بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزء من بحث في مشكلات القراءة السريعة وعلاجها


بقلم:محمد علي عسيري




مقدّمة :




قيل لأرسطو : كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب : اسأله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ ؟ ويقول هنري والاس : " أحيانا تكون قراءة بعض الكتب أقوى من أي معركة " ، وقيل في الحكم العربية " أن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق ولا يُمل ولا يُعاتبك إذا جفوته ولا يُفشي سرّك " .



ولقد ظّلت القراءة مطلباً منذ بدأنا التعلّم والتعليم ، وأصبحت التطوّر في إخراج مناهجها سيرةً لا تنتهي ،إبداعها يكمن في تقديمها على أفضل حال ، وقد بدأ الاتجاه لتعلّم " القراءة السريعة " كأحد الفنون الجديدة في هذا العصر ، وقدّم هذا العلم تغيّراً ملموساً وجديراً بالاحترام والتقدير ، في الوقت الذي يعاني منه بعض الأشخاص حول مشاكل القراءة ، ومصادرها أن أدّت إلى ظهور مشاكل كالبطء في القراءة ، وهو مشروع بحثنا هذا .



ونظراً لما تشكلّه هذه القضيّة من أثر بالغ على الفرد في تعلم القراءة في حدّ ذاتها ، فضلاً عن تعلم القراءة السريعة ، فقد قمت بمناقشة بعض النقاط التي أثيرت في كتب كثيرة وملتقيات متنوعة ودورات متخصصة ، وعلى رأي الأخصائيين الذي يرون بأن معرفة المشكلة وتحليلها وفهمها ، يوفر قاعدة قويّة للانطلاق منها لإيجاد الحلول المناسبة .



ولعل في هذه المقدّمة أشير إلى أهميّة " المكتبة " كمحفّز مهم للقراءة على العموم ، سواء في المنزل أو المدرسة ، وكذلك أهميّة تفعيلها من قبل الأسرة بما يتفق وسنّ الابن ، والذي ينشأ بناء على ذلك في حب القراءة والاطلاع .




أرجو من الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين .





وسأتناول في هذا البحث محورين مهمين ، يشكلان السبب الأول في بطء القراءة ، وهما ( مصادر مشاكل القراءة ، ومشاكل القراءة العشر ) ، وإليكم هذين المحورين بالتفصيل :





أولاً : مصادر مشكلات القراءة



1.مصادر وهمية : وهي تلك التي تتعلقّ بالإيحاءات والبرمجة الذاتية المحبطة ، دون أن يكون للمشكلة وجود في الأصل ، كقول بعضهم ( أنا لا استوعب ، أنا لست ذكياً ، أنا كبير في السن ، أنا مشغول يومياً ... إلخ ) وهذه العبارات تأخذ حيّزاً في الذات والعقل فتكون البرمجة هنا سلبية ، مؤثرةً على القدرة الحقيقية للشخص على القراءة ، وهي كذلك من أسباب البطء كونها تشكّل عائقاً أمام محاولة القراءة بسرعة أكبر ، وذات العبارات تتكرر مع الأشخاص الذين يحبون القراءة ولكنهم يبرمجون أنفسهم على سلبية القراءة السريعة ، فيقول بعضهم ( لا بد من أن أعود للوراء للتأكد من قراءتي للمعلومة ، أو قوله أنا لا أستطيع تجاوز حد 300 كلمة في الدقيقة ) وهناك من الخرافات المتواترة عن الأهل والبيئة كتلك التي تقول ( بعد ما شاب ودّوه الكتّاب ) وهذه العبارات لها علاقة ببرمجة الذات والعقل ، وتأثيرها مع الوقت يؤدي إلى بطء القراءة وربما الابتعاد عنها نهائياً ، ولعلاج هذه المشكلة لا بد من معرفة أمور مختلفة ، إذ أن القراءة مثلاً لا تحتاج للذكاء أو الحفظ بل لكثرة تمارين ، إضافة إلى أن الأبحاث أثبتت أن نسبة الاستيعاب تكون أكبر مع القراءة السريعة لأولئك الذين يخشون من عدم الاستيعاب أثناء القراءة السريعة ، ولذلك فإن علاج المصادر الوهمية في الغالب يعود إلى برمجة الذات إيجابياً ، والاعتماد على تعزيز الثقة بالنفس ، من خلال تكرار بعض الجمل في أوقات مختلفة كقولنا ( أنا قارئ سريع ، أنا أستطيع القراءة بسرعة ، أنا أستوعب ما اقرأ بامتياز ... إلخ ) ، واستخدام البرمجة اللغوية العصبية (nlp) يساعد كثيراً في حل هذه المشكلة .




2. مصادر نفسية : وهي الحالة النفسية التي تشكّلت نتيجة تراكمات في النفس مع الزمن ، كأن يكون الشخص مصاب بعقدة في المدرسة ويردد ( رؤية الكتاب تذكرني بالإحباطات المدرسية ) ، وكذلك الشرود والقلق والانزعاج المستمر ، كل هذه الحالات تؤدي إلى بطء القراءة ، مما يعزز هذه المشكلة في ذات الفرد ، وبعضهم قد يتوتر أو يتمكّن منه الشرود بسبب ( تقليب الصفحات ) مثلاً ، وهو الأمر الذي عالجه بيتر كومب في كتابة ( الانطلاق في القراءة السريعة ) بطريقة المسح ( طريقة تتم عن طريق وضع الكف على الصفحة كاملة ومسحها بالكف ) ، ويمكن استخدام التمارين والإيحاءات النفسية باستمرار للتخلص من هذه السلبيات ، واستخدام طريقة ( الاسترخاء أو التنويم الإيحائي ) فهو وسيلة مناسبة للتخلص من الترسبّات النفسية ، التي قد تعيق القراءة ، إضافة إلى أنه يجب إدراك أن القراءة لا علاقة لها بما ترتب على المدرسة ، فللمدرسة أساليبها وبرنامجها الذي يجب أن تسير عليه ، بينما القراءة الذاتية تساعدك في اختيار ما تريد قراءته ، وبنفس راضية ( نحن هنا لا نناقش قضيّة تعلّم القراءة في المراحل المبكرة ، ويؤخذ بعين الاعتبار أن البطء في القراءة لا يعني عدم إجادة القراءة ) .




3. مصادر موضوعية : ونقصد بالموضوعية تلك الحالات التي تكون سبباً منطقياً في تأخر أو بطء القراءة ، فصعوبة المفردات اللغوية وتعقيدات الجمل مثلاً تعتبر سبباً منطقياً من أسباب البطء ، لأن الشخص يحاول فهمها ويحتاج إلى وقت أكبر ، وقراءة بطيئة ، إضافة إلى عنصر الملل الذي قد يتملّك البعض ، ويحول دون استمرارهم في القراءة ، ويؤثر بالتالي على سرعتهم .




4. مصادر تقنية : وهي المصادر التي تؤثر على الشخص تقنياً ، وقد تعود أسبابها لقلّة الوعي بأهميّتها ، وربما الاضطرار لاستخدامها في بعض الأحيان ، غير أن المدرك لإشكالياتها يعلم ضرورة التنبّه لها ، مثل قرب المادة المكتوبة من العين وإجهاد العين ( وقد تكون هذه المشكلة تحديداً من سلبيات التعليم في المرحلة المبكرة التي يجب أن تقوم بتعويد الطالب على المسافة المناسبة للقراءة ، وكذلك الجلسة الصحيحة للقراءة ) أيضاً وجود مكتب القراءة في غرفة النوم ، أو أن المقعد غير مريح ومرتفع ، ويمكن علاج مثل هذه الحالات باستخدام تقنيات القراءة الصحيحة كالجلسة الصحيحة ، والبعد المناسب عن الكتاب ، واختيار الأماكن المناسبة للقراءة ، والبعيدة عن التشتيت ، ولذلك نجد أن القرّاء الذين يعتمدون على القراءة في المكتبات العامّة يشكلّون نسبة القرّاء المناسبة لتحقيق معادلة القراءة في أجواء مناسبة جداً .




5. مصادر صحيّة : وهي المصادر التي ترتبط بشكل وثيق بصحّة الشخص ، وتحول دونه ودون الاستمرار في القراءة ، كمشاكل الرقبة ، أو مشاكل الظهر والتهام مفاصل الأقدام ، وآلام متنوعة في الجسم وعدم الالتزام بالوصفات ، ومثل هذه المشاكل يمكن التعامل معها من خلال عمل تمارين رياضيّة مناسبة ، والكتابة باعتدال الرقبة ، وأن تلامس القدمين الأرض بالكامل ، واستقامة الظهر وإراحة العضلات ، وإن احتاج الأمر للطبيب فلا بأس باستشارته .

_______________


وافر التقدير والاحترام للجميع
سائر في ربى الزمن