الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر.. إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني" تشي جيفارا "


الاسم: "أرنستو جيفارا دي لاسيرنا" الملقب بالـ"تشي" التي تعني الرفيق
مواليد: 4/8/1928
المنشأ: في حي "روساريو" الكائن بمدينة "بوينس أيريس" عاصمة الأرجنتين في عائلة برجوازية عريقة.
المهنة: ثائر يبحث عن المظلوم لينصره في أي بقعة في الأرض.
الأسرة: الأب مهندس معماري، ميسور الحال، دائم التنقل قضى آخر أيامه في كوبا، لكن الأم عُرفت بأنها مثقفة ونشطة وهي التي نفخت في الفتى من روحها الشغوفة بتاريخ الأرجنتين، بل وأمريكا اللاتينية كلها.. وربته على سِيَر المحررين العظام أو "آباء الوطن"، وعلى قصائد الشعر لا سيما الشعر الأسباني والأدب الفرنسي



روح لا يصيبها الربو

كان الفتى النحيل الذي لا يتعدى طوله 173 سم يمارس الرياضة بانتظام لمواجهة نوبات الربو المزمن التي كانت تنتابه منذ صغره. أما روحه فكانت لاذعة ساخرة من كل شيء حتى من نفسه، وقد أجمعت آراء من اقتربوا منه أنه كان يحمل داخله تناقصا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت عميقه، كما كان جذابا وعبثي المظهر كذلك.
اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتى العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أمريكا اللاتينية.


الطبيب في رحلة على الدراجة

في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره قام بجولة طويلة استمرت حوالي 8 أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديق طبيب كان أكبر منه سنا وأقرب إلى السياسة.
ومن هنا بدأ استكشاف الواقع الاجتماعي للقارة، وبدأ وعيه يتفتح ويعرف أن في الحياة هموما أكثر من مرضه الذي كان الهاجس الأول لأسرته؛ فرأى حياة الجماعات الهندية، وعاين بنفسه النقص في الغذاء والقمع.. ومارس الطب مع عمال أحد المناجم وهو ما حدا بالبعض أن يصفه بأنه من الأطباء الحمر الأوروبيين في القرن 19 الذين انحازوا إلى المذاهب الاجتماعية الثورية بفعل خبرتهم في الأمراض التي تنهش الفقراء.


صائد الفراشات في جواتيمالا

وفي عام 1953 بعد حصوله على إجازته الطبية قام برحلته الثانية وكانت إلى جواتيمالا، حيث ساند رئيسها الشاب الذي كان يقوم بمحاولات إصلاح أفشلتها تدخلات المخابرات الأمريكية، وقامت ثورة شعبية تندد بهذه التدخلات؛ ما أدى لمقتل 9 آلاف شخص، فآمن الطبيب المتطوع الذي يمارس هواياته الصغيرة: التصوير وصيد الفراشات، أن الشعوب المسلحة فقط هي القادرة على صنع مقدراتها واستحقاق الحياة الفضلى.
وفي عام 1955 يقابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، والعجيب أن هيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين وتروتسكي وماو.


مع كاسترو في المكسيك

غادر "جيفارا" جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي بها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية.
كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952 سبب تعارف جيفارا بفيدل كاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: "جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم".. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: "المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها". واتفق الاثنان على مبدأ "الكف عن التباكي، وبدء المقاومة المسلحة".


حبنا الوحشي للوطن

اتجها إلى كوبا، وبدأ الهجوم الأول الذي قاما به، ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه "راءول" وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية.
وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين حتى دخلت العاصمة هافانا في يناير 1959 منتصرين بعد أن أطاحوا بحكم الديكتاتور "باتيستا"، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشي" يعني رفيق السلاح، وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى.
وقتها كان الـ"تشي جيفارا" قد وصل إلى أعلى رتبة عسكرية (قائد)، ثم تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة –وعلى رأسها فيدل كاسترو- على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت مناصب: - سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.
- منظم الميليشيا.
- رئيس البنك المركزي.
- مسئول التخطيط.
- وزير الصناعة.
ومن مواقعه تلك قام الـ"تشي" بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة ؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر.


تشي يتتبع رائحة الثورة

وعلى الرغم من العلاقة العميقة القوية بين جيفارا وكاسترو، فإن اختلافا في وجهتي نظريهما حدث بعد فترة؛ فقد كان كاسترو منحازا بشدة إلى الاتحاد السوفيتي، وكان يهاجم باقي الدول الاشتراكية.
كما اصطدم جيفارا بالممارسات الوحشية والفاسدة التي كان يقوم بها قادة حكومة الثورة وقتها، والتي كانت على عكس ما يرى في الماركسية من إنسانية.. فقرر الـ"تشي" مغادرة كوبا متجها إلى الكونغو الديمقراطية (زائير)، وأرسل برسالة إلى كاسترو في أكتوبر 1965 تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.
وذهب "تشي" لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ"تشي" في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة.


خزانات المسدس والأقلام.. كلها رصاص

بعد إقامة قصيرة في كوبا إثر العودة من زائير اتجه جيفارا إلى بوليفيا التي اختارها، ربما لأن بها أعلى نسبة من السكان الهنود في القارة.
لم يكن مشروع "تشي" خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة.
وقد قام "تشي" بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1976 بكتابه يوميات المعركة.
وعن هذه اليوميات يروي فيدل كاسترو: "كانت كتابة اليوميات عادة عند تشي لازمته منذ أيام ثورة كوبا التي كنا فيها معا، كان يقف وسط الغابات وفي وقت الراحة ويمسك بالقلم يسجل به ما يرى أنه جدير بالتسجيل، هذه اليوميات لم تُكتب بقصد النشر، وإنما كُتبت في اللحظات القليلة النادرة التي كان يستريح فيها وسط كفاح بطولي يفوق طاقة البشر".


الفشل في الحشد الجماهيري

فشل رجال العصابات، في بوليفيا، في أن يصبحوا جزءا من حركة اجتماعية متعددة الرؤوس قادهم إلى حتفهم. كان جيفارا في أيامه الأخيرة في حالة يرثى لها من الحزن والسخط على عدم قيام الطبقة العاملة في المناجم بانتفاضتها، التي كان يأمل في أن يكون حافزا لها. (كان الحزب الشيوعي قوي النفوذ وسط عمال المناجم في بوليفيا) الانتفاضة كانت ستمنح رجال حرب العصابات تأثيرا أقوى كثيرا جدا.
فعليا، تغلب عمال المناجم على تحفظ الحزب الشيوعي ودخلوا في إضراب، ولكنه كان صغيرا جدا، وجاء بعد فوات الأوان.
اضمحلت العصابات، وتمنى تشي ولو مجرد مدد من 100 رجل؛ حيث أن مثل هذا الرقم فضلا عن كونه هزيل جدا (كما كان يعتقد) ألا انالأمر كان سيختلف.



اللحظات الأخيرة حيث لا يستسلم أحد

في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فردا، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل.
وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2) وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا.
نُقل "تشي" إلى قرية "لاهيجيراس"، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه.
وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه: "ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي".
دخل ماريو عليه مترددا فقال له "تشي": أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل، ولكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم.


الخلاصات:

بدأ جيفارا من معطيات صفرية كأي ثائر:

- مصاب بالربو (وفي ذلك ما كان من الممكن أن يشغله ويعفيه عن أي عمل مقاوم)
- يتحرك في أرض جديدة عليه.
- البدء ب 80 رجلاً وبعد الهجوم الأول لم يتبق سوى 10 منهم.

قوة الإرادة:

فلم يستسلم لهذه المعطيات الصفرية بل مضى موقناً بانتصاره وتحدى قوة الولايات المتحدة الأمريكية العاتية.
كانت فكرة التحرير في دمه:
فرغم انتصاره وترقيه أعلى مناصب الدولة إلا أنه آثر أن يحيا ثورياً ينافح عن المظلومين. فخلع ملابس الوزير ليرتدي الزي العسكري ويذهب إلى قارة أفريقيا لنصرة المظلومين. ثم عاد مرة أخرى إلى أمريكا اللاتينية. حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة.
إن أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون أناس اشتراكيون قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدرا لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بان نبدأالعيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله،من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفيةالمعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.

التمويل

كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه.

جيفارا يصطدم بالماركسية الرسمية

- لأنه الوحيدالذي درس أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
- الثورة في كوباصنعت، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، مستقلة عن، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة التي لم يكن من السهل صنعها عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في اخذ سلطة الدولة وتأسيسها دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب - - الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.