تسعى السياسات التربوية في أغلب بلدان العالم إلى تحسين المبدأ الديمقراطي في العمل التربوي ، وتتبنى مجمل النظريات الحديثة هذا المبدأ في مجال التربية والمؤسسات التربوية المختلفة. ومازالت و جنات الأطفال تتوهج تحت تأثير الصفعات وأيديهم ترتعش تحت وطأة العصي،ناهيك لما يتعرضون له من حملات التوبيخ والشتائم أبجديات القهر والتهديد في إطار المدرسة والمنزل وعلى دروب تحصيلهم العلمي والمعرفي ،أليس من شأن ذلك أن ينعكس بأفدح الخسائر على مستوى نموهم العقلي والروحي والاجتماعي..؟ مما لاريب فيه أن العنف التربوي يقود إلى إنتاج الشخصية السلبية التي تعتريها روح الهزيمة و الضعف والقصور وبشكل الإطار العام لعملية تشويه تربوي سلبي يبدأ في إطار الأسرة وينتهي في أحضان المؤسسات التربوية المختلفة , ومن شأن ذلك إعاقة عملية النمو والتكامل و الازدهار في الشخصية الإنسانية , ويتميز المفهوم بالاتساع والشمولية وذلك بالقياس إلى مفهوم العقوبة التربوية إلى الفعل السلبي الذي يوقعه المربي على الطفل كالضرب والحرمان والتهديد وذلك بهدف منع الطفل من ممارسة فعالية سلوكية أو تربوية محددة ويمكن أن نميز الجوانب التالية في العقوبة التربوية .
1- مصدر العقوبة : معلم – مربي .
2- نوع العقوبة : كالضرب والحرمان والتهديد .
3- سبب العقوبة : كمخالفة الأنظمة والقوانين أو التقصير في أداء الواجبات المدرسية .
4- غاية العقوبة: إيجاد نوع من السلوك المرغوب فيه , أو نفي لسلوك غير مرغوب فيه .
5- موضوع العقوبة: ويمثل ذلك فرداً أو مجموعة أفراد .
إن ما نعنيه بالعنف التربوي يختلف إلى حد كبير ما نعنيه بالعقوبة التربوية وذلك من حيث الشمولية ودرجة العمق و التأثير. فالإرهاب أو العنف التربوي يكون عبر فعاليات تربوية سلبية متعددة تشكل المناخ العام لعملية تفريغ واستلاب نفسيين .
فالعنف يتحقق عبر سلسلة من الخبرات المؤلمة التي يعانيها الطفل عبر سيرته التربوية في إطار الأسرة والمدرسة . فالعنف التربوي : هو الفعاليات التربوية والخبرات السلبية كالعقوبات الجسدية والاستهزاء والسخرية والتهكم وإحكام التبخيس وغير ذلك من الإصابات النفسية والمعنوية التي تشكل المناخ العام لحالة الخوف والقلق التي يعانيها ( الأطفال ) وتستمر عبر الزمن وتؤدي إلى نوع من الإعاقة النفسية والفكرية وإلى حالة من الاستلاب أو عدم القدرة على التكيف و المبادرة .
العنف الأسري _ ما زالت أساليب التربية التقليدية تهيمن بشكل واسع في أوساطنا ولتباين مستوى الوعي التربوي والثقافي للفئات الاجتماعية المختلفة .
ويمكن لنا بالملاحظة البسيطة أن ندرك طابع العنف الذي يهيمن على العلاقات القائمة في إطار الأسرة التقليدية . وفيما يلي تحديد بعض الملامح الأساسية للعنف التربوي الذي يسود في أجواء الأسرة والتي تنعكس سلباً على تكوين الأطفال الروحي والعقلي وهي :
1- المنازعات الزوجية والخلافات التي تحدث بين الزوجين في إطار الأسرة والتي تأخذ مظاهر متعددة تبدأ بالصراخ وتنتهي بالضرب .
2- الشجار الذي يحدث بين الأخوة الذين يتبادلون الشتم والضرب .
3- أساليب التهديد و الوعيد الذي يمارسه الكبار على الصغار .
4- اعتماد الآباء والأمهات على أسلوب الضرب المباشر للأطفال .
5- الأحكام السلبية التي يصدرها الأبوان على الطفل , غالباً ما يقوم الأبوان بها وذلك من أجل تكوين نمط من السلوك عند الطفل بالاعتماد على قصص خيالية مخيفة للطفل ,و في أغلب الأحيان نجد رائحة الموت والذبح والحرق بالنار وقطع الأعناق تفوح من هذه القصص التي تمثل في نهاية الأمر نسقاً من معايير الإرهاب والتخويف التي تجعل الطفل في حالة من القلق والتوتر الدائمين , وفعل ذلك يؤدي إلى شلل كامل في بنية الطفل الذهنية والعقلية .
العنف المدرسي : هل يستطيع أبناء الجيل الذي ننتمي إليه والجيل الذي سبقنا أن نتصور معلماً دون أدوات التعذيب من عصي وغير ذلك ..؟ أن نكون متواضعين حين نقول إننا خرجنا من المدرسة أشلاء نفسية محطمة . أما اليوم فهل نستطيع أن نقول عهد السياط قد ولى إلى الأبد في إطار مؤسساتنا التربوية , ألا توجد مظاهر العنف التقليدية في بعض المؤسسات ...؟ ألا توجد مخالفات للأنظمة التربوية التي تمنع ذلك . والكتب الوزارية دليل قاطع على ذلك.مع الأسف الشديد يمكن لنا أن نؤكد ذلك وفقاً لتجربتنا وملاحظاتنا وذلك ليس سراً , هاهو أحد المعلمين يقول لماذا لا يسمح لنا بالضرب في المدرسة مع أن ذلك سائد في إطار الأسرة ...؟ لماذا يحظر علينا ما هو مباح في الأسرة ...؟ ويستطرد ذلك المعلم قائلاً : إن طلابنا مشاغبون ولا يمكن لنا أن نتخلى عن أسلوب العنف في التربية , فإذا كان ممارسة العنف بالطرق التقليدية قد تقلص إلى الحدود الدنيا فإن التجربة والملاحظة تشير إلى ممارسة أنماط جديدة من العنف تتمثل في جملة المواقف التربوية السلبية التي يبديها بعض القائمين على العملية التربوية ويتجلى ذلك في أساليب الشتائم والكلمات النابية الفظة التي يطلق عنانها في قاعات التدريس وعلى مختلف المستويات والصفوف . .
إن الكثير من المظاهر التربوية المرضية التي نعانيها في المدرسة هي نتاج لموروث ثقافي وتركة ثقافية متخلفة أملتها ظروف اجتماعية عبر أحقاب تاريخية متعاقبة , وإن استخدام العنف في المدرسة يبرر لاحقاً للطالب نفسه الذي أصبح معلماً فيما بعد شرعية العنف كقيمة تربوية ...
وإن الإرهاب التربوي في نهاية الأمر يؤدي إلى إنتاج شخصيات إرهابية خائفة تتميز بالضجر و القصور وتكوين الشخصية السلبية والإحساس دائماً بالضعف