وكذا قولهم:
    ما أحبه إلي ، هو تعجب من فعل المفعول، وكذا قولهم : ما أبغضه إلي وأمقته إلي.
    وهنا مسألة مشهورة ذكرها سبويه ، و هي أنك تقول: ما أبغضني له، وما أحبني له، وما أمقتني له، إذا كنت أنت المبغض الكاره، والمحب والماقت، فيكون تعجباً من فعل الفاعل، وتقول: ما أبغضني إليه وما أمقتني إليه، وما أحبني إليه ، إذا كنت أنت المبغض الممقوت أو المحبوب، فيكون تعجباً من الفعل الواقع على المفعول، فما كان باللام فهو للفاعل، وما كان بإلى فهو للمفعول، وكذلك تقول ما أحبه إلي، إذا كان هو المحبوب وما أبغضه إلي ، إذا كان هو المبغض ، وأكثر النحاة لا يعللون هذا.
    والذي يقال في علته _ والله أعلم _ أن اللام تكون للفاعل في المعنى نحو قولك : لمن هذا الفعل؟ فتقول: لزيد فتأتي باللام، وأماإلى فتكون للمفعول في المعنى ، لأنه يقول: إلى من يصل هذا الفعل ؟ فتقول: إلى زيد.
    وسر ذلك أن اللام في الأصل للملك ، أو الاختصاص والاستحقاق، والملك والاستحقاق إنما يستحقه الفاعل الذي يملك ويستحق ، وإلى لانتهاء الغاية، والغاية منتهى ما يقتضيه الفعل، فهي بالمفعول أليق، لأنه تمام مقتضى الفعل.
    ومن التعجب من فعل المفعول، قول كعب بن زهير في النبي صلى الله عليه وسلم:
    فلهو أخوف عندي إذ أكلمه وقيل إنك محبوس ومقتول
    من ضيغم من ضراء الأرض مخدره ببطن عثر غيل دونه غيل
    فأخوف هنا من خيف لا من خاف ، وهو نظير أحمد من حمد، كسئل ، لا من حمد كعلم ، وتقول : ما أجنه ، من جن فهو مجنون.
    قال البصريون: هذا كله شاذ لا يعول عليه.
    قال الآخرون: هذا قد كثر في كلامهم جداً وحمله على الشذوذ غير جائز، لأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كلامهم، وهذا غير مخالف لذلك .
    قالوا: وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله إلى بناء فعل المضموم، فمما لا يساعد عليه دليل. وأما ما تمسكتم به من التعدية بالهمزة، فليس كما ذكرتم ، والهمزة هنا ليست للتعدية، وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل، كألف فاعل ، وميم مفعول ، وتاء الافتعال والمطاوعة ، ونحوها من الحروف التي تلحق الفعل الثلاثي، لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرد مدلوله، فهذا هو السبب الجالب لهذه الألف ، لا مجرد تعدية الفعل.
    قالوا: والذي يدل على هذا أن الفعل الذي يعدى بالهمزة يجوز أن يعدى بحرف الجر وبالتضعيف، تقول: أجلست زيداً وجلسته ، وجلست به ، وأقمته وقومته وقمت به ، وأنمته ونومته ، ونمت به ، ونظائر ذلك، وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها، فبطل أن تكون للتعدية.
    الثاني :أنها تجامع باء التعدية، فتقول : أحسن به وأكرم به، والمعنى ما أكرمه وما أحسنه، والفعل لا تجمع عليه بين معديين معاً.
    الثالث: أنهم يقولون : ما أعطى زيداً للدراهم، وما أكساه للثياب، وهذا من أعطى وكسا المتعدي، ولا يصح تقدير نقله إلى عطو إذا تناول، ثم أدخلت عليه همزة التعدية ، كما تأولن بعضهم لفساد المعنى، فإن التعجب إنما وقع من إعطائه لا من عطوه وهو تناوله ، والهمزة فيه همزة التعجب والتفضيل، وحذفت همزته التي في فعله ، فلا يصح أن يقال: هي للتعدية.
    قالوا: وأما قولكم إنه عدي باللام في قولهم: ما أضربه لزيد ، ولولا أنه لازم لما عدي باللام، فهذا ليس كما ذكرتم من لزوم الفعل ، وإنما هو تقوية له لما ضعف بمنعه من الصرف، وألزم طريقة واحدة خرج عن سنن الأفعال، وضعف عن مقتضاه، فقوي باللام، وهذا كما يقوى باللام إذا تقدم معموله عليه ، و حصل له بتأخره نوع وهن جبروه باللام، كما قال تعالى: إن كنتم للرؤيا تعبرون [يوسف: 43]، وكما يقوى باللام إذا كان اسم فاعل ، كما تقول: أنا محب لك ، ومكرم لزيد ونحوه، فلما ضعف هذا الفعل بمنعه من الصرف قوي باللام، وهذا المذهب هو الراجح كما تراه، والله أعلم.
    فلنرجع إلى المقصود، وهو أنه صلى الله عليه وسلم سمي محمداً وأحمد لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره ، فالاسمان واقعان على المفعول ، وهذا هو المختار، وذلك أبلغ في مدحه وأتم معنى ، ولو أريد به معنى الفاعل لسمي الحماد، وهو كثير الحمد، كما سمي محمداً وهو المحمود كثيراً، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمداً لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى حماداً كما أن اسم أمته الحمادون. وأيضاً فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه و خصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمداً و أحمد، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوت عد العادين، سمي باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة ، والله أعلم.
    فصل : قبل تسميته بمحمد ، ومناقشة ذلك من وجوه
    وقد ظن طائفة، منهم أبو القاسم السهيلي وغيره ، أن تسميته صلى الله عليه وسلم بـ أحمد كانت قبل تسميته بمحمد، فقالوا: ولهذا بشر المسيح باسم أحمد. وفي حديث طويل في حديث موسى لما قال لربه: يارب إني أجد أمة من شأنها كذا وكذا، فاجعلهم أمتي، قال : تلك أمة أحمد يا موسى، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد، قالوا: وإنما جاء تسميته بمحمد في القرآن خاصة ، لقوله تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد [محمد: 2]، وقوله: محمد رسول الله [الفتح:49]، وبنوا على ذلك أن اسمه أحمد تفضيل من فعل الفاعل، أي أحمد الحامدين لربه، ومحمد هو المحمود الذي تحمده الخلائق، وإنما يترتب هذا الاسم بعد وجوده وظهوره، فإنه حينئذ حمده أهل السماء والأرض، ويوم القيامة يحمده أهل الموقف ، فلما ظهر إلى الوجود وترتب على ظهوره من الخيرات ما ترتب ، حمده حينئذ الخلائق حمداً مكرراً، فتأخرت تسميته بمحمد، على تسميته بأحمد.
    وفي هذا الكلام مناقشة من وجوه:
    أحدها: أنه قد سمي بمحمد قبل الإنجيل، كذلك اسمه في التوراة وهذا يقر به كل عالم من مؤمني أهل الكتاب.
    ونحن نذكر النص الذي عندهم في التوارة وما هو الصحيح في تفسيره، قال في التوراة في إسماعيل قولاً هذه حكايته: وعن إسماعيل سمعتك ها أنا باركته وأيمنته مماد باد ، وذكر هذا بعد أن ذكر إسماعيل، وأنه سيلد اثني عشر عظيماً ، منهم عظيم يكون اسمه مماد باد وهذا عند العلماء المؤمنين من أهل الكتاب صريح في اسم النبي صلى الله عليه وسلم محمد.
    ورأيت في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن ، قال الشارح: هذان الحرفان في موضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأنك إذا اعتبرت حروف اسم محمد وجدتها في الحرفين المذكورين لأن ميمي محمد وهي الحاء ودالة بإزاء بقية الحرفين وهي الباء، والألفان والدال الثانية.
    قلت : يريد بالحرفين الكلمتين ، قال: لأن للحاء من الحساب ثمانية من العدد، والباء لها اثنان، وكل ألف لها واحد، والدال بأربعة ، فيصير المجموع ثمانية، وهي قسط الحاء من العدد الجملي، فيكون الحرفان معنى الكلمتين وهما مما باد وقد تضمنا بالتصريح ثلاثة أرباع اسم محمد صلى الله عليه وسلم وربعه الآخر قد دل عليه بقية الحرفين بالكتابة بالطريق التي أشرت إليها.
    قال الشارح: فإن قيل: فما مستندكم في هذا التأويل؟.
    قلنا: مستندنا فيه مستند علماء اليهود في تأويل أمثاله من الحروف المشكلة التي جاءت في التوراة، كقوله تعالى: يا موسى قل لبني إسرائيل أن يجعل كل واحد منهم في طرف ثوبه خيطاً أزرق له ثمانية أرؤس، ويعقد فيه خمس عقد ويسميه صيصيت ، قال علماء اليهود: تأويل هذا وحكمته أن كل من رأى ذلك الخيط الأزرق وعدد أطرافه الثمانية، وعقده الخمس، وذكر اسمه ، ذكر ما يجب عليه من فرائض الله سبحانه وتعالى، لأن الله تعالى افترض على بني إسرائيل ستمائة وثلاث عشرة شريعة، لأن الصادين والياءين بمائتين، والتاء بأربعمائة فيصير مجموع الاسم ستمائة، والأطراف والعقد ثلاثة عشر، كأنه يقول بصورته واسمه:اذكر فرائض الله عز وجل.
    قال هذا الشارح: وأما قول كثير من المفسرين : إن المراد بهذين الحرفين (جداً جداً) لكون لفظ (ماد) قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى (جداً) قال: فهذا لا يصح لأجل الباء المتصلة بهذا الحرف، فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل: أنا أكرمك بجداً، فلما نقل هذا الحرف من التوراة الأزلية التي نزلت في ألواح الجوهر على الكليم بالخط الكينوني، و هذا الحرف فيها موصولاً بالباء، علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال: هي بمعنى جداً، إذ لا تأويل يليق بها غير هذا التفسير، بدليل قوله تعالى في غير هذا الموضع لإبراهيم عن ولده إسماعيل: إنه يلد اثني عشر شريفاً ومن شريف منهم يكون شخص اسمه مماد باد ، فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل فبطل قول من قال: إنه بمعنى المصدر للتوكيد، فإن التصريح بكونه اسم عين يناقض من يدعي أنه اسم معنى، والله أعلم. تم كلامه.
    وقال غيره: لا حاجة إلى هذا التعسف في بيان اسمه صلى الله عليه وسلم في التوراة، بل اسمه فيها أظهر من هذا كله، وذلك أن التوراة هي باللغة العبرية، وهي قريبة من العربية ، بل هي أقرب لغات الأمم إلى اللغة العربية ، وكثيراً ما يكون الاختلاف بينهما في كيفيات أداء الحروف والنطق بها من التفخيم والترقيق والضم والفتح، وغير ذلك، واعتبر هذا بتقارب ما بين مفردات اللغتين فإن العرب يقولون: لا والعبرانيين تقول لو فيضمون اللام، ويأتون بالألف بين الواو والألف، وتقول العرب : قدس، ويقول العبرانيون :قدسي ، وتقول العرب: أنت ويقول العبرانيون: أنا، وتقول العرب: يأتي كذا، ويقول العبرانيون: يؤتى فيضمون الياء ، ويأتون بالألف بين هاتين الواو والألف، وتقول العرب: قدسك، ويقول العبرانيون: قد شحا ، وتقول العرب: منه، ويقول العبرانيون: ممنو، وتقول العرب: من يهوذا، ويقول العبرانيون: مهوذا، وتقول العرب: سمعتك، ويقول العبرانيون: شمعيخا، وتقول العرب: من، ويقول العبرانيون: مي، وتقول العرب: يمينه، ويقول العبرانيون: مينو، وتقول العرب: له، ويقول العبرانيون: لو بين الواو والألف، وكذلك تقول العرب: أمة ، ويقول العبرانيون: أموا، وتقول العرب: أرض، ويقول العبرانيون: إيرض،وتقول العرب: واحد، ويقول العبرانيون: إيحاد، وتقول العرب: عالم، ويقول العبرانيون: عولام، وتقول العرب: كيس، ويقول العبرانيون: كييس، وتقول العرب: يأكل، ويقول العبرانيون: يوخل، وتقول العرب: تين، ويقول العبرانيون: تيين، وتقول العرب: إله، ويقول العبرانيون: أولوه، وتقول العرب: إلهنا، ويقول العبرانيون: أولوهينو، وتقول العرب: أبانا، ويقول العبرانيون: أبوتينا، ويقولون: يا صباع إلوهيم يعنون يا أصبع الإله،، ويقولون: مابنم يعنون الابن ويقولون: حاليب بمعنى حليب . فإذا أرادوا يقولون: لا تأكل الجدي في حليب أمه، قالوا: لو توخل لذي ما حلوب أمو.
    ويقولون: لو توكلوا، أي لا تأكلوا. ويقولون للكتب: المشتنا ومعناها: بلغة العرب المثناة التي تثنى ، أي تقرأ مرة بعد مرة ، ولا نطيل بأكثر من هذا في تقارب اللغتين ،وتحت هذا سر يفهمه من فهم تقارب ما بين الأمتين والشريعتين.
    واقتران التوراة بالقرآن في غير موضع من الكتاب، كقوله تعالى: أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون * قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين [القصص: 48-49]، وقوله في الأنعام رداً على من قال:
    ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس الآية، ثم قال: وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه [الأنعام: 91-92]، وقال في آخر السورة: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون [الأنعام:154-155]، وقال في أول سورة آل عمران: الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس [آل عمران:1-2]،وقال: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون [الأنبياء:48-50].
    ولهذا يذكر سبحانه وتعالى قصة موسى ويعيدها ويبديها، ويسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يناله من أذى الناس: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر.
    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى لو كان فيهم من أتى أمه علانية لكان في هذه الأمة من يفعله .
    فتأمل هذا التناسب بين الرسولين والكتابين والشريعتين ، أعني الشريعة الصحيحة التي لم تبدل، والأمتين واللغتين، فإذا نظرت في حروف محمد وحروف مماد باد وجدت الكلمتين كلمة واحدة، فإن الميمين فيهما والهمزة والحاء من مخرج واحد، والدال كثيراً ما تجد موضعها ذالاً في لغتهم : يقولون : إيحاذ للواحد، ويقولون: قوذش في القدس والدال والذال متقاربتان، فمن تأمل اللغتين وتأمل هذين الاسمين لم يشك أنهما واحد. ولهذا نظائر في اللغتين مثل موسى فإنه في اللغة العبرانية موشى بالشين، وأصله الماء والشجر، فإنهم يقولون للماء: مو وشا هو الشجر ، وموسى التقطه آل فرعون من بين الماء والشجر فالتفاوت الذي بين موسى وموشى كالتفاوت بين محمد ومماد باد.
    وكذلك إسماعيل هو في لغتهم يشماعيل بالألف بين الياء والألف، وبشين بدل السين، فالتفاوت بينهما كالتفاوت بين محمد ومماد باد وكذلك العيص وهو أخو يعقوب يقولون له عيسى ، وهو عيص، ونظير هذا في غير الأعلام مما تقد قوله: (يشماعون) يعنون : يسمعون،، ويقولون: (آقيم) بمد الهمزة مع ضمها أي : أقيم ، ويقولون: (مي قارب ) أي من قارب، ووسط أخيهيم ، أي إخوتهم، و هذا مما يعترف به كل مؤمن عالم من علماء أهل الكتاب.
    والمقصود أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة (محمد) كما هو في القرآن (محمد) ، وأما المسيح فإنما سماه (أحمد) كما حكاه الله عنه في القرآن، فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمداً في التوراة، ومتقدمة على تسميته محمداً في القرآن ، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وقد تقدم أن هذين الاسمين صفتان في الحقيقة، والوصفية فيهما لا تنافي العلمية، وأن معناهما مقصود، فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها، فمحمد مفعل من الحمد، وهو الكثير الخصال التي يحمد عليها حمداً متكرراً ، حمداً بعد حمد، وهذا إنما يعرف بعد العلم بخصال الخير وأنواع العلوم والمعارف والأخلاق والأوصاف والأفعال التي يستحق تكرار الحمد عليها، ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول، والكتاب الذي قال الله فيه: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء [الأعراف: 145]، ولهذا كانت أمة موسى أوسع علوماً ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن لمحاسن الكتابين.
    فعرف النبي صلى الله عليه وسلم عند هذه الأمة باسم محمد الذي قد جمع خصال الخير، التي يستحق أن يحمد عليها حمداً بعد حمد، وعرف عند أمة المسيح بـ أحمد الذي يستحق أن يحمد أفضل مما يحمد غيره، والذي حمده أفضل من حمد غيره، فإن أمة المسيح أمة لهم من الرياضات والأخلاق والعبادات ما ليس لأمة موسى، ولهذا كان غالب كتابهم مواعظ وزهد وأخلاق وحض على الإحسان والاحتمال والصفح، حتى قيل إن الشرائع ثلاثة: شريعة عدل ، وهي شريعة التوراة، فيها الحكم والقصاص، وشريعة فضل، وهي شريعة الإنجيل، مشتملة على العفو ومكارم الأخلاق والصفح والإحسان ، كقوله: من أخذ رداءك فأعطه ثوبك، ومن لطمك على خدك الأيمن، فأدر خدك الأيسر، ومن سخرك ميلاً فامش معه ميلين، ونحو ذلك. وشريعة جمعت هذا وهذا، وهي شريعة القرآن، فإن يذكر العدل ويوجبه، والفضل ويندب إليه ، كقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين [غافر:4]،
    فجاء اسمه عند هذه الأمة بأفعل التفضيل الدال على الفضل والكمال، كما جاءت شريعتهم بالفضل المكمل لشريعة التوراة، وجاء في الكتاب الجامع لمحاسن الكتب قبله الاسمين معاً ، فتدبر هذا الفضل وتبين ارتباط المعاني بأسمائها ومناسبتها لها، والحمد لله المان بفضله وتوفيقه.
    وقول أبي القاسم: إن اسم محمد صلى الله عليه وسلم إنما ترتب بعد ظهوره إلى الوجود، لأنه حينئذ حمد حمداً مكرراً، فكذلك يقال في اسمه أحمد أيضاً سواء، وقوله في اسمه أحمد إنه تقدم لكونه أحمد الحامدين لربه، وهذا يقدم على حمد الخلائق له ، فبناء منه على أنه تفضيل من فعل الفاعل، وأما على القول الآخر الصحيح فلا يجيء هذا ،وقدم تقدم تقرير ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    فصل: معنى الآل واشتقاقه وأحكامه
    وفيه قولان : أحدهما : أن أصله أهل ، ثم قلبت الهاء همزة فقيل: آل، ثم سهلت على قياس أمثالها فقيل: آل. قالوا: ولهذا إذا صغر رجع إلى أصله فقيل: أهيل، قالوا: ولما كان فرعاً عن فرع خصوه ببعض الأسماء المضاف إليها، فلم يضيفوه إلى أسماء الزمان ولا المكان ولا غير الأعلام، فلا يقولون: آل رجل وآل امرأة، ولا يضيفونه إلى مضمر فلا يقال آله وآلي ، بل لا يضاف إلا إلى معظم، كما أن التاء لما كانت في القسم بدلاً عن الواو، وفرعاً عليها، والواو فرعاً من فعل القسم ، خصوا التاء بأشرف الأسماء وأعظمها، وهو اسم الله تعالى.وهذا القول ضعيف من وجوه:
    أحدها : أنه لا دليل عليه.
    الثاني: أنه يلزم منه القلب الشاذ من غير موجب ، مع مخالفة الأصل.
    الثالث: أن الأهل تضاف إلى العاقل وغيره، والآل لا تضاف إلا إلى عاقل.
    والرابع: أن الأهل تضاف إلى العلم والنكرة، والآل لا يضاف إلا إلى معظم من شأنه أن غيره يؤول إليه.
    الخامس: أن الأهل تضاف إلى الظاهر والمضمر، والآل ، من النحاة من منع إضافته إلى المضمر، ومن جوزها فهي شاذة قليلة.
    السادس: أن الرجل حيث أضيف إلى آله دخل فيه هو ، كقوله تعالى: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر:46]، وقوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [آل عمران:33]، وقوله: إلا آل لوط نجيناهم بسحر [القمر:34].
    وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم صل على آل أبي أوفى هذا إذا لم يذكر معه من أضيف إليه الآل، وأما إذا ذكر معه فقد يقال ذكر مفرداً وداخلاً في الآل، وقد يقال ذكره مفرداً أغنى عن ذكره مضافاً، والأهل بخلاف ذلك، فإذا قلت : جاء أهل زيد، لم يدخل فيهم.
    وقيل: بل أصله أول ، وذكره صاحب الصحاح في باب الهمزة والواو واللام، وقال: وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضاً: أتباعه ، وهو عند هؤلاء مشتق من آل يؤول : إذا رجع، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون إليه ، ويؤولهم أي : يسوسهم، فيكون مآلهم إليه ، ومنه الإيالة وهي السياسة، فآل الرجل هم الذين يسوسهم ويؤولهم ، ونفسه أحق بذلك من غيره ، فهو أحق بالدخول في آله، ولكن لا يقال : إنه مختص بآله، بل هو داخل فيهم، وهذه المادة موضوعة لأصل الشيء وحقيقته ، ولهذا سمي حقيقة الشيء تأويله ، لأنها حقيقته التي يرجع إليها.
    ومنه قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق [الأعراف:53]، فتأويل ما أخبرت به الرسل هو مجيء حقيقته ورؤيتها عياناً، ومنه تأويل الرؤيا، وهو حقيقتها عياناً ، ومنه تأويل الرؤيا الخارجية التي ضربت للرائي في عالم المثال، ومنه التأويل بمعنى العاقبة، كما قيل في قوله تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء:59]، قيل : أحسن عاقبة ، فإن عواقب الأمور هي حقائقها التي تؤول إليها، ومنه التأويل بمعنى التفسير ، لأن تفسير الكلام هو بيان معناه وحقيقته التي يراد منه.
    قالوا: ومنه الأول لأنه أصل العدد ومبناه الذي يتفرع منه ، ومنه الآل بمعنى الشخص نفسه ، قال أصحاب هذا القول: والتزمت العرب إضافته، فلا يستعمل مفرداً إلا في نادر الكلام، كقول الشاعر:
    ‌‍نحن آل الله في بلدتنا لم نزل آلاً على عهد إرم
    والتزموا أيضاً إضافته إلى الظاهر، فلا يضاف إلى مضمر إلا قليلاً، وعد بعض النحاة إضافته إلى المضمر لحناً ، كما قال أبو عبد الله بن مالك، والصحيح أنه ليس بلحن ، بل هو من كلام العرب، لكنه قليل،
    ومنه قول الشاعر:
    أنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي ، فما يحمي حقيقة آلكا؟
    وقال عبد المطلب في الفيل وأصحابه:
    وانصر على آل الصليـ ـب وعابديه اليوم آلك
    فأضافه إلى الياء والكاف، وزعم بعض النحاة أنهلا يضاف إلا إلى علم من يعقل. وهذا الذي قاله هو الأكثر، وقد جاءت إضافته إلى غير من يعقل، قال الشاعر:
    نجوت ولم يمنن علي طلاقه سوى زبد التقريب من آل أعوجا
    وأعوج : علم فرس.
    قالوا: ومن أحكامه أيضاً أنه لا يضاف إلا إلى متبوع معظم ، فلا يقال آل الحائك، وآل الحجام، ولا آل رجل.
    فصل : في معنى الآل
    وأما معناه فقالت طائفة: يقال آل الرجل له نفسه، وآل الرجل لمن يتبعه نفسه، وآله لأهله وأقاربه، فمن الأول قول النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ لما جاءه أبو أوفى بصدقته: اللهم صل على آل أبي أوفى ، وقوله تعالى سلام على إل ياسين [الصافات: 130]، وقول النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، فآل إبراهيم هو إبراهيم ، لأن الصلاة المطلوبة للنبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ هي الصلاة على إبراهيم نفسه وآله تبع له فيها. ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا: لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب، وما ذكرتموه من الأدلة فالمراد بها الأقارب، وقوله: كما صليت على آل إبراهيم آل إبراهيم هنا هم الأنبياء، والمطلوب من الله سبحانه أن يصلي على رسوله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ كما صلى على جميع الأنبياء من ذرية إبراهيم لا إبراهيم وحده، كما هو مصرح به في بعض الألفاظ من قوله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وأما قوله تعالى: سلام على إل ياسين [الصافات:130] فهذه فيها قراءتان
    إحداهما : إلياسين بوزن إسماعيل، وفيه وجهان:
    أحدهما: أنه اسم ثان للنبي إلياس، وإلياسن كميكال وميكائيل.
    والوجه الثاني: أنه جمع ، وفيه وجهان:
    أحدهما: أنه جمع إلياس، وأصله إلياسيين ، بيائين كعبرانيين ، ثم خففت إحدى اليائين فقيل إلياسين، والمراد أتباعه، كما حكى سيبويه الأشعرون ومثله الأعجمون.
    والثاني: أنه جمع إلياس محذوف الياء.
    والقراءة الثانية: سلام على إل ياسين وفيه أوجه:
    أحدها: أن ياسين أسم لأبيه فأضيف إليه الآل ، كما يقال آل إبراهيم.
    والثاني : أن آل ياسين هو إلياس نفسه ، فيكون آل مضافة إلى يس، والمراد بالآل يس نفسه ، كما ذكر الأولون.
    والثالث: أنه على حذف ياء النسب، فيقال: يس ، وأصله ياسيين ، كما تقدم ، وآلهم أتباعهم على دينهم.
    والرابع: أن يس هو القرآن، وآله هم أهل القرآن.
    والخامس: أنه النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎ ، وآله أقاربه وأتباعه كما سيأتي.
    وهذه الأقوال كلها ضعيفة، والذي حمل قائلها عليها استشكالهم إضافة آل إلى يس، واسمه إلياس وإلياسين، ورأوها في المصحف مفصولة، وقد قرأها بعض القراء: آل ياسين فقال طائفة منهم: له أسماء يس، وإلياسين، وإلياس ، وقالت طائفة: يس اسم لغيره، ثم اختلفوا، فقال الكلبي: يس محمد ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎، وقالت طائفة: هو القرآن، وهذا كله تعسف ظاهر لا حاجة إليه، والصواب واللع أعلم في ذلك أن أصل الكلمة آل إلياسين، كآل إبراهيم، فحذفت الألف واللام من أوله لاجتماع الأمثال، ودلالة الاسم على موضع المحذوف ، وهذا كثير في كلامهم، إذا اجتمعت الأمثال كرهوا النطق بها كلها، فحذفوا منها ما لا إلباس في حذفه، وإن كانوا لا يحذفونه في موضع لا تجتمع فيه الأمثال، ولهذا لا يحذفون النون من إني، وأني، وكأني، ولكني ولا يحذفونها من ليتني ولما كانت اللام في لعل شبيهة بالنون حذفوا النون معها، ولا سيما عادة العرب في استعمالها للاسم الأعجمي وتغييرها له، فيقولون مرة : إلياسين، ومرة إلياس ومرة ياسين وربما قالوا: ياس ويكون على إحدى القراءتين قد وقع المسلم عليه، وعلى القراءة الأخرى على آله ، وعلى هذا ففصل النزاع بين أصحاب القولين في الآل إن أفرد دخل فيه المضاف إليه، كقوله تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر46]، ولا ريب في دخوله في آله هنا. وقوله: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين [الأعراف:130] ونظائره.
    وقول النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‎‎: اللهم صل على آل أبي أوفى ، ولا ريب في دخول أبي أوفى نفسه في ذلك ، وقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، هذه أكثر روايات البخاري، وإبراهيم هنا داخل في آله، ولعل هذا مراد من قال: آل الرجل نفسه.
    وأما إن ذكر الرجل ، ثم ذكر آله لم يدخل فيها ق بين اللفظ المجرد والمقرون، فإذا قلت: أعط لزيد وآل زيد، لم يكن زيد هنا داخلاً في آله ، وإذا قلت: أعطه لآل زيد تناول زيداً وآله، وهذا له نظائر كثيرة، قد ذكرناها في غير هذا الموضع، وهي أن اللفظ تختلف دلالته بالتجريد والاقتران، كالفقير والمسكين، هما صنفان إذا قرن بينهما، وصنف واحد إذا أفرد كل منهما، ولهذا كانا في الزكاة صنفين، وفي الكفارات صنف واحد ، وكالإيمان والإسلام، والبر والتقوى، والفحشاء والمنكر، والفسوق والعصيان، ونظائر ذلك كثيرة ولا سيما في القرآن. ‏‏
    بيان ترجمة زوجته الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها
    وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها، وعن أبيها، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة، وتوفيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين.
    ومن خصائصها: أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره، وقد سئل: أي الناس أحب إليك ؟ قال: عائشة. قيل : فمن الرجال؟ قال: أبوها .
    ومن خصائصها أيضاً: أنه لم يتزوج امرأة بكراً غيرها ومن خصائصها : أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.
    ومن خصائصها: أن الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال: ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك . فقالت : بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقلن كما قالت.
    ومن خصائصها: أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبرائتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها ، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ، ولا خافضاً من شأنها، بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها، وأعظم شأنها، وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء ، فيا لها من منقبة ما أجلها.
    وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت : ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها . فهذه صديقة الأمة، وأم المؤمنين، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون لها، مفترون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنك بمن صام يوماً أو يومين أو شهراً وشهرين، وقام ليلة أو ليلتين، وظهر عليه شيء من الأحوال، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم، ويغتنم صالح دعائهم، وأنهم يجب على الناس احترامهم، وتعظيمهم ـ وتعزيرهم، وتوقيرهم ، فيتمسح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنهم من الله بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقصهم في الحال، وأن يؤخذ ممن أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وأن الإساءة عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم، ولو كان هذا من وراء كفاية لهان، ولكن من وراء تخلف ، وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم ، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وذنوبه، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعله عند الله خير منه.
    نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة، وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما وهو عند الله حقيراً.
    ومن خصائصها رضي الله عنها : أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم الأمر من الدين استفتوها ، فيجدون علمه عندها .
    ومن خصائصها رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها.
    ومن خصائصها رضي الله عنها: كأن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير، فقال: إن يكن هذا من عند الله يمضه .
    ومن خصائصها رضي الله عنها : أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقرباً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين، وتكنى أم عبد الله ، وروى أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطاً، ولا يثبت ذلك .
    ومن نسائه رضي الله عنهن حفصة بنت عمر بن الخطاب
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدراً ، توفيت سنة سبع ، وقيل : ثمان وعشرين.
    ومن خواصها : ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها ، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة .
    وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا أحمد ، حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى حدثنا جدي حرملة ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمرو بن صالح الحضرمي ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه، عن عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فوضع التراب على رأسه، وقال ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله تعالى عنه.
    ومن نسائه أم حبيبة بنت أبي سفيان واختلاف أهل العلم في ذلك
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر بالحبشة، وأتم الله لها الإسلام ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فيها إلى أرض الحبشة، وولى نكاحها عثمان بن عفان ، وقيل : خالد بن سعيد بن العاص .
    * وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل، عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: وكان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ثلاث خلال أعطيهن . قال : نعم . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . قال: نعم قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال : نعم ، قال: وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم . قال أبو زميل : ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك ، لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال نعم .
    * وقد أشكل هذا الحديث على الناس: فإن أم حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلام أبي سفيان كما تقدم، زوجها إياه النجاشي ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح أزوجك أم حبيبة ؟ فقالت طائفة: هذا الحديث كذب لا أصل له. قال ابن حزم : كذبه عكرمة بن عمار ، وحمل عليه.
    واستعظم ذلك آخرون ، وقالوا أنى يكون في صحيح مسلم حديث موضوع، وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجدد له العقد على ابنته ليبقى له وجه بين المسلمين وهذا ضعيف، فإن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده وهو الصادق الوعد، ولم ينقل أحد قط أنه جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، ولو نقل واحد عن واحد، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع، ولم يزد القاضي عياض على استشكاله، فقال: والذي وقع في مسلم من هذا غريب جداً عند أهل الخبر، وخبرها مع أبي سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور.
    وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته الأخرى عزة أخت أم حبيبة . قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبو سفيان لحداثة عهده بالإسلام، وقد خفي هذا على ابنته أم حبيبة ، حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي ، فأراد أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى، فاشتبه على الراوي، وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة ، وهذا التسمية من غلط بعض الرواة، لا من قول أبي سفيان ، لكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها لقال: إنها لا تحل لي : كما قال ذلك لأم حبيبة ، ولولا هذا لكان التأويل في الحديث من أحسن التأويلات.
    وقالت طائفة: لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمد المنذري ، وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه:
    أحدها : أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن ، ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله.
    الثاني أن قصة أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلى الله عليه وسلم خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة بالمدينة، وتزويجه حفصة بالمدينة ، وصفية عام خيبر، و ميمونة في عمرة القضية، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة لقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهر الصحة يخالفها عدوه غلطاً ، ولم يلتفتوا إليه، ولا ينكرهم مكابرة نفوسهم في ذلك.
    الثالث: أنه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله أنه لم يتأخر نكاح أم حبيبة إلى بعد فتح مكة ، ولا يقع ذلك في وهم أحد منهم أصلاً.
    الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي ع هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم .فال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر . وهذا مشهور عند أهل المغازي ( وذكره ابن إسحاق وغيره في قصة قدوم أبي سفيان المدينة لتجديد الصلح).
    الخامس: أن أم حبيبة كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله بن حجش ثم تنصر زوجها وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت هي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة، وكانت عنده ولم تكن عند أبيها، وهذا مما لا يشك في ه أحد من أهل النقل، ومن المعلوم أن أباها لم يسلم إلا عام الفتح فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزوجك إياها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟ فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه، فهو محال، فإنها لم تكن عنده ولم يكن له ولاية عليها أصلاً، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضاً، لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح.
    فإن قيل: بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح، لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد ابن إسحاق مرسلاً، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق ، فكيف بمراسيله فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة: وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا.
    فالجواب من وجوه :
    أحدها : أن ما ذكره هذا الاقئل إنما يمكن عند تساوي النقلين ، فيرجح بما ذكره، وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقنه فلا يلتفت إليه، فإنه لا يعلم نزاع بين أثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى بعد الفتح ، ولم يقله أحد منهم قط، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكو فيه.
    الثاني : أن قوله: إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه. فجوابه: أن الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها ، وأنه هلك نصرانياً بأرض الحبشة ، وأن النجاشي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير، وذكرها أئمة العلم، واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح.
    قال الشافعي في رواية الربيع ، في حديث عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نكح الوليان فالأول أحق . قال : فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة مع توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرة بن أمية الضمري ، فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان .
    وقال الشافعي في كتابه الكبيرة أيضاً، رواه الربيع: ولا يكون الكافر ولياً لمسلمة وإن كانت ابنته ، قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأبو سفيان حي، لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم ، ولا أعلم مسلماً أرب لها منه ، ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية ، لأن الله قطع الولاية بين المسلمين والمشركين، والمواريث والعقل وغير ذلك، وابن سعيد هذا الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص ، ذكره ابن إسحاق، وغيره ، وذكر عروة والزهري أن عثمان بن عفان هو الذي ولي نكاحها، وكلاهما ابن عم أبيها ، لأن عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية ، وخالد هو ابن سعيد بن أمية ، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أمية.
    والمقصود أن أئمة الفقه والسير ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة، وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح اغتراراً منه بحديث عكرمة بن عمار
    الثالث : أن عكرمة بن عمار راوي حديث ابن عباس هذا قد ضعفه كثير من أئمة الحديث ، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، قال ليست أحاديثه بصحاح . وقال الإمام أحمد : أحاديثه ضعاف . وقال أبو حاتم : عكرمة هذا صدوق، وربما وهم ، وربما دلس . وإذا كان هذا حال عكرمة فلعله دلس هذا الحديث عن غير حافظ أو غير ثقة فإن مسلماً في صحيحه : رواه عن عباس بن عبد العظيم ، عن النضر بن محمد ، عن عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل ، عن ابن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد ، عن عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل ، عن ابن عباس ، وهكذا معنعناً. ولكن قد رواه الطبراني في معجمه ، فقال: حدثنا محمد بن محمد الجذوعي ، حدثنا العباس بن عبد العظيم ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني ابن عباس ، فذكره.
    وقال أبو الفرج بن الجوزي في هذا الحديث: هو وهم من بعض الرواة، لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث، قال: وإنما قلنا إن هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن حجش ، وولدت له وهاجر بها، وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر ، وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة ، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمانً ولا يعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان. آخر كلامه.
    وقال أبو محمد بن حزم : هذا حديث موضوع لا شك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار ، ولم يختلف في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الفتح بدهر، وأبوها كافر
    فإن قيل : لم ينفرد عكرمة بن عمار بهذا الحديث ، بل قد توبع عليه فقال الطبراني في معجمه: حدثنا على بن سعيد الرازي ، حدثنا محمد بن حليف بن مرسال الخثعمي ، قال: حدثني عمي إسماعيل بن مرسال ، عن أبي زميل الحنفي ، قال: حدثني ابن عباس ، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يفاتحونه فقال : يا رسول الله، ثلاث أعطيهن. الحديث.
    فهذا إسماعيل بن مرسال قد رواه عن أبي زميل، كما رواه عنه عكرمة بن عمار ، فبرىء عكرمة من عهدة التفرد.
    قيل: هذه المتابعة لا تفيده قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، ولا هم ممن يحتج بهم ، فضلاً عن أن تقدم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصة أهل العلم وعامتهم ، فهذه المتابعة إن لم تزده وهناً لم تزده قوة ، وبالله التوفيق.
    وقالت طائفة منهم البيهقي و المنذري رحمهما الله تعالى : يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة ، وهو كافر، حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراوي. وهذا أيضاً ضعيف جداً، فإن أبا سفيان إ،ما قدم المدينة آمناً بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح ، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يقد المدينة ، حتى قدم وزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ؟ فهذا غلط ظاهر.
    وأيضاً فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها ، ولا تأخر ذلك إلى بعد إسلامه، لما تقدم ، فعلى التقديرين لا يصح قوله: أزوجك أم حبيبة.
    وأيضاً فإن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، وأنه قال: ثلاث أعطنيهن.. الحديث، ومعلوم أن سؤاله تأميره واتخاذ معاوية كاتباً إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال بل سأل بعض ذلك في حال كفره وبعضه هو مسلم؟ وسياق الحديث يرده.
    وقالت طائفة : بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعاً، إذ القول بأن في صحيح مسلم حديثاً موضوعاً مما ليس يسهل، قال: ووجهه أن يكون معنى أزوجكها أرضى بزواجك بها، فإنه كان على رغم مني، وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحاً، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه من تأليف القلوب، قال: وتكون إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بنعم كانت تأنيساً له، ثم أخبره بعد بصحة العقد فإنه لا يشترط رضاك ولا ولاية عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله، وهذا مما لا يقوى أيضاً.
    ولا يخفى شدة بعد هذا التأويل من اللفظ، وعدم فهمه منه فإن قوله: عندي أجمل العرب أزوجكها. لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي في عصمة نكاحك، أرضى زواجك بها. ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي: نعم فإنه إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمراً تكون الإجابة إليه من جهته صلى الله عليه وسلم ، فأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم .
    ولو قيل: طلب منه أن يقره على نكاحه إياها وسمى إقراره نكاحاً. لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ، وكل هذه تأويلات مستنكرات في غاية المنافرة للفظ ولمقصود الكلام.
    وقالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيراً فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر أو بعد إسلامه حين كان النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهراً واعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإيلاء طلاق كما توهمه عمر رضي الله عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم متعطفاً له ومتعرضاً لعله يراجعها، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بنعم، على تقدير: إن امتد الإيلاء أو وقع طلاق، فلم يقع شيء من ذلك.
    وهذا أيضاً في الضعف من جنس ما قبله، ولا يخفى أن قوله: عندي أجمل العرب وأحسنه أزوجك إياها. أنه لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء ووقوع الفرقة به، ولا يصح أن يجاب بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضراً وقت الإيلاء أصلاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل في مشربة له حلف أن لا يدخل على نسائه شهراً، وجاء عمر بن الخطاب فاستأذن عليه في الدخول مراراً فأذن له في الثالث، فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا فقال عمر :الله أكبر. واشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذ؟.
    ورأيت للشيخ محب الدين الطبري كلاماً على هذا الحديث ، قال في جملته: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطيهن: أم حبيبة أزوجكها، و معاوية يسلم فيكون كاتباً بين يديك، وتؤمرني بعد إسلامي فأقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين.
    وهذا باطل أيضاً من وجوه:
    أحدها: قوله: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبو سفيان ولا يقاعدونه. فقال: يا نبي الله ثلاث أعطيهن. فيا سبحان الله! هذا يكون قد صدر منه وهو بمكة قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أو وقت قدومه المدينة وأم حبيبة عند النبي صلى الله عليه وسلم لا عنده؟ فما هذا التكلف البارد؟ وكيف يقول وهو كافر: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين. وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور الله، وهذه قصة إسلام أبي سفيان معروفة لا اشتراط فيها ولا تعرض لشيء من هذا.
    وبالجملة فهذه الوجوه وأمثالها مما يعلم بطلانها واستكراهها وفثاثتها، ولا تفيد الناظر فيها علماً، بل النظر فيها والتعرض لإبطالها من منارات العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
    فالصواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم.
    وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله تعالى وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة، وقالت إنك مشرك. ومنعته من الجلوس عليه.
    من نسائه صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند بنت أبي أمية
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب . وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد . توفيت سنة اثنين وستين ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتاً، وقيل: بل ميمونة.
    * ومن خصائصها: أن جبرائيل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهي عنده، فرأته في صورة الكلبي، ففي صحيح مسلم : عن أبي عثمان ، قال: أنبئت أن جبرائيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة ،قال: فجعل يتحدث، ثم قام، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: من هذا؟ - قال - قالت : هذا دحية الكلبي قالت : أيم الله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم يخبر بخبر جبرائيل - أو كما قال. قال سليمان التيمي : فقلت لأبي عثمان : ممن سمعت هذا الحديث؟ قال؟ من أسامة بن زيد.
    وزوجها ابنها عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وردت طائفة ذلك: بأن ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقل به التزويج.
    ورد الإمام أحمد ذلك وأنكر على من قاله، ويدل على صحة قوله ما روى مسلم في صحيحه: أن عمر بن أبي سلمة ابنها سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم، فقال: سل هذه؟، يعني أم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. فقال: لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم يحل لرسوله ما شاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أتقاكم لله وأعلمكم به أو كما قال. ومثل هذا لا يقال لصغير جداً، وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة.
    وقال البيهقي : وقول من زعم أنه كان صغيراً دعوى، ولم يثبت صغره بإسناد صحيح.
    وقول من زعم أنه زوجها بالبنوة مقابل بقول من قال: إنه زوجها بأنه كان من بني أعمامها، ولم يكن لها ولي هو أقرب منه إليها، لأنه عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . وأم سلمة: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .وقد قيل: إن الذي زوجها هو عمر بن الخطاب لا ابنها، لأن في غالب الروايات: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعمر بن الخطاب هو كان الخاطب.
    ورد هذا بأن في النسائي: فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وأجاب شيخنا أبو الحجاج المزي الحافظ بأن الصحيح في هذا: قم يا عمر، فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما لفظ: ابنها فوقعت من بعض الرواة لأنه لما كان اسم ابنها عمر. وفي الحديث: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظن الراوي أنه ابنها، وأكثر الروايات في المسند وغيره: قم يا عمر من غير ابنها قال: ويدل على ذلك أن ابنها عمر كان صغير السن، لأنه قد صح عنه أنه قال: كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا غلام سم الله ،وكل بيمينك، وكل مما يليك، وهذا يدل على صغر سنه حين كان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم.
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة فطلقها فزوجها الله إياهن فوق سبع سماوات، وأنزل عليه : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [الأحزاب: 37]، فقام فدخل عليها بلا استئذان. وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماواته. وهذا من خصائصها. توفيت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع.
    ومن نسائه عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية ، وكانت تحت عبد الله بن جحش، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تسمى أم المساكين، لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيراً شهرين أو ثلاثة وتوفيت رضي الله عنها
    ومن نسائه زينب بنت خزيمة الهلالية
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية ، وكانت تحت عبد الله بن جحش، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تسمى أم المساكين، لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيراً شهرين أو ثلاثة وتوفيت رضي الله عنها
    ومن نسائه جوبرية بنت الحارث من بني المصطلق:
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث ، من بني المصطلق، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ،فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها سنة ست من الهجرة، وتوفيت سنة ست وخمسين، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان ذلك من بركتها على قومها
    ومن نسائه صفية بنت الحارث من بني المصطلق
    * وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي من ولد هارون بن عمران أخي موسى ، سنة سبع ، فإنها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق ، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة خمسين.
    ومن خصائصها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها، قال أنس: أمهرها نفسها. وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة، يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته، على منصوص الإمام أحمد.
    قال الترمذي : حدثنا إسحاق بن منصور ، و عبد بن حميد ، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت ، عن أنس ، قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: صفية بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟، قالت : قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي. فقال النبي: إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي فبم تفخر عليك؟ ثم قال: اتق الله يا حفصة ، قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه
    وهذا من خصائصها رضي الله عنها
    الفصل في ذكر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام
    وهذا الاسم من النمط المتقدم فإن إبراهيم بالسريانية معناه أب رحيم والله سبحانه وتعالى جعل إبراهيم الأب الثالث للعالم، فإن أبانا الأول آدم ، والأب الثاني نوح ، وأهل الأرض كلهم من ذريته، كما قال تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين [الصافات:77]، وبهذا يتبين كذب المفترين من العجم الذين يزعمون أنهم لا يعرفون نوحاً ولا ولده، ولا ينسبون إليه، وينسبون ملوكهم من آدم إليهم، ولا يذكرون نوحاً في أنسابهم، وقد أكذبهم الله عز وجل في ذلك.
    فالأب الثالث أب الأباء وعمود العالم، وإمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلاً، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، ذاك خليل الرحمن، وشيخ الأنبياء كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنه لما دخل الكعبة وجد المشركين قد صوروا فيها صورته وصورة إسماعيل ابنه وهما يستقسمان بالأزلام، فقال:قاتلهم الله، لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام ولم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة أحد الأنبياء غيره، فقال تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين [النحل:123]، وأمر أمته بذلك فقال تعالى: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل [الحج:78]، وملة منصوب على إضمار فعل، أي: اتبعوا والزموا ملة إبراهيم، ودل على المحذوف ما تقدم من قوله: وجاهدوا في الله حق جهاده [الحج:78]، وهذا هو الذي يقال له الإغراء. وقيل: منصوب انتصاب المصادر، والعامل فيه مضمون ما تقدم قبله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أصبحوا وإذا أمسوا أن يقولوا: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص،ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين .
    وتأمل هذه الألفاظ كيف جعل الفطرة للإسلام، فإنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وكلمة الإخلاص هي: شهادة أن لا إله إلا الله ، والملة لإبراهيم فإنه صاحب الملة، وهي التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ومحبته فوق كل محبة. والدين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو دينه الكامل وشرعه التام الجامع لذلك كله.
    وسماه الله سبحانه: إماماً وأمة، وقانتاً، وحنيفاً. وقال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [البقرة:124]، فأخبر سبحانه أنه جعله إماماً للناس، وأن الظالم من ذريته لا ينال رتبة الإمامة، والظالم هو المشرك، وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به، وقال تعالى: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين [النحل:120-121].
    فالأمة هو القدوة المعلم للخير، والقانت المطيع لله الملازم لطاعته، والحنيف المقبل على الله، المعرض عما سواه، ومن فسره بلازم المعنى، فإن الحنف هو الإقبال، ومن أقبل على شيء مال عن غيره، والحنف في الرشجلين هو إقبال إحداهما على الأخرى، ويلزمه ميلها عن جهتها. قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها [الروم:30]، فحنيفاً هو حال مفردة لمضمون قوله: فأقم وجهك للدين ولهذا فسرت مخلصاً فتكون الآية قد تضمنت الصدق والإخلاص، فإن إقامة الوجه للدين هو إفراد طلبه بحيث لا يبقى في القلب إرادة لغيره، والحنيف المفرد لمعبوده لا يريد غيره. فالصدق أن لا ينقسم طلبك، والإخلاص أن لا ينقسم مطلوبك، الأول: توحيد ، والثاني : توحيد المطلوب.
    والمقصود: أن إبراهيم عليه السلام هو أبونا الثالث، وهو إمام الحنفاء، وتسميه أهل الكتاب عمود العالم، وجميع أهل الملل متفقة على تعظيمه وتوليه ومحبته.
    وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم يجله ويعظمه ويبجله ويحترمه . ففي الصحيحين : من حديث المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا خير البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك إبراهيم .
    وسماه شيخه ، كما تقدم.
    وثبت في صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: إنكم محشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء:104]، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم .
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الخلق به، كما في الصحيحين ، عنه قال: رأيت إبراهيم فإذا أقرب الناس شبهاً به صاحبكم يعني نفسه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ آخر: فانظروا إلى صاحبكم .
    وكان صلى الله عليه وسلم يعوذ أولاد ابنته حسناً وحسيناً بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق، ففي صحيح البخاري : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة .
    وكان صلى الله عليه وسلم أول من قرى الضيف، وأول من اختتن، وأول من رأى الشيب. فقال: ما هذا يا رب؟ قال: وقار. قال: رب زدني وقاراً .
    تفسير قوله تعالى " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم" الآية
    وتأمل ثناء الله سبحانه عليه في إكرام ضيفه الملائكة حيث يقول سبحانه: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون [الذاريات: 24-27]، ففي هذا ثناء على إبراهيم من وجوه متعددة:
    أحدها: أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون وهذا على أحد القولين أنه إكرام إبراهيم لهم. والثاني: أنهم المكرمون عند الله، ولا تنافي بين القولين، فالآية تدل على المعنيين.
    الثاني: قوله تعالى: إذ دخلوا عليه فلم يذكر استئذانهم، ففي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم، بقي منزله مضيفة، مطروقاً لمن ورده، لا يحتاج إلى الاستئذان، بل استئذان الداخل دخوله، وهذا غاية ما يكون من الكرم.
    الثالث: قوله: سلام بالرفع، وهم سلموا عليه بالنصب. والسلام بالرفع أكمل فإنه يدل على الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والتجدد، والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد، فإبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ، فإن قولهم : سلاماً يدل على سلمنا سلاماً، وقوله: سلام أي: سلام عليكم.
    الرابع: أنه حذف المبتدأ من قوله: قوم منكرون فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال: أنتم قوم منكرون، فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام.
    الخامس: أنه بنى الفعل للمفعول، وحذف فاعله، فقال: منكرون ولم يقل إني أنكركم، وهو أحسن في هذا المقام وأبعد من التنفير والمواجهة بالخشونة.
    السادس: أنه راغ إلى أهله ليجيئهم بنزلهم، والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به الضيف، وهذا من كرم رب المنزل المضيف أن يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف، فيشق عليه ويستحي، فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يسمع ضيفه ويقول له، أو لمن حضر: مكانكم حتى آتيكم بالطعام ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه.
    السابع: أنه ذهب إلى أهله فجاء بالضيافة فدل على أن ذلك كان معدا عندهم مهيأً للضيفان، ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه أو غيرهم فيشتريه أو يستقرضه.
    الثامن: قوله: فجاء بعجل سمين دل على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل فأمر لهم، بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه، ولم يبعثه مع خادمه، وهذا أبلغ في إكرام الضيف.
    التاسع: أنه جاء بعجل كامل ولم يأت ببضعة منه، وهذا من تمام كرمه صلى الله عليه وسلم .
    العاشر: إنه سمين لا هزيل، ومعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم، ومثله يتخذ للإقتناء والتربية، فآثر به ضيفانه.
    الحادي عشر: أنه قربه إليهم بنفسه ولم يأمر خادمه بذلك.
    الثاني عشر: أنه قربه إليهم ولم يقربهم إليه وهذا أبلغ في الكرامة، أن يجلس الضيف، ثم يقرب الطعام إليه، ويحمله إلى حضرته، ولا يضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه.
    الثالث عشر: أنه قال: ألا تأكلون وهذا عرض وتلطف في القول ، وهو أحسن من قوله: كلوا، أو مدوا أيديكم، ونحوها، وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه، ولهذا يقولون: بسم الله، أو ألا تتصدق، أو ألا تجبر، ونحو ذلك.
    الرابع عشر: أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا، وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل قال لهم: ألا تأكلون ولهذا أوجس منهم خيفة، أي: أحسها وأضمرها في نفسه ولم يبدها لهم وهو الوجه.
    الخامس عشر: فإنهم لما امتنعوا من الأكل لطعامه خاف منهم ولم يظهر لهم ذلك، فلما علمت الملائكة منه ذلك، قالوا: لا تخف وبشروه بالغلام.
    فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً، فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين.
    وقد شهد الله سبحانه بأنه وفى ما أمر به فقال تعالى: أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى [النجم: 36-37]، قال ابن عباس رضي الله عنه : وفى جميع شرائع الإسلام، ووفى ما أمر به من تبليغ الرسالة.
    وقال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما [البقرة:124]، فلما أتم ما أمر به من الكلمات جعله الله إماماً للخلائق يأتمون به.
    وكان صلى الله عليه وسلم كما قيل: قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله للضيفان.
    ولما اتخذه ربه خليلاً- والخلة هي كمال المحبة، وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة، وكان قد سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فوهب له إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره، فامتحنه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده، فلما استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثاراً لمحبة خليله على محبته، فسخ الله ذلك عنه وفداه بالذبح العظيم، لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر به، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح مفسدة فنسخ في حقه، فصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في أتباعه إلى يوم القيامة.
    بيان أن إبراهيم عليه السلام هو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين و أهل الباطل وكسر حججهم
    وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين وأهل الباطل، وكسر حججهم، وقد ذكر الله سبحانه مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين، ومناظرته مع قومه المشركين، وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم.
    قال تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء [الأنعام: 83]، قال زيد بن أسلم وغيره: بالحجة والعلم ، ولما غلب أعداء الله معه بالحجة، وظهرت حجته عليهم، وكسر أصنامهم، فكسر حججهم ومعبودهم، هموا بعقوبته وإلقائه في النار، وهذا شأن المبطلين إذا غلبوا وقامت عليهم الحجة هموا بالعقوبة، كما قال فرعون لموسى وقد أقام عليه الحجة: لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين [الشعراء:29]، فأضرموا له النار وألقوه في المنجنيق، فكانت تلك السفرة من أعظم سفرة سافرها وأبركها عليه، فإنه ما سافر سفرة أبرك ولا أعظم ولا أرفع لشأنه وأقر لعينه منها، وفي تلك السفرة عرض له جبريل بين السماء والأرض فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران:172]، قالها نبيكم، وقالها إبراهيم حين ألقي في النار، فجعل الله سبحانه عليه النار برداً وسلاماً.
    وقد ثبت في صحيح البخاري : من حديث أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: كانت تنفخ على إبراهيم .
    وهو الذي بنى بيت الله وأذن في الناس بحجه ، فكل من حجه واعتمره حصل لإبراهيم من مزيد ثواب الله وإكرامه بعدد الحجاج والمعتمرين، قال تعالى: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة: 125]، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى تحقيقاً للاقتداء به وإحياء آثاره صلى الله على نبينا وعليه وسلم.
    ومناقب هذا الإمام الأعظم والنبي الأكرم أجل من أن يحيط بها كتاب، وإن مد الله في العمر أفردنا كتاباً في ذلك يكون قطرة في بحر فضائله أو أقل، جعلنا الله ممن ائتم به، ولا جعلنا ممن عدل عن ملته بمنه وكرمه .
    وقد روى لنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً وقع لنا متصل الرواية إليه، رويناه في كتاب الترمزي وغيره: من حديث القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال : يا محمد أقرىء أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ، قال الترمذي : هذا حديث حسن.
    الفصل العاشر: في ذكر قاعدة في هذه الدعوات والأذكار التي رويت بألفاظ مختلفة
    ومنه هذه الألفاظ التي رويت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    قد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة في بعضها، وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة، ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها، فرأى أنه يستحب للداعي بدعاء الصديق رضي الله عنه أن يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً كبيراً ، ويقول المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته، وارحم محمداً وآل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وكذلك في البركة والرحمة.
    ويقول في دعاء الاستخارة: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجل أمري و آجله ونحو ذلك .
    قال: ليصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً فيما شك فيه الراوي، ولتجتمع له الأدعية الأخر فيما اختلفت ألفاظها.
    ونازعه في ذلك آخرون، وقال: هذا ضعيف من وجوه:
    أحدها: أن هذه طرقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.
    الثاني: أن صاحبها إن طردها لزمه أن يسحب للمصلي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعاً، فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة، وإن لم يطردها تناقض وفرق بين متماثلين.
    الثالث: أن صاحبها ينبغي له أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها، قالوا: ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر، وإنما يفعل ذلك القراء أحيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع القراءات، وإحاطته بها ، واستحضاره إياها، والتمكن من استحضارها عند طلبها، فذلك تمرين وتدريب لا تعبد يستحب لكل تال وقارئ، ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه، بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء، وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك، وكذلك الداعي إذا قال: ظلمت نفسي ظلماً كثيراً مرة، ومرة قال: كبيراً جاز ذلك، وكذلك الداعي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة بلفظ هذا الحديث، ومرة باللفظ الأخر، وكذلك إذا تشهد، فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود، وإن شاء بتشهد ابن عباس ، وإن شاء بتشهد ابن عمر وإن شاء بتشهد عائشة ، رضي الله عنهم أجمعين.
    وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث علي، وإن شاء بحديث أبي هريرة، وإن شاء باستفتاح عمر، وإن شاء فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة.
    وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء قال: اللهم ربنا لك الحمد وإن شاء قال : ربنا ولك الحمد ولا يستحب له أن يجمع بين ذلك.
    وقد احتج غير واحد من الأئمة، منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها، بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف ، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه شاف كاف، ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع، كما كان الصحابة يفعلون.
    الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة ، كألفاظ الاستفتاح والتشهد، وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة وهذا مرة، وإما أن يكون الرواي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضها صار إليه، وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيراً بينها، بينها، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال ، لأنه قصد متابعة الرسول، ففعل ما لم يفعله قطعاً.
    ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال: وعاجل أمري وآجله ، بدل وعاقبة أمري، والصحيح اللفظ الأول، وهو قوله: وعاقبة أمري لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله: ديني ومعاشي، وعاقبة أمري فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكراراً، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه ، فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة آجله.ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ، رواه مسلم . واختلف فيه، فقال بعض الرواة: من أول سورة الكهف، وقال بعضهم: من آخرها ، وكلاهما في الصحيح ، لكن الترجيح لمن قال: من أول سورة الكهف لأن في صحيح مسلم من حديث لنواس بن سمعان في قصة الدجال: فإذا رأيتموه فاقرأوا عليه فواتح سورة الكهف ولم يختلف في ذلك، وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث، ومن روى من آخرها لم يحفظه.
    الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى، والتعبير عنه بعبارة مؤدية له. فإذا عبر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة.
    السادس: أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يستحب الجمع بين البدل والمبدل معاً، كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال، والله أعلم.
    الفصل في ذكر المسألة المشهورة بين الناس .. الخ
    وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصلاة ما لإبراهيم ، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فكيف الجمع بين هذه الأمرين المتنافين؟.
    ونحن نذكر ما قاله الناس في هذا وما فيه من صحيح وفاسد.
    * فقالت طائفة: هذه الصلاة علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم ، ولو سكت قائل
    هذا، لكان أولى به وخيراً له ، فإن هذه الصلاة التي علمهم النبي صلى الله عليه وسلم إياها لما سألوه عن تفسير إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]، فعلمهم هذه الصلاة وجعلها مشروعة في صلوات الأمة إلى يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده، وبعد أن علم بذلك، لم يغير نظم الصلاة التي علمها أمته، ولا أبدلها بغيرها، ولا روى عنه أحد خلافها، فهذا من أفسد جواب يكون. وقالت طائفة أخرى: هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً.
    وقد أجابه إلى ذلك كما ثبت عنه في الصحيح : ألا وإن صاحبكم خليل الرحمن يعني نفسه. وهذا الجواب من جنس ما قبله فإن مضمونه أنه بعد أن اتخذه الله خليلاً لا تشرع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل.
    وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلي فيما يحصل له من ثواب الصلاة عليه، فطلب من ربه ثواباً وهو أن يصلي عليه كما صلى على آل إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن المطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أجل وأعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين.
    وهذا من جنس ما قبله أو أفسد، فإن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلي بل فيما يحصل للمصلى عليه وهو النبي صلى الله عليه وسلم وآله ، فمن قال: إن المعنى اللهم أعطني من ثواب صلاتي عليه كما صليت على آل إبراهيم فقد حرف الكلم وأبطل في كلامه.
    ولولا أن هذه الوجوه وأمثالها قد ذكرها بعض الشراح وسودوا بها الطروس، وأوهموا الناس أن فيها تحقيقاً ، لكان الإضراب عنها صفحاً أولى من ذكرها، فإن العالم يستحيي من التكلم على هذا والاشتغال برده.
    وقالت طائفة أخرى: التشبيه عائد إلى الآل فقط، وتم الكلام عند قوله: اللهم صل على محمد ، ثم قال: وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبهة بالصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، وهذا نقله العمراني عن الشافعي وهو باطل عليه قطعاً، فإن الشافعي أجل من أن يقول مثل هذا، ولا يليق هذا بعلمه وفصاحته، فإن هذا في غاية الركاكة والضعف.
    وقد تقدم في كثير من أحاديث الباب: اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وقد تقدمت الأحاديث بذلك، وأيضاً فإنه لا يصح من جهة العربية ، فإن العامل إذا ذكر معموله وعطف عليه غيره، ثم قيد بظرف أو جار ومجرور او مصدر أو صفة مصدر ، كان ذلك راجعاً إلى المعمول وما عطف عليه ، هذا الذي لا تحتمل العربية غيره، فإذا قلت : جائني زيد وعمرو يوم الجمعة، كان الطرف مقيدا لمجيئهما ، لا لمجيء عمرو وحده، وكذلك إذا قلت: ضربت زيداً وعمراً ضرباً مؤلماً أو أمام الأمير، أو سلم علي زيد وعمرو يوم الجمعة ونحوه.
    فإن قلت : هذا متوجه إذا لم يعد العامل، فأما إذا أعيد العامل حسن ذلك، تقول: سلم على زيد وعلى عمرو إذا لقيته، لم يمتنع أن يختص ذلك بعمرو، وهنا قد أعيد العامل في قوله: وعلى آل محمد.
    قيل: هذا المثال ليس بمطابق لمسألة الصلاة، وإنما المطابق أن تقول: سلم على زيد وعلى عمرو، كما تسلم على المؤمنين، ونحو ذلك، وحينئذ فادعاء أن التشبيه لسلامه على عمرو وحده دون زيد دعوى باطلة.
    وقالت طائفة أخرى: لا يلزم أن يكون المشبه به أعلى من المشبه ، بل يجوز أن يكونا متماثلين وأن يكون المشبه أعلى من المشبه به. قال هؤلاء: والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم من وجوه غير الصلاة، وإن كانا متساويين في الصلاة. قالوا: والدليل على أن المشبه قد يكون أفضل من المشبه به قول الشاعر:
    بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
    وهذا القول أيضاً ضعيف من وجوه:
    أحدها: أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء، فإن العرب لا تشبه الشيء إلا بما هو فوقه.
    الثاني: أن الصلاة من الله تعالى من أجل المراتب وأعلاها، ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، فلا بد أن تكون الصلاة الحاصلة له أفضل من كل صلاة تحصل لكل مخلوق، فلا يكون غيره مساوياً له فيها.
    الثالث : أن الله سبحانه أمر بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه ، وأمر بالصلاة والسلام عليه، وأكده بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما في القرآن لغيره من المخلوقين.
    الرابع: أن النبيً صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير ، وهذا لأن بتعليمهم ما الخير قد أنقذوهم من شر الدنيا والأخرة، ، وتسببوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين الذين يصلي عليهم الله وملائكته ، فلما تسبب معلمو الخير إلى صلاة الله وملائكته على من يعلم منهم، صلى الله عليهم وملائكته، ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليماً من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أنصح لأمته، ولا أصبر على تعليمه منه ، ولهذا نال أمته من تعليمه لهم ما لم تنله أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمه من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أخرجت للناس، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية للصلاة على من لم يماثله في هذا التعليم؟.
    وأما استشهادهم بقول الشاعر على جواز كون المشبه به أفضل من المشبه فلا يدل على ذلك، لأن قوله: بنوا أبنائنا إما إن يكون المبتدأ فيه مؤخراً والخبر مقدماً، ويكون قد شبه بني أبنائه ببنيه، وجاز تقديم الخبر هنا لظهور المعنى وعدم وقوع اللبس. وعلى هذا فهو جار على أصل التشبيه ، وإما أن يكن من باب عكس التشبيه، كما يشبه القمر بالوجه الكامل في حسنه، وشبه الأسد بالكامل في شجاعته، والبحر بالكامل في جوده تنزيلاً لهذا الرجل منزلة الفرع المشبه . وهذا يجوز إذا تضمن عكس التشبيه مثل هذا المعنى . وعلى عكس التشبيه مثل هذا المعنى. وعلى هذا فيكون هذا الشاعر قد
    نزل بني أبناءه منزلة بنيه، وأنهم فوقهم عندهم ثم شبه بنيه بهم، وهذا قول طائفة من أهل المعاني.
    والذي عندي فيه: أن الشاعر لم يرد ذلك، وإنما أراد التفريق بين بنيه وبني بناته، فأخبر أن بني بناته تبع لآبائهم، ليسوا بأبناء لنا، وإنما أبناؤنا بنو أبنائنا، لا بنو بناتنا، فلم يرد تشبيه بني بنيه ببنيه، ولا عكسه، وإنما أراد ما ذكرنا من المعنى، وهذا ظاهر.
    وقالت طائفة أخر: إن النبي صلى الله عليه وسلم له من الصلاة الخاصة به التي لا يساويها صلاة ما لم يشركه فيها أحد والمسؤول له إنما هو صلاة زائدة على ما أعطيه مضافاً إليه ، ويكون ذلك الزائد مشبهاً بالصلاة على إبراهيم، وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة أعطيها المفضول منضماً إلى ما اختص به هو من الفضل الذي لم يحصل لغيره.
    قالوا: ومثال ذلك : أن يعطي السلطان رجلاً مالاً عظيماً ويعطي غيره دون ذلك المال، فيسأل السلطان أن يعطي صاحب المال الكثير مثل ما أعطى من هوت دونه لينضك ذلك إلى ما أعطيه، فيحصل له من مجموع العطاءين أكثر مما يحصل من المثير وحده
    وهذا أيضاً ضعيف ، لأن الله تعالى أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، ثم أمر بالصلاة عليه ، ولا ريب أن المطلوب من الله هو نظير الصلاة المخبر بها لا ما دونها، وهو أكمل الصلاة عليه وأرجحها، لا الصلاة المرجوحة المفضولة.
    وعلى قول هؤلاء: إنما يكون الطلب لصلاة مرجوحة لا راجحة، وإنما تصير راجحة بانضمامها إلى صلاة لم تطلب، ولا ريب في فساد ذلك فإن الصلاة التي تطلبها الأمة له من ربه هي أجل صلاة وأفضلها.
    *وقالت طائفة أخرى: التنبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة، لا في قدرها ، ولا في كيفيتها، فالمسؤول إنما هو راجع إلى الهيئة، لا إلى قدر الموهوب، وهذا كما تقول للرجل أحسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به أصل الإحسان، وقد يحتج لذلك بقوله تعالى : وأحسن كما أحسن الله إليك [القصص: 77]، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن الله إليه ، وإنما أريد به أًل الإحسان لا قدره، ومنها قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [النساء:163]، وهذا التشبيه في أصل الوحي لا في قدره وفضل الموحى به.
    وقوله تعالى فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [ الأنبياء: 5[ ، إنما مرادهم جنس الآية لا نظيرها وقوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم [النور: 55] ،ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة وأن ما لهذه الأمة أكمل مما لغيرهم. وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم [البقرة 183]، والتبيه إنما هو في أصل الصوم لا في عينة وقدره وكيفيته . وقال تعالى : كما بدأكم تعودون [الأعراف: 29]، ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى وهي المبدأ والثانية وهي المعاد . وقال تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا [المزمل: 15] ، ومعلوم أن التنبيه في أصل إرسال لا يقتضي تماثل الرسولين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً فالتشبيه هنا في أصل الرزق لا في قدره ولا كيفيته ، وظائر ذلك
    وهذا الجواب ضعيف أيضاً لوجوه: منها أن ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى والمساوي. فلو قلت: أحسن إلى أبيك وأهلك كما أحسنت إلى مركبوك وخادمك ونحوه، جاز ذلك ومن المعلوم أنه لو كان التنبيه في أصل الصلاة، لحسن أن تقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت لحسن أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل أبي أوفى ، أو كما صليت على أحاد المؤمنين ونحوه ، أو كما صليت على آدم ، ونوح، وهود، ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة لا في قدرها ولا صفتها ولا فرق في ذلك بين كل من صلى عليه وأي ميزة وفضيلة في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ في ذكره وذكر آله وفي ذلك أن يقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقط.
    والثاني أن ما ذكروه من الأمثلة ليس بنظير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمثلة نوعان : خبر ، وطلب ، فما كان منها خبراً فالمقصود بالتنبيه به الاستدلال والتقريب إلى الفهم وتقرير ذلك الخبر، وأنه مما لا ينبغي لعاقل إنكاره كنظير المشبه به، فكيف تنكرون الإعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها، وحكم النظير حكم نظيره، ولهذا يحتج سبحانه بالمبدأ على المعاد كثيراً، قال تعالى: كما بدأكم تعودون [الأعراف: 29]، وقال تعالى: كما بدأنا أول خلق نعيده [الأنبياء: 104 ، وقال تعالى: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ يس: 78-79]، وهذا كثير في القرآن، وكذلك قوله تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا [ المزمل: 15]، أي كيف يقع الإنكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشريه ومنذرين ، وقد علمتم حال من عصى رسلي كيف أخذتهم أخذاً وبيلاً . وكذلك قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين [النساء 163] الآية. أي لست أول رسول طرق المعالم، بل قد تقدمت قبلك رسل أوحيت إليهم كما أو حيث إليك، كما قال تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل [ الأحقاف: 9] ، فهذا رد وإنكار هل من أنكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مع مجيئه بمثل ما جاءت به الرسل من الآيات ، بل أعظم منها فكيف تنكر رسالته؟ وليست من الأمور التي لم تطرق العالم، بل لم تخل الأرض من الرسل وآثارهم ، فرسولكم جاء على منهاج من تقدمه من الرسل في الرسالة لم يكن بدعا.وكذلك قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم [النور 55]، إخبار عن عادته سبحانه في خلقة وحكمته التي لا لا تبديل لها، أن من آمن وعمل صالحاً مكن له في الأرض ، واستخلفه فيها، ولم يهلكه ويقطع دابره، كما أهلك من كذب رسله وخالفهم ، وقطع دابره، فأخبرهم سبحانه عن حكمته ومعاملته لمن آمن برسله وصدقهم ، وأنه يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من أتباع الرسل ، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير إخباراً بأنه سبحانه يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون ، وأنه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنها تغدو من أوكارها خماصاً، فيرزقها سبحانه، حتى ترجع بطاناً من رزقه، وأنتم أكرم على الله من الطير ومن سائر الحيوانات، فلو توكلتم عليه لرزقكم من حيث لا تحتسبون، ولم يمنع أحداً منكم رزقه، هذا ما كان من قبيل الإخبار.
    أما في قسم الطلب والأمر فالمقصود منه التنبيه على العلة وأن الجزاء من جنس العمل، فإذا قلت: علم كما علمك الله، وأحسن كما أحسن الله إليك [القصص: 77] واعف كما عفا الله عنك ، ونحوه، كان في ذلك تنبيه للمأمور على شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه ، وأنه حقيق أن يقابلها بمثلها، ويقيدها بشكرها، وأن جزاء تلك النعمة من جنسها،ومعلوم أنه يمتنع خطاب الرب سبحانه بشيء من ذلك، ولا يحسن في حقه فيصير ذكر التشبيه لغواً لا فائدة فيه، وهذا غير جائز.
    الثالث : أن قوله: كما صليت على آل إبراهيم صفة لمصدر محذوف وتقديره : صلاة مثل صلاتك على أن إبراهيم، وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلة للصلاة المشبهة بها فلا يعدل عن قيقة الكلام ووجهه.
    وقالت طائفة أخرى : إن هذا التنبيه حاصل بالنسبة إلى كل صلاة من صلوات المصلين ، فكل مصلى صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة فقد طلب من الله أن يصلي على رسوله صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، ولا ريب أنه إذا حصل من كل مصل طلب من الله له صلاة مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له من ذلك أضعاف مضاعفة من الصلاة لا تعد ولا تحصى، ولم يقاربه فيها أحد، فضلً عن أن يساويه أو بفضله صلى الله عليه وسلم
    ونظير هذا أن يعطي ملك لرجل ألف درهم ، فيسأله كل واحد من رعيته أن يعطى لرجل آخر أفضل منه نظير تلك الألف ، فكل واحد قد سأله أن يعطيه ألفا، فحصل له من الألوف بعدد كل سائل.
    وأورد أصحاب هذا القول على أنفسهم سؤالاً: وهو أن التنبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة المطلوبة، وكل فرد من أفرادها، فالإشكال وارد كما هو.
    وتقريره أن العطية التي يعطاها الفاضل لا بد أن تكون أفضل من العطية التي يعطاها المفضول، فإذا سئل له عطية دون ما يستحقه لم يكن ذلك لائقاً بمنصبه.
    وأجابوا عنه بأن هذا الإشكال إنما يراد إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسألوا الله سبحانه له صلاة بعد صلاة ، كل منها نظير ما حصل لإبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فيحصل له من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لإبراهيم عليه السلام.
    وهذا أيضاً ضعيف، فإن التنبيه هنا إنما هو واقع في صلاة الله عليه لا في معنى صلاة المصلي، ومعنى هذا الدعاء: اللهم أعطه نظير ما أعطيت إبراهيم، فالمسؤول له صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم، وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه، فيكون كل مصل قد سأل الله أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها ، وهذا السؤال والأمر به متكرر، فهل هذا إلا تقوية لجانب الإشكال؟.
    ثم إن التنبيه واقع في أصل الصلاة وأفرادها ، ولا يغني جوابكم عنه بقضية التكرار شيئاً، فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به أقوى من جانب المشبه ، كما هو مقتضى التشبيه، فلو كان التكرار يجعله كذلك ، لكان الاعتذار به نافعاً، بل التكرار يقتضى زيادة تفضيل المشبه وقوته، فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه؟ فظهر ضعف هذا الجواب.
    وقالت طائفة أخرى: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم ، فإذا طلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله- وفيهم الأنبياء - حصل لآل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يليق بهم ، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمد صلى الله عليه وسلم فيحصل له بذلك من المزية ما لم يحصل لغيره.
    وتقرير ذلك: أن يجعل الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، ولا ريب أنه لا يحصل لآل النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما حصل لآل إبراهيم وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم، فيبقى قسم النبي صلى الله عليه وسلم والزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة به صلى الله عليه وسلم ،فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم ، وهذا أحس من كل ما تقدمه.
    وأحسن منه أن يقال: محمد صلى الله عليه وسلم هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم ، كما روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [آل عمران: 33] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : محمد من آل إبراهيم. وهذا نص ، فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله، فدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ، فيكون قولنا: كما صليت على آل إبراهيم متناولاً للصلاة عليه ، وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم.
    ثم قد أمرنا الله أن نصلي عليه وعلى آله خصوصاً بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له صلى الله عليه وسلم .
    وتقرير هذا أنه يكون قد صلى عليه خصوصاً، وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعاً، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره، فإنه إذا كان المطلوب له بغيره، فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المبه به، وله أوفر نصيب منه، صار له من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم وغيره، وانضاف إلى ذلك مما له من المشبه به من الحصة التي لم تحصل لغيره.
    فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كل من آله، وفيهم النبيون ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، وجزاء عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
    الفصل السابع : في ذكر نكتة حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله كما صلى على إبراهيم وعلى آله
    وهي أن أكثر الأحاديث الصحاح والحسان، بل كلها مصرحة بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وبذكر آله، وأما في حق المشبه به وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره فقط دون ذكر آله، ولم يجئ حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم، كما تظاهرت على لفظ : محمد وآل محمد.
    ونحن نسوق الأحاديث الواردة في ذلك، ثم نذكر ما يسره الله تعالى في سر ذلك. فنقول: هذا الحديث في الصحيح من أربعة أوجه: أشهرها؟ حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك - وفي لفظ: وبارك- على محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
    رواه البخاري ومسلم وأبو دود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ابن حنبل في المسند، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم فقط، وكذا في البركة، ولم يذكر الآل، وهي رواية لأبي داود .
    وفي رواية: كما صليت على آل إبراهيم بذكر الآل فقط، وكما باركت على إبراهيم بذكره فقط.
    وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي ، قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا هو اللفظ المشهور.
    وقد روي فيه: كما صليت على إبراهيم ، وكما باركت على إبراهيم بدون لفظ الآل في الموضعين.
    وفي البخاري : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قلنا يا رسول الله، هذا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم .
    وفي صحيح مسلم : عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير أبن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم .
    وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم لم يذكر الآل فيهما.
    وفي رواية أخرى: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم بذكر إبراهيم وحده في الأول والآل فقط في الثانية.
    هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، في أكثرها لفظ: آل إبراهيم في الموضعين، وفي بعضها لفظ : إبراهيم فيهما، وفي بعضها لفظ: إبراهيم في الأول والآل في الثاني ، وفي بعضها عكسه.
    وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، فرواه البيهقي في سننه: من حديث يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وهذا إسناد ضعيف.
    ورواه الدارقطني : من حديث ابن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، فذكر الحديث وفيه: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ثم قال: هذا إسناد حسن متصل.
    وفي النسائي : من حديث موسى بن طلحة، عن أبيه ، قال: قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ولكن رواه هكذا، ورواه مقتصراً فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين.
    وقد روى ابن ماجه حديثاً آخر موقوفاً على ابن مسعود فيه، إبراهيم وآل إبراهيم قال في السنن : حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد الله، حدثنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله، عن أبي فأخته، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قال: فقالوا له: فعلمنا؟ قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم أبعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وهذا موقوف.
    وعامة الأحاديث في الصحاح و السنن كما ذكرنا أولاً بالاقتصار على الآل، أو إبراهيم في الموضعين، أو الآل في أحدهما وإبراهيم في الآخر، وكذلك في حديث أبي هريرة المتقدم في أول الكتاب وغيره من الأحاديث، فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها، وآله تبع له فيها، فدل ذكر المتبوع على التابع، واندرج فيه، وأغنى عن ذكره. وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقدم تقريره، فيكون ذكر آل إبراهيم مغنياً عن ذكره، وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره فقط وفي الآخر ذكر آله فقط كان ذلك جمعاً بين الأمرين، فيكون قد ذكر المتبوع الذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم.
    يبقى أن يقال، فلم جاء ذكر محمد وآل محمد بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، وجاء الاقتصار على إبراهيم وآله في عامتها ؟.
    وجواب ذلك: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء، وأما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع، لأن قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد جملة طلبية، وقوله: كما صليت على آل إبراهيم جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال، كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفه، ولهذا يشرع تكرارها، وإبداؤها وإعادتها، فإنها دعاء والله يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيراً من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فيها من بسط الألفاظ، وذكر كل معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه مسلم في صحيح : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع، وإظهار العبودية والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلاً أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.
    وكذلك قوله في الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله سره وعلانيته، وأوله وآخره ، وفي الحديث: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي .
    وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية لله، وافتقار إليه، وتذلل بين يديه، فكلما كثره العبد وطوله وأعاده وأبداه ونوع جمله، كان ذلك أبلغ في عبوديته وإظهار فقره وتذلله وحاجته، وكان ذلك أقرب له من ربه، وأعظم لثوابه، وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك إليه أبرمته، وثقلت عليه، وهنت عليه، وكلما تركت سؤاله كان أعظم عنده وأحب إليه. والله سبحانه كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه، وكلما ألححت عليه في الدعاء أحبك، ومن لم يسأله يغضب عليه:
    فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
    فالمطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه.
    وأما الخبر فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى، لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم يكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة، ولا سيما ليس المقام مقام إيضاح وتفهيم للمخاطب ليحسن معه البسط والإطناب، فكان الإيجاز فيه والاختصار أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ: إبراهيم تارة وبلفظ: آلهأخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الذي قدمناه، فكان المراد باللفظين واحداً مع الإيجاز والإختصار. وأما في الطلب فلو قيل: صل على محمد لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله، إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبراً عن أمر قد وقع واستقر. ولو قيل: صل على آل محمد لكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يصلى عليه في العموم، فقيل: على محمد وعلى آل محمد فإنه يحصل له بذلك الصلاة عليه بخصوصه، والصلاة عليه بدخوله في آله.
    وهنا للناس طريقتان في مثل هذا: أن يقال: هو داخل في آله مع اقترانه بذكره، فيكون قد ذكر مرتين: مرة بخصوص، ومرة في اللفظ العام، وعلى هذا فيكون قد صلى عليه مرتين خصوصاً وعموماً، وهذا على أصل من يقول: إن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولاً له أيضا، ويكون الخاص قد ذكر مرتين، مرة بخصوصه، ومرة بدخوله في اللفظ العام، وكذلك في ذكر الخاص بعد العام، كقوله تعالى: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [البقرة: 98]، وكقوله تعالى: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم [الأحزاب: 7]الآية.
    الطريقة الثانية: أن ذكره بلفظ الخاص يدل على أنه غير داخل في اللفظ العام، فيكون ذكره بخصوصه مغنياً عن دخوله في اللفظ العام، وعلى هذه الطريقة ، فيكون في ذلك فوائد:
    منها أنه لما كان من أشرف النوع العام، أفرد بلفظ دال عليه بخصوصه، كأنه باين النوع، وتميز عنهم بما أوجب أن يتميز بلفظ يخصه، فيكون ذلك تنبياً على اختصاصه ومزيته عن النوع الداخل في اللفظ العام.
    الثانية: أنه يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه أصل، والصلاة على آله تبع له إنما نالوها بتبعيتهم له.
    الثالثة: أن إفراده بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص، وأنه لا يجوز أن يكون مخصوصاً من اللفظ العام بل هو مراد قطعاً.
    الفصل الثامن: في قوله: اللَّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد
    وذكر البركة وحقيقتها: الثبوت وللزوم والاستقرار، فمنه برك البعير: إذا استقر على الأرض، ومنه المبرك: لموضع البروك. وقال صاحب الصحاح: وكل شيء ثبت وأقام فقد برك. والبرك : الإبل الكثيرة، والبركة: بكسر الباء كالحوض، والجمع: البرك، ذكره الجوهري . قال ويقال: سميت بذلك لإقامة الماء فيها. والبراكاء: الثبات في الحرب والجد فيها، قال الشاعر:
    ولا ينجي من الغمرات إلا براكاء القتال أو الفرار
    والبركة: النماء والزيادة. والتبريك: الدعاء بذلك. ويقال: باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له، وفي القرآن: أن بورك من في النار ومن حولها [النمل:8]، وفيه: وباركنا عليه وعلى إسحاق [الصافات:113]، وفيه:باركنا فيها [الأنبياء:71].
    وفي الحديث : وبارك لي فيما أعطيت ، وفي حديث سعد : بارك الله لك في أهلك ومالك . والمبارك: الذي قد باركه الله سبحانه، كما قال المسيح عليه السلام: وجعلني مباركا أين ما كنت [مريم:31]، وكتابه مبارك، قال تعالى: وهذا ذكر مبارك أنزلناه [الأنبياء:50]، وقال: كتاب أنزلناه إليك مبارك [ص:29]، وهو أحق أن يسمى مباركا من كل شيء، لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه، والرب تعالي يقال في حقه:تبارك ولا يقال: مبارك.
    ثم قالت طائفة، منهم الجوهري : إن تبارك بمعنى بارك، مثل قاتل وتقاتل، قال: إلا أن فاعل يتعدى، وتفاعل لا يتعدى، وهذا غلط عند المحققين، وإنما تبارك تفاعل من البركة، وهذا الثناء في حقه تعالى إنما هو لوصف رجع إليه تعالى، فإنه تفاعل من العلو ، ولهذا يقرن بين هذين اللفظين، فيقال: تبارك وتعالى ، وفي دعاء القنوت: تباركت وتعاليت وهو سبحانه أحق بذلك وأولى من كل أحد، فإن الخير كله بيده، وكل الخير منه. صفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة، وخيرات لا شرور فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : والشر ليس إليك وإنما يقع الشر في مفعولاته ومخلوقاته، لا في فعله سبحانه. فإذا كان العبد وغيره مباركاً، لكثرة خيره ونفعه واتصال أسباب الخير فيه، وحصول ما ينتفع به الناس منه، فالله تبارك وتعالى أحق أن يكون متباركاً، وهذا ثناء يشعر بالعظمة، والرفعة والسعة، كما يقال: تعاظم وتعالى، ونحوه، فهو دليل على عظمته وكثرة خيره ودوامه، واجتماع صفات الكمال فيه، وأن كل نفع في العالم كان ويكون فمن نفعه سبحانه وإحسانه.ويدل هذا الفعل أيضاً في حقه على العظمة والجلال وعلو الشأن، ولهذا إنما يذكره غالباً مفتتحاً به جلاله وعظمته وكبرياءه، قال تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [الأعراف:54]، وقال: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا [الفرقان: 1]، وقال تعالى: تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً [الفرقان:61]، وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون [الزخرف:85]، و تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير [الملك: 1]، وقال تعالى عقب خلق الإنسان في أطواره السبعة: فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون: 14]، فقد ذكر تباركه سبحانه في المواضع التي أثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة، والأفعال الدالة على ربوبيته وإلهيته وحكمته وسائر صفات كماله: من إنزال الفرقان، وخلق العالمين، وجعله البروج في السماء والشمس والقمر، وانفراده بالملك، وكمال القدرة.
    ولهذا قال أبو صالح : عن ابن العباس رضي الله عنه تبارك بمعنى : تعالى وقال أبو العباس : تبارك ارتفع، والمبارك: المرتفع.
    وقال ابن الأنباري : تبارك بمعنى : تقدس.
    وقال الحسن : تبارك تجيء البركة من قبله. وقال الضحاك : تبارك تعاظم. وقال الخليل بن أحمد : تمجد. وقال الحسين بن الفضل : تبارك في ذاته، وبارك فيمن شاء من خلقه وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه صفة ذات له ، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل .
    والذي يدل على ذلك أيضاً: أنه سبحانه يسند التبارك إلى اسمه، كما قال: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام [الرحمن:78]، وفي حديث الاستفتاح: تبارك اسمك وتعالى جدك ، فدل هذا على أن تبارك ليس بمعنى بارك، كما قاله الجوهري وأن تبريكه سبحانه جزء مسمى اللفظ، لا كمال معناه.
    وقال ابن عطية : معناه عظم، وكثرت بركاته. ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب، لا يستعمل منها مضارع ولا أمر. قال: وعلة ذلك أن تبارك لما لم يوصف به غير الله، لم يقتض مستقبلاً، إذ الله تعالى قد تبارك في الأزل، قال: وقد غلط أبو علي القالي فقيل له: كيف المستقبل من تبارك؟ فقال: يتبارك. فوقف على أن العرب لم تقله.
    وقال ابن قتيبة : تبارك اسمك: تفاعل من البركة، كما يقال: تعالى اسمك من العلو، يراد به أن البركة في اسمك، وفيما سمي عليه. وقال: وأنشدني بعض أصحاب اللغة بيتاً حفظت عجزه:
    إلى الجذع جذع النخلة المتبارك
    فقوله: يراد به أن البركة في اسمك وفيما سمي عليه، يدل على أن ذلك صفة لمن تبارك، فإن بركة الاسم تابعة لبركة المسمى، ولهذا كان قوله تعالى: فسبح باسم ربك العظيم [الحاقة: 52]، دليلاً على الأمر بتسبيح الرب بطريق الأولى، فإن تنزيه الاسم من توابع تنزيه المسمى.
    وقال الزمخشري : فيه معنيان، أحدهما تزايد خيره وتكاثر، أو تزايد عن كل شيء، وتعالى عنه في صفاته وأفعاله.
    قلت: ولا تنافي بين المعنيين، كما قال الحسين بن الفضل وغيره.
    وقال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن تبارك فقال: تمجد، ويجمع المعنيين مجده في ذاته وإفاضته البركة على خلقه، فإن هذا حقيقة المجد ، فإنه السعة، ومنه مجد الشيء: إذا اتسع، واستمجد، والعرش المجيد لسعته. وقال بعض المفسرين: يمكن أن يقال: هو من البروك، فيكون تبارك ثبت ودام أزلاً وأبداً، فيلزم أن يكون واجب الوجود، لأن ما كان وجوده من غيره لم يكن أزلياً.
    وهذا قد يقال: إنه جزء المعنى ، فتباركه سبحانه يجمع هذا كله: دوام وجوده، وكثرة خيره، ومجده وعلوه، وعظمته وتقدسه، ومجيء الخيرات كلها من عنده، وتبريكه على من شاء من خلقه، وهذا هو المعهود من ألفاظ القرآن كلها أنها تكون دالة على جملة معان، فيعبر هذا عن بعضها، وهذا عن بعضها، واللفظ يجمع ذلك كله، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع.
    والمقصود الكلام على قوله: وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة.
    وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحاق [الصافات:112-113]، وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد [هود:73].
    وتأمل كيف جاء في القرآن: وباركنا عليه وعلى إسحاق [الصافات: 113] ولم يذكر إسماعيل.
    وجاء في التوراة ذكر البركة على إسماعيل ولم يذكر إسحاق، كما تقدم حكايته. وعن إسماعيل: سمعتك ها أنا باركته فجاء في التوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذاناً بما حصل لبنيه من الخير والبركة، لا سيما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنبههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك صلى الله عليه وسلم ، وذكر لنا في القرآن بركته على إسحاق منبهاً لنا على ما حصل في أولاده من نبوة موسى عليه السلام وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم مستدعياً من عباده الإيمان بذلك، والتصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق هذا البيت المبارك وأهل النبوة منهم، ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلق لنا بهم ، بل يجب علينا احترامهم وتوقيرهم، والإيمان بهم، ومحبتهم وموالاتهم، والثناء عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    ولما كان هذا البيت المبارك المطهر أشرف بيوت العالم على الإطلاق خصهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص:
    منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته.
    ومنها أنه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم، فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم.
    ومنها: أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين: إبراهيم ومحمداً صلى الله وسلم عليهما، قال تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء: 125]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وهذا من خواص هذا البيت.
    ومنها: أنه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إماماً للعالمين، كما قال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما [البقرة:124].
    ومنها: أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياماً للناس وقبلة لهم وحجاً، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين.
    ومنها: أنه أمر عباده بأن يصلوا على أهل هذا البيت، كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم، وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصية لهم.
    ومنها: أنه أخرج منهم الأمتين المعظمتين اللتين لم تخرجا من أهل بيت غيرهم، وهم أمة موسى، وأمة محمد، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تمام سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله.
    ومنها: أن الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق، وثناء حسناً في العالم، فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم، قال الله تعالى: وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين [ الصافات: 108-110].
    ومنها: جعل أهل هذا البيت فرقاناً بين الناس، فالسعداء أتباعهم ومحبوهم ومن تولاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم.
    ومنها: أنه سبحانه جعل ذكرهم مقروناً بذكره، فيقال: إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيه، ومحمد رسول الله وخليله ونبيه، وموسى كليم الله ورسوله، قال تعالى لنبيه يذكره بنعمته عليه: ورفعنا لك ذكرك [الشرح:4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا ذكرت ذكرت معي. فيقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخطب، وفي التشهدات، وغير ذلك.
    * ومنها: أنه سبحانه جعل خلاص خلقة من شقاء الدنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت، فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة، والأيادي العظام عندهم التي يجازيهم عليها الله عز وجل.
    ومنها : أن كل ضرر ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم، فلهم من الأجر مثل أجور عامليها، فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده.
    ومنها أنه سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين العالمين وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قط إلا من طريقهم وبابهم.
    قال الجنيد رضي الله عنه : يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق، أو استفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك.
    ومنها: أنه سبحانه خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته منهم، فسبحان من جمع لهم علم الأولين والآخرين.
    ومنها : أنه سبحانه خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به، بما لم يخص به أهل بيت سواهم.
    ومنها: أنه سبحانه مكن لهم في الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع لهم أهل الأرض، ما لم يحصل لغيرهم.
    ومنها: أنه سبحانه أيدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بما لم يؤيد غيرهم.
    ومنها: أنه سبحانه محا بهم من آثار أهل الضلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم.
    ومنها: أنه سبحانه غرس لهم من المحبة والإجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم.
    ومنها: أنه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سبباً لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقياً ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم، قال الله تعالى:جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد [المائدة:97]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: لو ترك الناس كلهم الحج لوقعت السماء على الأرض. وقال لو ترك الناس كلهم الحج لما نظروا. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض، وكلامه من المصاحف وصدور الرجال، فلا يبقى له في الأرض بيت يحج ولا كلام يتلى، فحينئذ يقرب خراب العالم.
    وهكذا الناس اليوم إنما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها، والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها.
    ومن تأمل تسليط الله سبحانه من سلطه على البلاد والعباد من الأعداء علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم وسننه وشرائعه، فسلط الله عليهم من أهلكهم وانتقم منهم، حتى إن البلاد التي لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم.
    وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت، فلهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نطلب له من الله تعالى أن يبارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    ومن بركات أهل هذا البيت أنه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم.
    ومن بركاتهم وخصائصهم أن الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتخذه خليلاً، ومنهم الذبيح، ومنهم من كلمه تكليماً وقربه نجياً، ومنهم من آتاه شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه، ومنهم من أتاه ملكاً لم يؤته أحداً غيره، ومنهم من رفعه مكاناً علياً.
    ولما ذكر سبحانه هذا البيت وذريتهم أخبر أن كلهم فضله على العالمين
    ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أن الله سبحانه رفع العذاب العام عن أهل الأرض بهم وببعثهم، وكانت عادته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسلهم أهلكهم بعذاب يعمهم، كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، فلما أنزل الله التوراة والإنجيل والقرآن رفع بها العذاب العام عن أهل الأرض، وأمر بجهاد من كذبهم وخالفهم، فكان بذلك نصرة لهم بأيديهم، وشفاء لصدورهم، واتخاذ الشهداء منهم، وإهلاك عدوهم بأيديهم، لتحصيل محابه سبحانه على أيديهم.
    وحق لأهل بيت هذا بعض فضائلهم وخصائصهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم، والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم وإجلالهم، وأن يعرف المصلي عليهم أنه لو أنفق أنفاسه كلها في الصلاة عليهم ما وفى القليل من حقهم، فجزاهم الله عن بريته أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيماً وتشريفاً وتكريماً، وصلى الله عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها وسلم تسليماً.
    الفصل التاسع : في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى وهما: الحميد والمجيد
    فالحميد فعيل من الحمد، وهو بمعنى محمود، وأكثر ما يأتي فعيلاً في أسمائه تعالى بمعنى فاعل ، كسميع ، وبصير، وعليم، وقدير، وعلي، وحكيم، وحليم. وهو كثير. وكذلك فعول، كغفور، وشكور، وصبور.
    وأما الودود ففيه قولان:
    أحدهما أنه بمعنى فاعل، وهو الذي يحب أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده المؤمنين.
    والثاني: أنه بمعنى مودود، وهو المحبوب الذي يستحق أن يحب الحب كله، وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته.
    وأما الحميد: فلم يأت إلا بمعنى المحمود، وهو أبلغ من المحمود، فإن فعيلاً إذا عدل به عن مفعول دل على أن تلك الصفة قد صارت مثل السجية والغريزة والخلق اللازم، كما إذا قلت فلان ظريف أو شريف أو كريم، ولهذا يكون هذا البناء غالباً من فعل بوزن شرف، وهذا البناء من أبنية الغرائز والسجايا اللازمة ، ككبر وصغر وحسن ولطف، ونحو ذلك.
    ولهذا كان حبيب أبلغ من محبوب، لأن الحبيب هو الذي حصلت فيه الصفات والأفعال التي يجب لأجلها، فهو حبيب في نفسه وإن قدر أن غيره لا يحبه لعدم شعوره به، أو لمانع منعه من حبه، وأما المحبوب فهو الذي تعلق به حب المحب، فصار محبوباً بحب الغير له. وأما الحبيب فهو حبيب بذاته وصفاته، تعلق به حب الغير أو لم يتعلق، وهكذا الحميد والمحمود.
    فالحميد هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محموداً وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسهن والمحمود من تعلق به حمد الحامدين، وهكذا المجيد والممجد، والكبير والمكبر، والعظيم والمعظم، والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، فمن أحببته ولمتتثن عليه، لم تكن حامداً له، وكذا من أثنيت عليه لغرض ما، ولم تحبه لم تكن حامداً له حتى تكون مثنياً عليه محباً له، وهذا الثناء والحب تبع للأسباب المقتضية له، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير، فإن هذه هي أسباب المحبة، وكلما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل كان الحمد والحب أتم وأعظم ، ولله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما والإحسان كله له ومنه، فهو أحق بكل حمد، وبكل حب من كل جهة، فهو أهل أن يحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه ولكل ما صدر منه سبحانه وتعالى.
    وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، فلا إله إلا الله دال على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته تستلزم محبته التامة، والله أكبر دال على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيراً، كقوله: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد [هود:73]، وقوله سبحانه: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا [الإسراء:111]، فأمر بحمده وتكبيره. وقال تعالى: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام [الرحمن:78]، وقال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن: 27].
    وفي المسند و صحيح أبي حاتم وغيره: من حديث أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألطو بياذا الجلال والإكرام يعني الزموها وتعلقوا بها، فالجلال والإكرام هو الحمد والمجد . ونظير هذا قوله: فإن ربي غني كريم [النمل: 40]، وقوله: فإن الله كان عفوا قديرا [النساء: 149]، وقوله: والله قدير والله غفور رحيم [الممتحنة: 7] وقوله: وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد [البروج: 14-15]، وهو كثير في القرآن.
    وفي الحديث الصحيح : حديث دعاء الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ، فذكر هذين الاسمين: الحميد والمجيد عقيب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله مطابق لقوله تعالى: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد [هو: 73].
    ولما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه والتنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حبه وتقريبه كما تقدم ، كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له، وهما أسماء الحميد والمجيد، وهذا كما تقدم أن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه، أو يفتتح دعاءه به، وتقدم أن هذا من قوله: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [ الأعراف: 180]، قال سليمان عليه السلام في دعائه ربه: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب [ص:35]، وقال الخليل وابنه إسماعيل في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم [ البقرة: 128]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة في مجلسه، وقال لعائشة رضي الله عنها وقد سألته: إن وافقت ليلة القدر ما أدعو به؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وقال للصديق رضي الله عنه، وقد سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ، وهذا كثير قد ذكرناه في كتاب الروح والنفس
    وما قاله الناس في قول المسيح عليه الصلاة والسلام: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة: 118]، ولم يقل الغفور الرحيم، وقول الخليل: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [إبراهيم: 36]، فلما كان المطلوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمداً ومجداً بصلاة الله عليه ، ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد ، وأيضاً فإنه لما كان المطلوب للرسول حمداً ومجداً، وكان ذلك حاصلاً له ، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذينك الوصفين للرب بطريق الأولى، وكل كمال في العبد غير مستلزم للنقص، فالرب أحق به.
    وأيضاً فإنه لما طلب للرسول حمداً ومجداً بالصلاة عليه، وذلك يستلزم الثناء عليه، ختم هذا المطلوب بالثناء على مرسلة بالحمد والمجد، فيكون هذا الدعاء متضمناً لطلب الحمد والمجد للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، والإخبار عن ثبوته للرب سبحانه وتعالى.

    الباب الثالث: في مواطن الصلاة على النبي التي يتأكد طلبها إما وجوباً وإما استحساناً مؤكداً
    الموطن الأول في الصلاة في آخر التشهد
    الموطن الأول في الصلاة في آخر التشهد
    الموطن الأول: وهو أهمها وأكدها في الصلاة في آخر التشهد.
    وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها. فقالت طائفة: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم الطحاوي و القاضي عياض و الخطابي ، فإنه قال: ليست بواجبة في الصلاة ، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ، ولا أعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعي تفرد بذلك، واختار عدم الوجوب.
    واحتج أرباب هذا القول بأن قالوا- واللفظ لعياض-والدليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست من فروض الصلاة عمل اللف الصالح قبل الشافعي، وإجماعهم عليه، وقد شنع الناس عليه المسألة جداً، وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك كل من روى التشهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كأبي هريرة وابن عباس و جابر وابن عمر و أبي سعيد الخدري و أبي موسى الأشعري و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ، لم يذكروا فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد قال ابن عباس و جابر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن . ونحوه عن أبي سعيد. وقال ابن عمر : كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أيضاً على المنبر، يعني وليس في شيء من ذلك أمرهم فيه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    قال ابن عبد البر في التمهيد : ومن حجة من قال بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست فرضاً في الصلاة : حديث الحسن بن الحر، عن القاسم ابن مخيمرة، أخذ علقة بيدي فقال: إن عبد الله أخذ بيدي كما أخذت بيدك، فعلمني التشهد، فذكر الحديث إلى قوله : فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد . قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة ، وأن من تشهد فقد تمت صلاته إن شاء قام وإن شاء قعد.
    قالوا: لأن ذلك لو كان واجباً أو سنة في التشهد، لبيضن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وذكره.
    قالوا: وأيضاً فقد روى أبو داود، والترمذي، والطحاوي من حديث عبد الله بن عمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رفع رأسه من آخر السجود ، فقد مضت صلاته إذا هو أحدث ، واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضي صلاته حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
    قالوا: وقد روى عاصم بن أبي ضمرة، عن علي رضي الله عنه: إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته . ومن حجتهم أيضاً: حديث فضالة بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجل هذا ثم دعاه ، فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم يصلي على محمد ثم يدعو بما شاء .
    قالوا: ففي حديث فضالة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر هذا المصلي الذي ترك الصلاة عليه _صلى الله عليه وآله وسلم- بالإعادة، لأنها لو كانت فرضاً لأمره بإعادة الصلاة كما أمر الذي لم يتم ركوعه ولا سجوده بالإعادة.
    واحتج هؤلاء أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها لعلمه إياها كما علمه القراءة والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة.
    واحتجوا أيضاً بأن الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو بإجماع ممن تقوم الحجة بإجماعهم.
    فهذا أجل ما احتج به النفاة وعمدتهم.
    ونازعهم آخرون في ذلك نقلاً واستلالاً ، وقالوا:
    أما نسبتكم الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، فليس بصحيح، فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم.
    فمنهم عبد الله بن مسعود، فإنه كان يراها واجبة في الصلاة ويقول: لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم . ذكره ابن عبد البر عنه في التمهيد وحكاه غيره أيضاً.
    ومنهم أبو مسعود البدري، روى عثمان بن أبي شيبة وغيره:عن
    شريك، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبي مسعود قال: ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلي على محمد وعلى آل محمد.
    ومنهم عبد الله بن عمر، ذكره الحسن بن شبيب المعمري: حدثنا علي بن ميمون ، حدثنا خالد بن حسان عن جعفر بن برقان ، عن عقبة ابن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال: لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن نسيت شيئاً من ذلك، فاسجد سجدتين بعد السلام.
    وقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: حدثنا شريك، عن أبي جعفر قال: قال أبو مسعود البدري : ما أرى أن صلاة لي تمت لا أصلي فيها على محمد صلى الله عليه وسلم .
    ومن التابعين: أبو جعفر محمد بن علي و الشعبي ، و مقاتل بن حيان .
    ومن أرباب المذاهب المتبوعين إسحاق بن راهويه، قال: إن تركها عمداً لم تصح صلاته، وإن تركها سهواً رجوت أن تجزئه.
    قلت: عن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما عنه حرب في مسائله قال: باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. قال: سألت إسحاق قلت : الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة. وقال الشافعي: لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة ، فذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال حرب: سمعت أبا يعقوب_ يعني إسحاق_ يقول: إذا فرغ من التشهد - إماماً كان أو مأموماً - صلى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزئه غير ذلك لقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قد عرفنا السلام عليك - يعني في التشهد والسلام فيها - فكيف الصلاة ، فأنزل الله : إن الله وملائكته يصلون على النبي [الأحزاب:56]، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه يكفيه، فليقله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلسة الأخير عملان هما عدلان، لا يجوز لأحد أن يترك واحداً منهما عمداً، وإن كان ناسياً رجونا أن تجزئه، مع أن بعض علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن تركه أعاد الصلاة . تم كلامه.
    وأما الإمام أحمد، فاختلفت الرواية عنه، ففي مسائل المروزي ، قيل لأبي عبد الله : إن ابن راهوية يقول: لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بطلت صلاته ؟ قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال مرة : هذا شذوذ.
    وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي، قال أحمد: كنت أتهيب ذلك ، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة. وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب.
    وأما قولكم: الدليل على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه. فجوابه: أن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع: إنها ليست بواجبة. فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمراً قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد، وإمامهم ومأمومهم ومنفردهم، ومفترضهم ومتنفلهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلى الله عليه وسلم ؟في الصلاة؟ لقال : نعم. وحتى لو سلم من غير صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلم المأمومون منه ذلك، لأنكروا ذلك عليه ، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم، فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم ما كان أحد منهم قط يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته؟! وهذا من أبطل الباطل.
    وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع أيضاً : إنها ليست بفرض. فهذا مع أنه لا يسمى عملاً لم يعلمه أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، وقد نازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب كما تقدم، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، وأبو مسعود، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في آخر قوليه، يوجبون الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد ، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم رضي الله عنهم؟ ولكن هذا شأن من لم يتتبع مذاهب العلماء، ويعلم مواقع الإجماع والنزاع.
    وأما قوله: قد شنع الناس المسألة على الشافعي جداً، فيا سبحان الله! أي شناعة عليه في هذه المسألة؟ وهل هي إلا من محاسن مذهبه؟ ثم لا يستحي المشنع عليه مثل هذه المسألة من السائل التي شنعتها ظاهرة جداً، يعرفها من عرفها من المسائل التي تخالف النصوص، أو تخالف الإجماع السابق ، أو القياس أو المصلحة الراجحة؟ ولو تتبعت لبلغت مئين، وليس تتبع المسائل المستشنعة من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها، والمنصف خصم نفسه. فأي كتاب خالف الشافعي في هذه المسألة؟ أم أي سنة؟ أم أي إجماع؟ ولأجل أن قال قولاً اقتضته الأدلة وقامت على صحته، وهو من تمام الصلاة بلا خلاف ، أما إتمام واجباتها أو تمام مستحباتها، فهو رضي الله عنه رأى أنه من تمام واجباتها بالأدلة التي سنذكرها فيما بعد ذلك ، فلا إجماعاً خرقه، ولا نصاً خالفه، فمن أي وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن شنع عليه أليق وبه ألحق؟.
    وأما قوله: وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه... إلى آخره.
    فهكذا رأيته في النسخة الذي اختاره الشافعي، والشافعي إنما اختار تشهد ابن عباس، أما تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، فأبو حنيفة وأحمد اختاراه، ومالك اختار تشهد عمر، وبالجملة فجواب ذلك من وجوه:
    أحدها: أنا نقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد، ولا ينفي وجوب غيره، فإنه لم يقل أحد: إن هذا التشهد هو جميع الواجب من الذكر في هذه القعدة، فإيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدليل آخر لا يكون معارضاً بترك تعليمه في أحاديث التشهد.
    الثاني: أنكم توجبون السلام من الصلاة ولم يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في أحاديث التشهد.
    فإن قلتم : إنما وجب السلام بقوله صلى الله عليه وسلم : تحريمها التكبير وتحليلها التسليم . قيل لكم: ونحن أوجبنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعاً من إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مانعاً من إيجاب السلام ، وإن لم يمنعه لم يمنع وجوب الصلاة.
    الثالث:أن النبي صلى الله عليه وسلم كما علمهم التشهد علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليم التشهد دالاً على وجوبه، وتعليمه الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فإن قلتم: التشهد الذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة ، ولهذا قال فيه: فإذا جلس أحدكم فليقل التحيات لله ، وأما تعليم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فمطلق . قلنا: والصلاة التي علمهم إياها عليه صلى الله عليه وسلم هي في الصلاة أيضاً لوجهين:
    أحدهما: حديث محمد بن إبراهيم التيمي ، وقوله: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟. وقد تقدم في الباب الأول.
    الثاني : إن الصلاة التي سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم إياها نظير السلام الذي علموه، لأنهم قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ ، ومن المعلوم أن السلام الذي علموه هوقولهم في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة هي في الصلاة . وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام تقرير ذلك.
    الرابع: أنه لو قدر أن أحاديث التشهد تنفي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكانت أدلة وجوبها مقدمة على تلك، لأن نفيها ينبني على استصحاب البراءة الأصلية ، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المنفي، فكيف ولا تعارض، فإن غاية ما ذكرتم تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب غيره، وما سكت عن وجوب شيء لا يكون معارضاً لما نطق بوجوبه، فضلاً عن أن يقدم عليه.
    الخامس : أن تعليمهم التشهد كان متقدماً ، بل لعله من حين فرضت الصلاة.
    وأما تعليمهم الصلاة عليه فإنه كان بعد نزول قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية [الأحزاب:56]، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه زينب بنت جحش ن وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد،فلو قدر أن فرض التشهد كان نافياً لوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لكان منسوخاً بأدلة الوجوب، فإنها متأخرة.
    والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن هذا يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والذي قبله يقتضي تقديمها لرفعها البراءة الأصلية، من غير نظر إلى تقدم ولا تأخر، والذي يدل على تأخر الأمر بالصلاة عن التشهد قولهم: هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك ؟ ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد، لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد، والله أعلم.
    تابع الموطن الأول في الصلاة في آخر التشهد
    وأما قوله: ومن حجة من لم يرها فرضاً في الصلاة حديث الحسن ابن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، فذكر حديث ابن مسعود، وفيه: فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة ، فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد ، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجوابه من وجوه:
    أحدها: أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث، ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بين ذلك الأئمة الحفاظ، قال الدارقطني في كتاب العلل : رواه الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، عن علقمة ، عن عبد الله؟ حدث به عنه محمد بن عجلان ، و حسين الجعفي ، و زهير بن معاوية ، و عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان . فأما ابن عجلان ، و حسين الجعفي فاتفقا على لفظه ، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلاماً أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: إذا قضيت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم .
    ورواه شبابة بن سوار ، عن زهير ، ففصل بين لفظ النبي ، وقال فيه عن زهير: قال ابن مسعود هذا الكلام.
    وكذلك رواه ابن ثوبان ، عن الحسن بن الحر وبينه، وفصل كلام النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ابن مسعود، هو الصواب
    وقال في كتاب السنن وقد ذكر حديث زهير، عن الحسن بن الحرهذا ، وذكر الزيادة، ثم قال: أدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ، ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وفصله شبابة عن زهير، وجعله من كلام عبد الله رضي الله عنه، وهو أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك ، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي، وابن عجلان، ومحمد بن أبان، في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك ثم ذكر رواية شبابة وفصله كلام عبد الله من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: شبابة ثقة ، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول عبد الله بن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج في كلام النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تابعه غسان بن الربيع وغيره، فرواه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر كذلك ، وجعله آخر الحديث من كلام ابن مسعود لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
    وذكر أبو بكر الخطيب هذا الحديث في كتاب الفصل للوصل له. وقال: قول من فصل كلام النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ابن مسعود، وبين أن الصواب أن هذه الزيادة مدرجة.
    فإن قيل : فأنتم قد رويتم عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة، وهذا الذي ساعدكم على أنه من قول ابن مسعود رضي الله عنه يبطل ما رويتم عنه. فإن كان الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو نص في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو مبطل لما رويتموه عنه .
    فهذا سؤال قوي، وقد أجيب عنه بأجوبة:
    أحدها: قال القاضي أبو الطيب: قوله: فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، معناه أنها قاربت التمام، والدليل على ذلك أنا أجمعنا على أن الصلاة لم تتم.
    وهذا جواب ضعيف، لأنه قال: فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ، وعند من يوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا يخير بين القيام والقعود حتى يأتي بها.
    الجواب الثاني:أن هذا حديث خرج على معنى في التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على الله، فقيل لهم إن الله هو السلام. ولكن قولوا كذا. فعلمهم التشهد ، ومعنى قوله : إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك، يعني إذا ضم إليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم وسائر أحكامها، ألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها، لأنه قد وقفهم على ذلك، فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم.
    قالوا: ومثل حديث ابن ابن مسعود هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الصدقة: إنها تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، أي ومن ضم إليهم، وسمي معهم في القرآن، وهم الثمانية الأصناف.
    قالوا: ومثل ذلك قوله في حديث المسيئ في صلاته:: ارجع فصل فإنك لم تصل ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به أو لم يقمه من صلاته فقال: إذا قمت إلى الصلاة فذكر الحديث وسكت عن التشهد والتسليم.
    وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد، ووجوب التسليم عليه صلى الله عليه وسلم بما علمهم من ذلك، كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضاً في المسألة بانه إنما يتحلل من الصلاة به لا بغيره من غير هذا الحديث ، فكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مأخوذة من غير ذلك الحديث.
    قالوا: وكما جاز لمن جعل التشهد فرضاً ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا، ورد من خالفه، وقال: إذا قعد بمقدار التشهد فقد تمت صلاته وإن لم يتشهد. وعلى من قال : إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة فقد تمت صلاته. بأن ابن مسعود رضي الله عنه إنما علق التمام في حديثه بالتشهد ، جاز لمن أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها ، وتكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على من نفي وجوب التشهد أو وجوب القعدة معه.
    قالوا: واستدلالنا أقوى من استدلالكم ، فإنه استدلال بكتاب الله وسنة رسوله ، وعمل الأمة قرناً بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى من الاستدلال على وجوب التشهد، لم يكن دونه، وإن كان من الفقهاء من ينازعنا في هذه المسألة فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان ، ومع من كان.
    الجواب الثالث: أنه لا يمكن أحداً ممن ينازعنا أن يحتج علينا بهذا الأثر لا مرفوعاً ولا موقوفاً، يقال لمن احتج به: لا يخلو إما أن يكون قوله إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك مقتصراً عليه أو مضافاً إلى سائر واجباتها، والأول محال وباطل، والثاني حق ولكنه لا ينف وجوب شيء مما تنازع فيه الفقهاء من وواجبات الصلاة، فضلاً عن نفيه وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد، ولم يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب فإنه لا تتم الصلاة إلا به ولم يذكره.
    يوضحه الجواب الرابع: أن عند أب حنيفة رحمه الله تعالى أن التشهد ليس بفرض، بل إذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته ، تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد. فإن كان استدلالكم بأنه علق التمام بالتشهد فلا تجب الصلاة بعده صحيحاً، فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فريضة التشهد، وإن لم يكن الاستدلال صحيحاً، بطل معارضة أدلة الوجوب به، وبطل قولكم بنفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فبطل قولكم على التقديرين.
    فإن قلتم: نحن نجيب عن هذا بأن قوله: فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك، المراد به تمام الاستحباب، وتمام الواجب قد انقضى بالجلوس. قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفي الصلاة، وعلى قول من أوجبها، لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها، وأن الصلاة لا تتم التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تتم التمام الوجاب إلا بها، فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلاً.
    قوله: روى أبو داود و الترمذي حديث عبد الله بن عمرو، وفيه: إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته جوابه من وجوه:
    أحدها: أ الحديث معلول. وبيان تعليله من وجوه:
    أحدها: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده.
    الثاني : أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واح من الأئمة.
    الثالث: أنه من رواية بكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو، ولم يلقه، فهو منقطع.
    الرابع: أنه نضطرب الإسناد، كما ذكره الترمذي .
    الخامس: أنه نضطرب المتن، فمرة يقول : إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، ولفظ أبي داود، والترمذي غير هذاا، وهو:إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته، وهذا غير لفظ الطحاوي.
    ورواه الطحاوي أيضاً بلفظ آخر فقال: إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو أو أحد ممن ائتم بالصلاة معه قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته، فلا يعود فيها، فهذا معناه غير معنى الأول. قال الطحاوي: وقد روى بلفظ آخر: إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته.
    وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا نسوء حفظه، والله أعلم.
    قوله: وقال علي رضي الله عنه: إذا جلس مقدار التشهد تمت صلاته. جوابه: أن علي بن سعيد قال في مسائله: سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال: يعيد . قلت:فحديث علي رضي الله عنه. من قعد مقدار التشهد. فقال: لا يصح. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث علي، وعبد الله بن عمر.
    وقوله: وروى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قصة التشهد، وقال: ثم ليختر من الكلام ما شاء ، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتاً عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضاً لأحاديث الوجوب، كما تقدم تقريره.
    قوله: وحديث فضالة بن عبيد يدل على نفي الوجوب، جوابه: أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالصلاة عليه في التشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولاً لهما، فالتفريق بين المأمورين تحكم.
    فإن قلتم: فالتشهد عندنا ليس بواجب؟ قلنا: الحديث حجة لنا عليكم في المسألتين، والواجب اتباع الدليل.
    قوله: النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرضاً لأمره بإعادتها كما أمر المسيء في صلاته جوابه من وجوه:
    أحدها: أن هذا كان غير عالم بوجوبها معتقداً أنها غير واجبة ، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، وأمره في المستقبل أن يقولها، فأمره بقولها في المستقبل دليل على وجوبها، وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب، وهذا كما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في الصلاة بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذراً له بالجهل.
    فإن قيل: فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة ولم يعذره بالجهل؟ قلنا: لأن الوقت باق وقد علم أركان الصلاة فوجب عليه أن يأتي بها.
    فإن قيل: فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء؟.
    قلنا: أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه فيها محكم ظاهر في الوجوب، ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن تكون الصلاة نفلاً لا تجب عليه إعادتها، ويحتمل غير ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل محكم لهذا المشتبه المحتمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    فحديث فضالة إما مشترك الدلالة على السواء فلا حجة لكم فيه، وإما راجح الدلالة من جانبنا كما ذكرناه، فلا حجة لكم فيه أيضاً، فعلى التقديرين سقط احتجاجكم به.
    قوله: لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته، ولو كانت فرضاً لعلمها إياه، جوابه من وجوه:
    أحدها: أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستنداً لهم في نفي كل ما ينفون وجوبه، وحملوه فوق طاقته، وبالغوا في نفي ما اختلف في وجوبه به. فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به، ومن نفى وجوب التسليم احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم احتج به، ومن نفى وجوب أذكار الركوع والسجود وركني الاعتدال احتج به، ومن نفى وجوب تكبيرات الانتقالات احتد به، وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينفي وجوب شيء من ذلك، بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالأدلة الموجبة له يكون معارضاً به.
    فإن قيل : سكوته عن الأمر بغير ما أمره به يدل على أنه ليس بواجب لأنه في مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. قيل : هذا لا يمكن أحد أن يستدل به على هذا الوجه، فإنه يلزمه أن يقول: لا يجب التشهد، ولا الجلوس له ، ولا السلام، ولا النية، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث، وطرد هذا أنه لا يجب عليه استقبال القبلة، ولا الصلاة في الوقت ، لأنه لم يأمره بهما، وهذا لا يقوله أحد. فإن قلتم: إنما علمه ما أساء فيه، وهو لم يسيء في ذلك ، قيل لكم : فاقنعوا بهذا الجواب من منازعيكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء هذا.
    الثاني: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من أجزاء الصلاة دليل ظاهر في الوجوب، وترك أمره للمسيء به يحتمل أموراً :
    منها: أنه لم يسئ فيه.
    ومنها: أنه وجب بعد ذلك.
    ومنها: أنه علمه معظم الأركان وأهمها وأحال بقية تعليمه على مشاهدته صلى الله عليه وسلم في صلاته، أو على تعليم بعض الصحابة له، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم بتعليم بعضهم بعضاً، فكان من المستقر عندهم أنه دلهم في تعليم الجاهل وإرشاد الضال، وأي محذور في أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه البعض وعلمه أصحابه البعض الآخر، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المجمل معارضاً لأدلة وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيرها من واجبات الصلاة، فضلاً عن أن يقدم عليها، فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المجمل ، والله أعلم.
    قوله: الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله أو بإجماع.
    قلنا: اسمعوا أدلتنا الآن على الوجوب، فلنا عليه أدلة:
    الدليل الأول: قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]، ووجه الدلالة أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه.
    وقد ثبت أن أصحابه رضي الله عنهم سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها، فقال: قولوا اللهم صل على محمد.. الحديث. وقد ثبت أن السلام الذي علموه هو السلام عليه في الصلاة ، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلين واحد.
    يوضحه: أنه علمهم التشهد آمراً لهم به فيه ، وفيه ذكر التسليم عليه صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عن الصلاة عليه فعلمهم إياها، ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه ، وهذا يدل على أن الصلاة والتسليم المذكورين في الحديث هما الصلاة والتسليم عليه في الصلاة.
    يوضحه: أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة لا فيها، لكان كل مسلم منها إذا سلم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية ، بل كان الداخل منهم يقول: السلام عليكم، وربما قال: السلام على رسول الله، وربما قال: السلام عليك يا رسول الله ونحو ذلك، وهم لم يزالوا يسلمون عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام، وإنما الذي علموه قدر زائد عليها وهو السلام عليه في الصلاة.
    يوضحه:: حديث ابن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا، وقد صحح هذه اللفظة جماعة من الحفاظ: منهم ابن خزيمة، وابن حبان، و والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، وقد تقدم في أول الكتاب، وما أعلت به والجواب عن ذلك . وإذا تقرر أن الصلاة المسؤول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة وقد خرج ذلك مخرج البيان المأمور به منها في القرآن، ثبت أنها على الوجوب، وينضاف إلى ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، ولعل هذا وجه ما أشار إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بقوله: كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا هي واجبة . وقد تقدم حكاية كلامه. وعلى هذا الاستدلال أسئلة:
    أحدها: أن قوله صلى الله عليه وسلم : والسلام كما علمت يحتمل أمرين:
    أحدهما: أن يراد به السلام عليه في الصلاة، والثاني : أن يراد به السلام من الصلاة نفسها، قاله ابن عبد البر.
    الثاني: أن غاية ما ذكرتم إنما يدل دلالة اقتران الصلاة بالسلام، والسلام واجب في التشهد، فكذا الصلاة، ودلالة الاقتران ضعيفة.
    الثالث: أنا لا نسلم وجوب السلام ولا الصلاة، وهذا الاستدلال منكم إنما يتم بعد تسليم وجوب السلام عليه صلى الله عليه وسلم .
    والجواب عن هذه الأسئلة:
    أما الأول : ففاسد جداً فإن في نفس الحديث ما يبطله، وهو أنهم قالوا: هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك ؟ لفظ البخاري في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وأيضاً فإنهم إنما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة والسلام المأمور بهما في الآية لا عن كيفية السلام من الصلاة.
    وأما السؤال الثاني: فسؤال من لم يفهم وجه تقرير الدلالة ، فإنا لم نحتج بدلالة الإقتران، وإنما استدللنا بالأمر بها في القرآ، وبينا أن الصلاة التي سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه إياها إنما هي الصلاة التي في الصلاة.
    وأما السؤال الثالث: ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعيكم فيها مبطلاً لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم، فإن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها على من خالف موجبه، فتقدم على كل قول اقتضى خلافها. لا أن أقوال المجتهدين تعارض بها الأدلة وتبطل مقتضاها وتقدم عليها، ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، فيجب المصير إليه.والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في التشهد، وأمرنا أن نصلي كصلاته، وهذا يدل على وجوب فعل ما فعل في الصلاة إلا ما خصه الدليل، فهاتان مقدمتان:
    أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعي في مسنده عن إبراهيم بن محمد حدثني سعيد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم ، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وهذا وإن كان فيه إبراهيم بن أبي يحيى ، فقد وثقه جماعة، منهم الشافعي رحمه الله، وابن الأصبهاني، وابن عدي، وابن عقدة، وضعفه آخرون.
    أما المقدمة الثانية: فبيانها ما روى البخاري في صحيحه : عن مالك بن الحويرث، قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا؟ فأخبرناه، وكان رفيقاً رحيماً، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم . وعلى هذا الاستدلال من الأسئلة والاعتراضات ما هو مذكور في غير هذا الموضع.
    الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لغير: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه والصلاة، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم نم ليدع بما شاء وقد تقدم ، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأهل السنن وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
    واعترض عليه بوجوه:
    أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، وقد تقدم جوابه.
    الثاني: أن هذا الدعاء كان بعد انقضاء الصلاة لا فيها ، بدليل ما روى الترمذي في جامعه : من حديث رشدين في هذا: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم أعده .
    وجواب هذا من وجوه:
    أحدها: أن رشدين ضعفه أبو زرعة، وغيره، فلا يكون حجة مع استقلاله، فكيف إذا خالف الثقات الإثبات،، لأن كل من روى هذا الحديث قال فيه : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته.
    الثاني: أن رشدين لم يقل في حديثه: إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة ، ولا يدل لفظه على ذلك ، بل قال: فصلى فقال: اللهم اغفر لي. وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة. ونفس الحديث دليل على ذلك، فإنه قال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، ومعلوم أنه لم يرد بذلك الفراغ من الصلاة بل الدخول فيها، ولا سيما فإن عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت في الصلاة لا بعدها، لحديث أبي هريرة، وعلي، وأبي موسى، وعائشة، وابن عباس ، وحذيفة ، وعمار، وغيرهم ، ولم ينقل أحد منهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في صلاته في حديث صحيح.
    ولما سأله الصديق دعاء يدعو به في صلاته لم يقل: ادع به خارج الصلاة، ولم يقل لهذا الداعي به بعد سلامك من الصلاة، لا سيما والمصلي مناج ربه مقبل عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنسب من دعائه له بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته.
    الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم فاحمد الله بما هو أهله ، إنما أراد به التشهد في القعود، ولهذا قال: إذا صليت فقعدت ، يعني في تشهدك، فأمره بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم .
    الاعتراض الثالث: أن الذي أمره أن يصلي فيه ويدعو بعد تحميد الله غير معين ، فلم قلتم: إنه بعد التشهد.
    وجواب هذا: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله، ثم الصلاة على رسوله، ثم الدعاء ، إلا في التشهد آخر الصلاة، فإن ذلك لا يشرع في القيام، ولا الركوع، ولا السجود اتفاقاً، فعلم أنه إنما أراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد.
    الاعتراض الرابع: أنه أمره فيه بالدعاء عقب الصلاة عليه ، والدعاء ليس بواجب، فكذا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم . وجواب هذا : أنه لا يستحيل أن يأمر بشيئين، فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما ، فيبقى الأخر على أصل الوجوب.
    الثاني: أن هذا المذكور من الحمد والثناء هو واجب قبل الدعاء، فإنه هو التشهد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطاً لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    الثالث: أن قولكم : الدعاء لا يجب، باطل، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو، وغيرها، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يسأل الله يغضب عليه والغضب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم.
    الاعتراض الخامس: أنه لو كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرضاً في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت، حتى يرى رجلاً لا يفعلها فيأمره بها، ولكان العلم بوجوبها مستفاداً قبل هذا الحديث.
    وجواب هذا : أنا لم نقل إنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث، بل هذا االمصلي كان قد تركها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مستقر معلوم من شرعه، وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع والسجود والطمأنينة على الأمة لم يكن مستفاداً من حديثه، وتأخير بيان النبي صلى الله عليه وسلم لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلي الصلاة التي شرعها لأمته قبل هذا .
    الاعتراض السادس : أن أبا داود والترمذي قالا في هذا الحديث، حديث فضالة : فقال له، أو لغيره. بحرف أو ولو كان هذا واجباً على كل مكلف لم يكن ذلك له أو لغيره. وهذا اعتراض فاسد من وجوه:
    أحدها: أن الرواية الصحيحة التي رواها أبن خزيمة، وابن حبان فقال له ولغيره بالواو وكذا رواه أحمد، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم.
    الثاني: أن أو هنا ليست للتخيير، بل للتقسيم، والمعنى أن أي مصل صلى فليقل ذلك ، هذا أو غيره، كما قال تعالى: ولا تطع منهم آثما أو كفورا ل[الدهر:34]، ليس المراد التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعمه إما هذا وإما هذا.
    الثالث: أن الحديث صريح في العموم بقوله: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله فذكره.
    الرابع :أن في رواية النسائي، وابن خزيمة: ثم علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره، وهذا عام.
    الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث كل منها لا تقوم الحجة به عند انفراده، وقد يقوي بعضها بعضاً عندت الاجتماع.
    أحدها: ما رواه الدارقطني: من حديث عمرو بن شمر، عن جابر- هو الجعفي- عن ابن بريدة، عن أبيه ، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريده ‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! إ ذا صليت في صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة على ، فإنها زكاة الصلاة ، وسلم على جميع أنبياء الله ورسله ، وسلم على عباد الله الصالحين .
    الثاني : ما رواه الدار قطني أيضا : من طريق عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : قال الشعبي : سمعت مسروق بن الأجدع يقول : قالت عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يقبل الله صلاة إلا بطهور ، وبالصلاة على لكن عمرو بن شمر وجابر لا يحتج بحديثهما ، وجابر أصلح من عمرو .
    الثالث : ما رواه الدار قطني : من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، رواه الطبراني من حديث أبي بن عباس ، عن أبيه ، عن جده ، وعبد المهيمن ليس بحجة ، وأبي أخوه وإن كان ثقة احتج به البخاري ، فالحديث المعروف فيه إنما هو من رواية عبد المهيمن ، ورواه الطبراني بالوجهين ، ولا يثبت .
    الدليل الخامس : أنه قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي مسعود الأنصاري ، وقد تقدم ذلك ، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه قال : لا تجب ، وقول الصحابي إذا لم يخالفه عيره حجة ، ولاسيما على أصول أهل المدينة والعراق .
    الدليل السادس : أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم إلى الآن ، ولو كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم غير واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها، وقد قال مقاتل بن يان في تفسيره في قوله عز وجل: الذين يقيمون الصلاة [المائدة:55]، قال: إقامتها المحافظة عليها وعلى أوقاتها، والقيام فيها والركوع والسجود، والتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، وقد قال الإمام أحمد: الناس في التفسير عيال على مقاتل. قالوا: فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من إقامتها المأمور بها، فتكون واجبة ، وقد تمسك أصحاب هذا القول بأقيسة لا حاجة إلى ذكرها. قالوا: ثم نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة يقول بوجوب الوتر، وأين أدلة وجوبه من أدلة وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوجب الوضوء على من قهقة في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم أدلتنا في هذه المسألة، ويوجب الوضوء من القيء، والرعاف، والحجامة، ونحوها، بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة.
    ومالك يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض، وهي فوق الفضيلة والمستحبة يسميها أصحابه سنناً ، كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه.
    وأحمد رحمه الله تعالى يسمي هذه واجبات، ويوجب السجود لتركها سهواً.
    فإيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها.
    فهذا ما احتج به الفريقان في هذه المسألة.
    والمقصود أن تشنيع المشنع فيها على الشافعي باطل، فإن مسألة فيها من الأدلة والآثار مثل هذا كيف يشنع على الذاهب إليها؟! والله أعلم.

    فصل : الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
    وهذا قد اختلف فيه، فقال الشافعي في الأم يثلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول. هذا هو المشهور من مذهبه، وهو الجديد، لكنه يستحب وليس بواجب، وقال في القديم: لا يزيد على التشهد وهذه رواية المازني عنه، وبهذا قال أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، وغيرهم.
    واحتج لقول الشافعي بما رواه الدار قطني: من حديث موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، ثم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم .
    وروى الدارقطني أيضاً : من حديث عمرو بن شمر، عن جابر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بريدة! إذا صليت في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي فيها، فإنها زكاة الصلاة وقد تقدم.
    قالوا: وهذا يعم الجلوس الأول والآخر.
    واحتج له أيضاً بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه، ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فدل على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن المصلي مسلم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيشرع له أن يصلي عليه.
    قالوا: ولأنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.
    قالوا: ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فاستحب فيه الصلاة عليه ، لأنه أكمل في ذكره.
    قالوا: ولأن في حديث ممحمد بن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟.
    وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك، وهو القديم من قولي الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي صححه كثير من أصحابه، لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيه كأنه على الرضف، ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علمه للأمة، ولا يعرف أن أحداً من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في المحل كما في الأخير، لتناول الأمر لهما، ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع لا ستحب فيه الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها، ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها، ولأنها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها ، لحديث فضالة ، ولم يكن فرق بين التشهد الأول والأخير.
    قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث ، فمع ضعفها: بموسى بن عبيدة، وعمرو بن شمر ، وجابر الجعفي، لا تدل ، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير دون الأول بما ذكرناه من الأدلة، والله أعلم.
    فصل الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم آخر القنوت
    استحبه الشافعي ومن رافقه، واحتج لذلك بما رواه النسائي عن محمد بن سلمة ، حدثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي، عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر، قال : قل اللهم اهدني فيمن هديت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعالين، وصلى الله على النبي .
    وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياساً، كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر.
    وقد رواه أبو إسحاق، عن يزيد عن أبي الجوزاء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر . فذكره، ولم يذكر فيه الصلاة.
    وهو مستحب في قنوت رمضان ، قال ابن وهب: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير ، أن عبد الرحمن بن عبد القاري، وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الرحمن ابن عبد القاري فطاف في المسجد، وأهل المسجد أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله، وقال: كانوا يلعنون الكفرة في النصف يقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: فكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة، وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ، واستغفاره للمؤمنين ، ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، و نرجو رحمتك، ونخاف عذابك، إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوي ساجداً.
    وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي ، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث ، أن أبا حليمة - معاذاً- كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت.
    فصل : الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
    لا خلاف في مشروعيتها فيها، واختلف في توقف صحة الصلاة عليها، فقال الشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة، لا تصح إلا بها. ورواه البيهقي: عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. وقال مالك، وأبو حنيفة: تستحب وليست بواجبة، وهو وجه لأصحاب الشافعي.
    والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة، ما روى الشافعي في مسنده ، أخبرنا مطرف بن مازن، عن معمر ، عن الزهري، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل ، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه.
    وقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة ، ثم يسلم في نفسه. وأبو أمامة هذا صحابي صغير، وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره الشافعي .
    وقال صاحب المغنى : يروى عن ابن عباس ، أنه صلى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا لصاحبه فأحسن، ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.
    وفي موطأ يحيى بن بكير، حدثن مالك بن أنس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه ، أنه سأل أبا هريرة : كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه : أنا لعمر الله أخبرك ، أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك، كا يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسان، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
    وقال أبو ذر الهروي: أخبرنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أخبرنا أبو علي أحمد بن رزين، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا أنس بن عياض، عن إسماعيل بن رافع، عن رجل، قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا أتي بجنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل مئة أمة ولم يجتمع مئة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب الله ذنوبه لهم، وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء. ثم يستقبل القبلة ، فإن كان رجلاً قام عند وسطه، وإن كانت امرأة قام عند منكبها، ثم قال: اللهم عبدك وابن عبدك ، أنت خلقته ، وأنت هديته للإسلام ، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، جئنا شفعاء له، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، فإنك ذو وفاء وذو رحمة، أعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم ، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه سيئاته، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه. قال: يقول هذا كلما كبر، وإذا كانت التكبيرة الآخرة ، قال مثل ذلك . ثم يقول: اللهم صل على محمد وبارك على محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف .
    قال إبراهيم: كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس، قال: وقيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر ويقول إذا فرغ منه؟ قال: نعم ، كان إذا فرغ منه وقف عليه ، ثم قال: اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به، اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره، وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم ، كلما ذكر.
    إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه.
    وفي مسائل عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي على الملائكة المقربين.
    قال القاضي، فيقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، إنك على كل شيء قدير.
    فصل : الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الخطب: كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها
    وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة ، قال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما: لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو حنيفة ومالك: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد.
    واحتج لوجوبها في الخطبة، بقوله تعالى: ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك [الشرح: 1-4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: رفع الله ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه.
    وفي هذا الدليل نظر ، لأن ذكره صلى الله عليه وسلم مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب في الخطبة قطعاً، بل هو ركنها الأعظم، وقد روى أبو داود، وأحمد، وغيرهما: من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ، واليد الجذماء: المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة دون التشهد فقوله في غاية الضعف.
    وقد روى يونس، عن شيبان، عن قتادة: ورفعنا لك ذكرك [الشرح:2]، ورفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
    وقال عبد بن حميد: أخبرني عمرو بن عون، عن هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: ورفعنا لك ذكرك [الشرح:2]، قال: إذا ذكرت ذكرت معي ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك.
    وقال عبد الرزاق: عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ورفعنا لك ذكرك [الشرح:2]، قال: لا أذكر إلا ذكرت معي الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
    فهذا هو المراد من الآية، وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
    والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ما رواه عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد ، حدثني عون بن أبي حجيفة، كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعد المنبر- يعني علياً- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر وقال: يجعل الله الخير حيث شاء.
    وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي ابن محمد الحميري، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، قال: سمعت أبي يذكر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله ، أنه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذرياتنا .
    وروى الدارقطني: من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن ذاخر المعافري، قال:ركبت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة. فذكر حديثاً، وفيه : فقام عمرو بن العاص على المنبر فحمد الله وأثنى عليه حمداً موجزاً، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، ووعظ الناس فأمرهم ونهاهم.
    وفي الباب حديث ضبة بن محصن ، أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر، فأنكر عليه ضبة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر رضي الله عنهما، فرقع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد.
    فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب كان أمراً مشهوراً معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
    وأما وجوبها فيعتمد دليلاً يجب المصير إليه وإلى مثله.
    فصل : الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه السلام بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
    لما روى مسلم في صحيحه : من حديث عبد الله بن عمرو ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها شراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي .
    وقال الحسن بن عرفة: حدثني محمد بن يزيد الواسطي، عن العوام ابن حوشب، حدثنا منصور بن زاذان، عن الحسن، قال: إن قال مثل ما يقول المؤذن فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك ، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة ، دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .
    وقال يوسف بن أسباط: بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صل على محمد وعلى آل محمد وزوجنا من الحور العين. قلن الحور العين: ما أزهدك فينا.
    وفي إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد اشتمل حديث عبد الله بن عمرو على ثلاثة منها:
    والرابعة: أن يقول ما رواه مسلم : عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه .
    والخامسة: أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسوله، وسؤاله له الوسيلة، لما في سنن أبي داود، والنسائي، من حديث عبد الله بن عمرو ، أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه .
    وفي المسند : من حديث جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة، صل على محمد وارض عنه رضى لا سخط بعده، استجاب الله له دعوته .
    وفي المستدرك للحاكم : من حديث أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الأذان قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها ، وأحيني عليها واجعلني من صالح أهلها عملاً يوم القيامة .
    فهذه خمسة وعشرون سنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إلا السابقون.
    فصل : الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الدعاء
    وله ثلاث مراتب:
    إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى.
    والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
    والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما.
    فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها حديث فضالة بن عبيد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء وقد تقدم.
    وقال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سل تعطه .
    وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل بعد ، فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب.
    ورواه شريك: عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، نحوه.
    وأما المرتبة الثالثة: فقال عبد الرزاق: عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجعلوني كقدح الراكب- فذكر الحديث- وقال اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره .
    وقد تقدم حديث علي: ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا صلي على النبي صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب الدعاء .
    وتقدم قول عمر رضي الله عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم .
    وقال أحمد بن علي بن شعيب : حدثنا محمد بنحفص، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو بن عمرو، قال : سمعت عبد الله بن بشر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو يستجاب لدعائه .
    وعمرو بن عمرو هذا هو الأحموشي له عن عبد الله بن بسر حديثان، هذا أحدهما، والأخر رواه الطبراني في معجمه الكبير عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم من استفتح أول نهاره بخير وختمه بالخير ، قال الله عز وجل لملائكته : لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب
    والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء مثل الفاتحة من الصلاة.
    وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أما الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن مفتاح الصلاة الطهور، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
    وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما.
    فصل : الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد وعند الخروج منه
    لما روى ابن خزيمة في صحيحه ، وأبو حاتم بن حبان: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم .
    وفي المسند والترمذي ، و سنن ابن ماجه : من حديث فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول : أبواب فضلك ، ولفظ الترمذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.
    فصل : الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة
    لما روى إسماعيل بن إسحاق في كتابه : حدثنا هدبة ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا نافع ، أن غمر رضي الله عنهما كان يكبر على الصفا ثلاثا ، يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء ، ثم يفعل إلى المروة مثل ذلك . وهذا من توابع الدعاء أيضا .وروى جعفر بن عون ، عن زكريا ، عن الشعبي ، عن وهب بن الأجدع ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يخطب الناس بمكة يقول : إذا قدم الرجل منكم حاجا فليطف بالبيت سبعا ، وليصل عند المقام ركعتين ، ثم يستلم الحجر الأسود ، ثم يبدأ بالصفا ، فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله عز وجل وثناء عليه عز وجل ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومسألة لنفسه ، وعلى مروة مثل ذلك .
    رواه أبو ذر : عن زاهد ، عن محمد بن المسيب ، عن عبد الله بن خبيق ، ورواه البزار عن عبد الله بن سليمان ، عن عبد الله بن محمد بن المسور ، عن سفيان ، عن مسعر ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن وهب ، به .
    فصل : الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
    وقد تقدمت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، أنه قال : ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إن عليهم من الله تره ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم . رواه ابن حيان في صحيحه والحاكم ، وغيرهما .
    وقد روى عبد الله بن إدريس الأودي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ،عن عائشة رضي الله عنها ، قالت زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
    ويذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
    فصل الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره
    وقد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو جعفر الطحاوي ، و أبو عبيد الله الحليمي : تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه وقال غيرهما إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه .
    ثم اختلفوا ، فقالت فرقة : تجب الصلاة عيه في العمر مرة واحدة ، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارا ، والماهية تحصل بمرة،وهذا محكي عن أبي حنيفة ، ومالك ،والثوري ، والأوزاعي . قال عياض وابن عبد البر : وهو قول جمهور الأمة .
    وقالت فرقة: بل تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير كما تقدم ، وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه، وغيرهما.
    وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر إيجاب، وهذا قول ابن جرير وطائفة ، وادعى ابن جرير فيه الإجماع ، وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول، جعله إجماعاً يجب اتباعه، والمقدمتان هنا باطلتان. واحتج الموجبون بحجج:
    الحجة الأولى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي صححه الحاكم وحسنه الترمذي.
    ورغم أنفه: دعاء عليه وذم له، وتارك المستحب لا يذم ولا يدعى عليه
    الحجة الثانية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه صعد المنبر فقال: آمين، آمين فذكر الحديث المتقدم في أول الكتاب وقال فيه: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، فقلت آمين رواه ابن حبان في صحيحه.
    وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى من رواية أبي هريرة، وجابر ابن سمرة، وكعب بن عجرة، ومالك بن الحويرث ، وأنس بن مالك، وكل منها حجة مستقلة ، ولا ريب أن الحديث بتلك الطرق المتعددة تفيد الصحة.
    الحجة الثالثة: ما رواه النسائي: عن محمد بن المثنى، عن أبي داود ، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ذكرت عنده فليصل علي ، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً .
    وهذا إسناد صحيح والأمر ظاهر الوجوب.
    الحجة الرابعة : ما رواه ابن حبان في صحيحه : من حديث عبد الله بن علي بن حسين، عن علي بن حسين عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورواه الحاكم في صحيحه ، والنسائي والترمذي. قال ابن حبان: هذا أشبه شيء، روي عن الحسين بن علي، وكان الحسين رضي الله عنه حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم ابن سبع سنين إلا أشهراً، وذلك أنه ولد لليال خلون من شعبان سنة أربع، وابن ست سنين وأشهر ، إذ كانت لغته العربية يحفظ الشيء بعد الشيء. وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى والكلام عليها.
    قال أبو نعيمك حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا عبيد الله بن عائشة، حدثنا حماد، عن أبي الهلال العنزي، قال: حدثني رجل في مسجد دمشق، عن عوف بن مالك الأشجعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد، أو قعد أبو ذر- فذكر حديثاً طويلاً - وفيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبخل الناس من ذكرت عنده ، فلم يصل علي .
    وقال قاسم بن أصبغ: حدثنا جرير بن حازم، قال سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلم يصل علي .
    وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، عن أبي حرة، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفى به شحاً أن أذكر عنده فلا يصلي علي صلى الله عليه وسلم .
    قالوا: فإذا ثبت أنه بخيل فوجه الدلالة به من وجهين:
    أحدهما: أن البخل اسم ذم، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم. قال الله تعالى: والله لا يحب كل مختال فخور * الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل [الحديد 23-24]، فقرن البخل بالاختيال والفخر، والأمر بالبخل ، وذم على المجموع، فدل على أن البخل صفة ذم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوأ من البخل .
    الثاني: أن البخيل هو مانع ما وجب عليه ، فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلاً، وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه وبذله.
    الحجة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو كل وقت، فإن الأوامر المكررة إنما تتكرر في أوقات خاصة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها ، وليس وقت أولى من وقت ، فتكرر المأمور بتكرار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أولى لما تقدم من النصوص.
    فهنا ثلاث مقدمات.
    الأولى أن الصلاة مأمور بها أمراً مطلقاً ، وهذه معلومة.
    المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة من الفقهاء والأصوليين وأثبته طائفة، وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت، فأثبتت التكرار في المعلق دون المطلق ، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد الشافعي، وغيرهما. ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر الشرع على التكرار، كقوله تعالى:آمنوا بالله ورسوله [آل عمران:136]، وادخلوا في السلم كافة [البقرة:208]، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول [النساء:59]، واتقوا الله [البقرة:194]، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة:34]، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله [ آل عمران:200]، وقوله تعالى: وخافون [آل عمران:175]، واخشوني [البقرة: 150]، واعتصموا بالله [الحج:78]، واعتصموا بحبل الله جميعاً [آل عمران:103]، وأوفوا بعهد الله [الإسراء:34]، وقوله تعالى في اليتامى: وارزقوهم فيها واكسوهم [النساء:5]، وقوله : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [الجمعة : 9]، وقوله :إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى قوله: وإن كنتم جنباً فاطهروا إلى قوله: فلم تجدوا ماء فتيمموا [النساء: 43]، وقوله: استعينوا بالصبر والصلاة [البقرة:45]، وقوله: وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا [الأنعام: 153]، وقوله: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه [الأنعام :151]. وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر ، وإذا كانت أوامر الله ورسوله على التكرار حيث وردت إلا في النادر، علم أن هذا عرف خطاب الله ورسوله للأمة، والأمر وإن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور، فلا ريب أنه في عرف خطاب الشارع للتكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمألوف من خطابه. الشارع للتكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمألوف من خطابه. وإن لم يكن ذلك مفهوماً من أصل الوضع في اللغة وهذا كما قلنا: إن الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد. فإن هذا معلوم من خطاب الشارع وإن كان لا تعرض لصحة المنهي ولا لفساده في أصل موضوع اللغة، وكذا خطاب الشارع لواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون اللفظ متناولاً له ، ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذا لغة صاحب الشرع وعرفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يعلم صحة القياس واعتباره وشروطه، وهكذا فالفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشارع وعادة خطابه.
    المقدمة الثالثة: أنه إذا تكرر المأمور به، فإنه لا يتكرر إلا بسبب أو وقت، وأولى الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ، لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه ، وللإسجال عليه بالبخل وإعطائه اسمه.
    قالوا : ومما يؤيد ذلك أن الله سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب إخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه، لم يكن مرة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذكرها مبيناً بها فضله وشرفه وعلو منزلته عنده، ثم أمر المؤمنين بها، فتكرارها في حقهم أحق وآكد لأجل الأمر.
    قالوا: ولأن الله تعالى أكد السلام بالمصدر الذي هو التسليم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته ، وذلك بالتكرار.
    قالوا: ولأن لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير وهو صلى وسلم فإن فعل : المشدد ، يدل على تكرار الفعل، كقولك : كسر الخبز، وقطع اللحم ،وعلم الخير وشدد في كذا ، ونحوه.
    قالوا: ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم، وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة، ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا يحصل بالصلاة عليه مرة واحدة في العمر، بل لو صلى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفياً لحقه ولا مؤدياً لنعمته، فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم .
    قالوا: ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسميته من لم يصل عليه عند ذكره بخيلاً، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له به هذا الخير الجسيم، ثم يذكر عنده ولا يثني عليه، ولا يبالغ في حمده ومدحه وتمجيده ، ويبدي ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره وحقه ، عده الناس بخيلاً لئيماً كفوراً، فكيف بمن أدنى إحسانه إلى العبد يزيد على أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجا من شر الدنيا والآخرة، الذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلاً عن أن يقوم بشكره، أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويستفرغ الوسع في حمده ومدحه إذا ذكر بين الملأ، فلا أقل من أن يصلى عليه مرة إذا ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ؟.
    قالوا: ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم أنفه، وهو أن يلصق أنفه بالرغام وهو التراب، لأنه لما ذكر عنده فلم يصل عليه استحق أن يذله الله ويلصق أنفه بالتراب.
    وقالوا: ولأن الله سبحانه نهى الأمة أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضاً، فلا يسمونه إذا خاطبوه باسمه كما يسمي بعضهم بعضاً، بل يدعونه برسول الله ونبي الله، وهذا من تمام تعزيزه وتوقيره وتعظيمه، فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقاً بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فرقاً بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا تجب الصلاة عليه كان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية، وأما على التفسير الآخر وهو أن المعنى لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضاً، فتؤخروا الإجابة بالاعتذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض، ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة ومعاجلة الطاعة، حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذراً لهم في التخلف عن إجابته والمبادرة إلى طاعته، فإذا لم تكن الصلاة التي فيها شغل عذراً يستباح بها تأخير إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار ؟فعلى هذا يكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافاً إلى المفعول.
    وقد يقال- وهو أحسن من القولين- : إن المصدر هنا لم يضف إضافته إلى فاعل ولا مفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى: لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضاً، وعلى هذا فيعم الأمرين معاً، ويكون النهي عن دعائهم له باسمكما يدعو بعضهم بعضاً، وعن تأخير إجابته صلى الله عليه وسلم ، وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه بأن يميز عن غير هي خطابه ودعائهم إياه، قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه الصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود.
    قالوا: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطئ طريق الجنة، هكذا رواه البيهقي، وهو من مراسيل محمد بن الحنفية، وله شواهد قد ذكرناها في أول الكتاب، فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره لم يكن تاركها مخطئاً لطريق الجنة.
    قالوا: وأيضاً فم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده فلم يصل عليه فقد جفاه، ولا يجوز لمسلم جفاؤه صلى الله عليه وسلم . فالدليل على المقدمة الأولى ما رواه سعيد بن الأعراب: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي صلى الله عليه وسلم . ولو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به ، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلاً وشحيحاً، والدعاء عليه بالرغم ، وهذا من موجبات جفائه.
    والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه وتقديم محبته على النفس والأهل والمال، وأنه أولى بالمؤمن من نفسه ، فإن العبد لا يؤمن حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس أجمعين، كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله ! والله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي. قال: لا يا عمر! حتى أكون إليك من نفسك . قال: فوالله لأنت الآن أحب إلي من نفسي. قال: الآن يا عمر.
    وثبت عنه في الصحيح أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين فذكر في هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة، فإن المحبة إما محبة إجلال وتعظيم ، كمحبة الوالد، وإما محبة تحنن وود ولطف ، كمحبة الولد وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال ، كمحبة الناس بعضهم بعضاً، ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده أشد من هذه المحاب كلها.
    ومعلوم أن جفاءه صلى الله عليه وسلم ينافي ذلك.
    قالوا: فلما كانت محمبته فرضاً، وكانت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس، وإيثاره بنفسه بحيث بقي نفسه بنفسه فرضاً ، كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر من لوازم هذه الأحبية وتمامها. قالوا: وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على من ذكر عنده ، فوجوبها على الذاكر نفسه أولى، ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوباً أو استحباباً، فوجوبها على التالي أولى، والله أعلم.
    فصل : قال نفاة الوجوب : الدليل على قولنا من وجوه:
    أحدها: أن من المعلوم الذي لا ريب فيه: أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يذكر ، فإنهم كانوا يقولون: يا رسول الله، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: صلى الله عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثيرا، فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها .
    الثاني أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات ، ولبينه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأمته بياناً يقطع العذر وتقوم به الحجة .
    الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول ولا يعرف أحد منهم قال به، وأكثر الفقهاء، بل قد حكي الإجماع على أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليست من فروض الصلاة ، وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع السابق، كما تقدم ، فكيف تجب خارج الصلاة.
    الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائماً، لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يشرع له في الأذان فضلاً أن يجب عليه .
    الخامس: أنه كان يجب على من سمع الداء وأجابه أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر صلى الله عليه وسلم السامع أن يقول كما المؤذن ، وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، فإن هذا مثل ما قال المؤذن.
    السادس : أن التشهد الأول ينتهي عند قوله: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اتفاقاً ، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله قيه على ثلاثة أقوال:
    أحدها: لا يشرع ذلك إلا في الأخير
    والثاني: يشرع.
    والثالث تشرع الصلاة عليه خاصة دون آله ، ولم يقل أحد بوجوبها في الأول عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم .
    السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لن يحتج أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
    الثامن : أن الخطيب في الجمع والأعياد وغيرهما لا يحتاج أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس التشهد ، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، لا يقال : تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة ، ولا سيما مع طول الفصل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة عليه كلما ذكر، ومعلوم أن ذكره ثانياً غير ذكره أولا.
    التاسع: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجبت على القارئ كلما مر بذكر اسمه أن يصلي عليه ، ويقطع لذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب ، وسواء كان في الصلاة أو خارجها، فإن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا تبطل الصلاة، وهي واجب قد تعين فلزم أداؤه، ومعلوم أن ذلك لو كان واجباً لكان الصحابة والتابعون أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله.
    العاشر: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على الله عز وجل كلما ذكر اسمه، فكان يجب على من ذكر اسم الله أن يقرنه بقوله: سبحانه وتعالى أو عز وجل أو تبارك وتعالى أو جلت عظمته أو تعالى جده ونحو ذلك، بل كان ذلك أولى وأخرى ، فإن تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته وطاعته تابع لتعظيم مرسله سبحانه وإجلاله ومحبته وطاعته ، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والإجلال للرسول صلى الله عليه وسلم دون مر له ، بل إنما يثبت ذلك له تبعاً لمحبة الله وتعظيمه وإجلاله ، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله ، فمن يطع الرسول فقط أطاع الله ، ومبايعته مبايعة لله : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [الفتح:10]، ومحبته محبة لله ، قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران: 31 ] ، وتعظيمه تعظيم لله، ونصرته نصرة لله ، فإنه رسوله وعبده الداعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلاله، وتعظيمه وعبادته وحده لا شريك له ، فكيف يقال تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه ، وهي ثناء وتعظي كما تقد، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالىكلما ذكر اسمه ؟! هذا محال من القول.
    الحادي عشر: أنه لو جلس إنسان ليس له هجيري إلا قوله: محمد رسول الله، أو اللهم صل على محمد ، وبشر كثير يسمعونه ، فإن قلتم: تجب على كل أولئك السامعين أن يكو هجيراهم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حرجاً ومشقة وتركاً لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم ، وكلام صاحب الحاجة منهم ، ومذاكرته في العلم، وتعليمه القرآن وغيره ، وإن قلتم : لا تجب عليهم الصلاة عليه في هذه الحال، نقضتم مذهبكم ، وإن قلتم: تجب عليه مرة أو أكثر، كان تحكماً بلا دليل، مع أنه مبطل لقولكم.
    الثاني عشر: أن الشهادة له بالرسالة أفرض وأوجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل في الإسلام إلا بها، فإذا كانت لا تجب كلما ذكر اسمه ، فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه ، وليس من الواجبات بعد كلمة الإخلاص أفرض من الشهادة له بالرسالة، فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على كل من ذكر اسمه أن يقول محمد رسول الله، ووجوب ذلك أظهر بكثير من وجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه.
    ولكل فرقة من هاتين الفرقتين أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها بعضها ضعيف جداً، وبعضها محتمل، وبعضها قوي ، ويظهر ذلك لمن تأمل حجج الفريقين، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
    فصل : الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الفراغ من التلبية
    عال الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا علي بن زكريا التمار، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا عبد بن عبد الله الأموي، قال:
    سمعت صالح بن محمد بن زائدة يحدث عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيه سأل الله تعالى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار. قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
    قلت: وهذا أيضاً من توابع الدعاء، والله أعلم.
    فصل : الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند استلام الحجر
    قال أبو ذرا الهروي: حدثنا محمد بن بكران، أخبرنا أبو عبد الله بن مخلد، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عون بن سلام، أنبأنا محمد بن سلام، حدثنا محمد بن مهاجر، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم و ييستلمه .
    وقد تقدم أن من مواطن الصلاة عليه على الصفا والمروة صلى الله عليه وسلم .
    فصل : الموطن الرابع عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في قبره
    قال سحنون: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ذكره مالك في الموطأ.
    وقال مالك أيضا: عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا أراد سفر ، جاء قبر النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ودعا ثم انصرف.
    وقال ابن نمير: حدثنا محمد بن بشير ، حدثنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قدم من سفر، بدأ بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر رضي الله عنه، ثم يقول: السلام عليك يا أبت.
    فصل: الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها
    قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر ، حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: ما رأيت عبد الله جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتى يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو بدعوات، وإن كان يخرج إلى السوق فيأتي أغفلها مكاناً، فيجلس، فيحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو بدعوات.
    فصل الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا قام الرجل من نوم الليل
    قال النسائي في سننه الكبير أخبرني علي بن محمد بن علي، حدثنا خلف - يعني ابن تميم- ، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: يضحك الله عز وجل إلى رجلين ، رجل لقي العدو، وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت ، فإن قتل استشهد وإن بقي ، فذلك الذي يضحك الله إليه، ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم , واستفتح القرآن، فذلك الذي يضحك الله إليه ،يقول: انظروا إلى عبدي ، قائماً لا يراه أحد غيري.
    وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر ، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: رجلان يضحك الله إليهما فذكره بنحوه.
    فصل : الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب ختم القرآن
    وهذا لأن المحل محل دعاء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقب الختمة، فقال في رواية أبن الحارث: كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده. وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع إله قوم فيدعون؟ قال: نعم رأيت معمراً يفعله إذا ختم.
    وقال في رواية حرب: استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله وروى ابن أبي داود في فضائل القرآن عن الحكم ، قال: أرسل إلي مجاهد وعبدة بن أبي لبابة: أرسلنا إليك، إنا نريد أن نختم القرآن وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن، ثم دعوا بدعوات.
    وروى أيضاً في كتابه: عن ابن مسعود، أنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة.
    وعن مجاهد قال: تنزل الرحمة عند ختم القرآن.
    وروى أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن عن قتادة قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره عند أصحاب له، فكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فشهده.
    ونص أحمد - رحمه الله تعالى- على استحباب ذلك في صلاة التراويح، قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءتك: قل أعوذ برب الناس [الناس :1 ]، فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع ، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه. وكان سفيان بن عيينة يفعله بمكة .
    قال عباس بن عبد العظيم : وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر عن عثمان بن عفان.
    وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في التراويح أو في الوتر؟ قال: اجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاء بين اثنين . قلت : كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن، فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت كما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه.
    وهذا إذا كان من أكد مواطن الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من أكد مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
    فصل: الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
    وقد تقدم فيه حديث أوس بن أوس، عن أبي أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة صلى الله عليه وسلم .
    رواه البيهقي. وقد تقدم.
    وروي أيضاً عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته .
    وفيه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان: يصلح حديثه للشواهد والمتابعات.
    وقال ابن عدي: حدثنا إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان: يصلح حديثه للشواهد والمتابعات.
    وقال ابن عدي : حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جبارة ابن مغلس ، حدثنا أبو إسحاق الخميسي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإن صلاتكم تعرض علي .
    وهذا وإن كان إسناده ضعيفاً ، فهو محفوظ في الجملة ولا يضر ذكره في الشواهد.
    وقد تقدم في مراسيل الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة .
    وقال ابن وضاح: حدثنا أبو مروان البزار ، حديثاً ابن المبارك، عن ابن شعيب ، قال: كتب عمر بن عبد العزيز : أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غاثلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة .
    فصل : الموطن التاسع عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند القيام من المجلس
    قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عثمان بن عمر، قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري ما لا أحصي ، إذا أراد القيام يقول صلى الله وملائكته على محمد وعلى أنبياء الله وملائكته.
    هذا الذي رأيته من الأثر في هذا الموطن.
    فصل : الموطن العشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند المرور على المساجد ورؤيتها
    قال القاضي إسماعيل في كتابه: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا سيف سيف بن عمر التميمي، عن سليمان العبسي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم .
    فصل : الموطن الحادي والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الهم ، والشدائد، وطلب المغفرة
    لحديث الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هذب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه ، قال أبي: قلت : يا رسول الله ! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت ، قال: قلت الربع؟ قال: ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك ، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك رواه الترمذي : من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل، عن أبيه، وقال : حديث حسن.
    وروى من حديث محمد بن عقيل، عن الطفيل، عن أبيه، حديثاً آخر وصححه ، وهو حديث: مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى داراً الحديث. ورواه ابن أبي شيبة في مسنده واختصره، فقال: عن أبي ، قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها صلاة عليك؟ قال: إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .
    فصل : الموطن الثاني والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم
    قال أبوا الشيخ: حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا بشر بن عبيد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .
    قال أبو موسى : رواه غير واحد عن أسيد كذلك. قال: ورواه إسحاق بن وهب العلاف، عن بشر بن عبيد فقال: عن حازم بن بكر، عن يزيد بن عياض، عن الأعرج. ويروى من غير هذين الوجهين أيضاً عن الأعرج.
    وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وابن عباس، وعائشة، رضي الله عنهم, وروى سليمان بن الربيع، حدثنا كادح بن رحمة ، حدثنا نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب
    وروي من طريق جعفر بن علي الزعفراني قال :سمعت خالي الحسن بن محمد يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب كيف تزهر بين أيدينا؟.
    وقال أبو الحسن بن على الميموني: رأيت الشيخ أبا علي الحسن بن عيينة في المنام بعد موته، وكان على أصابع يديه شيئاً مكتوباً بلون الذهب أو بلون الزعفران، فسألته عن ذلك ، وقلت : يا أستاذي على أصابعك شيئاً مليحاً مكتوباً، ما هو ؟ قال: يا بني! هذا لكتابتي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال لكتابتي صلى الله عليه وسلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وذكر الخطيب: حدثنا مكي بن علي، قال: حدثنا أبو سليمان الحراني، قال: قال رجل من جواري- يقال له أبو الفضل - وكان كثير الصوم والصلاة: كنت أكتب الحديث ولا أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأته في المنام، فقال: إذا كتبت أو ذكرت فلم لا تصلي علي؟ ثم رأيته مرة من الزمان، فقال: بلغني صلواتك علي، فإذا صليت علي أو ذكرت ، فقل: صلى الله عليه وسلم
    وقال سفيان الثوري: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب صلى الله عليه وسلم .
    وقال محمد بن أبي سليمان: رأيت أبي في النوم ، فقلت : يا أبت! ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ، فقلت : بماذا ؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    وقال بعض أهل الحديث : كان لي جار فمات ، فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ؟ قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت ذكر رسولا الله صلى الله عليه وسلم في الحديث كتبت: صلى الله عليه وسلم .
    وقال سفيان بن عيينة: حدثنا خلف صاحب الخلقان، قال: كان لي صديق يطلب معي الحديث فمات، فرأيته في منامي وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معي تطلب الحديث فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم إلا كتبت في أسفلة صلى الله عليه وسلم ، فكافأني ربي هذا الذي ترى علي؟
    وقال عبد الله بن عبد الحكم: رأيت الشافعي في النوم، فقلت. ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس ، ونثر علي كما ينثر على العروس، فقلت: بم بلغت هذه الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . قلت: فكيف ذلك؟ قال: وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت: النبي صلى الله عليه وسلم .
    وقال الخطيب : أنبأنا بشير بن عبد الله الرومي ، قال: سمعت الحسين بن محمد بن عبيد العسكري
    وقال الخطيب: أنبأنا بشير بن عبد الله الرومي، قال: سمعت الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، يقول : سمعت أبا إسحاق الدرامي المعروف بنهشل ، يقول : كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: قال: النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً . قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فكأنه قد أخذ شيئاً مما أكتبه فنظر فيه ، فقال: هذا جيد.
    وقال عبد الله بن عمرو: حدثني بعض إخواني ممن أثق به ، قال: رأيت رجلاً من أهل الحديث في المنام ، فقلت: ماذا فعل بك؟ قال: رحمني أو غفر لي. قلت: وبم ذلك ؟ : قال : إني كنت إذا أتيت على اسم النبي صلى الله عليه وسلم كتبت صلى الله عليه وسلم . ذكرها محمد بن صالح، عن ثوابة ، عن سعيد بن مروان، عنه.
    وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه: عن جماعة من أهل الحديث ، أنهم رؤوا بعد موتهم، وأخبروا أن الله غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث.
    وقال ابن سنان: سمعت عباس العتبري ، وعلي بن المديني، يقولان: ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه ، وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث حتى ترجع إليه.

    فصل : الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند تبليغ العلم إلى الناس
    قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي- هو الجفي- عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن أناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصاص من قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعوا ما سوى ذلك
    والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن ، لأنه موطن لتبليغ العلم الذي جاء به ونشره في أمته، وإلقائه إليهم ، ودعوتهم إلى سننه وطريقته صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أفضل الأعمال وأعظمها نفعاً للعبد في الدنيا والآخرة.
    قال تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين [فصلت:33]، وقال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [يوسف:108]، وسواء كان المعنى أنا ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة، أو كان الوقف عند قول: أدعو إلى الله ثم يبتدئ: على بصيرة أنا ومن اتبعن فالقولان متلازمان، فإنه أمره سبحانه أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو على بصيرة ، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله ولا هو على بصيرة ولا هو من أتباعه.
    فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم ، والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلغ ما أنزل إليه ، وضمن له حفظه وعصمته من الناس ، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم له ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثاً. وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، ولأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس ، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.
    وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب الحوادث والبدع له، قال: الحمد لله الذي أمتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، ويحيو بكتاب الله أهل العمى ، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه/ وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد فما أحسن أثرهم على الناس وأبح أثر الناس عليهم، يقبلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا ، فما نسبهم ربك: وما كان ربك نسياً [مريم:64]، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم. فلا تقصر عنهم/ فإنهم في منزلة رفيعة إن أصابتهم الوضيعة.
    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنها وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله.
    ويكفي في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه -: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : من أحيا شيئاً من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وضم بين أصبعيه.
    وقوله: من دعا إلى هدى فاتبع عليه ، كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة .
    فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم بشيء من عمله، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، فحقيق بالمبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقامه الله في هذا المقام أن يفتتح كلامه بحمد الله تعالى، والثناء عليه، وتمجيده، والاعتراف له بالوحدانية،
    وتعريف حقوقه على العباد، ثم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمجيده، والثناء عليه ، وأن يختمه أيضاً بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تسليماً.
    فصل : الموطن الرابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أول النهار وآخره
    قال الطبراني: حدثنا حفص بن عمر الصباح ، حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرجسي، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني ، قال: سمعت محمد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة .
    قال أبو موسى المدين ، رواه عن بقية غي واحد ، ويزيد عبد ربه كان يسكن بحمص قرب كنيسة جرجس ، فنسب إليها.
    فصل : الموطن الخامس والعشرون من موماطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه
    قال ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي : حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا شبابة ، حدثنا مغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا علي فإن الصلاة علي كفارة لكم ، فمن صلى علي صلى الله عليه عشراً .
    وقال ابن أبي عاصم في كتابه: حدثنا محمد بن أشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب، عن أبي منظور، عن ابن معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات، وكل ليلة ثلاث مرات حباً وشوقاً إلي، كان حقاً على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة ، وذلك البوم .
    وقال أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : حدثنا عبد ابن محمد بن نصر، حدثنا إسماعيل بن يزيد، قال: حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن ليث بن أبي سليم، عن نافع بن كعب المدني، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم ، ورواه ابن أبي شيبة ، عن ابن فضيل ، عن ليث ، عن كعب، عن أبي هريرة.
    فهذا فيه أخبار بأن الصلاة زكاة للمصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة، والذي قبله فيه أنها كفارة، وهي تتضمن محو الذنب، فتضمن الحديثان أن بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تحصل طهارة النفس من رذائلها ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذه الأمرين يرجع كمال النفس، فعلم أنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين صلى الله عليه وسلم .
    فصل : الموطن السادس والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند إلمام الفقر والحاجة، أو خوف وقوعه
    قال أبو نعيم : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة، حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر بن خلفة، عن جابر بن سمرة السوائي، عن أبيه ، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله‍ ما أقرب الأعمال إلى الله عز وجل؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، قلت : يا رسول الله ‍ زدنا ؟ قال: قال: صلاة الليل، وصوم الهواجر. قلت : يا رسول الله‍ زدنا. قال: كثرة الذكر ، والصلاة علي تنفي الفقر. قلت : يا رسول الله ‍ زدنا . قال: من أم قوماً فليخفف فإن فيهم الكبير، والعليل ، والضعيف ، وذا الحاجة .
    فصل : الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند خطبة الرجل المرأة في النكاح
    قال إسماعيل بن أبي زياد: عن جويبر ، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية [الأحزاب: 56]، قال: يعني أن الله تعالى يثني على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه أثنوا عليه في صلاتكم وفي مساجدكم، وفي كل موطن ، وفي خطبة النساء فلا تنسوه.
    فصل : الموطن الثامن والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند العطاس
    قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى ، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر وقد عطس رجل إلى جنبه فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله ، فقال ابن عمر: وأنا أقول السلام على رسول الله، ولكن ليس هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمرنا أن نقول إذا عطسنا : الحمد لله على كل حال.0
    قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد ، تفرد به سهل.
    ورواه الترمذي عن حميد بن مسعدة، حدثنا زياد بن الربيع، حدثنا حضرمي مولى آل الجارود، عن نافع ، أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر : وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال.
    قال الترمذي: : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع.
    قال أبو موسى المدين: وروي عن نافع أيضاً، عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك، ثم ساق من طريق عبد الله بن أحمد ، حدثنا عباد ابن زياد الأسدي، حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق، عن نافع ، قال: عطس رجل عند ابن عمر فقال له ابن عمر: لقد بخلت ، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي صلى الله عليه وسلم ؟. فذهب إلى هذا جماعة ، منهم أبو موسى المديني، وغيره.
    ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، وإنما هو موضع حمد الله وحده، ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس إلا حمد الله تعالى. والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه.
    قالوا : ولهذا لا تشرع الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الركوع ولا السجود ، ولا قيام الاعتدال من الركوع، وتشرع في التشهد الأخير، إما مشروعية وجوب أو استحباب، ورووا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس ، وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن كثير، عن عويد، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وله ثلاث علل:
    إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به ، قال البيهقي: وهو في عداد من يضع الحديث.
    الثانية: ضعف عبد الرحيم العمي.
    الثالثة : انقطاعه.
    قال البيهقي: وقد روينا في الصلاة عند العطاس: ما أخبرنا أبو طاهر الفقيه، ، أخبرنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا عبد الله ابن أحمد ، حدثنا عباد بن زياد ، فذكر الأثر المتقدم.
    فصل الموطن التاسع والعشرون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الوضوء
    قال أبو الشيخ في كتاب: حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا محمد بن جابر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، ثم ليصل علي، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة .
    هذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعقبة بن عامر/ وثوبان، وأنس ، ليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية.
    وقال ابن أبي عاصم في كتابه: حدثنا دحيم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عياش بن سهل بن سعد ، عن أبيه، عن جده، يرفعه: لا وضوء لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم .
    وعبد المهيمن لا يحتج به، وقد تقدم الحديث.
    فصل : الموطن الثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند دخول المنزل
    ذكره الحافظ أبو موسى المديني، وروى فيه من حديث أبي صالح ابن المهلب، عن أبي بكر بن عمران، حدثني محمد بن العباس بن الوليد، حدثني عمرو بن سعيد، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني محمد بن حجلان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الفقر وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم علي واقرأ قل هو الله أحد [الإخلاص:1]، مرة واحدة . ففعل الرجل ، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاد على جيرانه وقربانه.
    فصل: الموطن الحادي والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله تعالى
    لحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض : اقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم، فإذا صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلوا معهم، حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض : طوبى لهؤلاء يرجعون مغفوراً لهم .
    وأصل الحديث في مسلم ، وهذا سياق مسلم بن إبراهيم الكشي، حدثنا عبد السلام بن عجلان، حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي هريرة فذكره.
    فصل : الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا نسي الشيء أو أراد ذكره
    ذكره أبو موسى المديني: وروى فيه من طريق محمد بن عتاب المروزي، حدثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي ، حدثنا عبيد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نسيتم شيئاً فصلوا علي تذكروه إن شاء الله .
    قال الحافظ: وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب الحفظ والنسيان.
    فصل : الموطن الثالث والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الحاجة تعرض للعبد
    قال أحمد بن موسى الحافظ: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أسيد ، حدثنا إسماعيل ابن يزيد ، حدثنا إبراهيم بن الأشعث الخراساني، حدثنا عبد الله بن سنان ابن عقبة بن أبي عائشة المدني، عن أبي سهل بن مالك، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي مئة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مئة حاجة ، عجل له منها ثلاثين حاجة وأخر له سبعين ، وفي المغرب مثل ذلك . قالوا: وكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب: 56]، اللهم صل عليه ، حتى تعد مئة مرة.
    وقال إبراهيم بن الجنيد: حدثنا إسماعيل بن حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إذا أردت أن تسأل حاجة فابدأ بالمدحة والتحميد والثناء على الله عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ادع بعد ، فإن ذلك أحرى أن تصيب حاجتك.
    وقال الطبراني: حدثنا سهل بن موسى ، حدثنا زريق بن السحت، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا فائد أبو الورقاء، حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: من كان له إلى الله عز وجل حاجة فليتوضأ ، وليحسن وضوءه ، وليركع ركعتين ، وليثن على الله عز وجل، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب العرش الكريم، والحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل ذنب، لا تدع لي هما إلا فرجته، ولا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا حاجة لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين .
    وقال ابن مندة الحافظ: حدثنا عبد الصمد العاصمي، أخبرنا إبراهيم ابن أحمد المستملي، حدثنا محمد بن درستويه، وحدثنا بن متويه، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي كل يوم مئة مرة قضى الله له مئة حاجة سبعين منها لأخرته وثلاثين منها لدنياه ، قال الحافظ أبو موسى : هذا حديث حسن.
    قلت: قد تقدم حديث فضالة بن عبيد، وأبي بن كعب في ذلك ، والله أعلم.
    فصل : الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند طنين الأذن
    ذكره أبو موسى ، وغيره. قال ابن أبي عاصم في كتابه: حدثنا أبو الربيع، قال: حدثنا حسان بن عدي ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ، عن أبي رافع ، عن أخيه عبد الله ، عن أبيه ، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طنت أذن أحدكم فليصل علي وليقل : ذكر الله بخير من ذكرني .
    ورواه معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه ، عن جده، لم يذكر عبد الله في الإسناد، وفي رواية: ذكر الله من ذكرني بخير .
    فصل : الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقيب الصلوات
    ذكره الحافظ أبو موسى وغيره. ولم يذكروا في ذلك سوى حكاية ذكرها أبو موسى المديني: من طريق عبد الغني بن سعيد، قال: سمعت إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل الحاسب، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: كنت عند أبي بكر بن مجاهد ، فجاء الشبلي، فقام إليه أبو بكر ابن مجاهد فعانقه، وقبل بين عينيه، فقلت له : يا سيدي ، تفعل هذا بالشبلي، وأنت وجنيع من ببغداد يتصور أنه مجنون؟ فقال لي : فعلت به كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل به، وذلك أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أقبل الشبلي، فقام إليه وقبل بين عينيه ، فقلت: يا رسول الله! أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: هذا يقرأ بعد صلاته: لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة، ويقول ثلاث مرات: صلى الله عليك يا محمد قال: فلما دخل الشبلي سألته عما يذكر بعد الصلاة ، فذكر مثله.
    فصل : الموطن السادس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة
    وقد اختلف في هذه المسألة، فاستحبها الشافعي، قال: والتسمية على الذبيحة بسم الله ، فإن زاد بعد ذلك شيئاً من ذكر الله تعالى فالزيادة خير ، ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله ، بل أحبه له ، وأحب أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات ، لأن ذكر الله بالصلاة عليه إيمان بالله وعبادة له ، يؤجر عليها أن شاء الله تعالى من قالها.
    وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف ، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمه النبي صلى الله عليه وسلم ، فتبعه، فوجده عبد الرحمن ساجداً، فوقف ينتظره فأطال ، ثم رفع فقال عبد الرحمن : لقد حشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك، فقال: يا عبد الرحمن ، إني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله ، أنه قال: من صلى عليك صليت عليه ، فسجدت لله شكراً.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة وبسط رحمه الله الكلام في هذا.
    ونازعه في ذلك آخرون، منهم أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالي فإنهم كرهوا الصلاة في هذا الموطن ، ذكره صاحب المحيط وعلله بأن قال: لأن فيه إيهام الإهلال لغير الله تعال.
    اختلف أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى فكرهها القاضي وأصحابه ، وذكر الكراهة أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
    وقال ابن شاقلا: تستحب . كقول الشافعي.
    واحتج من كرهها بأن قالوا: روى أبو محمد الخلال باسناده، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: موطنان لا حظ لي فيهما: عند العطاس والذبح .
    واحتجوا بحديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه غير ثابت.
    فصل : الموطن السابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في غير التشهد
    بل في حال القراءة إذا مر بذكره أو بقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية [الأحزاب: 56]، ذكره أصحابنا، وغيرهم، قالوا: متى مر بذكره في القراءة وقف وصلى عليه.
    وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: إذا مر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليقف وليصل عليه في التطوع.
    ونص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على ذلك فقال: إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان في نفل صلى عليه صلى الله عليه وسلم .
    فصل الموطن الثامن والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بدل الصدقة لمن لم يكن له مال
    فتجزئ الصلاة عليه عن الصدقة للمعسر.
    قال ابن وهب: عن عمرو بن الحارث ، عن دراج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة . رواه عنه ابن أخيه، وهارون بن معروف.
    فصل : الموطن التاسع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند النوم
    قال أبو الشيخ في كتابه: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل البرمكي، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا محمد بن نشر ، حدثنا محمد بن عامر، قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أوى إلى فراشه ثم قرأ: تبارك الذي بيده الملك [الملك:1] ، ثم قال: اللهم رب الحل والحرم، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام بحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد صلى الله عليه وسلم مني تحية وسلاماً، أربع مرات، وكل الله تعالى بها الملكين حتى يأتيا محمداً صلى الله عليه وسلم فيقولان له: يا محمد إن فلان ابن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله. فيقول: وعلى فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته . قال الحافظ أبو موسى : نشر والد محمد بفتح النون.
    قلت: وأبو قرصافة ، ذكره ابن عبد البر في كتاب الصحابة، وقال اسمه : جندرة من بني كنانة، له صحبة ، سكن فلسطين. وقيل : كان يسكن تهامة، ولكن محمد بن نشر هذا هو المدني، قال فيه الأزدي: متروك الحديث مجهول.
    قلت: وعلة الحديث أنه معروف من قول أبي جعفر الباقر، وهذا أشبه ، والله أعلم.
    فصل : الموطن الأربعون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كل كلام خير ذي بال
    فإنه يبتدئ بحمد الله والثناء عليه ، ثم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يذكر كلامه بعد.
    أما ابتداؤه بالحمد فلما في مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى وسنن أبي داود: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم .
    وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فروى أبو موسى المديني من حديث إسماعيل بن أبي زياد ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل كلام لا يذكر الله فيه، فيبدأ به وبالصلاة علي، فهو أقطع ممحوق منه كل بركة .
    فصل: الموطن الحادي والأربعون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أثناء صلاة العيد
    فإنه يستحب أن يحد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
    قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الستوائي، حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة ، أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد بيوم، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حمد، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تركع. فقال حذيفة، وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن.
    وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهي مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد ، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثاً ثلاثاً ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وفيه حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد، فأخذ أبو حنيفة به في عدد التكبيرات والمولاة بين القراءتين، وأخذ به أحمد والشافعي في استحباب الذكر بين التكبيرات. وأبو حنيفة ومالك يستحبان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهما، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا في هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    الباب الرابع في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
    الأولى: امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
    الثانية : موافقته سبحانه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشرف كما تقدم.
    الثالثة : موافقة ملائكته فيها.
    الرابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
    الخامسة : أنه يرفع عشر درجات.
    السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات.
    السابعة أنه يمحى عنه عشر سيئات.
    الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.
    التاسعة: أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها، كما تقدم حديث رويفع بذلك.
    العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب، كما تقدم.
    الحادية عشر: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.
    الثانية عشر: أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وقد تقدم حديث ابن مسعود بذلك. الثالثة عشرة: أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة.
    الرابعة عشرة: أنها سبب لقضاء الحوائج.
    الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه.
    السادسة عشر': أنها زكاة للمصلي وطهارة له.
    السابعة عشرة: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، ذكره الحافظ أبو موسى في كتابه، وذكر فيه حديثاً.
    الثامنة عشرة: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، ذكره أبو موسى وذكر فيه أيضاً حديثاً.
    التاسعة عشرة: أنها سبب لرد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.
    العشرون: أنها سبب لتذكر العبد ما نسه، كما تقدم.
    الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
    الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر، كما تقدم.
    الثالثة والعشرون: أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم .
    الرابعة والعشرون: أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها..
    الخامسة والعشرون: أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله ويحمد ويثنى عليه فيه،
    ويصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم .
    السادسة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله.
    السابعة ة والعشرون: أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط ، وفيه حديث ذكره أبو موسى وغيره.
    الثامنة والعشرون: أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.
    التاسعة والعشرون : أنها سب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل ، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك
    الثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه، لأن المصلي داع ربه أن بارك عليه وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
    الحادية والثلاثون: أنها سبب لنيل رحمة الله له، لأن الرحمة إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها و موجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله.
    الثانية والثلاثون: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به ، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه ، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه ، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه ، ولا أقر لقلبه من ذكره وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك ، حتى قال الشعراء بذلك:
    عجبت لمن يقول ذكرت حبي وهل أنسى فأذكر من نسيت
    فتعجب هذا المحب ممن يقول : ذكرت محبوب، لأن الذكر يكون بعد النسيان، ، ولو كمل حب هذا لما نسي محبوبه.
    وقال آخر:
    أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
    فهذا أخبر عن نفسه أن محبته لها مانع له من نسيانها.
    وقال آخر:
    يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
    فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعاً له، فمن أراد منه خلاف ذلك أبت عليه طباعه أن تنتقل عنه، والمثل المشهور: من أحب شيئاً أكثر من ذكره، وفي هذا الجناب الأشرف أحق ما أنشد:
    لو شق عن قلبي فرى وجهه ذكرك والتوحيد في سطر
    فهذا قلب المؤمن: توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة، ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته، ونسيانه سبباً لزوال محبته أو ضعفها، وكان الله سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية لتعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن يشرك به في الحب والتعظيم، فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره، كما يحب الله تعالى ويعظمه، قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة: 165]، فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب الله تعالى، وأن المؤمن أشد حباً لله من كل شيء، وقال أهل النار في النار: تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء: 97 ].
    ومن المعلوم أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة، وإلا فلم يقل أحد قط إن الصنم أو غيره من الأنداد مساو لرب العالمين في صفاته، وفي أفعاله، وفي خلق السماوات والأرض، وفي خلق عباده أيضاً، وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
    وأضل من هؤلاء وأسوأ حالاً من سوى كل شيء بالله سبحانه في الوجود، وجعله وجود كل موجود كامل أو ناقص، فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الأصنام في الحب، مع اعتقاد تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذات والصفات والأفعال، فكيف بمن سوى الله بالموجودات في جميع ذلك، وزعم أنه ما عبد غير الله في كل معبود.
    والمقصود: أن دوام الذكر لما كان سبباً لدوام المحبة ، وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال، كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد، وكان عدوه حقاً هو الصاد عن ذكر ربه وعبوديته ، ولهذا أمر سبحانه بكثرة ذكره في القرآن، وجعله سبباً للفلاح، فقال تعالى: واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون [الجمعة: 10]، وقال: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً [الأحزاب: 35]، وقال: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون [المنافقون:9] وقال: فاذكروني أذكركم [ البقرة:152].
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : سبق المفردون ، قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات .
    وفي الترمذي عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله ، وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء.
    قال معاذ بن جبل: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم تبع لذكره.
    والمقصود: أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة، فالذكر للقلب كالماء للزرع ، بل كالماء للسمك،لا حياة له إلا به.
    وهو أنواع: ذكره بأسمائه، وصفاته، والثناء عليه بها.
    الثاني:تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده، وهو الغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين.
    الثالث: ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه، وهو ذكر أهل العلم، بل الأنواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
    ومن أفضل ذكره ذكره بكلامه، قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى [طه:124]، فذكره هنا: كلامه الذي أنزله على رسوله.وقال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد: 28]، ومن ذكره سبحانه : دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه فهذه خمسة أنواع من الذكر .
    الفائدة الثالثة والثلاثون : أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد، فإنها إذا كانت سبباً لزيادة محبة المصلى عليه له ، فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم .
    الرابعة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة، ازدادت صلاته عليه صلى الله عليه وسلم .
    ولهذا كانت صلاة أهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه، خلاف صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم، وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به، فصلاتهم عليه نوع آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة لهمن الله.
    وهكذا ذكر الله سبحانه، كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه أحب ، كان ذكره غير ذكر الغافلين واللاهين، وهذا أمر إنما يعلم بالخبر لا بالخبر، وفرق بين من يذكر صفا محبوبه الذي قد ملك حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها، وبين من يذكرها إما أمارة وإما لفظاً، لا يدري ما معناه، لا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى ، فذكره صلى الله عليه وسلم وذكر ما جاء به ، وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته بإرسالة، هو حياة الوجود وروحه ، كما قيل: روح المجالس ذكره وحديثه وهدى لكل ملدد حيران
    ‌‌‌‌ وإذا أخل بذكره في مجلس فأولئك الأموات في الحيان
    الخامسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده ، كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : إن صلاتكم معروضة علي ، وقوله: إ، الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام، وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل في هذا المعنى:
    ومن خطرت منه ببالك خطرة حقيق بأن يسمو وأن يتقدما
    وقال الآخر:
    أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه قول المبشر بعد اليأس بالفرج
    لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ذكرت ثم على ما فيك من عوج
    السادسة والثلاثون: أنها سبب لتثبت القدم على الصراط، والجواز عليه ، لحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم : ورأيت رجلاً من أمت يزحف على الصراط ويحبو أحيانا ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه وأنقذته.
    رواه أبو موسى المديني ، وبنى عليه كتابه في الترغيب والترهيب، وقال : هذا حديث حسن جداً.
    السابعة والثلاثون : أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أداة لأقل القليل من حقه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علماً ولا قدرة، ولا إرادة ، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه
    الثامنة والثلاثون : أنها متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله،، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجوب الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم متضمنة لعلم العبد ذلك ، وتصديقه به، ومحبته له فكانت من أفضل الأعمال.
    التاسعة والثلاثون: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان:
    أحدهما : سؤاله حوائجه ومهماته، وما ينويه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
    الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه ، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره، ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه ، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله، وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابه هو ، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هو، وقد آثر الله ومحابه على ما سواه، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب والمنزلة عندهم ، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رعيته إليه ، وكلما سألوه أن يزيد في أحبائه وإكرامه وتشريفه ، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه ، وحظوا بهم لديه، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه،
    فأحبهم إليه أشدهم له سؤلاً ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه، هذا أمر مشاهد بالحس ، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة المطاع حوائجه هو وهو فارغ من سؤله تشريف محبوبه والإنعام عليه واحدة فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه له؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفاً.
    وها هنا نكتة حسنة لمن علم أمته دينه وما جاءهم به، ودعاهم إليه وحضهم عليه ، وصبر على ذلك ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له من الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه ، فالداعي إلى سنته ودينه، والمعلم الخير للأمة إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى الله التقرب إليه بإرشاد عباده، وتوفير أجور المطيعين له على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توفيتهم أجورهم كاملة كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
    الباب الخامس: في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم
    أما سائر الأنبياء والمرسلين فيصلى عليه ويسلم . قال تعالى عن نوح عليه السلام: وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزي المحسنين [الصافات: 78-80]، وقال عن إبراهيم خليله: وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم [الصافات: 108-109]، وقال تعالى في موسى وهارون: وتركنا عليهما في الآخرين * سلام على موسى وهارون ، [الصافات: 119-120]، وقال تعالى: سلام على إل ياسين [الصافات: 130، فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور.
    وقد قال جماعة من المفسرين، منهم مجاهد وغيره: وتركنا عليهم في الآخرين: الثناء الحسن، ولسان الصدق للأنبياء كلهم، وهذا قول قتادة أيضاً. ولا ينبغي أن يحكى هذا قولان للمفسرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال. بل هما قول واحد، فمن قال: إن المتروك هو السلام عليهم في الآخرين نفسه، فلا ريب أن قوله: سلام على نوح جملة في موضع نصب بتركنا ، والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ، ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن، نظر إلى لازم السلام وموجبة، وهو الثناء عليهم ، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم.
    وقد زعمت طائفة ، منهم ابن عطية وغيره: أن من قال: تركنا عليه ثناء حسناً ولسان صدق ، كان سلام على نوح في العالمين جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، وهو سلام من الله سلم به عليه . قالوا: فهذا السلام من الله أمنة لنوح في العالمين أن يذكره أحد بشر ، قاله الطبري ، وقد يقوي هذا القول أنه سبحانه أخبر أن المبروك عليه هو في الآخرين، وأن السلام عليه في العالمين ، وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أبقى الله عليه ثناء حسناً.
    وهذا القول ضعيف لوجوه:
    أحدها: أنه يلزم منه حذف المفعول لـ تركنا ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير ، فإن المعنى يؤول إلى أنا تركنا عليه في الآخرين أمراً لا ذكر له في اللفظ ، لأن السلام عند هذا القائل منقطع بما قبله لا تعلق له بالفعل.
    الثاني: أنه لو كان المفعول محذوفاً كما ذكره ، لذكروه في موضع واحد ليدل على المراد منه عند حذفه ، ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن، وهذه طريقة القرآن، بل وكل كلام فصيح أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر لدلالة المذكور على المحذوف، وأكثر ما تجده مذكوراً، وحذفه قليل ، وأما أن يحذف حذفاً مطرداً ولم يذكره في موضع واحد ولا في اللفظ ما يدل عليه، فهذا لا يقع في القرآن.
    الثالث: أن في قراءة ابن مسعود: وتركنا عليه في الآخرين * سلام بالنصب ، وهذا يدل على أن المتروك هو السلام نفسه.
    الرابع : أنه لو كان السلام منقطعاً مما قبله لأخل ذل بفصاحة الكلام وجزالته، ولما حسن الوقوف على ما قبله ، وتأمل هذا بحال السامع
    إذا سمع قوله: وتركنا عليه في الآخرين كيف يجد قلبه متشوقا متطلعاً إلى تمام الكلام، واجتناء الفائدة منه، ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتمتت ليظمئن عندها ، بل يبقى طالباً لتمامها، وهو المتروك، فالوقف على الآخرين ليس بوقف تام.
    فإن قيل : فيجوز حذف المفعول من هذا الباب، لأن ترك هنا بمعنى أعطى ، لأنه أعطاه ثناء حسناً أبقاه عليه في الآخرين ، ويجوز في باب أعطى ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما ، وقد وقع ذلك في القرآن كقوله: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر:1] فذكرهما ، وقال تعالى : فأما من أعطى [ الليل: 5 ].، فحذفهما، وقال تعالى: ولسوف يعطيك ربك [الضحى:5]، فحذف الثاني ، واقتصر على الأول. وقال تعالى: ويؤتون الزكاة [ المائدة: 55] ، فحذف الأول واقتصر على الثاني.
    قيل: فعل الإعطاء فعل مدح، فلفظه دليل على أن المفعول المعطى قد ناله قطاء المعطى، والإعطاء إحسان ونفع وبر، فجاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما بحسب الغرض المطلوب من الفعل، فإن كان المقصود إيجاد ماهية الإعطاء المخرجة للعبد من البخل والشح والمنع المنافي للإحسان ذكر الفعل مجرداً، كما قال تعالى : فأما من أعطى واتقى [الليل:5 ] ، ولم يذكر ما أعطى ولا من أعطى وتقول : فلان يعطي ويتصدق ويهب ويحسن ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت لما كان المقصود بهذا تفرد الرب سبحانه بالعطاء والمنع، لم يكن لذكر المعطى ولا لحظ المعطى معنى ، بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع إليك لا إلى غيرك ، بل أنت المتفرد بها لا يشركك فيها أحد، فذكر المفعولين هنا يخل بتمام المعنى وبلاغته، وإذا كان المقصود ذكرهما ذكراً معاً، كقوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر:1]، فإن المقصود إخباره لرسوله صلى الله عليه وسلم بما خصه به وأعطاه إياه من الكوثر، ولا يتم هذا إلا بذكر المفعولين، وكذا قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً [ الإنسان:8]، وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه، كقوله تعالى: ويؤتون الزكاة [ المائدة: 55].
    المقصود به أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه، فذكره لأنههم المقصود، وقوله عن أل النار لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين [ المدثر 43-44 ]، لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للإطعام أنهم بخلوا عنه، ومنعوه حقه من الإطعام، وقست قلوبهم عنه، كان ذكره هو المقصود دون المطعوم.
    وتدبر هذه الطريقة في القرآن وذكره للأهم المقصود وحذفه لغيره يطلعك على باب من أبواب إعجازه، وكمال فصاحته.
    وأما فعل الترك فلا يشعر بشيء من هذا ولا يمدح به فلو قلت: فلان يترك ، لم يكن مفيداً فائدة أصلا ، بخلاف قولك : يطعم ويعطي ويهب ونحوه. بل لا بد أن تذكر ما يترك، ولهذا لا يقال: فلان تارك. ويقال: معط ومطعم، ومن أسمائه سبحانه: المعطي ، فقياس ترك على أعطى من أفسد القياس و سلام على نوح يعني يسلمون عليه تسليماً، ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي ، كقولك : قرأت : سورة أنزلناها.
    الخامس: أنه قال: سلام على نوح في العالمين فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين ، ومعلوم أن هذا السلام فيهم هو سلام العالمين عليه، كلهم يسلم عليه ، ويثني عليه، ويدعو له، فذكره بالسلام عليه فيهم، وأما سلام الله سبحانه عليه فليس مقيداً بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك ، فلا يقال: السلام على رسول الله في العالمين، ولا اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام الله لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به
    وأما قولهم: إن الله سلم عليه في العالمين، وترك عليه في الآخرين، فالله سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلاماً وثناءً حسناً فيمن تأخر بعدهم جزاء على صبرهم ، وتبليغهم رسالات ربهم ، واحتمالهم للأذى من أممهم في الله، وأخبر أن هذا المبروك على نوح هو عام في العالمين ، وأن هذه التحية ثابتة فيهم جميعاً ، لا يخلون منها، فأدامها عليه في الملائكة والثقلين، طبقاً بعد طبق ، وعالماً بعد عالم، مجازاة لنوح عله السلام بصبره، وقيامه بحق ربه ، وبأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه ، كما قال تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً الآية [ الشورى:13].
    وقولهم : إن هذا قول ابن عباس، فقد تقدم أن ابن عباس وغيره إنما أرادوا بذلك أن السلام عليه من الثناء الحسن ، ولسان الصدق ، فذكروا معنى السلام عليه وفائدته ، والله سبحانه أعلم.
    وأما الصلاة عليهم، فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن هارون ، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني صلى الله عليهم وسلم تسليماً.
    رواه الطبراني : عن الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن موسى.
    وقال الطبراني: حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني .
    وفي الباب عن أنس، وقيل: عن أنس، عن أبي طلحة.
    قال الحافظ أبو موسى المديني: وبلغني بإسناد عن بعض السلف، أنه رأى آدم في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
    وموسى وإن كان ضعيفاً فحديثه يستأنس به.
    وقد حكى غير واحد الإجماع على أن الصلاة على جميع النبيين مشروعة،منهم الشيخ محيي الدين النووي- رحمه الله - وغيره، وقد حكي عن مالك رواية أنه لا يصلى على غير نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولكن قال أصحابه: هو مؤولة بمعنى أنا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء ، كما تعبدنا الله بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
    فصل في الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأقوال العلماء في ذلك
    وأما من سوى الأنبياء ، فإن آل النبي صلى الله عليه وسلم يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة.
    واختلف موجبو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم، وهي طريقتان للشافعية:
    إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم وفي وجوبها على الآل قولان للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي.
    والطريقة الثانية: أن في وجوبها على الآل وجهين، وهي الطريقة المشهورة عندهم ، والذي صححوه أنها غير واجبة عليهم.
    واختلف أصحاب أحمد في وجوب الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك وجهان لهم، وحيث أوجبوها فلو أبدل لفظ الآل بالأهل فقال : اللهم صل على محمد وأهل محمد ففي الإجزاء وجهان.
    وحكى بعض أصحاب الشافعي الإجماع على أن الصلاة على الآل مستحبة لا واجبة ، ولا يثبت في ذلك إجماع.
    فصل: في الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً
    وهل يصلي على آله صلى الله عليه وسلم منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين:
    أحدهما: أن يقال: اللهم صل على آل محمد فهذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلاً في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى.
    الثاني: أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على علي، أو على حسن، أو حسين، أو فاطمة ، ونحو ذلك . فاختلف في ذلك وفي الصلاة على غير آله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ومن بعدهم ، فكرة ذلك مالك، وقال : لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً ، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وبه قال طاووس.
    وقال ابن عباس: لا ينبغي الصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم .
    قال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عبادة بن حنيف، عن كرمة ، عن ابن عباس، أنه قال: لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وهذا عمر بن عبد العزيز.
    قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا حسن بن علي ، عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة.
    وهذا مذهب أصحاب الشافعي، ولهم ثلاثة أوجه:
    أحدها: أنه منع تحريم.
    والثاني: وهو قول الأكثرين ، أنه منع كراهة تنزيه.
    والثالث: أنه من باب ترك الأولى وليس بمكروه. حكاها النووي في الأذكار قال: والصحيح الذي عليه الأكثر أنه مكروه كراهة تنزيه. ثم اختلفا في السلام هل هو في معنى الصلاة، فيكره أن يقال: السلام على فلان. أو قال: فلان عليه السلام، فكرهه طائفة ، منهم أبو محمد الجويني ومنع أن يقال: عن علي - عليه السلام- وفرق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت وحاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلاناً مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلىعباد الله الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين فعلم الفرق.
    واحتج هؤلاء بوجوه:
    أحدها: قول ابن عباس، وقد تقدم الثاني: أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله قد صارت شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم ، ذكره النووي.
    قلت: ومعنى ذلك، أن الرافضة إذا ذكروا أثمنهم يصلون عليهم بأسمائهم ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم، وأحب إلى الرسول ، فينبغي أن يخالفوا في هذا الشعار.
    الثالث: ما احتج به مالك رحمه الله ، أن هذا لم يكن من عمل من مضى من الأمة، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.
    الرابع: أن الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، تذكر مع ذكر اسمه، كما صار عز وجل و سبحانه وتعالى مخصوصاً بالله عز وجل ، يذكر مع ذكر اسمه، ولا يسوغ أن يستعمل ذلك لغيره، فلا يقال: محمد عز وجل، ولا سبحانه وتعالى، فلا يعطى المخلوق مرتبة الخالق، فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي صلى الله عليه وسلم مرتبته ، فيقال: قال فلان صلى الله عليه وسلم .
    الخامس: أن الله سبحانه قال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً [النور:
    63]، فأمر سبحانه أن لا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه ، فكيف يسوغ أن تجعل الصلاة عليه كما تجعل على غيره في دعائه، والإخبار عن ؟ هذا مما لا يسوغ أصلاً.
    السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباده الصالحين، ثم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلم أن الصلاة عليه حقه الذي لا يشركه في أحد.
    السابع: أن الله سبحانه ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خصه بها من تحريم نكاح أزواجه، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له ، وإيجاب اللعنة لمن آذاه، وغير ذلك من حقوق، وأكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم، فدل على أن ذلك حق له خاصة ، فآله تبع له فيه.
    الثامن: أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويترحم عليه في حياته وبعد موته، وشرع لنا أن نصلي عل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته، فالدعاء حق للمسلمين، والصلاة حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، ولهذا في صلاة الجنازة إنما يدعى للميت ويترحم عليه ويستغفر له، ولا يصلي عليه بدل ذلك، فيقال: اللهم صل عليه وسلم.
    وفي الصلوات يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال بدل ذلك: اللهم اغفر له وارحمه. ونحو ذلك، بل يعطى كل ذي حق حقه.
    التاسع: أن المؤمن أحوج الناس إلى أن يدعى له بالمغفرة والرحمة، والنجاة من العذاب، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فغير محتاج أن يدعى له بذلك، بل الصلاة عليه زيادة في تشريف الله وتكريمه ورفع درجاته ، وهذا حاصل له صلى الله عليه وسلم ، وإن غفل عن ذكره الغافلون، فالأمر بالصلاة عليه إحسان من الله للأمة ورحمة بهم لينيلهم كرامته بصلاتهم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، بخلاف غيره من الأمة ، فإنه محتاج إلى من يدعو له ويستغفر ويترحم عليه، ولهذا جاء الشرع بهذا في محله ، وهذا في محله.
    العاشر: أنه لو كانت الصلاة على غيره صلى الله عليه وسلم سائغة ، فإما أن يقال باختصاصها ببعض الأمة ، أو يقال تجوز على كل مسلم.
    فإن قيل: باختصاصها فلا وجه له ، وهو تخصيص من غير مخصص ، وإن قيل بعدم الاختصاص وأنها تسوغ بكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وإن كان من أهل الكبار، فكما يقال: اللهم تب عليه ، اللهم اغفر له ، يقال : اللهم صل عليه ، وهذا باطل.
    وإن قيل: تجوز على الصالحين دون غيرهم، فهذا مع أنه لا دليل عليه ، ليس له ضابط، فإن كون الرجل صالحاً أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان ، وكذلك كونه ولياً لله ، وكونه متقياً ، وكونه مؤمناً، وكل ذلك يقبل الزيادة والنقصان، فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه؟.
    قالوا: فعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله. وخالفهم في ذلك آخرون ، وقالوا: تجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله.
    قال القاضي أبو الحسين بن الفراء في رؤوس مسائله: وبذلك قال الحسن البصري، وخصيف، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان، ومقاتل بن حيان، وكثير من أهل التفسير ، قال: وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه في رواية أبي داود ، وقد سئل: أينبغي أن يصلى على أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أليس قال علي لعمر- رضي الله عنهما -: صلى الله عليك.
    قال: وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور ، و محمد بن جرير الطبري، وغيرهم ، وحكى أبو بكر بن أبي داود، عن أبيه ذلك، قال أبو الحسين: وعلى هذا العمل، واحتج هؤلاء بوجوه:
    أحدها: قوله سبحانه وتعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم [التوبة: 103]، فأمر سبحانه أن يأخذ الصدقة من الأمة وأن يصلي عليهم، ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها، فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
    الثاني: أن في الصحيحين: من حديث شعبة ، عن عمر ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال: اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى.
    والأصل عدم الاختصاص، وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية.
    الثالث: ما رواه حجاج ، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيه العنزي، عن جابر بن عبد الله، أن امرأة قالت: يا رسول الله! صل علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك ، رواه أحمد، وأبو داود في السنن
    الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب الطبقات : من حديث ابن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله ، أن علياً دخل على عمر وهو مسجى ، فملا انتهى إليه قال: صلى الله عليك ، ما أحد ألقى إلى الله بصحيفته أحب إلى من هذا المسجى بينكم.
    الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق: حدثنا عند الله بن مسلم، حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يكبر على الجنازة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقول: اللهم بارك فيه، وصل عليه ، واغفر له ، وأورده حوض نبيك صلى الله عليه وسلم .
    السادس : أن الصلاة هي الدعاء ، وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض، احتج بهذه الحجة أبو الحسين.
    السابع: ما رواه مسلم في صحيحه : من حديث حماد بن زيد ، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة، قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها. قال حماد : فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك. قال: ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه.. وذكر الحديث. هكذا قال مسلم عن أبي هريرة موقوفاً، وسياقه يدل على أنه مرفوع ، فإنه قال بعده : وأن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعناً، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض. قال : فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة : فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت على أنفه هكذا.
    وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم بالحديث.
    وقد رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعاً، منهم أبو سلمة ، وعمر بن الحكم، وإسماعيل السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة ، وسعيد بن يسار، وغيرهم.
    وقد استوفيت الكلام على هذا الحديث وأمثاله في كتاب الروح .
    قالوا: فإذا كانت الملائكة تقول للمؤمن : صلى الله عليك جاز ذلك أيضاً للمؤمنين، بعضهم لبعض.
    الثامن : قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير وقد قال تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته [الأحزاب:43].
    التاسع: ما رواه أبو داود: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وفي حديث آخر عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ولملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف . وقد تقدم في أول الكتاب صلاة الملائكة على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم .
    العاشر: ما احتج به القاضي أبو يعلى ، ورواه بإسناد، من حديث مالك بن يخامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، أنه قال: اللهم صل على أبي بكر فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمر فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عثمان فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على علي فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على أبي عبيدة فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحب الله ورسوله .
    الحادي عشر: ما رواه يحيى بن يحيى في موطئه عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال : رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما. هذا لفظ يحيى بن يحيى.
    الثاني عشر: أنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أزواجه في الصلاة، وقد تقدم.
    قالوا: وهذا على أصولكم ألزم، فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة ، فإذا جازت الصلاة عليهن جازت على غيرهن من الصحابة رضي الله عنهم.
    الثالث عشر : أنكم قد قلتم بجواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً له فقلتم بجواز أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه. قال أبو زكريا النووي: واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة ، ثم ذكر هذه الكيفية وقال: للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد ، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً.
    قلت: ومنه الأثر المعروف عن بعض السلف: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين.
    الرابع عشر: ما رواه أبو يعلى الموصلي: عن أبي زنجويه، حدثنا أبو المفغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه وعلمه دعاء ، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال:
    قل حين تصبح: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك ، والخير في يديك ومنك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر، أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت منه كان وما لم تشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بك، أنت على كل شيء قدير ، اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت ، وما لعنت من لعن فعلى من لعنت ، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً وألحقني بالصالحين. ووجه الاستدلال: أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم ما صح الاستثناء فيها، فإن العبد لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة ولا يدري استثنى ذلك كما استثنى في حلفه ونذره.
    قال الأولون: الجواب عما ذكرتم من الأدلة ، أنها نوعان : نوع منها صحيح وهو غير متناول لمحل النزاع ، فلا يحتج به، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به ، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به ، ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضاً، وهذا إنما يظهر بالكلام على كل دليل دليل.
    أما الدليل الأول: وهو قوله تعالى: وصل عليهم فهذا في غير محل النزاع/ لأن كلامنا هل يشرع لأحدنا أن يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله أم لا؟. وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على من صلى عليه فتلك مسألة أخرى، فأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا بها قضاء لحقه، هل يجوز أن يشرك معه غيره أم لا؟.
    يؤكده الوجه الثاني: أن الصلاة عليه حق له صلى الله عليه وسلم ، يتعين على الأمة أداؤه والقيام به، وأما هو صلى الله عليه وسلم فيخص من أراد ببعض ذلك الحق، وهذا كما تقول في شاتمه ومؤذيه: إن قتله حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه، وإن كان صلى الله عليه وسلم يعفو عنه حين مكان يبلغه ويقول : رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .
    وبهذا حصل الجواب عن الدليل الثاني أيضا وهو قوله : اللهم صل على آل أبي أوفي ، وعن الدليل الثالث أيضا, وهو صلاته على تلك المرأة وزوجها .
    وأما دليلكم الرابع : وهو قول علي لعمر _ رضي الله عنهما_: صلى الله عليك . فجواته من وجوه:
    أحدها: انه قد اختلف على جعفر بن محمد في هذا الحديث , فقال أنس بن عياض: عن جعفر بن محمد , عن أبيه , أن عليا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره , وقف عليه ، أثنى عليه ، وقال:
    والله ما على الأرض رجل أحب إلي أن ألقي الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب .
    وكذلك رواه محمد ويعلى ابنا عبيد , عن حجاج الواسطي , عن جعفر , ولم يذكر هذه اللفظة
    ورواه ورقاء بن عمرو , عن عمرو بن دينار , عن أبي جعفر , ولم يذكر لفظه الصلاة . بل قال:رحمك الله , وكذلك رواه عارم بن الفضل , عن أيوب وعمر بن دينار , وأبي جهضم , قالوا: لما مات عمر فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك رواه قيس بن الربيع , عن قيس بن مسلم , عن ابن الحنفية .
    الثاني : أن الحديث الذي فيه الصلاة لم يسنده ابن سعد , بل قال في الطبقات : أخبرنا بعض أصحابنا : عن سفيان بن عيينة , أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله, فذكره, وقال: لما انتهى اله, فقال له: صلى الله عليك, وهذا المبهم لعله لم يحفظه. فلا يحتج به.
    الثالث: أنه معارض بقول ابن عباس رضي الله عنهما : لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم , وقد تقدم.
    قالوا: وأما دليلكم الخامس وهو قول ابن عمر في صلاة الجنازة اللهم صل عليه فجوابه من وجوه:
    أحدها: أن نافع بن أب نعيم ضعيف عندهم في الحديث، وإن كان في القراءة إماماً، قال الإمام أحمد : يؤخذ عنه القرآن ، وليس في الحديث بشيء.
    والذي يدل على أن هذا ليس بمحفوظ عن ابن عمر، أن مالكاً في موطئه لم يروه عن ابن عمر، وإنما روى أثراً عن أبي هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه، لكان مالك أعلم به من نافع ابن أبي نعيم.
    الثاني: أن قول ابن عباس يعارض ما نقل عن ابن عمر.
    وأما دليلكم السادس أن الصلاة دعاء، وهو مشروع لكل مسلم، فجوابه من وجوه :
    أحدها : أنه دعاء مخصوص، مأمور به في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يدل على جواز أن يدعى به لغيره، لما ذكرنا من الفروق بين الدعاء وغيره، مع الفرق العظيم بين الرسول وغيره، فلا يصح الإلحاق به، لا في الدعاء ولا في المدعو له صلى الله عليه وسلم .
    الثاني: أنه كما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح أن يقاس على الرسول صلى الله عليه وسلم غيره فيه.
    الثالث: أنه ما شرع في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه دعاء، بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كونه صلاة متضمنة لتعظيمه وتمجيده والثناء عليه كما تقدم تقريره، وهذا أخص من مطلق الدعاء.
    وأما دليلكم السابع: وهو قول الملائكة لروح المؤمن: صلى الله عليك وعلى حسد كنت تعمرينه. فليس بمتناول لمحل النزاع، فإن النزاع إنما هو هل يسوغ لأحدنا أن يصلي على غير الرسول وآله صلى الله عليه وسلم ، وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت أحكام تكاليف البشر حتى يصح قياسهم عليه فيما يقولونه أو يفعلونه، فأين أحكام الملك من أحكام البشر: فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره ، يتصرفون بأمره لا بأمر البشر، وبهذا خرج الجواب عن كل دليل فيه صلاة الملائكة.
    وأما قولكم: إن الله يصلي على المؤمنين وعلى معلمي الناس الخير.
    فجوابه: أنه في غير محل النزاع، وكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب؟ وصلاة العبد دعاء وطلب، وصلاة الله على عبده ليست دعاء، وإنما هي إكرام وتعظيم ومحبة وثناء ، وأين هذا من صلاة العبد؟.
    وأما دليلكم العاشر: وهو حديث مالك بن يخامر، وفيه صلاة النبي على أبي بكر وعمر ، ومن معهما، فجوابه من وجوه:
    أحدها: أنه لا علم لنا بصحة هذا الحديث، ولم تذكروا إسناده لننظر فيه
    الثاني: أنه مرسل.
    الثالث: أنه في غير محل النزاع، كما تقدم.
    وأما دليلكم الحادي عشر: أن ابن عمر كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه، وعلى أبي بكر س
    أحدها: أن ابن عبد البر قال: أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك، عن عبد الله بن دينار، رأيت، ابن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر، وقالوا: إنما الرواية لمالك وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ، أنه كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر. كذلك رواه ابن القاسم , والقعنبي , وابن بكير وغيرهم عن مالك , ففرقوا بما وصفت لك بين : ويدعو لأبي بكر, وعمر وبين يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت الصلاة قد تكون دعا ءً , لما خص به صلى الله عليه وسلم من لفظ الصلاة .
    قلت: وكذلك هو في موطأ ابن وهب لفظ الصلاة مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم , والدعاء لصاحبه .
    الثاني : أن هذا من باب الاستغناء عن أحد الفعلين بالأول منهما وإن كان غير واقع على الثاني,كقول الشاعر:
    ‌‌ علفتها تبناً وماء بارداً حتى غدت همالةً عيناها
    وقول الآخر :
    ورأيت زوجك قد غدا متقلداً سيفاً ورمحا
    وقول الآخر:
    وزججن الحواجب والعيونا
    فلما كان الفعل الأول موافقاً للفعل الثاني في الجنس العام اكتفى به منه, لأن العلف موافق للسقي في التغذية , وتقلد السيف موافق لحمل الرمح في معنى الحمل, وتزجيج الحواجب موافق للدعاء لأبي بكر وعمر في معنى الدعاء والطلب .
    الثالث : أن ابن عباس قد خالفه كما تقدم .
    وأما دليلكم الثاني عشر : بالصلاة على أزواجه صلى الله عليه وسلم ففاسد، لأنه إنما صلى عليهن لإضافتهن إليه ودخولهن في آله وأهل بيته ، فهذه خاصة له، وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها صلى الله عليه وسلم .
    وأما قولكم: إنه ألزم على أصولنا، فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهن، فجوابه: أن هذا وإن سل!م دل على أنهن لسن من الآل الذين تحرم عليهم الصدقة، لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم، لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم، ولا منافاة بين الأمرين.
    وأما دليلكم الثالث عشر: وهو جواز الصلاة على غيره صلى الله عليه وسلم تبعاً، وحكايتهم الاتفاق على ذلك ، فجوابه من وجهين:
    أحدهما: أن هذا الاتفاق غير معلوم الصحة، والذين منعوا الصلاة على غير الأنبياء منعوها مفردة وتابعة، وهذا التفصيل وإن كان معروفاً عن بعضهم فليس كلهم يقوله.
    الثاني: أنه لا يلزم من جواز الصلاة على أتباعه تبعاً للصلاة عليه جواز إفراد المعي أو غيره بالصلاة عليه استقلالاً.
    وقوله: للأحاديث الصحيحة في ذلك ، فليس في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه وذريته، ليس فيها ذكر أصحابه ولا أتباعه في الصلاة.
    وقوله: أمرنا بها في التشهد، فالمأمور به في التشهد الصلاة على آله وأزواجه لا غيرهما.
    وأما دليلكم الرابع عشر: وهو حديث زيد بن ثابت الذي فيه: اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت، ففيه أبو بكر بن أبي مريم ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والسعدي، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بالشيء فيهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك.
    الخاتمة
    وفصل الخطاب في هذه المسألة: أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة/
    وأما الثاني : فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموماً الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضاً، فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان شخصاً معيناً أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعاراً له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، فإنه حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه ، فهذا ممنوع، لا سيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلى عليه أحياناً بحيث لا يجعل ذلك شعاراً كما يصلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت: صلى الله عليه. وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر ، فهذا لا بأس به.
    و بهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله والموفق.
    تم بحمد الله الكتاب
    ‍‌
    بسم الله الرحمن الرحيم
    يقول سيدنا (( عمر بن الخطاب )) أمير المؤمنين
    " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فان ابتغينا العزة فى غيره أزلنا الله"

    أخوكم فى الله // أشرف (( المحترم ))
    mo_3iny_na@yahoo.com


  2. #2
    عضو متميز الصورة الرمزية مصمم راقي
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    اليمن السعيد
    العمر
    42
    المشاركات
    5,113
    معدل تقييم المستوى
    100

    افتراضي رد: جلاء الأفهام في فضل الصلاة

    ما شاء الله عليك
    كتب الله لك الاجر ورزقك من فضله وانار قلبك ودربك بالايمان والعلم

    شبكة توب ماكس تكنولوجي
    فقط لطالبي الاعلانات وخدمات الشبكة المدفوعة
    التواصل مع الدعم الفني مباشر من الرابط التالي
    http://www.topmaxtech.net/


    حكم تبعث في نفسي الطاقة
    « عندما نعطي، نحن نلهم الآخرين على العطاء، إما (عطاء) المال أو الوقت أو العلم » .
    عطاؤك بعلمك صدقة جارية بعد موتك
    "حديث شريف " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها ( أو علم ينتفع به )
    ان للحسنه نور في القلب وسعه في الرزق ومحبه في قلوب الناس

    قل لمن يحمل هماً :: إن همك لن يدوم مثلما تُفنى السعادة هكذا تُفنى الهموم
    من لا يأكل من فأسه .. لا يتكلم من رأسه
    معا من أجل دعم وأثراء المحتوى العربي


  3. #3
    الادارة الصورة الرمزية شهود
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    اليمن السعيد
    المشاركات
    33,955
    معدل تقييم المستوى
    100

    افتراضي رد: جلاء الأفهام في فضل الصلاة

    وفقك الله أخي أشرف
    وجعلة في ميزان حسناتك
    تسسسسسسسسسسسلم

 

 

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
لتوفير الجهد والوقت عليك ابحث عن ما تريد في جوجل من هنا

جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة توب ماكس تكنولوجي

Copyright © 2007 - 2010, topmaxtech.net . Trans by topmaxtech.

المعهد غير مسئول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء
فعلى كل شخص تحمل مسئولية نفسه اتجاه ما يقوم به من بيع وشراء و اتفاق مع أي شخص أو جهة