وأنا ابحث في جوجل عن السياحة في اليمن وبين التخبط في النتائج لهذه الكلمة في محرك البحث مر علي هذه المقالة المتميزة في موقع يمني ( اسمه ) المصدر اونلاين

للكاتب أنيس الباشا

بصراحة المقالة متميزة و تستحق الاضاءة هنا لأهميتها .. ولأن أغلب اليمنيين انفسهم لا يعون هذه المعلومات ..

اترككم مع المقالة للاستاذ أنيس الباشا ..

======

بداية .. أرجو أن لا يختلط الأمر على القارىء الكريم ويظن أن عنوان المقال هو "اليمن أغلى" تلك الجملة المستفزة التي ظهرت كشعار ضد ثورة التغيير والتي أعترف أنني لم أفهم معناها أو مغزاها إلى الآن..! يعني اليمن أغلى لمن وممن بالضبط؟ وهل المقصود بتلك الجملة أن اليمن أغلى من أي تغيير أو من أي ثورة ضد الفساد؟ أو أنها أغلى من حيث المعيشة وغلاء الأسعار ..!! المهم أن عنوان مقالي هو "اليمن أغنى" بالنون وليس باللام!

منذ زمن بعيد وحين يصادف أن أقرأ موضوعا ما عن بلدي الحبيب اليمن تطالعني دائما تلك الجملة المستفزة التي تقول أن "اليمن يُعد من أفقر البلدان في المنطقة" .. تطورت الجملة بعد ذلك لتصبح "وتُعد اليمن أحد أفقر بلدان العالم"!


وهذه الأيام تتصاعد نغمة تركز وتحوم حول هذه الفكرة وملخصها كم أن اليمن فقير ومستنزف ولايملك الموارد لذا فهو بحاجة ماسة إلى المعونة والمساعدة من "دول الجوار" الكريمة السخية.. والغريب أن هذه النغمة تقابلك أينما يممت وجهك فلا تخلو منها صحيفة أو قناة مرئية أو برنامج إذاعي وسوف تجدها في الحوارات العديدة مع المسئولين أو حتى في استطلاعات الرأي وآراء "الشارع" وسوف تجد هذه النغمة منتشرة ليس في محيطنا الداخلي وحسب ولكن في الصحف والقنوات الاقليمية والدولية!


إن هذا المفهوم البعيد كل البعد عن الصواب يستوجب أن نقف عنده طويلا بالتحليل والتدقيق لنعرف هل نحن فعلا فقراء إلى هذا الحد المخيف الذي يحاول البعض أن يقنعنا به وبالتالي فنحن فعلا في حاجة ماسة إلى طلب المعونة والمساعدة أم أننا نمتلك بالفعل كل مقومات وعوامل والتقدم والنمو والثراء ولانحتاج إلى أن نحترف "التسول" في العقود القادمة ونجعله "حرفة" نورثها ونعلمها لأبنائنا!


في البداية يجب أن نفرق بين البلدان الفقيرة التي لاتملك موارد من أي نوع أو لديها موارد شحيحة متواضعة وبين البلدان الغنية بالموارد المتنوعة ولكن بسبب الفساد وسوء التخطيط وغياب الإدارة الوطنية فإن هذه الموارد تظل معطلة وبالتالي لا يتم الاستفادة منها في تطور ورفعة البلد الذي يملك هذه الموارد..


إن اليمن – كبلد- تمتلك موارد طبيعية هائلة وموقع استراتيجي متميز وهذا الكلام ليس من عندي ولكنه جاء في تصريح أدلى به رئيس هيئة الجودة والأبحاث الصناعية الماليزية مؤخرا...وتشير إحدى الدراسات المحلية إلى أن الموارد المكنونة في اليمن يمكنها أن تعيل أكثر من 50 مليون نسمة شريطة استمرار السياسات التنموية وفق آلية سليمة..!


ولو تأملنا بعمق في هذا الجانب لما أحتجنا إلى أي شخص يخبرنا بهذه الحقيقة .. فاليمن فعلا مليء بالموارد الطبيعية والبشرية التي لو استغلت بشكل صحيح ومنظم لأصبحنا من أغنى وأثرى دول المنطقة التي لا تملك من الموارد إلا النفط والغاز فقط!


صحيح أن النفط والغاز من الموارد الطبيعية المهمة جدا ذات الطلب العالمي ولكن لا يعول عليها – فقط- في بناء اقتصادات قوية مستقلة قادرة على المنافسة وتوفير فرص عمل وسوق خدمات والدليل على ذلك أن دول الخليج الغنية بالنفط لا تُعد من الدول الصناعية القوية ولا توجد لدى هذه الدول اقتصاديات متطورة تنافس عالميا أو قاعدة علمية مؤسسية وكل ما تملكه هذه الدول هو قشرة زائفة من الدخول العالية ومستوى معين من الرفاهية لا يحصل عليه كل المواطنين حتى!.. بينما اليابان مثلا لا توجد لديها موارد طبيعية ولكن اقتصادها قائم على الابتكارات وجودة التصنيع ويُعد الاقتصاد الياباني الثالث على مستوى العالم! وهناك دول صناعية متقدمة مثل تايوان وكوريا وماليزيا وسنغافورة لا يوجد لديها نفط بل تستورد أغلب حاجتها من النفط من الخارج ولكن تعتمد هذه الدول في نهضتها على الاهتمام بقطاع التعليم والصناعة والخدمات واستغلال كافة الموارد المتاحة وعلى رأسها العامل البشري الذي يُعد أهم مورد يقوم على عاتقه نهضة وتطور البلد..


وللأسف لا أدري لماذا يصر الكثيرون على أن زيادة السكان في اليمن مصيبة ومشكلة وأحد العوامل الملتهمة للتنمية بينما الحقيقة أنه اذا تم استغلال الكادر البشري وتدريبه على نحو جيد فإنه يكون أفضل حتى من الثروة النفطية حيث يعمل على تحسين أوضاع البلد ويعمل على إحداث تبدلات وتحولات واسعة وشمولية في كافة مجالات الحياة وهذا ما هو حاصل بالفعل في العديد من الدول المتقدمة.. فهذه الدول المتقدمة تنظر للإنسان على أنه "هدف التنمية ووسيلتها" وهو ما يعرف بـ"الاستثمار البشري" والذي يقاس عليه تقدم وتخلف الأمم.. ولذلك فإننا لم نشاهد الصين مثلا أو روسيا أو غيرها من الدول ذات التعداد السكاني الكبير تكتفي بالتحسر على العدد البشري الهائل الذي تملكه والذي يقدر بمئات الملايين ولكنهم استطاعوا أن يستفيدوا من هذا "المخزون" البشري الهائل وأن يحولوه إلى عنصر إنتاج بينما يتباكى المسئولون في بلدنا ويشتكون من أن الزيادة السكانية في اليمن كارثة مفجعة تهدد بأكل الأخضر واليابس في بلد مترامي الأطراف ولايزيد عدد سكانه عن 30 مليون نسمة!!


ولنعد إلى الحديث عن موارد اليمن لندرك أي ثروات طبيعية من بها الله علينا ولكننا للأسف لم نستغل هذه الثروات جيدا.. فلو تناولنا جانب الثروة السمكية سنجد هناك مفارقة غريبة جدا فاليمن التي تعتبر الأغنى في الثروة السمكية يُعتبر أبنائها الأفقر غذائيا من منتجات الأسماك البحرية التي تتعدد في اليمن إلى أكثر من 400 نوع من أجود أنواع الأسماك والأكثر طلباً على استهلاكها عالمياً وإقليمياً !!


وتفيد التقديرات أن المخزون السمكي على طول السواحل اليمنية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن يصل إلى نحو 850ألف طن يمكن إنتاج ما بين 350ـ400 ألف طن سنوياً مقارنة باستغلال فعلي لم يتجاوز 290 ألف طن حالياً! و من المفارقات أيضا أن اليمن الذي يملك أكبر ثروة سمكية في الوطن العربي كله يعاني ثلث سكانه من نقص في مادة اليود! ومن المثير أن التقارير الرسمية تدعي أن نصيب الفرد اليمني من الاستهلاك السمكي هو 9 كيلوجرام وأن المستوى العام للاستهلاك يساوي 70% من الإنتاج السمكي وهذا كله محض افتراء وذر للرماد في العيون .. في حين أن اليمن قام عبر ميناء ومطار عدن فقط بتصدير ألفين و443 طن من الأسماك والأحياء البحرية بقيمة مليار و11 مليون ريال وذلك في الربع الأول فقط من العام المنصرم! كما أن اليمن تملك شريطا ساحليا يصل طوله إلى أكثر من (2200) كيلو متر ولدى اليمن أكثر من 130 جزيرة بحرية ذات أهمية كبيرة للحياة البحرية والثروة السمكية، وتبلغ مساحة المسطحات المائية أكثر من 700 ألف كيلو متر تقريباً بحسب تقديرات مركز أبحاث علوم البحار بما فيها الجزر والخلجان في مناطق البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي!!

واتحدى كل الكتاب الخليجيين الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن "فقر" اليمن وحاجتها لهم أن يحدثونا عن الثروات البحرية التي تتمتع بها بلدانهم وأتحدى أن يمتلكوا حتى ربع ما نمتلكه نحن في هذا الجانب فقط!


كما أن هناك موارد أخرى لليمن مستغلة ولكن ليس بشكل جيد وفي نفس الوقت فإننا لا نعلم عن أرقامها الحقيقية مثل الثروات المعدنية كالبترول والغاز والذهب والمعادن وهذه لو استغلت بشكل متكامل لأحدثت نقلة نوعية ونهضة لم يسبق لها مثيل في المنطقة..


وماذا عن الثروات غير الناضبة مثل موارد السياحة؟ تقول منظمة السياحة العالمية عن اليمن: "اليمن مقصد سياحي مضياف وجذاب ومتفرد في ثقافته وحضارته وتنوع تضاريسه، وامتلاكه لمقومات سياحة الاصطياف والرياضة البحرية والجبلية".. ولنسأل أنفسنا ما الذي تملكه دول الجوار في هذا الجانب وتتفوق فيه على اليمن؟؟
لا يوجد جدال أو خلاف أن اليمن تمتلك موارد سياحية هائلة لا تضاهيها فيها أي دولة من دول المنطقة.. فإذا ما أردت التاريخ فلديك بلد له تاريخ قديم جدا وعريق .. فاليمن تمتلك إرث غني ذو عمق تاريخي وحضاري وآثار الحضارات العظيمة التي قامت في هذا البلد موجودة في كل مكان.. أما من النواحي الأخرى فقد حبا الله سبحانه وتعالى اليمن بتضاريس متنوعة ترسم لوحة خلابة تجمع بين السهول والهضاب والجبال الشاهقة والقيعان والأودية الخصبة والتلال والشواطىء الساحرة والصحارى .. هذا إلى جانب مناخ متنوع ساحلي وصحرواي وجبلي.. أما التنوع الثقافي فقد انعكس في عادات الناس الاجتماعية وأزياءهم وموروثاتهم الشعبية، بالإضافة إلى التنوع في المخزون الأثري لكل منطقة والناتج عن عراقة التاريخ والحضارة الممتدة في أعماق الزمن، مما يضفي على اليمن تميزاً وخصوصية لا تمتلكه كثير من البلدان.. ناهيك عن عدد كبير من الجزر اليمنية ذات خصائص طبيعية جميلة وجذابة للسياحة البحرية وسياحة الغوص والاستجمام..ويمكن لليمن أن تجتذب أعدادا هائلة من السواح عن طريق ما يعرف ب "سياحة المغامرات" حيث تمتلك اليمن الصحارى والوديان والهضاب والجبال التي تؤهلها لهذا النوع من السياحة .. وكذلك لاننسى "السياحة العلاجية" حيث ينتشر في اليمن أكثر من 96 موقعاً من المنابع الطبيعية للمياه المعدنية الحارة والكبريتية تم مسحها في 19محافظة من محافظات الجمهورية.. ولكن للأسف يبقى هذا القطاع مهمل أيضا ويدار بطرق بدائية وذاتية..! ففي دراسة قامت بها الهيئة العامة للتنمية السياحية أشارت الدراسة إلى أن اليمن حباها الله سبحانه وتعالى بمقومات طبيعية كبيرة للسياحة العلاجية تكاد أن تكتمل فيها كافة المصادر الطبيعية للسياحة العلاجية وهذا قلما يتوفر في إي بلد آخر ولكن أبوابها لم تطرق بعد امام حركة السياحة ولم تدخل إليها الوسائل الحديثة العلاجية وذلك لجملة من العوائق الذاتية والموضوعية!


ورغم كل هذه الموارد السياحية المتنوعة والفريدة..لا يحظى هذا القطاع بالاهتمام الذي يستحقه ولو أننا أكتفينا فقط بتنمية وتطوير وتحسين هذا الجانب لحصلنا منه على عائدات تفوق الخيال .. لم لا وهناك دول بأكملها يعتمد دخلها في نسبة كبيرة منه على قطاع السياحة فقط مثل قبرص واسبانيا وماليزيا ومصر وغيرها..


إذن خلاصة القول أن بلدنا بلد غني جدا ولديه كل الموارد المطلوبة سواء الطبيعية أو البشرية.. إننا لا نحتاج إلى أن نحترف نغمة "التسول" ولا أن ننتظر الهبات والحسنات من الغير.. نحتاج فقط أن نثق بأنفسنا وأن نعرف مواردنا ونقوم بإستثمار هذه الموارد وتشغيلها على النحو الأمثل الذي يعود بالفائدة والخير على البلد وعلى المواطنين..هناك مئات الدراسات والخطط التي ظلت حبيسة الأدراج او العقول وآن الأون كي نقوم بإعادة "تفعيلها" والبدء فيها بجدية وحماس وشفافية.. هناك عقول بشرية يمنية كفؤة ومقتدرة بإمكانها أن تفعل الكثير وتحقق الكثير.. لسنا بحاجة إلى "المعونات" ولسنا فقراء كما يحاول البعض أن يوهمنا..


أتمنى فعلا أن أرى اليوم الذي نعتمد فيه على أنفسنا وعلى ما حبانا به الله من ثروات وموارد بدلا من الإكتفاء بالتحسر والبكاء على الاطلال وانتظار "الصدقات" أو"الهبات" و"المكرمات" .. علينا أن نلغي هذا الشعور بالدونية والصغار من عقولنا وقلوبنا ومن كل نواحي حياتنا وأن نقول لكل من يتبنى هذا الفكر سواء كان من داخل البلد أو من خارجه جملة واحدة فقط هي"اليمن أغنى"..!


المصدر أونلاين