منكرات العيد :
اعلم أخي المسلم فقهني الله وإياك أن السرور الذي يحصل في الأعياد، قد جعل كثيراً من الناس ينسون أو يتناسون أمور دينهم، وأحكام إسلامهم، فتراهم يرتكبون المعاصي، ويفعلون المنكرات، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!! هذا كلُّه دفعني لأن أضيف على رسالتي هذه، هذا المبحثَ المفيد، لما له من أثر في تذكير المسلمين بمانَسَوه، وتنبيههم على ماقد غفلوا عنه (1) ، فَمِن هذه المنكرات:
أولأ: التزيُّنُ بحلق اللحية، وهو الأمر الذي عليه كثير من الناس، وحلق اللحية مُحَرّمٌ في دين اللّه سبحانه، دل على ذلك الأحاديث الصحيحة، التي فيها الأمر بإعفائها، إما مقروناً بعلة التشبه بالمشركين، ومِن ثَمّ مخالفتهم، أو ليس مقروناً بذلك، وهي أيضاً من الفطرة التي لا يجوز لنا تغييرها، والتنصيص على حرمة حلقها موجود في كتب المذاهب الأربعة (2) ، فليعلم ذلك.
ثانياً: مصافحة النساء الأجنبيّات غير المُحَرّمات، وهذا مما تعم به البلوى، ولم يَنْجُ منه إلا من رحم اللهُ، وهومُحَرّمٌ ، لقوله عليه الصلاة والسلام: "لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد، خير من أن يمس امرأة لا تحل له " (3) ، وهذا التحريم منصوص عليه في كتب المذاهب الأربعة (4) ، فتنبه.
ثالثاً: التشبّه بالكفار والغربيين في الملابس واستماع المعازف وغيرهما من المنكرات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تشبه بقوم فهو منهم" (5) .
ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ليكونن من أمَّتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب عَلَم يروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فَيُبَيّتُهم الله، ويَضَعُ العَلَمَ، ويمسخُ آخرينَ قردة وخنازير إلى يوم القيامة" (6) .
رابعاً: الدخول على النساء، لقوله صلى الله عليه وسلم : "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: " الحموُ الموتُ" (7) .
قال العلامة الزمخشري شارحأ كلمة "الحَمْو":
[الجمع] أحماء: أقرباء الزوج كالأب (8) والأخ والعم وغيرهم،.. وقوله: "الحموُ الموتُ"، معناه: أنَ حماها [هو] الغايةُ في الشر والفساد، فشبّهه بالموت، لأنه قصارى كل بلاء وشدة، وذلك أنه شر من الغريب من حيث إنه آمِن مُدِلّ، والأجنبي متخوف مترقب، وُيحتمل أن يكون دعاءً عليها، أي: كأنَّ الموتَ منها بمنزلة الحَمِ الداخل عليها إن رضيت بذلك (9) .
خامساً: تبرُّج النساء، وخروجهن إلى الأسواق وغيرها، وهذا مُحرم في شريعة اللّه، يقول اللّه تعالى: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُن وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيةِ الأوْلَى وَأقِمْنَ الضَلاَةَ وَآتِيْنَ الزكَاةَ) [الأحزاب: 33] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((صنفان من أهل النار لم أرهما:... ونساء كاسيات عاريات مائلات (10) ، رؤوسهن كأسْنِمَةِ البخت (11) المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" (12) .
سادساً: تخصيص زيارة القبور يوم العيد، وتوزيع الحلويات والمأكولات فيها، والجلوس على القبور، والاختلاط، والسفور الماجن، والنياحة على الأموات، وغير ذلك من المنكرات الظاهرة (13)
سابعاً: الِإسراف والتبذير فيما لا طائل تحته، ولا مصلحة فيه، ولا فائدة منه، يقول اللّه تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إنهُ لا يُحبّ المُسْرِفين) [الأنعام: 141] و [الأعراف: 31] ويقول جل شانه: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إنً المُبَذرينَ كانوا إِخْوَانَ الشياطين) [الإِسراء: 26، 27] .
ويقول صلى الله عليه وسلم : "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن... وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه" (14) .
ثامناً: تركُ كثير من الناسِ الصلاةَ في المسجد من غير عذر شرعي، واقتصار البعض على صلاة العيد دون سائر الصلوات! تاللّه إنها لِإحدى الكُبر.
تاسعاً: توافُدُ كثيرٍ من العامّةِ على المقابر بعد فجر يوم العيد، تاركين صلاة العيد، مُتَلَبّسين ببدعةِ تخصيص زيارة القُبور يومَ العيد (15) .
ويزيدُها بعضُهم بوضع سُعُفِ النًخْل (16) ، وفروعِ الأشجار!!
وكل هذا لا أصل له في السُنَّة.
عاشراً: عدم التعاطف مع الفقراء والمساكين، فيُظهِرُ أبناءُ الأغنياءِ السرورَ والفرح، ويأكلون المأكولات الشهية، يفعلون هذا كله أمام الفقراء وأبنائهم، دون شعور بالعطف أو التعاون أو المسؤولية، مع أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (17) .
حادي عشر: البدع التي يفعلها كثير من المُتمشيخين بدعوى التقرب إلى الله، مع أنها لا أصل لها في دين اللّه تعالى، وهي بدع كثيرة (18) ، ولن أذكر منها إلا شيئاً واحداً لئلا تخرج الرسالة عن مقصودها، فإِن كثيراً من الخطباء والوعاظ يلهجون به، وهو التقرب إلى اللّه سبحانه بإحياء ليلتي العيد، ولا يفعلون ذلك فحسب، بل ينسبون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحيى ليلة الفطر والأضحى، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" (19) ، ولا تجوز نسبته لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .


__________
(1) والمنكرات المذكورة، مشتركة غالباً في العيد وغيره، ولكنها تكثر وتزداد في الأعياد، فتنبه.
(2) وانظر "فتح الباري" (10/351) و" الاختيارات العلمية" (6) و"المحلى" (2/220) و"غذاء الألباب" (1/376) وغيرها.
وقد استقصى الأخ الشيخ محمد بن إسماعيل في كتابه "أدلة تحريم حلق اللحية" الأحاديث الواردة في المسألة، ثم ذَكرَ شرح العلماء عليها، ثم النقولات عن كتب المذاهب المعتمدة، ومناقشة ذلك بما لا مزيد عليه، فليراجع فإنه نفيس، وانظر أيضاً "مجلة الأزهر" (7/328) . وقد كتبتُ رسالةً موجزة اسمها "حكم الدين في اللحية والتدخين" وقد طبعت مراراً بحمداللُه.
(3) حديث صحيحٌ، يُنظر تخريجُه بتوشع في "جزء اتباع السُّنَن" (رقم: 15) للضياءِ المقدسي بتحقيقي.
(4) انظر "شرح النووي على مسلم" (13/10) و"حاشية ابن عابدين" (5/235) و"عارضة الأحوذي" (7/95) و"أضواء البيان" (6/603) .
(5) أخرجه أحمد (2/50 و92) عن ابن عمر، وإسناده حسن. ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/88) عن حسان بن عطية، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/129) عن أنس، وقد تُكُلّمَ فيها، فالحديث بهذه الطرق صحيحٌ إن شاء الله.
(6) رواه البخاري (5590) معلقاً، ووصله أبو داود (4039) والبيهقي (10/221) وغيرهما، وقال الحافظ في "هدي الساري" (59) : ووصله الحسن بن سفيان في "مسنده"، والإسماعيلي، والطبراني في "الكبير" وأبو نعيم من أربعة طرق، وابن حبان في "صحيحه" وغيرهم.
قلت: وفي الحديث ألفاظ غريبة أشرحها بالترتيب: قوله: الحِرَ: هو الفرج، والمراد: الزنا.
والمعازفُ: قال ابن الأثير في "النهاية" (3/230) : العزف: اللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يُضرب.
وقال الذهبي في "التذكرة" (4/1337) : المعازف اسم لكل ما يُعزف به كالطنبور والزمر والشبابة وغير ذلك من آلات الملاهي.== وانظر التعليق المتقدم صفحة (18) .
قوله: عَلَم: هو رأس الجبل، قوله: بسارحة: هي الماشية تسرح بالغداة إلى رعيها، قوله: فيبيتهم: أي يهلكهم. يضع العَلَم: أي يهدمه عليهم.
وانظر كتاب "تحريم النرد والشطرنج والملاهي" للآجري (292299) فإنه مهم.
ثم تكلّمتُ على إسناد هذا الحديث، وأوردتُ طرقَه وشواهدَه في جزءٍ مفرد عنوانه: "الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث المعازف"، وهو مطبوعٌ، فَلْيُنْظَر.
(7) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) عن عقبة بن عامر.
(8) وهو مستثنى بنص القرآن الكريم، وانظر "المغني" (6/570) .
(9) "الفائق في غريب الحديث " (1/318) وانظر "النهاية" (1/448) و"غريب الحديث " (3/351) و"شرح السنة" (9/26، 27) .
(10) زائغات عن استعمال طاعة الله سبحانه وتعالى، وما يلزمهن من حفظ الفروج. "نهاية" (4/382) .
(11) قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/79) :
هي إبل غِلاظ ذات سنامين. ومعناه والله أعلم أنهن يُعظمن رؤوسهن بالخُمُر، ويُكَوِّرْن شعورهن، ولا يغضضن من أبصارهن.
(12) أخرجه مسلم في "صحيحه" (2182) و (2856) (52) وأحمد (223/2 و356) عن أبي هريرة.
(13) وانظر تفصيلات أخرى عن بدع القبور في كتاب "أحكام الجنائز" (258 267) لشيخنا الألباني حفظه الله.
(14) رواه الترمذي (2416) والخطيب في "تاريخه " (12/440) عن ابن مسعود، وفيه ضعف، ولكن له شواهد عن أبي برزة عند الدرامي (1/131) وأبي نُعيم في "الحلية" (10/232) وابن الدبيثي في "ذيل تاريخ بغداد" (2/163) . وعن معاذ عند الخطيب (441/11) ، فالحديث حسن.
ثم خرجتُ الحديثَ بنوع من التفصيل في تعليقي على جُزء "ذمّ مَن لا يعملُ بعلمهِ" (رقم: 1و2) لابن عساكر.
(15) "المدخل" (1/286) لابن الحاج، و"الإبداع " (ص135) لعليّ محفوظ و"سُنن العيدين" (ص 39) للشقيري.
(16) وما يُتَوَهّم منه مُخالفة ذلك فمردودٌ؛ انظر "أحكام الجنائز" (ص 254) و"معالم السنن" (1/27) وتعليق الشيخ أحمد شاكر على "سُنن الترمذي" (1/103) .
(17) رواه البخاري (13) ومسلم (45) ورواه النسائي (8/115) والبغوي (3474) وزادا: "من الخير" وإسناده صحيح.
(18) انظر شيئأ منها في كتاب "أعياد الإسلام " (58) فصل "بدع العيدين".
(19) وهو حديث موضوع، استوفى الكلام عليه أستاذنا الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (520) و (521) فلتراجع.