السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كانت الموقعة الحاسمة سنة 922 هـ (1517م) بين المماليك بقيادة السلطان قانصوه الغوري وبين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، التي انتصر فيها العثمانيون وأخرجوا المماليك من سوريا ثم من مصر والديار الحجازية المقدسة.

واستمر الحكم العثماني في لبنان منذ ذلك التاريخ حتى سنة (1918م) في هذه السنة غادر آخر جندي عثماني لبنان بعد أن بقي هلال آل عثمان الأتراك يرفرف في أجوائها أربعمائة سنة.

تم بناء عدد من المساجد في ايام العثمانيين في مدينة بيروت القديمة التي كانت داخل سور يحيط بها من جميع جهاتها ما خلا الجهة الساحلية منها، لم تكن بيروت حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تضم أكثر من حوالي خمسة آلاف ساكن، ومع قلة عدد السكان كان عدد المساجد فيها قليلا أيضا.

لا نعدو الواقع إذا قلنا أن هذا الجامع هو أقدم الأبنية الأثرية التي ما تزال قائمة على حالها في بيروت حتى اليوم، في حين تعرضت جميع الآثار القديمة الأخرى في هذه المدينة لعوادي البلى والخراب، وأصبحت مجموعة من الأنقاض المبعثرة في باطن الثرى وبعض هذه الآثار أصبح إطلالا دارسة، لم يبق منها غير رسومها الغامضة.

لمحة موجزة عن تاريخ الجامع
كان معبدا وثنيا وهيكلا بناه الإمبراطور الروماني فيليب الحوراني في القرن الثالث قبل المسيح ليكون معبدا للشمس. وهو من بقايا سكان بيروت القدماء الكنعانيين الجرجشاشيين. تحول إلى قلعة عسكرية ثم إلى مركز علمي ثم تهدمت بيروت بزلزال عنيف عام 635 م، واحتلها المسلمون عام 136هـ.

بني على أنقاض المعبد القديم في الحروب الصليبية عام 1110م في عهد بقدوين ملك القدس باسم كنيسة مار يوحنا المعمداني.

تسلمه المسلمون في عهد صلاح الدين الايوبي من الصليبيين (583 هـ 1187م). استرده الصليبيون 690هـ، 1291م. في عهد الامير سنجر مولى الملك اشرف خليل ابن السطان محمد بن قلاوون.. جدد بناؤه حاكم بيروت زين الدين عبد الرحمن الباعوني سنة 764هـ. وادخل عليه فن البناء والهندسة الاسلامي.

أنشأ المأذنة المرحوم موسى ابن الزيني في عهد الامير الناصر محمد بن الحنش عام 914هـ. وانشئ الصحن الخارجي في عهد حاكم بيروت احمد باشا الجزار عام 1183هـ.

ثم انشأ السلطان عبد الحميد الغازي القفص الحديدي داخل الجامع المنسوب لمقام النبي يحيى وانشأ المنبر القديم عام 1305هـ. وفي عام 1328 هـ. أرسل السلطان محمد رشاد (الشعرة النبوية) الشريفة تقديراً لولاء اهالي بيروت ويفتح الصندوق للتبرك في 26 رمضان من كل عام بإشراف آل الفاخوري.

انشأ المنبر الحالي من الرخام على نفقة إبراهيم الغندور المصري عام 1956م. وفي عام 1952 و1954 و1960م. جددت سقوفيته وترميم عام ونقوش أندلسية من قبل مديرية الأوقاف الإسلامية العامة في بيروت وبمساهمة دار الآثار اللبنانية.

الأساس الذي قام عليه البناء الحالي للجامع
لم يتفق المؤرخون وعلماء العاديات الأثرية على تحديد هوية الأساس القديم الذي ينهض عليه البناء الحالي للجامع، وبالتالي فان هؤلاء وأولئك لم يستطيعوا تعيين الزمن او العهد الذي يرجع إليه هذا الأساس، على ان الذي لا شك فيه هو ان البناء كما هو في حالته الراهنة يحتوي على العديد من الأعمدة والتيجان التي فوقها، قد استخرجها الصليبيون عندما شيدوا كنيستهم من الأنقاض التي كانت مردومة تحت هذا البناء او مبعثرة في باطن الأرض التي تقع إلى جواره.

وقد كتب حول هذا الموضوع العديد من البحاثة والرحالة الأجانب، ففي سنة 1847م. كتب هنري غيز ـ احد الرحالة الأجانب ـ الذي كان قنصلاً لحكومة فرنسا ببيروت، مذكرات ضمنها مشاهداته وانطباعاته عن هذه المدينة وكان لمساجد بيروت في ذلك العهد نصيب مما كتب هذا القنصل الفرنسي.

قال غيز مبتدئاً كلامه بالحديث عن الجامع العمري الكبير الذي كان يومئذ يعرف باسم (جامع النبي يحيى): (..ان المسجد الكبير لا يتميز الا بطراز بنيانه المسيحي ويعود بدء عهده الى زمن الصليبيين، اذ كان كنيسة على عهد القديس يوحنا..وأضاف قائلاً: ان هندسته تشبه هندسة تلك الأبنية التي هي من نوعه، ولا تزال بعض بقاياها قائمة على الشاطئ الواقع بين يافا والكرمل).

أما العالم الأثري الفرنسي دوفوغيه، فقد رجح ان تكون هذه الأنقاض هي بقايا كنيسة بيزنطية كانت تقوم في عهد البيزنطيين بنفس المكان الذي اختاره الصليبيون لبناء كنيستهم التي حولها المسلمون فيما بعد الى جامع لهم.

لكن اختلاف الأقوال في تحديد الأساس الذي يقوم عليه الجامع الحالي يحملنا على عدم الركون الى الأخذ برأي الذين ذهبوا إلى التأكيد بأن الصليبيين بنوا كنيستهم على اسم القديس يوحنا في مكان خال من اي اثر سابق.

هل شيد الصليبيون كنيستهم فوق أنقاض معبد روماني قديم؟
من المعروف أن الأمم التي تتغلب على أعدائها وتستولي على أرضهم تميل في العادة الى تجسيد انتصاراتها العسكرية والقومية بأعمال تعبّر عن رغبتها في إزالة جميع المعالم التي تشير الى الأمم المهزومة، وتبنى على أنقاض هذه المعالم ورسومها الدارسة منشآت ومؤسسات جديدة خاصة بها، وذلك إمعانا في التشفي من الأعداء والقضاء على كل آثارهم او ما يدل على وجودهم السابق، وعلى هذا، فإنه ليس من المبالغة القول بان المكان الذي يقوم عليه بناء الجامع العمري الكبير اليوم، قد عرف في سالف الأزمان معبداً وثنياً قديماً قبل ان يعرف الكنيسة النصرانية في ايام الصليبيين ثم الجامع الاسلامي في أيام المماليك.

والذي يحملنا على هذا الاتجاه، هو ان داوود خليل كنعان، من المؤرخين المتأخرين أشار في إحدى مقالاته التي كتبها في مجلة الجنان تحت عنوان (جواهر ياقوت في تاريخ بيروت) الى رخامة كانت موجودة على باب الدركة الذي كان قائماً في زمانه وعليها كتابة يونانية تفسيرها بالعربية: (أيها الداخل بهذا الباب افتكر بالرحمة).

تدل المكتشفات الأثرية التي عثر عليها صدفة إثناء الحرب العالمية الأولى بالقرب من الجامع الحالي ان الرومان ومن بعدهم البيزنطيون قد اختاروا المنطقة التي وجدت فيها هذه المكتشفات لإقامة العديد من المنشآت والدوائر الرسمية الخاصة بهم، على أن الأب لويس شيخو اليسوعي يقول: انه عندما اكتشفت أنقاض هذه الكنيسة سنة 1916م كانت آثار الحريق الذي أعقب الزلزلة لا تزال ظاهرة على هذه الأنقاض وسواد الحريق باد على حجارتها.

وفي رأي الأب شيخو أن الصليبيين شيدوا كنيستهم بالقرب من هذه الآثار المكتشفة التي يرجح شيخو انه كانت في الأصل كنيسة ملكية، فلما خربت بفعل الزلازل التي تعرضت لها بيروت سنة 550م أعيد بناؤها بأمر من الملك مرتينوس.

والذي يحملنا على الشك في أن الأنقاض المكتشفة سنة 1916م كانت بقايا كنيسة بيزنطية، هو أن المؤرخين أكدوا لنا بأن المكان الذي وجدت فيه هذه الأنقاض لم يكن فيه اي كنيسة سوي في أيام الرومان او في أيام البيزنطيين ومن هؤلاء المؤرخين، بطرس غالب الذي كتب عن نشأة الديانة المسيحية في لبنان فإنه لم يورد اسم الكنيسة التي أشار الها الاب شيخو، عندما تحدث عن الكنائس التي تهدمت في زلزال بيروت سنة 550م.

وكذلك فإن المؤرخ أسد رستم. لم يشر إلى أي كنيسة في المكان الذي حدده شيخو، عندما القى محاضرته عن (دخول النصرانية الى لبنان) التي ألقاها في كنيسة القديس نيقولاوس ببيروت سنة 1961.

عودة الى الجامع العمري وتشييده على أنقاض معبد روماني قديم؟
ان الحفريات المستمرة التي تجري في بيروت القديمة بين الحين والآخر ما تزال تتكشف في أكثر من مكان عن بقايا الأعمدة الضخمة التي تخلفت في باطن الأرض من الحمامات والمسارح والقصور التي بنيت في هذه المدينة عندما كانت تحت حكم الرومان والبيزنطيين وغيرهم.

على إننا، لسنا الآن بصدد الإفاضة بالحديث عن الآثار التي تركتها الأمم الغابرة في ثرى بيروت، ذلك ان الذي يعنينا من هذه الآثار، هو الجانب المتصل منها بالمكان الذي يقوم عليه الجامع العمري الكبير نفسه، لان غرضنا الأساسي هو معرفة الأصول التاريخية للبناء الذي يرتفع عليه هذا الجامع وتحديد هوية هذا البناء والزمن الذي أنشئ فيه لأول مرة.

لذلك نبادر إلى القول، أو بالأصح إلى الترجيح، بان أصول هذا البناء تبدو لنا غير بعيدة عن ملامح العمائر الرومانية التي بنيت في بيروت يوم كانت هذه المدينة تشكل إحدى المقاطعات الساحلية بولاية سوريا التي كانت معقودة اللواء لنواب الأباطرة الرومانيين، وعلى وجه التحديد في أيام شقيق الامبراطور فيليب الحوراني (العربي) الذي كان له الصولجان والسيادة على سائر الممالك الرومانية في العقد الخامس من القرن الثالث الميلادي (244 ـ 249).

وان ما يحملنا على الظن من ان الجامع الحالي يقوم على أصول رومانية هو ما جاء في كتاب (تسريح الإبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار) للأب لامنس الذي يقول: (ومما ازدانت به المدينة من البنايات على شبه رومية ساحة كبرى يجتمع فيها الجمهور وملعب للملاهي العمومية ولعلها أيضا خصّت بهيكل كهيكل المشتري في رومية والمشتري هو نفس جوبيتر الذي كان الرومان يعتبرونه الههم الاكبر).

وان هذا الظن يكاد يرقى في ذهننا إلى درجة اليقين عندما نطالع في المراجع التي لدينا من كتب التاريخ ما يشير إلى أن الجامع العمري الكبير في بيروت يقوم على أنقاض هيكل ديني روماني قبل أن يمر بالمراحل المختلفة التي انتهت به إلى الوضع الراهن.

إننا حين نحاول إرجاع الإطلال التي تحت الجامع العمري الكبير في بيروت الى ايام الرومان، والى عهد الإمبراطور فيليب الحوراني (العربي) بالذات، فإننا نفعل ذلك على سبيل ترجيح وليس على سبيل الجزم والتأكيد...

ذلك أن هذه الإطلال، في حالتها الراهنة، لا تحمل في الواقع اي اثر يدل بصورة واضحة على انتمائها إلى الإمبراطوري المذكر، بالإضافة إلى أن الأعمدة والأنقاض الحجرية التي تتألف منها هذه الإطلال واستعملت في بناء الكنيسة الصليبية ليس فيها اي نص كتابي يشير الى هويتها وزمن بنائها، وإنما نحن اعتمدنا على ملامحها المعمارية وهي ملامح تبدو في شكلها وطراز زخارفها الباقية رومانية او بيزنطية.

هل تكون هذه الأطلال بقايا هيكل جوبيتر نفسه؟
اذا نحن اعتمدنا نهائياً على ترجيح القول بأن الإطلال الموجودة تحت الجامع العمري الكبير هي بالفعل بقايا هيكل روماني فليس هناك ما يمنعنا من الاستنتاج بأن هذا الهيكل كان من بناء فيليب الحوراني نفسه، او على الأقل.

أن هذا الإمبراطور كان احد الأباطرة الرومان الذين ساهموا بإقامة هذا الهيكل مثلما فعل بالنسبة إلى هيكل جوبيتر الدمشقي الذي تعاورته الأيدي بالبناء خلال أجيال متعاقبة من سنوات الحكم الروماني في البلاد السورية.

وحين نلقي نظرة فاحصة على واقع بناء الجامع في شكله الحالي، فإننا نجده باقياً حتى اليوم على نحو ما كان عليه بالأمس البعيد سواء في أروقته او قبته نجده متجهاً نحو الشرق، اي نحو مطلع الشمس التي كانت معبودة الأقوام الغابرين.

ومن الطريف ان النصارى في الشرق حافظوا دائماً على بناء كنائسهم وبيعهم نحو مطلع الشمس، حتى ان الناس ظلوا حتى عهد قريب يستدلون على جهة الشرق في الليل او النهار الغائم من أبنية هذه الكنائس والبيع التي صادفونها في بلادهم.

لذلك فإننا نبادر الى القول بأننا رجحنا وجود هيكل جوبيتر تحت البناء الحالي للجامع العمري الكبير في بيروت، وذلك لما تواتر عندنا من القرائن التاريخية، بالرغم من انه لم يعثر، حتى الآن على أي اثر كتابي يشير إلى اسم هذا الهيكل، على انه وفقاً لما أكده غير واحد من المؤرخين الذين كتبوا عن تاريخ بيروت في أيام الرومان من أن البناء الذي يقوم عليه الجامع المذكور يرجع زمن إنشائه إلى ما قبل الفتح العربي لهذه البلاد وفوق كل ذي علمٍ عليم...

هل بنى العرب الفاتحون مسجداً لهم في مكان هيكل جوبيتر؟
إن بعض النصوص التاريخية المتأخرة تشير أحيانا إلى أن المسلمين عندما استقروا في بيروت بعد الفتوح الأولى، بنوا لأنفسهم مسجداً صغيراً على الأراضي التي يقوم عليها الجامع الحالي، بل أن بعض هذه النصوص يؤكد بأن الجامع نفسه يرجع أساسه إلى ذلك العهد البعيد، فلما احتل الصليبيون المدينة بعد ذلك بعدة قرون بادروا إلى تحويل هذا الجامع الاسلامي إلى كنيسة نصرانية.

ومن الذين قالوا هذا الكلام الشيخ محي الدين الخياط وذلك في كراسة مخطوطة له جاء فيها: وهو ـ اي الجامع العمري الكبير ـ اقدم جوامع البلدة بيروت ومن الذائع على الألسنة والمعروف عند المؤرخين انه من آثار الفتح الاسلامي وأوائل أيام عمر بن الخطاب الخليفة الثاني..

اما عن نسبة هذا الجامع الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فاننا لا نستطيع الا إبداء تحفظنا بهذا الصدد لانه من الثابت ان هذا الخليفة لم يزر بيروت وان تسمية هذا الجامع بالعمري حديثة العهد وهي ترجع الى اسباب أخرى لا علاقة لها بزمن إنشائه.

على انه مما لا شك فيه ان البناء الحالي للجامع لا يرقى إلى ابعد من الزمن الذي أنشأه فيه الصليبيون ليكون كنيسة على اسم مار يوحنا، وان هؤلاء الصليبيين كما اشرنا الى ذلك قد شادوا هذه الكنيسة على أنقاض معبد روماني، وهو ما قد يكون العرب سبقوهم إليه عندما شادوا مسجدهم الذي نرجح بان الصليبيين قد أزالوه عند احتلالهم لبيروت.

ولما كانت سنة 690هـ. (1291م) اذن الله جلت قدرته بان تعود بيروت الى دار الإسلام من جديد حين استخلصها السلطان اشرف بن قلاوون من الصليبيين فما كان منه الا ان بادر واصدر امره بتحويل الكنيسة فوراً الى مسجدٍ جامع واطقلوا عليه اسم جامع فتوح الإسلام اي انتصار الإسلام.

وصف الجامع
في سنة 905هـ.(1449م) تعين ناصر الدين محمد بن الحنش حاكماً على بيروت ايام السلطان قانصوه الغوري المملوكي، وفي ايام ابن الحنش بنيت في الجامع المئذنة الحالية كما تشير النقشية الموجودة فوق مدخلها.

وفي ايام احمد باشا الجزار والي عكا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ألحقت بالجامع بعض الزيادات من الجهة الشمالية المؤدية الى الصحن وفتحت فيه بعض الأبواب بهذه الجهة، كما بني في الصحن حوض ماء للوضوء وفوق الحوض قبة تحتها نقشية كتبت فيها أبيات من الشعر تشير الى تاريخ البناء، وعلى العمودين اللذين عند المدخل الغربي للجامع كتابة مملوكية.

وكذلك توجد كتابة مماثلة على نقشية مثبتة فوق بابه المفتوح في الجهة الشرقية منه، وفي داخل الجامع مقام باسم النبي يحيى، وتقول التقاليد الشعبية ان كف يوحنا المعمدان مدفونة في هذا المقام الذي هو عبارة عن قفص حديدي على أعلاه كتبت بعض الآيات القرآنية وكتابة تشير إلى ان هذا القفص هو هدية من السلطان عبد الحميد الثاني العثماني.

تعاقبت على الجامع أسماء اشتهر بها عند الناس في أزمنة مختلفة ففي العهد المملوكي كان اسمه جامع فتوح الإسلام وفي العهد العثماني كان اسمه جامع النبي يحيى وهو يسمى اليوم الجامع العمري الكبير وقد جرت العادة على إطلاق صفة العمري على كل جامع قديم لتوهم الناس انه بني في ايام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وفي الجهة الشرقية من الجامع غطاء ناووس قديم جعله المسلمون محراباً عليه كتابة يونانية قديمة معناها صوت الرب عند خرير المياه.

قامت مديرية الاوقاف والمديرية العامة للآثار بإجراء بعض الترميمات فيه سنتي 1949 و 1952 وهو يعتبر من الابنية الاثرية بموجب مرسوم جمهوري صادر في 16 يونيو 1936م.

وفي الجهة الغربية بالقرب من بابه الكبير، نقشية رخامية مثبتة على الحائط تدل على اسم الجامع واسم خطيبه في ايام المماليك عند بدء عهدهم في لبنان، وفي الجهة الجنوبية الغربية منه غرفة معروفة باسم حجرة الاثر الشريف لان فيها ثلاث شعرات منسوبة الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أهديت لمدينة بيروت ايام السلطان عبد المجيد الاول العثماني في أواسط القرن الماضي وقد سرقت هذه الشعرات أثناء الأحداث التي عمت لبنان خلال الحرب الاهلية سنة 1975 وما بعدها.

في بعض جدران الجامع نقائش بيزنطية واخرى عربية وكان فيه مكتبة باسم المكتبة العمرية لكنها لم تعد موجودة.

وحوالي منتصف القرن الماضي بني المدخل الرئيسي لهذا الجامع بالجهة الغربية منه على الطراز العربي وزين بنقوش مرسومة بيد الفنان البيروتي علي العريس. وفي أثناء الحرب الأهلية في بيروت، تعرض الجامع للسرقة وأصيب بأضرار كبيرة وحطم الغوغاء أسماء الصحابة التي كانت في نقائشه الاثرية، وتعطلت فيه الصلاة في تلك الاثناء.

الجامع العمري الكبير رمزاً عربياً إسلامياً أصيلاً أستقر في أذهان البيروتيين منذ مئات السنين، كما أنه شاهد على انطلاقة مئات العلماء والفقهاء الذين كانوا مركزاً لنشر العلم والمعرفة.

الجامع العمري الكبير كغيره من مساجد وسط بيروت ناله من ويلات الحرب ما ناله، فتهدم جزء منه وخرّب جزء آخر، إلى أن وضعت الحرب أوزارها إلى غير رجعة.

وكان دور أهل الخير في إعادة ترميم هذه المساجد التي كان الجامع العمري الكبير والذي تم ترميمه وتجديده على نفقة المحسنة الكويتية السيدة سعاد حمد الحميضي لذكرى والديها الحاج حمد صالح الحميضي وزوجته شيخة محمد سديراوي.

الجامع العمري الكبير يلي جامع الإمام الأوزاعي من حيث القدم، بل إننا لا نعدو الواقع إذا قلنا إن هذا الجامع هو أقدم الأبنية الأثريّة التي ما تزال قائمة على حالها في بيروت حتى اليوم، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطّاب.





كما أن الصليبيين لم يهدموا الجامع العمري الكبير باعتباره رمزاً دينياً وسياسياً وعسكرياً للمسلمين في بلاد الشام، لا سيما وأن السلطان صلاح الدين الأيوبي سبق أن زار بيروت عام 1187م وصلى في مسجدها الجامع، لذا حرص الصليبيون على تحويل هذا المسجد عام 1197م ليس إلى كنيسة فحسب، بل إلى كاتدرائيّة ما تزال ملامحها المعمارية تظهر حتى اليوم لا يما في واجهتها الشرقية. وقد أثبتت الحفريات أن الكنيسة أقيمت فوق بناء المسجد الأيوبي القائم الآن في الطبقة السفلية من المسجد. ومن هنا الالتباس الحاصل والاعتقاد الخاطئ عند اللبنانيين، من أن الجامع العمري الكبير أصله كنيسة، خلافاً للحقيقة التاريخية.



ثم ان التعديلات الأساسية التي طرأت على جامع المجيدية أضافت إليه جمالاً وتناسقاً معمارياً يخدم النمط المعماري العثماني، وليس نقيضاً له. وما طرأ من تعديلات جذرية على الجامع الأموي في بعلبك اعاده أجمل مما كان عليه في العهد الأموي الأول وما نراه نحن اليوم بدعة معمارية، تراه الأجيال اللاحقة بدعة حسنة وتعديلات أساسية كان لا بد من إجرائها.



وكان أكبرها المسجد العمري الكبير (نسبياً) الذي أعتبر عبر التاريخ أنه المسجد ـ الجامع، وبدأت التوسعات المشار إليها بعد أن تزايد عدد سكان بيروت عبر العصور بشكل ملحوظ وما شهده الجامع العمري الكبير أخيراً مع إدخال مئذنة جديدة تتوافق مع المئذنة القديمة، إنما استجعتها الظروف الدينية والاجتماعية الجديدة، في بيروت المحروسة، فضلاً عن {اوديتوريوم} سفلى للمحاضرات.







في عام 1305هـ أنشأ السلطان عبد الحميد الثاني القفص الحديدي داخل المسجد المنسوب لمقام النبي يحيى، تقول التقاليد الشعبيّة إن كف يوحنا المعمداني مدفونة في هذا المقام، كما أنشأ المنبر القديم.





تعاقبت على الجامع أسماء أشتهر بها عند الناس في أزمنة مختلفة، ففي العهد المملوكي كان إسمه (جامع فتوح الإسلام) أي انتصار الإسلام وذلك عندما أخرج المماليك الصليبيين من البلاد، وفي العهد العثماني كان أسمه (جامع النبي يحيى)، أو (جامع سيدنا يحيى) وذلك لأحد احتمالين: الأول، تكرار الاسم الذي كان يُطلق عليه عندما كان كاتدرائيّة صليبيّة، والثاني، توهم وجود جزء من رفات النبي يحيى فيه.

في سنتي1949 و1952م قامت مديرية الأوقاف الإسلاميّة والمديرية العامة للآثار بإجراء بعض الترميمات، وهو يعتبر من الأبنية الأثرية بموجب مرسوم جمهوري صادر في 16 حزيران 1936م، وحوالي منتصف القرن العشرين بني المدخل الرئيسي لهذا الجامع بالجهة الغربيّة منه على الطراز العربي وزُيّن بنقوش مرسومة بيد الفنان البيروتي علي العريس، في أثناء اضطراب الأمن في بيروت، تعرض الجامع للسرقة وأصيب بأضرار كبيرة، وحطّم الغوغاء أسماء الصحابة التي كانت في نقائشه الأثرية وتعطلت فيه الصلاة.