العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (093-100)ب : اسم الله المقدم 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-06-30


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنىالمقدم):
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في اسم "المقدم".
الإنسان مسير ومخير في وقت واحد:
كلكم يعلم أن الإنسان مسير ومخير في وقت معاً، مسير في أمه وأبيه، مسير في كونه ذكراً أو أنثى، مسير في مكان ولادته، مسير في زمان ولادته، مسير في قدراته، في شكله، في قوامه، في قدراته العامة، لكن العلماء أجمعوا على أن هذا الذي سُير في الإنسان لصالحه، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أو ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني.
هذا "المقدم" الكوني، قدمك بالوسامة، قدمك بالذكاء، قدمك بالفصاحة، قدمك بالقدرات العامة، هو "المقدم" لحكمة بالغةٍ بالغة حينما تكشف يذوب الإنسان شكراً لله على ما أقامه.
انطلاقاً من مقولة رائعة قالها ابن عطاء الله السكندري: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
فأنت تتمتع بخصائص، بأشياء أنت فيها مقدم، من الذي قدمك ؟ "المقدم"، في أشياء أنت فيها متأخر من الذي أخرك ؟ ولدت من أسرة فقيرة، دخلك محدود، هناك طفل ولد من أسرة غنية جداً دخله غير محدود.
فالله عز وجل مقدم ومؤخر، قدمك في مجالات، وأخرك في مجالات لحكمة بالغةٍ بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء:
الآن نستنبط أن الحظوظ حظ المال، حظ الذكاء، حظ الوسامة، حظ القدرات العامة العالية، أن الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء.
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 21 )
وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، لذلك:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾
( سورة الواقعة )
الأشياء التي تقدمت بها قدمك بها "المقدم"، والأشياء التي تأخرت بها أخرك بها "المقدم" لصالحك.
فلذلك الكلمة الوحيدة التي يوم القيامة لجميع الخلائق:
﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة يونس )
المقدم اسم يتعلق بالتربية:
أيها الأخوة، الآن نستنبط أن "المقدم" اسم يتعلق بالتربية، هو يربينا، يعطينا ما يناسبنا، يكافئنا على أعمالنا الصالحة فيقدمنا، ويعاقبنا أحياناً على الأعمال التي ليست صالحة فيؤخرنا، فالله "المقدم"، أي شيء تفوقت فيه الفضل لله عز وجل، أي شيء لمعت فيه الفضل لله عز وجل، أي شيء حققت فيه نجاحاً لفضل لله عز وجل لأنه "المقدم".
لكن كما قلنا هناك تقديم شرعي، مثلاً:
(( عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة ))
[رواه الأصبهاني بسند ضعيف عن أبي هريرة]
قدم العدل.
(( تفكر ساعة خير من عبادة سنة ))
[ تفسير القرطبي عن أبي هريرة]
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
( سورة القدر )
يوم عرفة أفضل الأيام إطلاقاً، كما أن ليلة القدر أفضل الليالي إطلاقاً، الصف الأول عند الله مقدم، برّ الوالدين مقدم، إغاثة الملهوف مقدم، إحقاق الحق مقدم، التحلي بالخلق الحسن هذا في الدرجة الأولى، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
الأوقات بعضها مقدم.
(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا ))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي هريرة ]
الزوج الصالح مقدم على الزوج الغير صالح، أنت من خلال القرآن والسنة تكتشف الذي قدمه الله تشريعاً، قدم تكويناً، وقدم تشريعاً، الذي قدمك فيه تكويناً هذا فضل الله عليك، والذي أخره عنك تأخيراً هذه تربية حكيمة ينبغي أن تشكر الله عليها، والذي قدمه تشريعاً بادر إليه.
إذاً "المقدم" متعلق بالمربي، هو يربينا، الحمد لله رب العالمين، يربينا بالحوادث، يربينا بالقرآن، يربينا بالعلماء، يربينا أحياناً بالرؤى، إنسان صالح على وشك أن يقترف عملاً سيئاً، يرى رؤيا فيها تحذير. أية آية موجهة إلى النبي الكريم موجهة أيضاً للمؤمن بحسب إيمانه واستقامته وإخلاصه:
إذا قال الله عز وجل لسيد الخلق، وحبيب الحق:
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح )
النبي مقدم، هو المخلوق الأول.
(( سَلُوا الله ليَ الوَسِيلةَ، قالوا: يا رسولَ الله، وما الوسيلةُ ؟ قال: أعلى درجة في الجنة، لا ينالُها إِلا رجل واحد، أرجو أن أكونَ [ أنا ] هو ))
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
النبي مقدم، قال الله له: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
العلماء قالوا: أية آية موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم هي موجهة أيضاً للمؤمن بحسب إيمانه، واستقامته، وإخلاصه.
وأنت أيها المؤمن حينما تخطب ود الله، حينما تقف عند الحلال والحرام، حينما يكون خيرك لعباد الله، حينما ترحم الناس، حينما تنصفهم، حينما تنصحهم، يرفع الله لك ذكرك، ويعلي قدرك.
إذا قال الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية: 48 )
ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب على قدر إيمانه، واستقامته، وإخلاصه.
إذاً جميع الآيات التي وجهت لسيد الكائنات هي موجهة لكل مؤمن بنصيبه من إيمانه، واستقامته، وعمله الصالح. وراء كل محنة منحة من الله عز وجل:
الآن أخرك، أرسل لك محنة، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن كل محنة وراءها منحة من الله.
(( إن هذا الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ـ لأنه مؤقت ـ ولم يحزن لشقاء ـ لأنه مؤقت ـ قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي ))
[ الديلمي عن ابن عمر ]
فكل محنة تصيب المؤمن وراءها منحة من الله، من أجل أن تتفاءل، من أجل أن تثق بالله عز وجل.
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
( سورة التوبة الآية: 51 )
لا علينا. من استقام على أمر الله قدمه و أعلى قدره و رفع شأنه:
مثلاً:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
حينما تستقيم على أمر الله تقدم، الله يقدمك، ويعلي قدرك، ويرفع شأنك ويحفظك، ويرعاك، يؤيدك، ينصرك.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
( سورة السجدة )
يقدم المؤمن، ويؤخر الفاسق.
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
( سورة القلم )
يقدم المسلم، ويؤخر المجرم.
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة القصص الآية: 61 )
الذي وعدناه وعداً حسناً يقدمه في الآخرة، والذي ﴿ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
يؤخره في الآخرة، من أمن الله في الدنيا أخافه يوم القيامة، ومن خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة. عدم استواء المنضبط مع المتفلت و المستقيم مع المنحرف:
الآن قدم الله الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، كيف ؟
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
( سورة المجادلة الآية: 11 )
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 9 )
قدم الذين يعلمون وأخر الذين لا يعلمون، هل يستوي المستقيم مع المنحرف ؟ مستحيل، الصادق مع الكاذب ؟ مستحيل، المنضبط مع المتفلت ؟ مستحيل ، المنصف مع الجاحد ؟ مستحيل، ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
من اتقى الله هابه كل شيء:
أيها الأخوة، اسم "المقدم" اسم عظيم، كل شيء قدمك الله فيه، الفضل لله أولاً ومكافأة لك على استقامتك، وعلى إحسانك.
الآن عندنا حالة جديدة يكون شاب بأسرة مستقيم، منضبط، يطبق منهج الله، الله عز وجل يضفي عليه هيبة، ومكانة، أحياناً الأب يتقرب منه، الأم تتقرب منه، أخوته البنات يهابونه هيبة كثيرة، أحياناً الأسرة تمتنع عن بعض الأعمال أمامه، مع أنه شاب في الأسرة، أحياناً يكون موظف في دائرة مستقيم، الكل يتقرب إليه، حتى المدير العام يعتني به، يستقبله، يرحب به، يثني عليه، المستقيم بأية مرتبة كانت يقدمه الله.
مرة حدثني أخ، له مدير عام غير منضبط إطلاقاً، فسافر معه، أراه من الانضباط مالا يوصف، قال له: أنا أنضبط في هذا السفر من أجلك، احتراماً.
فالإنسان إذا وصل إلى الله أضفى الله عليه ثوب الهيبة، من اتقى الله هابه كل شيء ومن لم يتقِ الله أهابه الله من كل شيء، الله يقدم، يقدمك مكانة، يقدمك هيبة، يقدمك تألقاً، يقدمك توفيقاً، يقدمك تأييداً، يقدمك حفظاً، يقدمك نصراً، هو "المقدم".
مرة استمعت إلى كلمة قالها فيلسوف ألماني "تونبي" أنه: المسلم يتمتع بمكانة عالية، وكنا نجلّه ونحترمه أشد الإجلال والاحترام، لما استطعنا أن نجره إلينا على حساب دينه احتقرناه، لأنه لم يعد يملك شيئاً يقدمه لنا، عندما كان مستقيماً، عندما كان متمسكاً بدينه احترمناه بالغ الاحترام، فلما استطعنا أن نجره إلينا على حساب دينه وقيمه احتقرناه، لأنه لم يعد يملك شيئاً يقدمه لنا، عندما الإنسان يترك دينه سقط من عين الله ومن عين الناس، كان مقدماً فأخره الله.
الله عز وجل قدم العارفين على الجاهلين، يعني أنت أمام عشرات، بل مئات بل ألوف القصص، معظم هذه القصص تصلك من فصلها الأخير، صدق لا معنى لها.
علاقته المستقيم بالله علاقة انضباط و محبة و إخلاص فيقدمه الله عز وجل:
لذلك الله يقدم المستقيم، ولو أن استقامته فيما بينه وبين الله، تقول ما السبب في التوفيق الذي يتمتع فيه فلان ؟ ما السبب في هذا الإنجاز الضخم الذي أعطاه الله لفلان ؟ السبب علاقته بالله علاقة انضباط، علاقة محبة، علاقة إخلاص، يقدمك الله عز وجل، يقدم العالم على الجاهل، يقدم المستقيم على المنحرف، يقدم المنصف على الجاحد ، قدم العارفين على الجاهلين، وفتح لهم أبواب اليقين.
والله مرة زرت عالماً في مدينة هو في السادسة والتسعين، والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت ملكاً على عرشه كهذا العالم، بيت متواضع، لكن حوله أخوة كرام يحبونه كثيراً، يبدو أنه في قلوبهم جميعاً، يبدو أنه قدم لهم خيراً كثيراً، متواضع، حياته بسيطة، لكنه عرف الله.
أحياناً تأتيك مكانة لا من أسرتك، ولا من منصبك، ولا من مالك، ولا من قوتك، ولكن من محبة الله لك.
بالمناسبة هناك حقيقة دقيقة جداً: أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق، وهذا أكبر رأسمال يملكه الإنسان أن يثق الناس به، أن يحبه الناس، وإذا أبغض الله إنساناً ألقى بغضه في قلوب الخلق، يكون ذكياً جداً، ومع ذكائه مبغوض، يملك أموالاً طائلة ومع غناه مبغوض.
ألسنة الخلق أقلام الحق:
فلذلك أيها الأخوة، الله "المقدم"، أحياناً يقدمك في قلوب الخلق، لذلك قالوا: ألسنة الخلق أقلام الحق، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث فيه ملمح دقيق، حينما أثنى الناس على جنازة قال:
(( وجبت له الجنة ))
[ مسلم عن أبي سعيد الخدري]
لأن ألسنة الخلق هي أقلام الحق، يعني بصراحة المؤمن من لوازمه أن يعشقه الناس، متواضع، منصف، رحيم، عفو، كريم، يقدم شيئاً ثميناً للأمة يصبح محبوباً، لا تصدق مؤمناً لا يحبه الناس، لا تصدق مؤمناً ليس يتمتع بمكانة علية بين الناس، لأنه خطب ود الله إذا كان الله معك فمن عليك.
قدم العلماء على الجهلاء، وجعلهم نجوم الاهتداء، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل الخلق، وجعله حبيب الحق. أدب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
سيدنا عمر حينما تولى الخلافة، وقف ليخطب، فنزل درجة، لم يقف في الدرجة التي كان يقف بها الصديق، ثم قال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر، من شدة أدبه ما أحبّ أن يقف على الدرجة التي وقف عليها أبو بكر، وكان يقول: كنت خادم رسول الله، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ الحمد لله على هذا كثيراً، وأنا به أسعد، انظر إلى الأدب، ثم كنت خادم أبي بكر، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء والحمد لله على هذا كثيراً، وأنا به أسعد، أما وقد آلت الأمور إليّ، فاعلموا أيها الناس أن تلك الشدة قد أُضعفت، هو كان شديداً لكن مع واحد رحيم، كالأم والأب تماماً الأب يقسو في الظاهر، والأم تشفع لابنها.
الآن النبي الكريم انتقل، والصديق انتقل، قال: لقد آلت الأمور إليّ، اعلموا أن هذه الشدة قد أُضعفت، وإنما تكون على أهل المعصية والفجور، أما أهل التقوى والإيمان فسأضع خدي ليطؤوه بأقدامهم، كلام سيدنا عمر، لكم عليّ أيها الناس خمس خصال خذوني بهن (حاسبوني) لكم عليّ ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحق، أهم شيء المال، وألا أنفقه إلا بحق، ولكم عليّ ألا أجمركم في البعوث (مسافر له زوجة، له أولاد، سنة بعيد عن أهله) ولكم عليّ ألا أجمركم، أي أجمدكم في البعوث، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم إن شاء الله، هذا عمر.
سيدنا عثمان ما نزل درجة، لأن هناك حكمة بالغة، سأل أحد خلفاء بني أمية وزيره لِمَ لم ينزل عثمان درجة ؟ قال له: أما والله لو فعلها لكنت في قعر بئر، إذا كل خليفة نزل درجة، ممكن أن تكون مرة واحدة.
وبعض الروايات سيدنا عثمان نزل وطلع، نزل درجة أدباً ثم عاد إلى المرتبة التي هو فيها. حجمك عند الله بحجم عملك الصالح:
على كلٍ: الله يقدم، والله يؤخر، لك حجم عند الله بحجم عملك الصالح، اسأل نفسك كل يوم ماذا قدمت لله ؟ ماذا قدمت من عمل لا تبتغي به صنعة، ولا مكانة، ولا ثناء ولا تعويضاً ؟ عمل لوجه الله، فمكانتك عند الله بقدر عملك الصالح والدليل، دققوا:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
( سورة الأنعام الآية: 123 )
مكانتك عند الله بحجم عملك الصالح، والله عز وجل قال:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
( سورة فاطر الآية: 10 )
الآن لا يمكن أن يستوي عند الله إنسانان متفاوتان في عملهما أبداً، إذا كان عملك أصلح فمرتبتك أعلى، إذا كان ورعك أكثر، لِمَ المسلمين الآن بحال لا يحسدون عليه ؟ أقول لك كلمة موجزة جامعة مانعة: هان أمر الله عليهم فهانوا على الله. على المؤمن أن يشتق من كمال الله كمالاً يتقرب به إليه:
الآن أنت مؤمن وينبغي أن تشتق من كمال الله كمالاً تتقرب به إليه، أنت رئيس دائرة، مدير مستشفى، رئيس جامعة، صاحب شركة، عندك موظفون، يجب أن تقدم وأن تؤخر، لكن من تقدم ؟ هنا الآن الإنسان المؤمن يقدم بمقاييس موضوعية، وغير المؤمن يقدم بمقاييس انتمائية، والدول المتقدمة جداً والقوية جداً تقدم بمقاييس موضوعية، والدول المتخلفة تقدم بمقاييس انتمائية.
شيء آخر وأخير: المؤمن من تواضعه لا يعتم على من حوله، هناك أشخاص يعبدون ذواتهم، يعتمون على كل من حولهم، أما المؤمن يعترف بالآخر، ويقدر الآخر ويثني على الآخر، هذا من تواضعه ومن موضوعيته.
والحمد لله رب العالمين