النقش على الخشب.. صنعة تتوارثها الأجيال في البلقان
40% من الإنتاج يصدر للخارج وبعضه للدول العربية
آدم ينكيشيتش يجلس على طاولة من روائع الأعمال («الشرق الأوسط»)

سراييفو: عبد الباقي خليفة
يتزايد الاهتمام في البلقان بالنقوش الخشبية سواء كانت ديكورات، أو عوازل للوقاية من البرد في الشتاء، والحرارة في الصيف. أو حتى كتحف تزيين أفنية المنازل والدور على مختلف مستوياتها من الشقق إلى القصور.

ويعود فن النقش على الخشب في البلقان إلى عدة قرون، حيث كان الاليرويون يقيمون منازلهم من الخشب، وكذلك صناعة القوارب، ويتفننون في وضع النقوش على واجهاتها المختلفة، وكذلك داخل الغرف التي كانت أشبه ما تكون بالمتاحف. بيد أن التطور العمراني، لا سيما بعد ظهور الكتل الخراسانية التي تتحول إلى عمارات شاهقة، قضى إلى حد كبير على ذلك المهرجان الطبيعي الدائم في مناطق الجبال الخضراء والمروج الغناء في الربيع، وبساط الثلج الأبيض الذي يغطي كل شيء في الشتاء. وقال المهندس آدم ينكيشيتش، 35 سنة، الذي يملك مع أسرته ورشة مشهورة للنقش على الخشب لـ«الشرق الأوسط»: «أنا من الجيل الرابع في العائلة، حيث تمارس أسرتي هذا العمل منذ مئات السنين، ونتوارثه جيلا بعد جيل». وتعود أصول آدم ينكيشيتش إلى منتنغرو (الجبل الأسود) حيث قدم جده مهاجرا من «تسرنا غورة» وحط الرحال في، كونييتس، (60 كيلومترا شرق سراييفو). وأضاف: «قدم جدي مهاجرا من الجبل الأسود بعد حادثة طرد المسلمين من منتنغرو بعد معاهدة برلين سنة 1878» وتابع: «كانت هذه المنطقة (الهرسك) مشهورة بالنقش على الصخور، وكان جدي أول من بدأ العمل في النقش على الخشب في الهرسك، واكتملت بذلك صناعة البناء، حيث تشاهد كثيرا من المباني المهجنة بين الحجر والخشب المنقوشين».
وحول ما إذا كان قد استفاد من دراسته للهندسة، في الإضافة لصناعة النقش على الخشب، أكد أن دراسته أفادته كثيرا في الميدان الذي ورثه أبا عن جد: «استفدت كثيرا من دراستي للهندسة، فلأول مرة نستعين بالكمبيوتر في عملية التصاميم، وهذا هو تخصصي الدراسي أيضا» وعن ظروف العمل حاليا مقارنة بالماضي قال: «في العهد الشيوعي كان الأمر صعبا، ولم تكن لديهم رغبة في ازدهار الصناعات التقليدية التي لها علاقة بالموروث الإسلامي، أما اليوم فهناك اهتمام كبير بالتقاليد وبصناعة النقش على الخشب». وعملية النقش على الخشب لا تستخدم فيها الآلات، بل هي عمل يدوي مائة في المائة، كما لاحظت «الشرق الأوسط» عند زيارتها لورشة العمل. «لدينا 25 عاملا الآن في الورشة ونعتزم إنشاء مصنع لهذا الغرض، وكما ترون فالعمل يدوي ولا وجود لأي آلات، وهو عمل صعب جدا ويستغرق كثيرا من الوقت، فالنقش على مساحة متر ونصف المتر يستغرق من العامل 30 يوما». وتعد صناعة النقش على الخشب من الصناعات النادرة في منطقة البلقان المشهورة بغاباتها الكثيفة والغنية بأرقى أنواع الخشب في العالم، إذ تعد تجارة الخشب من أهم موارد دول المنطقة بما في ذلك البوسنة ورومانيا وبلغاريا. «هذه الصناعة محدودة، فلا توجد مدارس لتعليم النقش على الخشب، ولا توجد ورش التدريب على هذا الفن الجميل والساحر في الوقت نفسه، فكل شيء عندنا مثلا يبدأ من الورشة، فنحن من نعلم العامل فنون الصناعة، ثم نوظفه عندنا».
وعن الفترة التي تستغرقها عملية إعداد فنيي النقش على الخشب، قال: «يحتاج العامل لمدة لا تقل عن 5 سنوات حتى يلم بفن النقش على الخشب ويصبح من العمالة الماهرة في هذا التخصص».
وأفاد بأن «الناس الذين يعتزون بالقيم التقليدية الخالدة، والأسر الكبيرة الراسخة، هي التي تهتم بهذا الفن، وتؤثث منازلها بقطعه المختلفة، والدبلوماسيون الأجانب يبدون شغفا كبيرا بهذا المنتج وزخرفته البديعة التي تضفي على المكان جمالا وأريحية نادرة، وكما يقال عندنا، للخشب روح، كما نصدر للخارج 40 في المائة من منتوجاتنا، لا سيما إلى إيطاليا وألمانيا وسويسرا، وهناك شركات تشتري منتوجاتنا وتبيعها باسمها مثل الإيطاليين، ولكنهم يبيعونها بعشرة أضعافها في السوق الأوروبية، وفي بعض الأسواق العربية كالخليج». وأشار إلى أن لديهم أدلة على ما يقولون وليس مجرد كلام تنقصه البينة، على حد تعبيره. وعما إذا كان لديهم زبائن من البلاد العربية، ذكر آدم أنهم يسعون لإيجاد علاقات متينة مع رجال الأعمال والأسواق العربية، لا سيما أن الإنتاج البوسني موجود هناك ولكن بلافتات إيطالية وغيرها، ومن مصلحة رجال الأعمال وهيئات التصدير والزبائن المباشرين أن يشتروا السلع البضائع نفسها وبأسعار أقل من مصادرها الحقيقية، «بضاعتنا موجودة في الخليج، ولكن بأسماء إيطالية وفرنسية وإسبانية، وكان بالإمكان الحصول عليها مباشرة من البوسنة بأسعار رخيصة جدا مقارنة بأسعارها الحالية».
ويشمل النقش على الخشب كل ما يحتاج إليه في البيت، من طاولات وكراسٍ ومقاعد وخزائن وإطارات للصور، وأغلفة ألبومات خشبية غاية في الروعة والإتقان، إلى جانب مكتبات وخزائن للأواني ولمختلف الاستعمالات. وكذلك الطاولات الخاصة بأجهزة التلفزيون، وأخرى للحاسب الآلي، وصناديق صغيرة للحلي، وللذكرى، وصناديق البريد الخاصة بالبنوك، وأطباق لتقديم المشروبات والمرطبات والطعام وغيرها.
ويصنع في ورش النقش على الخشب الألواح التي تستخدم في خلاوي حفظ القرآن سواء للكتابة أو لقراءة القرآن، والمنابر والمحاريب. ومن المساجد التي حظيت شركة آدم للنقش على الخشب بشرف إعداد ديكوراتها أو منابرها ومحاريبها جامع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في سراييفو، وجامع غوراجدة وجامع نوفي بازار بالسنجق والمركز الإسلامي بزغرب. وعن كيفية ترويج فن النقش على الخشب في البلاد العربية، قال آدم: «يمكنهم زيارتنا بشكل مباشر، ونحن نرحب بضيوفنا العرب، أو عن طريق السفارات العربية الموجودة في المنطقة، ويمكننا أن نرسل لهم ما عندنا سواء عبر الكتيبات التي لدينا أو عبر الإنترنت».
وعن أسعار السلع لديهم قال: «لدينا طاولات بأسعار رخيصة جدا مقارنة بغيرها لدى الأجانب، وبالجودة نفسها ونوع الخشب، فالطاولة عندنا لا يزيد سعرها في الغالب عن 100 يورو، والكراسي التابعة لها لا تزيد عن 135 يورو». وتوجد في معرض آدم تحف فنية نادرة تمثل تاريخ صناعة النقش على الخشب في البلقان، بعضها يعود تاريخ صنعه لما يزيد عن 200 سنة، لكنه أكد على أنه ليس للبيع. وكانت هناك بضاعة جاهزة، وعند سؤالنا عن وجهتها أخبرنا المهندس آدم بأنها بضاعة للسوق المحلية، وهي ضمن عمل متكامل لصالح إحدى المؤسسات في مدينة فيسوكو (30 كيلومترا شرق سراييفو). وعلمنا أن لديهم طلبات كثيرة، يحرصون على تلبيتها في مواعيدها المحددة حفاظا على سمعة الشركة. ويعول المهندس آدم كثيرا على المصنع الذي تعتزم أسرته إقامته لتوسيع الإنتاج ومساحة الانتشار. وعلى الرغم من أن إنشاء المصنع يحتاج لمال كثير كما يؤكد آدم، فإن ذلك لن يحول، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، دون تحقيق ذلك الأمل الذي سيرى النور قريبا