أدما (تركيا) - - يقف كل من الجندي الاسرائيلي والضابط الفلسطيني، كل في زيه، أمام جدار مبني من الطوب تلتصق عليه صور لياسر عرفات، وتبدو العدواة واضحة بينهما.

فريق العمل خلال التصوير

يقول الجندي: "جئنا نلتقط الارهابيين المختبئين هنا"، بدون أن يبالي باخفاء النبرة الدونية من حديثه. ويرد عليه الضابط الفلسطيني: "هذه فلسطين، ليس لديكم أي سلطة على هذه الأرض، خذ رجالك وإرحل".

فورا، يتأهب الرجال المدججون بالسلاح خلف كل من الرجلين، واضعين أياديهم على أسلحتهم في انتظار رد فعل الجندي.

وهنا يصرخ المخرج "كت" بالانجليزية معلنا وقف تصوير هذا المشهد الدرامي الذي يتم في أحد شوارع كيرميثان ذات الدخل المحدود، وهي قرية تركية جنوبية تحولت خلال الشهرين الماضيين إلى استديو لتصوير "وادي الذئاب: فلسطين" – الجزء الجديد من سلسلة الأفلام والاعمال التلفزيونية التركية التي تحمل اسم "وادي الذئاب".

ويضيف المخرج: "فلنعد المشهد، لكن هل من الممكن ان تصمت برهة بين الجمل ايها الضابط؟".

وتدور أحداث "وادي الذئاب: فلسطين" حول المحاولة الفاشلة للقوارب التركية الستة التي سعت في شهر أيار (مايو) الماضي إلى كسر الحصار البحري الذي تفرضه اسرائيل على غزة.

وتعود قصة فيلم "وادي الذئاب" فقد بدأ عام 2003 كمسلسل تلفزيوني اسبوعي تدور احداثه حول شخصية عميل سري تركي اسمه بولات المدار (يلعب دوره الممثل نيكاتي ساسماز)، وفي كل اسبوع يواجه بولات كارثة ما.

تلا ذلك فيلم مغامرات تحت عنوان "وادي الذئاب: العراق" عام 2006 ـ وتوغل هذا الفيلم السينمائي في مشاعر الغضب القوية لدى الاتراك باتجاه الولايات المتحدة حول غزو العراق الذي قادته أميركا. وقد شاهد أكثر من 4 ملايين تركي هذا الفيلم الذي انتج بميزانية فاقت 10 ملايين دولار وشارك في تمثيله غاري بوسي، وعلى الرغم من ذلك فشل الفيلم في استقطاب الجماهير في الولايات المتحدة وأوروبا. وحملت السنتين التي تلتا هذا العمل فيلمين اضافيين.

وحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في قصة حول هذا الفيلم، ركزت الشركة المنتجة، بانا فيلمز، على الاراضي الفلسطينية كمحور لعمل هذه السنة السينمائي، وكانت قد همت ببدء التصوير حين وقعت حادثة القوارب التركية فقررت الشركة الاستفادة منها في هذا العمل الذي تأمر أن يتحول إلى فيلم يكتسح السوق هذه المرة.

فقد تم الغاء النص الذي كان مقررا اساسا وأعيد كتابة أجزاء منه، والقصة مبدئيا هي أن على بولات التوجه إلى قطاع غزة والضفة الغربية للبحث عن قائد القوات الخاصة الاسرائيلي الذي أمر بالهجوم على الـ"مافي مارمارا". ومهمة بولات واضحة: الثأر من مقتل الأتراك التسعة ومعاناة جميع الفلسطينيين.

ويقول بهادير اوزدينير، احد كتاب النص، للـ"نيويورك تايمز" بأن الاهتمام هذه المرة ليس بالمردود المادي من شباك التذاكر.

ويضيف: "نحن ننادي على ضمائر الناس وما نريده هو الحرية للشعب الفلسطيني البرئ والمعذب الذي يعيش في اوضاع لا انسانية في أكبر سجن بالعالم".

ويقول الناقد السينمائي، محمد أكار، من صحيفة "هابر ترك" بأن سلسلة أفلام "وادي الذئاب" لم تستطع الحصول على قاعدة جماهيرية كبرى في الغرب بسبب غياب المبادئ الاساسية مثل التصوير السينمائي العالي الجودة. إلا أن النص القوي المتعاطف مع غزة قد يجذب الكثيرين في آسيا والشرق الأوسط، حيث يبدي الكثيريون اعجابهم بمواقف تركيا المدافعة عن المسلمين في شكل يظهر وكأن حكومتها صائمة عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ويضيف أكار: "كون المشاهد الأولى هي لما حدث على الـ"مافي مارمارا" يساعد على البناء على شعبية تركيا في المنطقة".

ويعلق: "ان الأمر هو التضحية بالسينما من أجل السياسية" مضيفا "انهم يلتقطون أكثر القضايا حساسية في السياسة التركية والاقليمية ويضعونها في قالب مغامرات رجولية من أجل الحظي بالجماهير".

من جهته يقول المخرج، زبير ساسماز (وهو شقيق البطل) بأن الفيلم أبعد من مجرد صراع على القوة بين العميل التركي ورجل القوات الخاصة الاسرائيلي، فالقصة الحقيقية هي حول "سيمون" – وهي شابة أميركية من أبوين يهوديين تعمل كدليل سياحي، وكيف تكتشف هذه الشابة "الحقيقة" حول فلسطين مع تطور أحداث الفيلم.

ويقول السيد ساسماز بينما هو يشرب الشاي ويدخن سيجارة خلال استراحة من التصوير "انها (سيمون) تمثل الفردية الأميركية وتكتشف الانسانية حين تجبر أن تعيش بين العرب". ويضيف: "ان شخصيتها هي الوحيدة التي تتطور بعد أن تكتشف المآسي الانسانية في غزة".

ويصر فريق الانتاج أن "وادي الذئاب: فلسطين" الذي سيصبح جاهزا للعرض في اكتوبر المقبل لا علاقة له بالدين وانه لا يغذي معاداة السامية. على الرغم من ذلك، فإن البرنامج التلفزيوني قد صور الجنود الاسرائيليين وهم يخطفون الأطفال ويقتلون المدنيين الأبرياء.

وقد اعترضت اسرائيل رسميا على هذه المشاهد، معتبرة انها تعزز معاداة السامية وانها تشكل خطرا على اليهود في تركيا.

ويقول السيد اوزدينير بأن "الناس يعرفون اسرائيل بشكل كاف كي يستطيعوا التفرقة بين الصهيونية واليهودية"، مضيفا: "ان الجدل حول معاداة السامية هو مجرد زر انذار تستخدمه السياسات الصهيونية الاسرائيلية – فمعاداة السامية لم ولن توجد على هذه الأراضي".

وفي كيرميثان، لم يعترض أحد من بين 300 بيت على طلاء جدرانهم الغير مكتملة والكتابة عليها بالعربية وتعليق ملصقات سياسية فلسطينية عليها كذلك ضمن الجهود لمحاكاة منظر "بيت ليد"، وهي قرية قرب طولكرم في الضفة الغربية.

وقد تم إعادة تموين واجهات المحلات بالبضائع التي أحضرت من غزة، وتم اعادة كتابة كافة اللوحات تقريبا بالعربية.

وطوال الشهرين الماضيين، انتظر المئات من سكان هذا الحي، كبارا وصغارا - رجالا ونساء، لساعات طويلة كي يتمكنوا من تصوير نجوم الفيلم.

وتقول كايا سلطان وهي أم لـ 3 اطفال "لا ادري ماذا تقول هذه الكتابات" فيما تقف أمام الواجهات العربية التي يتم تصويرها،الا انها تضيف: لكننا سعداء في كوننا نساعد العالم على رؤية كيف يتعذب المسلمون في فلسطين". وقد تم اختيار ابنها ذو الـ 11 عاما، قادر، ليكون من ضمن الصغار الذي يرمون الجنود الاسرائيليين بالحجارة في الفيلم.

ويقول المترجم الفلسطيني ومستشار الفيلم الجغرافي الذي رفض الافصاح عن اسمه خوفا على ذويه في الضفة الغربية بأن "هذا الفيلم يظهر الحقيقة حول شعبي"، مضيفا "كل الناس في فلسطين واصدقائي في البلدان المحيطة يعدون الأيام لمشاهدة هذا الفيلم".

وكان 8 من ناشطي السلام الأتراك وشاب تركي من اصل أميركي قد قتلوا كذلك حين هبطت عناصر من القوات الخاصة الاسرائيلية على أحد القوارب، الـ"مافي مارمارا"، في المياه الدولية.

وكانت الحادثة كفيلة بخلق حنق دولي وتدهور العلاقات الاسرائيلية مع تركيا التي كانت يوما حليفا مقربا منها. وتسببت كذلك بتخفيف كبير للحصار على غزة، التي تحكمها "حماس".

وأبلغ قائد عسكري اسرائيلي رفيع المستوى أخيرا لجنة اسرائيلية لتقصي الحقائق حول الحادثة بأنه بالرغم من وقوع اخطاء خلال الهجوم (على القارب) فإن الناشطين كانوا من بدأ بفتح النار على الجنود.