يوجد بجوار متحف «باليه دو لا دكوفرت» ، بالقرب من شارع الشانزلزيه تمثال لشاعر القرن التاسع عشر ألفريد دو موست، ندر أن يتذكر أحد من قام بنحته وهو الفنان ألفونس دي مونسل وهو أحد المعالم المهمة في المنطقة ، ويوجد على يمين التمثال ممر به درجات صخرية تقود إلى أحد الأماكن المفضلة في باريس وهي مساحة صغيرة يطلق عليها «جاردين دو لا فالي سويس» أو حديقة (الوادي السويسري).

تعد حديقة «الوادي السويسري» جزءا من حدائق شارع الشانزلزيه ، وقد بنيت في نهاية القرن التاسع عشر ، وصممها جين تشارلز أدولف ألفان. إنها مكان رائع محبب للنفس، نحتت الصخور التي تشكل بركة المياه والشلال من الأسمنت ، وكذا جسر المشاة. جذبت كثيرا لتلك المساحة، التي تبلغ 1.7 فدان الكائنة في منطقة زراعية بمدينة باريس. وفي المعتاد كنت أرى شخصا يتجول مع كلبه وشرطية تتفقد المكان.

جلست على أحد المقاعد تحيطني النباتات دائمة الخضرة ونبات الخيزران وحولي أشجار الليمون والبرتقال المكسيكي وشجرة يطلق عليها اسم «وافي ليف سيلك أسل»، بالإضافة إلى الأزهار المتساقطة التي تذكر المرء برسومات الفن الجديد، وأشجار تنبعث من أوراقها رائحة تشبه رائحة الكاراميل في فصل الخريف.


وتظلل قطعة من خشب الزان ، متهدلة الأغصان ويبلغ عمرها 100 عام، بركة المياه التي تنسي المرء الضوضاء التي تأتي من الشوارع في الجوار. تأتي المياه لتلك البركة من نهر السين ، وكان من الممكن أن تتحول المياه الموجودة في تلك البركة إلى مياه قذرة سوداء اللون لولا أسماك الشبوط التي تتحرك ببطء وثعالب المياه التي تأتي إليها من حين لآخر.

ويعد «الوادي السويسري» أحد أكثر الأماكن غرابة في باريس التي تحتوي على أكثر من 400 حديقة ومنتزة وميدان وغابة.
وهناك أيضا أماكن أكثر فخامة، من بينها المساحات الخشبية مثل «بوي دو فينسن» ، في الجزء الشرقي من المدينة و«بويس دو بولونن»، في الجزء الغربي من المدينة وأماكن للاحتفالات في قلب باريس مثل تويلري ولوكسمبورغ.


لكني فضلت الميادين والمنتزهات في الأماكن الهادئة والمناطق البعيدة عن الشوارع الرئيسة.
والكثير من تلك تعود للرئيس السابق جاك شيراك، فخلال الفترة التي قضاها في منصب عمدة باريس التي بلغت 18 عاما، ترك بصماته الشخصية على المدينة عن طريق زيادة المساحات الخضراء في المناطق البعيدة النائية. يقول كلود بيرو ، وهو أحد أبرز مؤرخي المدينة المتخصصين في الحدائق وكان رئيس رعاية الحدائق في «جاردين دو بلانت» على مدى أكثر من عقدين: «قام (شيراك) بتحويل وتزيين عدد من الحدائق والميادين البالية والقديمة، فهو رجل يقدر جمال المرأة والطبيعة».

وقد سار عمدة باريس الحالي برتران دولانوي على نهج شيراك ، فخلال السبعة أعوام التي مضت منذ أن تولى منصبه ، قام دولانوي ببناء 79 فداناً مما يطلق عليه مجلس المدينة «المساحات الخضراء الجديدة».
خلال الشهر الحالي، حول دولانوي المنطقة الخالية أمام مقر مجلس المدينة إلى حديقة اليوم الواحد، حيث تحتوي على 6000 نبتة وشجرة، وتوجد بحيرة صغيرة. وتعتبر الحدائق الصغيرة في باريس أماكن مثالية للاستراحة والقراءة، لكن القضية هي كيف تصل إليها.


يمكنك الحصول على دليل «باريس: 100 حديقة نادرة»،
وهو دليل أعده مارتين دوموند ويحتوي على صور ملونة ويعد مصدر متعة لغير المتحدثين باللغة الفرنسية،
كما يمكنك تصفح بعض مواقع الإنترنت مثل [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]

ويمكنك ببساطة التجول هناك مشيا على الأقدام وكن على يقين من أنك ستجد دائما الجديد والجديد في كل زاوية تتجول فيها.
ستجد أماكن يمكنك فيها الاستمتاع بحفلات موسيقية أو مشاهدة عرض عرائس (مثل بارك دو باجتيل في المنطقة السادسة عشرة)
وستشاهد حدائق كنائس (مثل الحديقة التي تحيط الكنيسة لوثران الإنجيلية في المنطقة السابعة)
وستقابلك حدائق مزروع بها بعض الخضراوات (مثل حديقة كاثرين لابورا في المنطقة السابعة)
وحدائق شرقية (مثل الواحدة الموجودة في مقر اليونيسكو في المنطقة السابعة وكانت هدية من الحكومة اليابانية).

وهناك حدائق تحتوي على خلايا نحل ومحميات للطيور وأزهار قديمة وأماكن للعب الشطرنج.
وتلحق بعض المساحات الخضراء بالقبور والسفارات والمسارح والفنادق، حتى المستشفيات.

أشك في أن معظم زائري كاتدرائية نوتر دام يعرفون أن داخل مجمع هوتيل ديو القريب، الذي مازالت به مستشفى، حديقة جميلة بها منحوتات من خشب البقس عمرها 30 عاما.
ويقوم القائم على حديقة المستشفى بإعادة زراعة الكثير من المناطق في شهر مايو (أيار) من كل عام، حيث يزرع فيها أشجار الفوشية وأزهارا هندية وأنواعا من نباتات الزينة.

ومن السهل ألا تلاحظ ميدان رينا فيفياني في منطقة الضفة اليسرى عبر «نوتر دام»، لكن هذا الميدان الهادئ به ما يقال إنها أقدم شجرة في باريس، وهي شجرة سنط أحضرت لفرنسا من فيرجينيا عام 1601 وتدعمها في الوقت الحالي أعمدة خرسانية.
ويمكنك عند الجلوس على مقعد بإحدى زوايا الحديقة التمتع بأفضل مناظر في باريس، حيث يكون «نوتر دام» في اليمين وكنيسة القديس جوليان لو بافير، وهي كنيسة صغيرة بنيت في نفس الوقت على اليسار.

وبعد ذلك، توجد الحدائق الموجودة خلف وأمام المتاحف، فعلى سبيل المثال هناك حديقة متحف «بتي بالي»، وتتميز بأشجار النخيل والموز والمنحوتات وأرضيات الفسيفساء المضاءة من أسفل، وهناك ست موائد مصنوعة من الرخام وكراسي معدنية لتوفر مكانا مثاليا لمشاهدة الحوائط الصخرية للمتحف وألوانها تتحول من اللون البرتقالي إلى السمرة المصفرة بينما تتحرك الشمس عليه.

وتوجد داخل المتحف صورة لألفاند (الذي صمم أيضا «بيو دو بولون» و«حديقة مونسيو» و«حديقة مونتوري»، بالإضافة إلى «الوادي السويسري» وتتدلى نظارته الأنفية من على معطف أسود اللون.

وهناك أماكن أخرى مثل حديقة متحف «ميوزا دو لا في رومانتيك»، الذي كان يسكن فيه الفنان أري شيفر في القرن التاسع عشر، وهو في نهاية ممر ضيق في 16 شارع تشابتل في المنطقة التاسعة.
ويمكنك هناك الجلوس بين الخشخاش ونباتات فوكس جلف والأزهار وتناول كوب من الشاي (ويفتح هناك مقهى في الصيف) لتظهر كما لو كنت جورج ساند، الذي كان يعيش في الجوار الذي جمعت أعماله الشخصية في حجرة رسم. وفي الجانب الآخر من المدينة، خلف حارة بشارع دعاس في المنطقة السادسة، توجد حديقة متحف زادكين، التي كانت فيما مضى منزلاً وأتيليه خاصاً بالنحات الروسي أوسيب زادكين الذي كان يعيش في القرن العشرين.

والحديقة التي يوجد بها الكثير من الأعمال النحتية هي كما كانت عندما كان النحات الروسي يبدع أعماله النحتية مستخدما الخشب والجرانيت تحت الأشجار الموجودة هناك. كتب زادكين في أحد الأيام لصديق له: «تعالَ وانظر لمنزلي، وستفهم كيف يمكن أن تغير بيوت الحمام والأشجار من حياة المرء».

ولا تعد تلك الحدائق في الوقت الحالي مجرد أجزاء من المتاحف، فالحق أنها حدائق جذابة تتكامل مع المنطقة التي توجد بها كلها. في بعض الأحيان كنت أمشي إلى ميدان بلومت في المنطقة الخامسة عشرة. إنها مقر اتحاد بوليست، حيث تقام مباريات الكريكت.
وتغطي نبات اللبلاب الحوائط المعدنية التي تحيط بالملعب، وهي قديمة جدا وأصبح حجم الأوراق يصل لست بوصات. وفي نهاية الردهة التي تمتد بطول الحديقة وتوجد بها مقاعد مرصوصة، يجلس تمثال من البرونز من إبداع الفنان جوان ميرو، الذي كان يعيش حياة صعبة في أتيليه صديق له من إقليم كاتالونيا.

وفي أيام الأحد في فصلي الربيع والصيف، تجد المزيد من الإثارة في حديقة تينو روسي. على مدى أكثر من عقدين من الزمان، كانت مجموعات من المغنين والراقصين مظهرا ثابتا في شارع موفيتارد يتجولون في طرقات سوق الأحد تجاه تينو روسي، على امتداد شارع قوي ببرنارد. وبعد التنزه، كانوا يتجمعون في أحد الأماكن يرددون الأغاني ويرقصون على نغمات الأكورديون والكمان وآلة ال***ية حتى منتصف الليل. كما يقضي سكان باريس أوقاتهم على المقاعد وفي المناطق المخضرة بميدان فيرت جلانت ، التي تذكرني دائما بالرحلات النهرية، ويقع اللوفر على يمين ذلك الميدان وترى قبة معهد فرنسا تجاه اليسار، والنهر في كلا الجانبين وفي الأمام.

وأفضل وسيلة للوصول إلى هناك عن طريق كوبري بونت نيوف، وترى هناك تمثال هنري الرابع.
وتوجد أيضا أماكن خفية في الحدائق الرسمية الكبيرة بالمدينة، فيمكن أن ترى عددا كبيرا من الموسيقيين وقراء الصحف ومن يستمتعون بالجلوس في الشمس أو يستلذون بركوب الخيل أو مشاهدة نبات التوليب في حديقة لوكسمبورغ الكبيرة، ولكن عليك أن تبحث هناك عن نافورة ميديسيس التي تعود للقرن السابع عشر والتي سميت على اسم ماريا دو ميديسيس (جدة لويس الرابع عشر).

والحديقة عبارة عن واحة تتسم بالهدوء استوحت من مدينة فلورانس. لا أعرف كثيرا عن كيفية الاهتمام بالحدائق ورعايتها، ولكن أرى أن حديقة بلانت في المنطقة الخامسة قد حظيت بالكثير بالاهتمام، ويدل على ذلك المشاتل الموجودة هناك وأنواع النباتات النادرة.

هناك أماكن أخرى في المدينة، ميادين ومتنزهات تم بناؤها في موجة نشر الديمقراطية خلال القرن التاسع عشر مثل ميدان كاربوكس، حيث تحضر عائلات الطبقة العاملة أطفالها للتنزه، هناك يلعب تنس الطاولة. وترى تمثالا أبيض لامرأة كسرت ذراعه وقطعة مظللة في وسط الميدان.

أما حديقة لا تورلور، فهي عبارة عن سلسلة من المساحات التي تبدو كما لو كانت شقة، فهناك حجرة معيشة من الأعشاب وردهة يحيطها خشب الزيزفون وحجرة للنوم وأخرى للعب الكريكت.

ومن هناك توجهنا إلى شارع حديقة سوفاج بفينسنت، وهي مساحة تبلغ 16000 قدم مربع صممتها إدارة المدينة منذ عام 1985 كحديقة برية، يمنع فيها استخدام المبيدات الحشرية ونظم الري الصناعية، وترى فيها بعض النباتات الغريبة على باريس مثل نبات القراص الأبيض وثمار العليق.

ولسوء الحظ، فإن تلك الحديقة مفتوحة لمدة ست ساعات فقط أيام السبت في الفترة من إبريل (نيسان) حتى أكتوبر (تشرين الأول). وقد تغلق في بعض الأوقات. قد يكون ذلك محبطا بعض الشيء، ولكنه قادنا إلى اكتشاف جديد: حديقة يوجد بها الكثير من الطيور والأشجار في متحف مونتمارتر الذي يقع في الجوار في 12 شارع كورتوت، وهذا هو المكان الذي رسم فيه الفنان رينوير أحد أعماله عام 1876 «حديقة شارع كورتو بمونتمارتر» المعلقة الآن في متحف كارنيغي للفنون ببتسبرغ. كان متحف مونتمارتر في القرن السابع عشر ديرا للرهبان، ومن ضمن المجموعات المعروضة داخله صور وملصقات ولوحات فنية ومخطوطات توثق تاريخ مونتمارتر الذي يبلغ 2000 عام.

ويمكنك أن تنظر من إحدى النوافذ هناك على مساحة مزروع بها الكرم، كما يوجد نبات السرخس وأزهار الربيع وأزهار الثالوث. ويتدلى نبات القبس الأرجواني اللون من على أحد الحوائط بالإضافة إلى نبات الوسترية الذي يزين السياج. كما توجد حدائق دو ريوسا وهي لا تعد حدائق بالمعنى الكلاسيكي، فهي عبارة عن سلسلة من المساحات الضيقة على امتداد خط سكة حديدي متجه إلى شرق مدينة باريس حيث قام السكان بزراعة أزهار وأشجار فاكهة وخضراوات وأعشاب.