ان الظواهر الطبيعية شغلت البشر كثيرا وعلى مر العصور، منها خاصية جذب الحجر المغناطيسي لقطع صغيرة من الحديد والجذب عند الدلـك المماثل مع الصوف وجذب العنبر الى التبن وغيرها من الظواهر الاخرى والتي باتت الشاغل الاكبر للفلاسفة.
يقول مؤرخو العلم ان الفيلسوف اليوناني طاليس هو اول من اعطى تفسيرا لهذه الظاهرة الغريبة اذ قال ان للعنبر والحجر المغناطيسي روحا قادرة على جذب الاجسام المجاورة، وهذا كل ما عرفه العلم الحديث عن العلم القديم في هذا الشأن مضافا لذلك التسمية حيث ان العنبر يعني باليونانية (الكترون Electron) ومنه اشتق اسم الكهرباءElectric والحجر المغناطيسي يسمى (مانييس) ومنه اشتقت المغناطيسية (Magnetism).

في القرن السادس عشر نشطت الابحاث العلمية التجريبية وكان اول من اهتم بدراسة خاصية الجذب العالم جيلبر(1540-1603م) حيث صنف - وفق المفهوم الحديث – مثل العنبر والزجاج بـ(المواد العازلة) وفي المقابل الاجسام الاخرى كالحديد بـ (المواد الموصلة)، كما لاحظ العلماء هنالك نوعان من الكهرباء: الكهرباء (الزجاجية) التي تحدث في الزجاج والكهرباء (الصمغية) التي تحدث في العنبر وان الجسمين اللذين لهما نفس النوع من الكهرباء يفترقان اذ ينفر احداهما للاخر في حين ينجذب الجسمان اللذان لهما كهرباء من نوع مختلف، وهاتان الملاحظتان كانا اساسا لابحاث الكهرباء والمغناطيس معا.

في القرن السابع عشر عرف نيوتن قانون الجذب العام والتفسير الميكانيكي للظواهر الطبيعية، فاخذ العلماء يحاولون تفسير الظواهر وفق هذه المفاهيم، وكان العالم كولومب (1785م) اول من توصل الى تحويل الظاهر الكهربائية الى مقدار كمي فيزيائي سماه الشحنة، مما مكنه من وضع قانون جذب الشحنات اشبه بقانون نيوتن للجذب العام، وعلى غرار الفرضيات التي كانت سائدة فرض الفيزياوي فرانكلان (1706-1792م) ان الكهرباء عبارة عن مائع يسري بين الاجسام بشكل متصل، وعندما اكتشفوا العلماء بان الحرارة عبارة عن حركة الجزيئات أي انها منفصلة وليست متصلة اصبح يتساءلون هل يمكن للكهرباء ان تكون منفصلة؟

وفق هذا التصور الجديد توصل العالم هيلموتز (1881م) الى ان الايونات هي اصغر جزء من المادة تندفع منفصلة ومتقطعة وبعد عدة سنوات اكدت نظرية الايونات ان الكهرباء هي فعلا عبارة عن حبات منفصلة تندفع متقطعة متتالية، واول من اقترح تسمية هذه الحبات الكهربائية بـ(الالكترون) كان العالم ستوني (1881م).

بعد عدة بحوث اصبح العلماء ينظرون الى الالكترون بانه جسيما ماديا وله دور أساسي في مكونات الذرة وكانت التجربة الحاسمة في هذا المجال التي قام بها العالم مليكان (1909م) اكدت بشكل لا يقبل الشك طبيعة الالكترون حيث حدد بدقة شحنة الالكترون وكتلته وكشف بتجارب اخرى وجود الكترونات في اجسام اخرى والتي لا تمتلك أي صفه مغناطيسية أي ان الالكترون يدخل في تركيب المادة وانه جزءا اساسيا فيها وهكذا تغيرت نظرتهم للذرة وتبين ان عدد الالكترونات التي تشتمل عليها الذرة ليس واحدا بل يختلف حسب نوع الذرة، وصنفت العناصر حسب الاعداد الذرية (عدد الالكترونات التي تدخل في تكوين الذرة).

من هنا انطلقت الأبحاث الذرية بمنظور جديد وتوالت الفرضيات حول بنية الذرة وكان العالم فورد (1913) اول من وصف الذرة انها اشبه بالنظام الفلكي فكما تدور الكواكب حول الشمس تدور الالكترونات حول الذرة ثم عقبه العالم بور(1913م) بنظرية متكاملة لدرجة كبيرة لوصف الذرة، وفي عام 1916م ادخل سومرفيلد تعديلا جديدا على ذرة بور اعتبر مسار الالكترونات مسارا بيضويا لا دائري واستعمل النظرية النسبية في دراسة حركة الالكترونات حول الذرة. ان كل هذا بناء تصوري افتراضي مما اثار مناقشات حادة من قبل اولئك اللذين يؤمنون بالتجربة والنتائج فقط.

اصبح الشكل الافتراض للذرة من نواة والكترونات، النواة تتألف من بروتونات (موجبة الشحنة) ونوترونات (متعادلة الشحنة) التي تدخل في التركيب الذري، وجسيمات آخرى دقيقة جدا لا تدخل في التركيب الذري مثل الميزون والهيبرون وهما يعيشان فترة قصيرة جدا، كما اكتشفوا أشكال اخرى من الجسيمات الاولية الدقيقة سموها مضادات الجسيمات واكتشفوا البوزترون (1932م) أي مضاد للالكترون له نفس الكتلة ونفس الشحنة ولكنها موجبة وغيرها من الجسيمات الاولية والتي يعجر الخيال عن تصورها كلما تقدمت اجهزة الكشف النووي ففي عام 1994 اكتشف جسيم (كوارك القمة) وهو اخر بناء الداخلي للذرة (المادة)، اذ بلغ عدد الجسيمات المكتشفة سبعمائة جسيم.

وبذلك اصبحت الذرة عالم حقيقي علمي وبنية اساسية في تركيبها الالكتروني السالب ونواتها الموجبة وعلم مستقل بحد ذاته، سمي بالفيزياء الذرية، ولو كنت مساهما في تسميتها لسميتها (عنبر المشخاب) لما له من طعم مميز وفضل على العلم والمعرفة.