يحاول المرء باستمرار التعرف على ذاته وتحديد معالمها ويكون ذلك بشكل ملحّ في مرحلة المراهقة ويستمر بقية الحياة تبعاً لما يحل عليه وعلى بيئته من تغيير.

فكرة الفرد عن نفسه تتميز بالتفرد، ولكنها عرضة للتعديل بتأثير الظروف البيئية والاجتماعية التي تحيط به، وبوجهة نظر الآخرين عنه. فالفرد قد يرى نفسه بصورة ايجابية أحياناً، وبصورة سلبية أخرى، إلا أنه بصفة عامة له تصور شبه ثابت عن ذاته.

للبيئة الثقافية للفرد، مع حصيلة خبراته الحياتية أثر كبير في بناء شخصيته، أو بمعنى آخر هويته. فالطفل منذ وقت مبكر يبدأ في تكوين هويته متشبهاً بالأشخاص المهمين في البيئة من حوله. ففي الوقت الواحد يتشبه بأمه وأبيه أو أحد إخوته أو معلمه، إلا أن هذا الخلط يفرز شخصية متشعبة ذات أدوار مختلفة، مفككة الأوصال. أما المراهق فلأن خبراته الحياتية لا زالت محدودة فإنه يكون مذبذباً وغير متيقن من أمره وهو يسعى إلى تحقيق ذاته وتكوين هويته. فلذلك تراه يلعب أدواراً متضادة، مثلا في الوقت الواحد يكون مستقلاً ومعتمداً على غيره؛ جريئاً وجباناً؛ متحدياً وخضوعاً؛ جدياً وغير مكترث. وعليه في النهاية تخليص نفسه من لعب هذا الدور المزدوج ومن أن يكون نسخة من غيره، أو التذبذب بين الأدوار لكي يبدأ في تكوين هويته الخاصة به متجاوزاً هذه المرحلة الانتقالية.

هذا لن يتأتى إلا بعد أن يكتسب مزيداً من الخبرات الحياتية ويتعرض للمفاهيم الثقافية والأخلاقية والدينية الخاصة بمجتمعه. وفى حالة أن كل شيء سار على ما يرام، فإنه يخرج من هذه المرحلة الانتقالية إلى مرحلة استكمال بناء الهوية الخاصة به.



تحقيق الذات “Self actualization”
ذات الفرد هي نتاج الخبرات التي يمر بها. وتقييم الفرد لذاته يتولد من الصغر تدريجياً مع الرغبة في تحقيق الذات المثالية التي يحلم بها. وغالبا ما يسعى الإنسان إلى تحقيق ذات واقعية تتواءم مع إمكانياته وخبراته ودرجة تكيفه مع بيئته بدلاً عن السعي لتحقيق ذات مثالية غير واقعية.

استغلال الإمكانيات الذاتية الكامنة تساعد على تطوير الذات الحقيقية إلى تلك الواقعية التي تحقق للشخص السلام والوئام مع نفسه وبيئته.

"أبراهام ماسلو" العالم النفسي الأمريكي يقول في هذا السياق أن الإنسان يولد وهو محفز لتحقيق احتياجات أساسية في شكل هرمي بدأ
بالحاجات الفسيولوجية كالجوع والعطش، مرورا باحتياجات الأمن والسلامة ثم احتياجات الانتماء والتقبل من المجموعة، وصولاً إلى احتياجات اعتبار واحترام الذات في قمة الهرم. وبعد تحقيق كل هذه الحاجات يجاهد الإنسان لتحقيق ذاته ليصل إلى أسمى مراحل الاكتفاء الذاتي والسلام مع نفسه.

ويذهب ماسلو إلى وصف هؤلاء الذين حققوا ذاتهم بأنهم
واقعيون، متقبلون لأنفسهم وللآخرين، تلقائيون، مركزون على أهدافهم وعلى حل مشاكلهم، مستقلون، ديمقراطيون، ويتمتعون بروح الخلق والإبداع.

الدراسات التي قام بها "
كارل روجرز" في مجال التحليل النفسي ساعدته على الإتيان بنظريته وطريقة علاجه المتمركزة حول العميل والتي تهدف أساساً لمساعدة العميل لكي يحقق ذاته. النظرية تقول:

" الإنسان يولد ولديه دافعية قوية لاستغلال إمكانياته الكامنة لتحقيق ذاته وليسلك بطريقة تتوافق مع هذه الذات، و قد يحتاج الإنسان إلى إنسان آخر يظهر تفهماً ويبدي تعاطفاً كاملين لكي يساعده على استنباط هذه الإمكانيات الكامنة واستقلالها لكي يحقق ذاته".

لذلك يعمد المعالج بهذا الأسلوب العلاجي على مساعدة العميل على استكشاف واستغلال إمكانياته المعرفية الذاتية في جو من"
القبول الكلي الغير مشروط" للعميل "والمتفهم، والمتعاطف" بدون انتقاد وبرضاء كامل سعياً وراء تحقيق الفردية وتكوين الذات.

الافتراضات الأساسية لنظرية كارل روجرز:
1- لكل إنسان الحق الكامل لأن يكون مختلفا في الرأي والمفاهيم والسلوك.
2- أن يتصرف بما تمليه عليه معتقداته ومبادئه، أي أن يكون سلوكه وتصرفه متوافقا مع أفكاره.
3- حرية التصرف هذه يجب أن تتوافق مع القوانين العامة، ولا تمس حقوق وحرية الآخرين.
4- بما أنه حر في اختيار نمط سلوكه، فهو مسئول عن تبعات ذلك السلوك.

الأهداف
1- تحقيق الذات، من خلال تكوين شخصية متماسكة وقوية ومستقلة وتلقائية لا تضع اعتباراً كبيراً لما يقوله الآخرون.
2- تأكيد الذات من خلال تقبله ورضاه عن نفسه.

من سمات الأسلوب الاستكشافي الغير موجه في العلاج النفسي المتعارف عليه في الغرب أن يساعد العميل على استكشاف خفايا أفكاره ورغباته وأحلامه وأمانيه من خلال كلامه وتعبيراته، وكذلك استكشاف مكامن العقد النفسية في دواخله. المريض هو العامل المحرك في العلاج، أما المعالج فهو العامل المساعد فقط، غير موجه أو متخذ دور أبوي أو قيادي.

والقاعدة الأساسية هي إرساء فردية واستقلالية المعالج، واعتماده على نفسه، وتحميله المسؤولية نحو علاجه.

تحقيق الذات وعالمنا الشرقي
الإنسان الشرقي، خلافاً للغربي يجد نفسه حبيس المعايير الثقافية والأخلاقية والاجتماعية المتعارف عليها في مجتمعه. فهو يجد لزاماً على نفسه أن يتقيد وأن يتكيف مع متطلبات وآداب مجتمعه، ولذلك يصعب عليه الإصرار على تحقيق فرديته وذاته أو استقلاليته متجاهلاً المعايير الاجتماعية السائدة. ذلك لأن المجتمع الشرقي لا يؤمن بحرية الشخص وفرديته، بمعنى أن كل إنسان له الحق أو الحرية في التصرف أو التعبير عن الرأي. فالإنسان الشرقي محكوم بالتصرف أو التعبير عن آرائه بصورة تتوافق مع مفاهيم وثقافة مجتمعه وألا تعرض للانتقاد أو المساءلة والتحقير.

لذلك تجد كثيرا من الأفراد في صراع دائم بين ما يعتقدونه وكيف يسلكون، وما تسمح به الأعراف والتقاليد السائدة في البيئة، وينتج عن هذا الصراع كثير من الإحباط والقلق والكآبة. فعندما لا يتوافق سلوك الشخص مع أفكاره، يؤدي ذلك لصراع داخلي يعبر عنه في شكل توتر وقلق دائمين.

بدلا من تحقيق الذات والفردية، يتطلب من المعالج مساعدة العميل الشرقي على التكيف مع آداب وثقافة مجتمعه لكي يحقق استقراره النفسي.



احترام أو "اعتبار" الذات “Self esteem”
يعني اعتقاد الشخص المكون عن نفسه أو تقييمه لنفسه من حيث إمكانياته ومنجزاته وأهدافه ومواطن قوته وضعفه وعلاقاته بالآخرين ومدى استقلاليته واعتماده على نفسه. وقد يكون احترام الذات عالياً أو منخفضاً لدى الشخص.

يتكون هذا التقدير للذات أو يتشكل منذ عهد الطفولة وذلك وفقاً للتجارب التي يتعرض لها بصورة متكررة. فإذا ما كانت هذه التجارب قاسية ومؤلمة، مثلا اعتداء بدني أو نفسي أو جنسي متكرر أو حرمان أو إهمال عاطفي يتكون لدى الطفل انطباع سلبي كبير عن ذاته مصاحباً بمشاعر الخوف، والخجل، والجبن، والتردد مع الكآبة وعدم الثقة بالنفس أو بالآخرين، وانعدام الدافعية، والفشل المتكرر في أي أمر يقدم عليه.

بعض الوالدين يسهمون بدون أن يدروا في تكوين هذا الانطباع السلبي للطفل نحو نفسه وذلك من خلال تعاملهم معه. فبعض الآباء يبادرون بانتقاد ولوم وتأنيب ونعت أبنائهم بصفات سيئة، ويعمدون إلى ضربهم وإذلالهم لأقل خطأ معتقدين أن هذا هو الأسلوب الأنجع في التربية، ولكنهم لا يدرون أن تصرفهم المكرر هذا يعوق بناء شخصية الطفل السليمة ويترك انطباعاً مستمراً بأنه غير محبوب ولا يصلح لشيء، وأنه فاشل ويختلف عن الآخرين. فأسوأ شي يمكن أن يفعله أب هو أن يعمد بصورة متكررة إلى ضرب وإهانة الابن وفي نفس الوقت نعته بصفات قاسية كالفاشل، أو لا يصلح لشيء، بليد، قبيح، كريه أو ما شابه. فتكرار هذه النعوت عندما يكون الطفل في حالة نفسية سيئة قد تنطبع ويؤمن بها عقله الباطني الذي يعمل على أن يكون الصبي كما نعت به تماماً مستقبلاً.

اعتبار ذات ضعيف:
قد ينشأ اعتبار الذات الضعيف نتيجة لظروف حياتية سلبية متراكمة ترافق نمو الطفل، مثلاً بسبب طلاق الوالدين وتفكك الأسرة أو نتيجة لمعاملة سيئة من زوج الأم. أو يكون هنالك عدم استقرار في حياة الطفل واضطراره للتنقل من أسرة لأخرى بسبب تفكك أسرته والمعاملة السيئة، أو الحرمان العاطفي من الأسرة الجديدة.

الفشل المتكرر عند البعض قد يخلق لديهم الاعتقاد بأنهم فعلا فاشلون ولذلك يقدمون على كل عمل وهم يتوقعون الفشل ويتنبئون به مسبقاً ولذلك لا يحصدون إلا فشلاً جديداً وهذا يدعم الاعتقاد الأصلي لديهم بأنهم لا يصلحون لشيء، وأنهم فاشلون.

اعتبار الذات المنخفض يترك العنان لذلك الصوت الداخلي الخافت الناقد، الرافض، المستنكر، المثبط للهمم الذي يدفع إلى التردد عند مواجهة أي تحدي مع الاستسلام أو الهروب مبكراً.

اعتبار ذات عال:
ينشأ اعتبار الذات القوي عن صورة الذات الايجابية المدعومة بالثقة وقوة الإرادة والتصميم. ولا يحدث هذا إلا إذا كان الشخص واثقاً ومعتداً وفخوراً بنفسه، ومتقبلا ًومتوافقاً مع ذاته والآخرين.

التنشئة والخبرات التي يمر بها الفرد منذ طفولته المبكرة، والتجارب والخبرات الحياتية المؤثرة خلال نموه لها أثرها الكبير في بلورة اعتبار الذات هذا. فكلما كانت التنشئة سليمة في جو يكفل للطفل احتياجاته الأساسية العاطفية والفيزيولوجية والأمنية، كلما كان اعتبار الذات ايجابياً وانعكس ذلك على شخصية الفرد بادياً في اعتداده بنفسه، وثقته في ذاته التي تدفعه لتحقيق أهدافه في الحياة. كما أن التجارب الايجابية التي تحقق النجاح المتكرر تسهم في دعم اعتبار الذات.

لكي تقهر اعتبار الذات الضعيف:
** لا تسترسل في انتقاد نفسك. أسكت ذلك الصوت الداخلي الخافت الناقد اللائم.
** قد تخطيء أو قد تفشل، هذا طبيعي لأنك إنسان كغيرك يخطى ويصيب. اجعل الفشل يكون دافعاً جديدا لك للنجاح.
**لا تحاول إرضاء الآخرين ضد مبادئك وعلى حساب مشاعرك. تعود أن تقول لا عند اللزوم وبلا تردد. كن صادقا مع نفسك.
**واجه مشاكلك ومخاوفك بدل الهروب منها.
**لا تأخذ الحياة بجدية وصرامة أكثر من اللزوم.
**ركز على أهدافك واجعل من نجاحاتك السابقة دافعاً لنجاح جديد
**ردد تأكيداتك الايجابية لنفسك باستمرار مثلاً أنك ناجح، مصمم، واثق بنفسك، قوي، سعيد الخ. هذه الإيحاءات يتقبلها عقلك الباطني ويحققها لك.




صورة الذات “Self image”
صورة الذات تعني نظرة الفرد لنفسه وما يستخلصه من ذلك مقارنة بالآخرين من حيث الشكل، والمظهر العام والسلوك. ومن هذه الصورة يتكون الانطباع العام عن الذات، سلبياً كان أم إيجابيا. وغالباً ما تؤدي صورة الذات السلبية إلى احترام ضعيف للذات.

صورة الذات تكون محط اهتمام المراهق، فهو يهتم كثيراً بصورته المكونة عن نفسه. لذلك تراه يهتم بمظهره الخارجي من ناحية لون وطبيعة البشرة، وتصفيفة الشعر، وهيكل الجسم. ويمضى الساعات الطوال أمام المرآة ليقنع نفسه بصورته النهائية. وبالرغم من ذلك لا يقتنع تماماً لأن لديه صورة ذات خيالية يصعب عليه تحقيقها.

البعض، وخاصة القلقون منهم، له حساسية مفرطة لصورة ذاته لتوهمه أن الآخرين يلاحظون عليه أشياء سلبية كثيرة، ولذلك هو يعتقد أنه محط أنظار واهتمام الآخرين الذين يتلصصون عليه بنظراتهم الخفية التي تركز على بعض عيوبه. ذلك الوهم يجعله يشعر بحرج شديد وتوتر وخجل أمام الغرباء، ولذلك هو يحاول أن يتجنب كل المواقف التي تعرضه لهذه المشاعر. هؤلاء ذوو الحساسية الذاتية الزائدة
self" conscious"، أو الواعون لذاتهم، تجدهم خجولين، يعانون من الخوف الاجتماعي، ضعيفو الثقة بالنفس، مترددون وذوو احترام ذات ضعيف.


للاحتفاظ بصورة ذات أبجابية
1- كن أمينا مع نفسك، وقر بمواقفك، وعواطفك وسلوكياتك السلبية والمثبطة التي تعوق نجاحك.
2- تقبل نفسك كما أنت، وتحمل المسؤولية عن تقصيرك وفشلك.
3- ارحم نفسك، ولا تقسو عليها كثيراً باللوم، أو النقد عندما تخطئ.
4- سامح نفسك على أخطائك، وكن متسامحا مع الآخرين.
5- كن مؤمنا بنفسك وبإمكانياتك. وتوقع النجاح في كل خطواتك.
6- خطط جيداً لأهدافك، وثابر على تحقيقها.
7- تخلص من ذلك الصوت الخافت المثبط والناقد. استبدله بآخر مشجع ومحمس.
8- كن مرنا وتوفيقياً. لا تتعصب أو تتمسك برأيك ومواقفك. كن منفتحاً ومتفهماً لرأي غيرك.
9- حافظ على علاقات جيدة مع الآخرين. كن ودوداً ومتقبلاً للآخرين.
10- استعن برأي ونصيحة من لهم خبرة أكثر منك قبل اتخاذ قرارك.
11- ثق بنفسك وكن موضع ثقة الآخرين.
12- لا تكن مغروراً أو واثقاً بنفسك أكثر من اللزوم.
13- لا تكن انطباعياً. تمهل قبل أن تصدر أحكامك على الآخرين.


منقوووول
سائر في ربي الزمن
fahd2027@hotmail.com