تَوْطِين النَّفْس على الشَّدَائِد

تَوْطِين النَّفْس على الشَّدَائِد، على شَدَائِدْ تَحْصِيلْ العِلْم لِتَعْلَمْ أنَّ هَذَا العِلْم مِمَّا حُفَّتْ بِهِ الجَنَّة، الجَنَّة حُفَّتْ بِمَا تَهْوَاهُ النُّفُوس أو مَا تَكْرَهُهُ النُّفُوس؟ - نعم - حُفَّتْ الجَنَّة بِالمَكَارِهْ... تَبِي الجَنَّة أَقْدِمْ عَلَى هَذِهِ المَكَارِهِ، والعِلْم لَيْسَ بِالأَمْر السَّهْل، ولا يُمْكِنْ أنْ يُسْتَطَاع أو يُنُال بِرَاحَةِ الجِسْم، لا يُمْكِنْ أنْ يُنَالْ العِلْم بِرَاحَة الجَسَدْ، وإلاّ لَوْ كان يُبَاع ويُشْتَرى صَاروا النَّاس كُلُّهُم عُلَمَاء، التُّجَّار كُلُّهُم عُلَمَاء، ولَوْ كان يُسْتَطَاع مَعَ الرَّاحَة والنَّوم كل النَّاس عُلَمَاء؛ لكنْ مَعَ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ العِلْم، ورَفْع مَنَازِلْ أَهْلِ العِلْم فِي الدُّنْيَا والآخِرَة، العُلَمَاء عَدَدُهُم يَسِير قَلِيلْ بِالنِّسْبَة للنَّاس ما الذِّي عَاقَ أُولَئِك عن تَحْصِيل العِلْم؛ لِيُحَصِّلُوا هذِهِ المَنَازِل وهذِهِ الدَّرَجَات العَالِيَة فِي الدُّنْيَا والآخِرَة الذِّي أَعَاقَهُم الشَّدائِد والعَقَبَات التِّي تَعُوق التَّحْصِيل، فَلا بُدَّ من تَوْطِينْ النَّفْس على هذِهِ الشَّدَائِد، أيضًا مِمَّا يُعِينْ عَلَى تَقْوِيَة الهِمَّة فِي نَفْسِ طَالِبِ العِلْم النَّظَر في سِيَر العُلَمَاء والعُظَمَاء الصَّالِحِينْ وسَيِّدُهُم ومُقَدَّمَهُم النَّبِي -صلَّى الله عليْهِ وسلَّم-، لا بُدّ مِنْ إِدَامَة النَّظر فِي سِيرَتِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أَفْضَلُ الخَلْق، أَكْرَمُ الخَلْق، أَشْرَفُ الخَلْق، أَعْلَمُ الخَلْق بِالله أَشْجَع النَّاس أَخْشَاهُم وأَتْقَاهُم لله، ومع ذلك يَرْبُطُ الحَجَر على بَطْنِهِ، ويَنَام عَلَى حَصِير يُؤَثِّر فِي جَسَدِهِ، وَوِسَاده مِنْ أَدَمْ حَشْوُها لِيفْ، هَذَا الذِّي يَعْرِف قَدْر الدُّنْيَا، وهُو أَعْلَمُ النَّاس وأَخْشَاهُم وأَتْقَاهُم وأَكْرَمُهُم على الله -جلَّ وعلا-، إذا قَرَأْتَ فِي سِيرَتِهِ عَرَفْتَ الغَايَة التِّي تُرِيدُها، والسَّبِيل الذِّي تَسْلُكُه مُقْتَدِيًا بِالأُسْوَة وهُو النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، يَعْنِي لَمَّا يُقَال فٌلان يُصَلِّي كذا أو يَصُوم كذا قد يقُول قَائِل والله عاد هذا شَقَّ على نَفْسِهِ، والدِّين يُسْر، وعَلَيْكُم من الدِّين ما تُطِيقُونْ؛ لَكِنْ إِذَا قِيل لهُ إنَّ النَّبِي -عليه الصَّلاة والسَّلام- الذِّي غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّم ومَا تَأَخَّر قَام حَتَّى تَفَطَّرت قَدَمَاهُ، هذا مغْفُور لَهُ مَا تَقَدَّمَ وما تَأَخَّر -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومع ذلك قَامَ هَذَا القِيَام، وجَاهَدَ فِي الله حَقَّ الجِهَاد، وأَدَّى الأَمَانَة، وبَلَّغَ الرِّسَالَة، وحَصَل لَهُ مِن الشَّدَائِد مَا حَصَل، ومع ذلك حينما قيل لهُ تَفْعَل هذا وأنْتَ غُفِرَ لَك؟؟؟ تَرْجُوا مَغْفِرة ؟؟؟ ((أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)) اللهُ -جَلَّ وعلا- يُنْعِمُ عَلَيْكَ بِجَلائِلِ النِّعَم، ودَقَائِق النِّعَم، النِّعَم التِّي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ومع ذلك تَبْخَل على نَفْسِك بالذِّكر الذِّي لا يُكَلِّفُكَ شيء، ولَوْ أَعْمَلْتَ لِسَانَكَ لَيْلَ نَهَار بِذِكْرِ الله ولَهَجْتَ بِشُكْرِهِ مَا اسْتَطَعْتَ أنْ تَفِ بِشُكْرِ نِعْمَة مِنْ نِعَمِ الله -جَلَّ وعلا-... فَكَيْفَ بجميع النِّعَم. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل / 18]، فَمِثْلِ هذا يَحْتَاج إلى شُكْر، والشُّكْر يَحْتَاج إِلَى بَذْلِ من النَّفْسْ.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير