العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (071-100)ب : اسم الله الحكيم 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-03-22


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الحكيم):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم "الحكيم".
الله عز وجل حكيم حكمة مطلقة:
مقولة دقيقة عميقة قطعية تملأ القلب راحة، واستلاماً، وأمناً، وطمأنينة، كل شيء وقع أراده الله، لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، ومعنى أراده الله ؛ أي سمح به، قد يسمح بوقوع شيء لحكمة بالغةٍ بالغة، مع أنه لم يأمر، ولم يرضَ، ولكن الإنسان مخير، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، ومعنى الحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، وأن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، وحكمة الله متعلقة بالخير المطلق، فالشر المطلق لا وجود له في الكون، بل هو يتناقض مع وجود الله.
ذلك أن الإنسان متى لا يكون حكيماً ؟ حينما يأتيه ضغط لا يحتمل، فيتكلم بكلام أو يتصرف بتصرف مناقض للحكمة، وقد يقع تحت إغراء شديد، فيفقد مع الإغراء الحكمة، وقد يكون جاهلاً فيفقد مع الجهل الحكمة، هل يمكن، أو يعقل، أو يقبل أن تكون الصفات صفة الإغراء الشديد، أو الضغط الشديد، أو الجهل، هذه الصفات هل يقبل عقل أن تنسحب على الله عز وجل ؟ مستحيل !.
إذاً الله عز وجل حكيم حكمة مطلقة، إن الله عز وجل حكيم حكمته مطلقة.
الدين الذي تدين له النفوس وتخضع له الفطر و تستسلم له العقول هو دين الله:
لذلك قال بعض العلماء ودققوا في هذا القول: الشريعة عدل كلها، حكمة كلها ، مصلحة كلها، رحمة كلها، فأية قضية خرجت من الحكمة إلى خلافها، من المصلحة إلى المفسدة، من الرحمة إلى القسوة، من العدل إلى الجور، ليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، ما معنى الدين ؟ الدين الذي تدين له النفوس، تخضع له الفطر ، تستسلم له العقول، هذا دين الله.
لذلك قال بعض العلماء: من دعا إلى الله بمضمون سطحي، بمضمون متناقض، بمضمون غير متماسك، أو بأسلوب غير علمي، أو بأسلوب غير تربوي، لا يعد المدعو إلى الدين بهذه الطريقة، وبهذا المضمون، وبهذا الأسلوب مبلغاً عند الله، ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة.
الله عز وجل خالق السماوات والأرض، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف فأي شيء لا تقبله الفطر السليمة، ولا العقول الراجحة، هو غير صحيح، لأن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، وخط النقل الصحيح، الحق ما جاء به النقل الصحيح، ليس الضعيف، ليس الموضوع، وقبله العقل الصريح، ليس العقل التبريري، وارتاحت له الفطرة السليمة، ليست الفطرة المنطمسة، وأقره الواقع الموضوعي، هذا هو الحق.
إذاً الشريعة عدل كلها، حكمة كلها، مصلحة كلها، رحمة كلها، أية قضية خرجت من العدل إلى الجور، من الحكمة إلى خلافها، من المصلحة إلى المفسدة، من الرحمة إلى القسوة، ليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
حكمة الله عز وجل حكمة مطلقة بينما حكمة الإنسان حكمة نسبية:
أيها الأخوة الكرام، لابدّ من توضيح حقيقة: الإنسان نسبي، لكن الله جلّ جلاله مطلق، بمعنى:
قاضي أصدر ألف حكم، خمسة أحكام ليست عادلة، هو عند الناس عادل، عن غير قصد، لكن في الأعم الأغلب هو قاضٍ عادل، أما الإله العظيم لو ظُلم في ملكه عصفور ليس عادلاً، عدله مطلق، رحمته مطلقة، حكمته مطلقة، فكل أسمائه حسنى، وكل صفاته فضلى.
أذكر قصصاً كثيرة، لكن واحدة منها: إنسانة أرادت أن تتوظف، وافقوا لها على عقد في بلد نفطي، عُينت في بلدة، هي اختصاصها رياضيات، المديرة فرزتها إلى تدريس مادة التربية الإسلامية، اعترضت، أنا اختصاصي رياضيات، هذه المادة لست مختصة بها، قالت لها: إما أن تدرسي هذه المادة، وإما أن أُنهي عقدك، دخلت إلى الصف وهي تحمل لسانس في الرياضيات كي تدرس التربية الدينية، الدرس الذي ينبغي أن يُدرس عن حجاب المرأة المسلمة، وهي في الأصل ليست محجبة، قرأت الآيات، تأثرت، أين هي من هذا الحكم الشرعي ؟ فبكت، ثم طلبت من الطالبات أن يعفينها من إلقاء الدرس وراجعت حساباتها، وكان هذا التكليف الغير الحكيم من قبل المديرة سبب هدايتها، خطأ المدير أحياناً وظف لمصلحة هذه المدرسة.
فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
إرادة الله عز وجل متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق:
بالمناسبة أيها الأخوة، كل واحد منا معه آلاف القصص، بحياته، بعلاقاته ، بمن حوله، بمشاهداته، من خلال أقربائه، عنده قصص كثيرة، لكن معظم هذه القصص يعرف آخر فصل فيها، القصة التي تعرف آخر فصل فيها لا معنى لها إطلاقاً، لكن كل واحد منا أيضاً عنده عدة قصص، من أول فصل إلى آخر فصل، هذه القصص القليلة التي يعرفها من أول فصل إلى آخر فصل تتبدى فيها حكمة الله، ويتبدى فيها عدله، ورحمته، هذه القصص يمكن أن تروى، لكن كل القصص الأخرى كهذه لكن أن لا تعرف المقدمات كل واحد منا في تعامله مع ربه يرى عدله المطلق، رحمته المطلقة، لكن الإنسان أحياناً يرى حادثاً في نهاية المطاف يا ترى ما الحكمة ؟ لا يعلم، أما المؤمن شأنه في موضوع الحكمة أنه موقن يقيناً تاماً، قطعياً لحكمة الله، مع أنه قد لا يعرفها.
مرة شخص سألني أنه يوجد شخص جاء إلى السوق ليكسب رزق أولاده، والعمل كما قال لي عبادة، سمع إطلاق رصاص مدّ رأسه فإذا برصاصة تصيب عموده الفقري، ويُشل فوراً، قال لي: ما الحكمة من هذا ؟ قلت له: أنا موقن بحكمة الله، لكن لا أعرف تفسير هذا الذي حدث.
بعد عشرين يوماً إنسان من الأخوة الكرام قال لي: لنا جار يسكن فوقنا، اغتصب بيتاً لأولاد أخيه الأيتام، وبذلوا كل ما بوسعهم كي يسترجعوا البيت من عمهم، فرفض فاحتكموا إلى أحد علماء دمشق، واستدعاه، ورفض بوقاحة أن يرد البيت لأولاد أخيه الأيتام قال لهم بالحرف الواحد: لا يليق بكم أن تشكو عمكم إلى القضاء، اشكوه إلى الله، هذا الحدث كان الساعة التاسعة مساءً هو نفسه الذي مدّ رأسه ليرى من أين أتى إطلاق الرصاص فجاءت رصاصة استقرت بعموده الفقري بعد اثنتي عشرة ساعة.
الإنسان المشاهد يعجب من هذا الذي حدث، لكن لو دققت في هذه القصة، وفي فصولها الأولى لعرفت أن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراد الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
توظيف عنف و ظلم الطغاة من قِبل الله عز وجل لخدمة دينه:
الله عز وجل يقول:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾
( سورة إبراهيم الآية: 42 )
الله يوظف عنفهم وظلمهم للخير المطلق، والدليل: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص )
الشر المطلق لا وجود له في الكون لأنه يتناقض مع الخير المطلق و مع وجود الله تعالى:
إذاً الشر المطلق لا وجود له في الكون لأنه يتناقض مع الخير المطلق، لأنه يتناقض مع وجود الله، فالله عز وجل يوظف شر البشر لصالح البشر، بل ما من طاغية يطغى، أو يسمح الله له أن يكون طاغية إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه، ولخدمة المؤمنين من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثمن، والله عز وجل يقول:
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
( سورة لقمان )
اقتران اسم الحكيم بعدد كبير من أسماء الله الحسنى:
﴿ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ﴾
( سورة النساء )
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
( سورة النور )
﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾
( سورة هود )
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾
( سورة النور )
القرآن الكريم: ﴿ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾
( سورة فصلت )
﴿ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
﴿ وَاسِعاً حَكِيماً ﴾
﴿ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
﴿ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾
﴿ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾
﴿ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾
عجز البشر عن أن يأتوا بآية واحدة مثل آيات الله عز وجل:
أيها الأخوة، هو حكيم وهو تواب، هو حكيم وهو حميد، هو حكيم وهو خبير ، هو حكيم وهو عليم، هو حكيم وهو واسع.
أيها الأخوة، الآن "الحكيم" جاءت وصفاً لقرآنه الكريم.
﴿ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾
( سورة يونس )
يعني نظم محكم، هناك إعجاز علمي، بلاغي، بياني، إخباري، تشريعي ، يعجز البشر عن أن يأتوا بآية واحدة من آيات الله عز وجل. من عرف الآمر ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر :
الآن دققوا في هاتين الآيتين: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
( سورة آل عمران )
هذه آية، هناك دعاء لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
( سورة البقرة )
بين الآيتين تفاوت في الترتيب، دعاء سيدنا إبراهيم: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ ﴾
الكونية التي تدل على عظمتك، وعلى وجودك، وعلى كمالك، وعلى وحدانيتك ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
هذا اجتهاد سيدنا إبراهيم، وهذا دعاء سيدنا إبراهيم وهذا الترتيب ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
أما الله جلّ جلاله يقول: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
يعني المؤمن إذا تفكر في خلق السماوات والأرض توجه إلى الله، فزكت نفسه ثم يأتي التشريع بعد ذلك.
لذلك: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ﴾
الآية الثانية اجتهاد سيدنا إبراهيم، بالترتيب ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
الترتيب الإلهي ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
يعني إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، وهذه مشكلة العالم الإسلامي، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر لذلك تفننوا في التفلت من الأمر، أما لو عرفوا الآمر ثم عرفوا الأمر لتفانوا في طاعة الآمر. الحكمة أسلوب فعال في الدعوة إلى الله عز وجل:
أيها الأخوة، أيضاً الحكمة قُرنت بكلمة الكتاب ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
فإذا قرنت الحكمة بالكتاب فتعني سنة النبي عليه الصلاة والسلام ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾
القرآن ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾
بيانه وتفصيله، من قبل المعصوم.
والحكمة أيضاً جعلت أسلوباً في الدعوة إلى الله. ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )
دقق في دقة النظم، أو دقة الصياغة، ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
يجب أن يكون كلامك حسناً، لأنه في دعوة إلى الله. ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 )
يعني النبي عليه الصلاة والسلام أوتي الوحي، أوتي القرآن، أوتي المعجزات ، أوتي الفصاحة، أوتي جمال الصورة، أوتي كل شيء، ومع ذلك يقول الله له أنت أنت يا محمد، على كل هذه الخصائص ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
ليس نبياً، ولا رسولاً، ولم يؤتَ القرآن، ولم يؤتَ الوحي، ولم يؤتَ المعجزات، وليس فصيحاً، وليس جميل الصورة، ومع ذلك في دعوته غلظة وفظاظة. عند الجدال ينبغي على الإنسان أن يختار العبارة الأحسن:
لذلك: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾
بالاعتدال، بالتلطف، بالإحسان ، بالبيان، بأن تكون عوناً لأخيك على الشيطان، لا أن تكون عوناً للشيطان على أخيك، قال: ﴿ وَجَادِلْهُمْ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )
صار هناك حوار، بالمجادلة:
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )
يعني إذا في مئة عبارة حسنة بالجدال ينبغي أن تختار العبارة الأحسن، معنى الحُسن جاء صفة في الدعوة إلى الله ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
بينما في المجادلة والحوار جاءت الكلمة المشتقة من الحسن جاءت اسم تفضيل، ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
الحكمة أكبر عطاء إلهي للإنسان:
أيها الأخوة، الحقيقة أن الحكمة أكبر عطاء إلهي، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر معيشتك بدخل محدود، ومن دون حكمة تبدد الأموال الطائلة، أنت بالحكمة تقلب الأعداء إلى أصدقاء، ومن دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء.
لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة البقرة )
بالمناسبة: الله عز وجل آتى المال لمن لا يحب، آتاه لقارون، وآتاه لمن يحب، وآتى الملك لمن لا يحب، آتاه لفرعون، وآتاه لمن يحب، سيدنا سليمان. ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾
( سورة ص الآية: 35 )
الذين لا يحبهم أعطاهم أحياناً الملك كفرعون، والذين لا يحبهم أعطاهم الله أحياناً المال، ولكن الذين يحبهم ماذا أعطاهم ؟ قال:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
( سورة القصص الآية: 14 )
فأنت اسأل نفسك هذا السؤال: يا ترى العطاء من نوع عطاء الأنبياء ؟ آتاك الله حكمة ؟ آتاك الله علماً ؟.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء )
اسأل نفسك هذا السؤال المحرج: عطائي من الله من نوع عطاء الأقوياء والأغنياء ؟ أم من نوع عطاء الأنبياء ؟ ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
من عرف جميع الأشياء، ولم يعرف الله عز وجل لا يسمى حكيماً.
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإذا فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[من مختصر تفسير ابن كثير]
رأس الحكمة مخافة الله:
لذلك هناك عقل، وهناك ذكاء، الذكاء متعلق بالجزئيات، إنسان يحمل اختصاصاً نادراً، يحمل اختصاصاً في الفيزياء النووية، في الكيمياء العضوية، في الرياضيات الفلكية، اختصاصات نادرة، تدر على صاحبها أمولاً طائلة، فالذكاء متعلق بالاختصاصات المحدودة أما العقل متعلق بالكليات.
لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم مجنوناً فسألهم سؤال العارف: من هذا ؟ قال: هذا مجنون، قال: لا، هذا مبتلى، المجنون من عصا الله.
قد تحمل أعلى شهادة، باختصاص نادر، لكن لأنك لا تصلي، لأنك لا تعرف الله، لأنك لا تعمل لآخرتك أنت لست عاقلاً، أقول أنت ذكي ولكن لست عاقلاً .
لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، تكون عاقلاً إذا عرفت الله، عرفت سر وجودك وغاية وجودك.
أيها الأخوة، رأس الحكمة مخافة الله.
كل إنسان طبق تعليمات الصانع و أطاع الله عز وجل يعد حكيماً:
أيها الأخوة، الحكم بين أيدينا، لكن البطولة أن تطبقها، فأن تقرأ حكمة أو أن تفهم حكمة شيئاً، وأن تعيشها شيئاً آخر.
حظ الإنسان من هذا الاسم أن "الحكيم" من يتحلى بها، فالمؤمن حكيم، والمؤمن يفعل الشيء المناسب في الوقت المناسب، في المكان المناسب، مع الشخص المناسب، فأي مؤمن اتصل بالله عز وجل يشتق منه الحكمة، وكل إنسان طبق تعليمات الصانع يعد حكيماً ، وكل إنسان أطاع الله يعد حكيماً، وكل إنسان توجه إلى الله يعد حكيماً، وكل إنسان عمل لآخرته يعد حكيماً، نسأل الله جل جلاله أن يرزقنا الحكمة.
والحمد لله رب العالمين