الحديث الثالث: أركان الإسلام


عن أبي عـبد الرحمن عبد الله بن عـمر بـن الخطاب رضي الله عـنهما، قـال: سمعت رسول الله يقـول: { بـني الإسـلام على خـمـس: شـهـادة أن لا إلـه إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيـتـاء الـزكـاة، وحـج البيت، وصـوم رمضان }.

[رواه البخاري:8، ومسلم:16].
.................................................. ....

الأربعون النووية
الحديث الرابع: مراحل الخلق


عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعـود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله - وهو الصادق المصدوق: { إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مـضغـةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويـؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها }.


[رواه البخاري:3208، ومسلم:2643].


الأربعون النووية
شرح الحديث الرابع: مراحل الخلق


هذا الحديث الرابع من الأحاديث النووية وفيه بيان تطور خلق الإنسان في بطن أمه وكتابه وأجله ورزقه وغير ذلك.

فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ( حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق ) الصادق في قوله المصدوق فيما أوحي إليه وإنما قال عبدالله بن مسعود هذه المقدمة، لأن هذا من أمور الغيب التي لا تعلم إلا بوحي فقال: { إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ... الخ }.

ففي هذا الحديث من الفوائد: بيان تطور خلقة الإنسان في بطن أمه، وأنه أربعة أطوار.

الأول: طور النطفة أربعون يوماً ... والثاني: طور العلقة أربعون يوماً ... والثالث: طور المضغة أربعون يوماً ... والرابع: الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه.. فالجنين يتطور في بطن أمه إلى هذه الأطوار.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بأنه إنسان حي، وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، لأنه لم يكن إنساناً بعد.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح ويثبت له حكم الإنسان الحي، فلو سقط بعد ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه كما لو كان ذلك بعد تمام تسعة أشهر.

ومن فوائد هذا الحديث: أن للأرحام ملكاً موكلاً بها لقوله: { فيبعث إليه الملك } أي الملك الموكل بالأرحام.

ومن فوائد هذا الحديث: أن أحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه .. رزقه .. عمله .. أجله .. شقي أم سعيد، ومنها بيان حكمة الله عزوجل وأن كل شيء عنده بأجل مقدر وبكتاب لا يتقدم ولا يتأخر.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة، لأن رسول الله أخبر { إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها }.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهراً طويلاً ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره.

فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟

فالجواب: إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة، فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعو بالله من ذلك. وعلى هذا فيكون المراد بقوله: { حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع } قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله.
.................................................. .........................

الحديث الخامس: النهي عن الإبتداع في الدين


عن أم المؤمنين أم عبد الله عـائـشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله : { من أحدث في أمرنا هـذا مـا لـيـس مـنه فهـو رد }.

[رواه الـبـخـاري:2697، ومسلم:1718 ].

وفي رواية لمسلم : { مـن عـمـل عـمـلاً لـيـس عـلـيه أمـرنا فهـو رد }.



شرح الحديث الخامس: النهي عن الإبتداع في الدين


هذا الحديث قال العلماء: إنه ميزان ظاهر الأعمال وحديث عمر الذي هو في أول الكتاب { إنما الأعمال بالنيات } ميزان باطن الأعمال، لأن العمل له نية وله صورة فالصورة هي ظاهر العمل والنية باطن العمل.

وفي هذا الحديث فوائد: أن من أحدث في هذا الأمر - أي الإسلام - ما ليس منه فهو مردود عليه ولو كان حسن النية، وينبني على هذه الفائدة أن جميع البدع مردودة على صاحبها ولو حسنت نيته.

ومن فوائد هذا الحديث: أن من عمل عملاً ولو كان أصله مشروعاً ولكن عمله على غير ذلك الوجه الذي أمر به فإنه يكون مردوداً بناءً على الرواية الثانية في مسلم.

وعلى هذا فمن باع بيعاً محرماً فبيعه باطل , ومن صلى صلاة تطوع لغير سبب في وقت النهي فصلاته باطلة ومن صام يوم العيد فصومه باطل وهلم جرا، لأن هذه كلها ليس عليها أمر الله ورسوله فتكون باطلة مردودة.




الأربعون النووية
الحديث السادس: البعد عن مواطن الشبهات


عن أبي عبدالله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما، قـال: سمعـت رسـول الله يقول: { إن الحلال بيّن، وإن الحـرام بيّن، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب }.

[رواه البخاري:52، ومسلم:1599].


الأربعون النووية
شرح الحديث السادس: البعد عن مواطن الشبهات


قسّم النبي الأمور إلى ثلاثة أقسام:

قسم حلال بيّن لا اشتباه فيه، وقسم حرام بيّن لا اشتباه فيه، وهذان واضحان أما الحلال فحلال ولا يأثم الإنسان به، وأما الحرام فحرام ويأثم الإنسان به.

مثل الأول: حل بهيمة الأنعام ... ومثال الثاني: تحريم الخمر.

أما القسم الثالث فهم الأمر المشتبه الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام؟ ويخفى حكمه على كثير من الناس، وإلا فهو معلوم عند آخرين.

فهذا يقول الرسول الورع تركه وأن لا يقع فيه ولهذا قال: { فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } استبرأ لدينه فيما بينه وبين الله، واستبرأ لعرضه فيما بينه وبين الناس بحيث لا يقولون: فلان وقع في الحرام، حيث إنهم يعلمونه وهو عند مشتبه ثم ضرب النبي مثلاً لذلك { بالراعي يرعى حول الحمى } أي حول الأرض المحمية التي لا ترعاها البهائم فتكون خضراء، لأنها لم ترعى فيها فإنها تجذب البهائم حتى تدب إليها وترعاها، { كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه } ثم قال عليه الصلاة والسلام: { ألا وأن لكل ملك حمى } يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئاً من الرياض التي يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير { ألا وإن حمى الله محارمه } أي ما حرمه على عباده فهو حماه، لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين أن { في الجسد مضغة } يعني لحمة بقدر ما يمضغه الآكل إذا صلحت صلح الجسد كله ثم بينها بقوله: { ألا وهي القلب } وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي ما في قلبه من الهوى الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات.

فيستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن الشريعة الإسلامية حلالها بيّن وحرامها بيّن والمشتبه منها يعلمه بعض الناس.

ثانياً: أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمرأحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبيّن له أنه حلال.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبه هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين وحينئذ يهلك.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس ليقرب فهمه.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام بضربه للأمثال وتوضيحها.

ومن فوائد هذا الحديث: أن المدار في الصلاح والفساد على القلب وينبني على هذه الفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائماً وأبداً حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه.

ومن فوائد الحديث: أن فاسد الظاهر دليل على فاسد الباطن لقول النبي : { إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله } ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن


.................................................. ...............
الحديث السابع

عن أبـي رقــيـة تمـيم بن أوس الـداري رضي الله عنه، أن النبي قـال: { الـديـن النصيحة }.

قلنا: لمن؟

قال: { لله، ولـكـتـابـه، ولـرسـولـه، ولأ ئـمـة الـمـسـلـمـيـن وعــامـتهم }.

[رواه مسلم:55]



شرح الحديث السابع: النصيحة عماد الدين


فالنصيحة لله عزوجل: هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والإنابة إليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه.

والنصيحة لكتابه: الإيمان بأنه كلام الله وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة وأنه يجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا.

والنصيحة للرسول : الإيمان به وأنه رسول الله إلى جميع العالمين ومحبته والتأسي به وتصديق خبره وامتثال أوامره واجتناب نهيه والدفاع ونحو عن دينه.

والنصيحة لأئمة المسلمين: مناصحتهم ببيان الحق وعدم التشويش عليه والصبر على ما يحصل منهم من الأذى وغير ذلك من حقوقهم المعروفة ومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه المعونة كدفع الأعداء ونحو ذلك.

والنصيحة لعامة المسلمين: أي سائر المسلمين هي أيضاً بذلاً للنصيحة لهم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمهم الخير وما أشبه هذا، ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفس الإنسان أن ينصح الإنسان نفسه.

ومن فوائد هذا الحديث:
أولاً: انحصار الدين في النصيحة لقول النبي { الدين النصيحة }.

ثانياً: أن مواطن النصيحة خمسة: لله، ولكتابه، ولرسوله، لأئمة المسلمين، وعامتهم.

ومن فوائد الحديث: الحث على النصيحة في هذه المواطن الخمسة، لأنها إذا كانت هذه هي الدين فإن الإنسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به، ولهذا جعل النبي النصيحة في هذه المواطن الخمسة.

ومن فوائد هذا الحديث: تحريم الغش لأنه إذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون على خلاف الدين وقد ثبت عن النـبي أنه قال: { من غشنا فليس منا



الحديث الثامن

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قـال: { أُمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويـقـيـمـوا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى }.

[رواه البخاري:25، ومسلم:22].





شرح الحديث الثامن: حرمة دم المسلم وماله


{ أُمرت }: أي أمره الله عزوجل وأبهم الفاعل لأنه معلوم فإن الآمر والناهي هو الله تعالى.

{ أقاتل الناس حتى يشهدوا } هذا الحديث عام لكنه خصص بقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

وكذلك السنة جاءت بأن الناس يقاتلون حتى يسلموا ويعطوا الجزية.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب مقاتلة الناس حتى يدخلوا في دين الله أو يعطوا الجزية لهذا الحديث وللأدلة الأخرى التي ذكرناها.

ومن فوائد هذا الحديث: أن من امتنع عن دفع الزكاة فإنه يجوز قتاله ولهذا قاتل أبوبكر الذين امتنعوا عن الزكاة.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا دان الإسلام ظاهراً فإن باطنه يوكل إلى الله، ولهذا قال: { فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله }.

ومن فوائد الحديث: إثبات الحساب أي أن الإنسان يحاسب على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8،7].

.................................................. ...................

الحديث التاسع: النهي عن كثرة السؤال والتشدد


عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: { ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم }.

[رواه البخاري:7288، ومسلم:1337].




شرح الحديث التاسع: النهي عن كثرة السؤال والتشدد


{ ما } في قوله: { ما نهيتكم } وفي قوله: { ما أمرتكم } شرطية يعني الشيء الذي أنهاكم عنه اجتنبوه كله ولا تفعلوا منه شيئاً، لأن الاجتناب أسهل من الفعل كل يدركه، وأما المأمور فقال: { وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم } لأن المأمور فعل وقد يشق على الإنسان، ولذلك قيده النبي بقوله: { فأتوا منه ما استطعتم }.

فيستفاد من هذا الحديث فوائد: وجوب اجتناب ما نهى عنه الرسول وكذلك ما نهى الله عنه من باب أولى. وهذا ما لم يدل دليل على أن النهي للكراهة.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز فعل بعض المنهي عنه بل يجب اجتنابه كله ومحل ذلك ما لم يكن هناك ضرورة تبيح فعله.

ومن فوائد الحديث: وجوب فعل ما أمر به ومحل ذلك ما لم يقم دليل على أن الأمر للاستحباب.

ومن فوائده: أنه لا يجب على الإنسان أكثر مما يستطيع.

ومن فوائده: سهولة هذا الدين الإسلامي حيث لم يجب على المرء إلا ما يستطيعه.

ومن فوائده: أن من عجز عن بعض المأمور كفاه بما قدر عليه منه فمن لم يستطع الصلاة قائماً صلى قاعداً ومن لم يستطع قاعداً صلى على جنب ومن أمكنه أن يركع فليركع ومن لا يمكنه فليومئ بالركوع، وهكذا بقية العبادات يأتي الإنسان منها بما يستطيع.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان كثرة المسائل لأن كثرة المسائل ولا سيما في زمن الوحي ربما يوجب تحريم شيء لم يحرم أو إيجاب شيء لم يجب، وإنما يقتصر الإنسان في السؤال على ما يحتاج إليه فقط.

ومن فوائد الحديث: أن كثرة المسائل والاختلاف على الأنبياء من أسباب الهلاك كما هلك بذلك من كان قبلنا.

ومن فوائد الحديث: التحذير من كثرة المسائل والاختلاف، لأن ذلك أهلك من كان قبلنا، فإذا فعلناه، فإنه يوشك أن نهلك كما هلكوا

.................................................. .......................

الحديث العاشر: سبب إجابة الدعاء


عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : { إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب له؟ }.

[رواه مسلم:1015].



شرح الحديث العاشر: سبب إجابة الدعاء


{ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً } الطيب في ذاته طيب في صفاته وطيب في أفعاله ولا يقبل إلا طيباً في ذاته وطيباً في كسبة. وأما الخبيث في ذاته كالخمر، أو في كسبة كالمكتسب بالربا فإن الله تعالى لا يقبله { وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين } فقال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم [البقرة:172]. فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا من الطيبات وأما الخبائث فإنها حرام عليهم لقوله تعالى في وصف الرسول الله : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] ثم إن رسول الله ذكر الرجل الذي يأكل الحرام أنه تبعد إجابة دعائه وإن وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء { يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك } هذا الرجل اتصف بأربع صفات:

الأولى: بأنه يطيل السفر والسفرالإجابة أي إجابة الداعي.

الثانية: أنه أشعث أغبر والله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله وهو ينظر إلى عباده يوم عرفه ويقول: { أتوني شعثاً غبراً } وهذا من أسباب الإجابة أيضاً.

الثالثة: أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة، فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً.

الرابعة: دعاءه إياه { يا رب يا رب } وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابة ولكنه لا تجاب دعوته.. لأن مطعمه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فاستبعد النبي أن تجاب دعوته وقال: { فأنّى يستجاب لذلك }.

يستفاد من هذا الحديث فوائد:

منها وصف الله تعالى بالطيب ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً.

ومنها تنزيه الله تعالى عن كل نقص.

ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله.

ومنها أن الله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروا الله سبحانه وتعالى.

ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51] وقال للمؤمنين: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح.

ومنها أن من شرط إجابة الدعاء اجتناب أكل الحرام لقول النبي في الذي مطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام: { أنّى يستجاب لذلك }.

ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء كون الإنسان في سفر.

ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين إلى الله.

ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى الله بالربوبية لأنها هي التي بها الخلق والتدبير.

ومنها أن الرسل مكلفون بالعبادات كما أن المؤمنين مكلفون بذلك.

ومنها وجوب الشكر لله على نعمه لقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172].

ومنها أنه ينبغي بل يجب على الإنسان أن يفعل الأسباب التي يحصل بها مطلوبه ويتجنب الأسباب التي يمتنع بها مطلوبه.