تحقيق الاتصال عبر القمر الصناعي، لا تعوقه المسافة، ولا الموقع؛ إذ توجه الموجة الكهرومغناطيسية، التي تحمل المعلومات، نحو القمر الصناعي، الذي يتولى إعادة بثها نحو الجهة المعنية بالاتصال، في أيّ مكان على الكرة الأرضية؛ ويكون ذلك بسرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية، التي تقطع 300 ألف كم في الثانية الواحدة.



ومنذ عام 1970، أصبح الاعتماد كبيراً ومتزايداً على الأقمار الصناعية، لتحقيق الاتصال عبْر القارات والمحيطات. ولذلك، أُطلقت أقمار صناعية كثيرة، لتحتل مكانها في الفضاء؛ حتى إن المدار الملائم لها، أصبح مزدحماً. وتتمتع الاتصالات بواسطة الأقمار الصناعية بمميزات، أهمها عدم الحاجة إلى إنشاء الكُبُول وصيانتها، عبْر المحيطات والقارات؛ وهو أمر صعب، ومرتفع النفقات؛ إضافة إلى أن حركة الاتصالات الكثيفة، عبْر القارات، تعوض مادياً نفقة هندسة أقمار الاتصالات ، وإنتاجها وإطلاقها. ويُضاف إلى الاستخدام الدقيق الجدوى الاقتصادية.



ويحدّ من استخدام الأقمار الصناعية في أغراض الاتصال بعض القيود الفنية ، مثل:
استخدام هوائيات ضخمة، على متن تلك الأقمار؛ وازدحام الحيزات الترددية الصالحة للعمل
الاستثمارات المرتفعة، ونفقة التأمين الباهظة، لمواجهة احتمالات فشل عمليات الإطلاق ووضع القمر الصناعي في مداره الملائم؛
والفقد العالي لقدرة الإشارات، عند الترددات الأعلى من 30 جيجاهرتزاً.

وعدم استخدام أقمار الاتصالات هوائيات ضخمة، يؤدي إلى اتساع النماذج الإشعاعية؛ ما ينتج ذلك تداخلات كهرومغناطيسية مع المعدات الأرضية الأخرى، أدت إلى وضع القيود الدولية على قدرة الإشارات المسموح بتداولها عبر أقمار الاتصالات. ونجم عن ذلك استخدام محطات استقبال، لها هوائيات ضخمة جداً، للحصول على معاملات كسب عالية للهوائيات، و تحسّن أداءها، وتزيد من كفاءة استقبالها للإشارات الضعيفة.



وتعمل أقمار الاتصالات في حيزات الترددات فوق العالية U H F، والترددات فائقة الارتفاع SHF، والترددات المرتفعة جداً EHF، ولكلّ حيز من هذه الحيزات مميزات وأوجُه قصور . وتتكامل الأقمار، التي تعمل في الحيزات الثلاثة، لتوفر الخدمة المتكاملة، التي تبدأ من تحقيق الاتصالات الفردية، إلى اتصالات بحجم شبكة الإنترنت. إلا أن الأقمار، التي تعمل في حيز الترددات فوق العالية فقط، هي أقل الأقمار الصناعية تكلفة، وتستخدم محطاتها الأرضية هوائيات متنقلة، صغيرة الحجم؛ ولكنها غير قادرة على نقل معدل عال من المعلومات، وتلائم استيعاب القنوات الصوتية المفردة، ولا يمكنها مقاومة التداخلات الإلكترونية.



والأقمار الصناعية، التي تقتصر على استخدم حيز الترددات فائقة الارتفاع، تستوعب معدلات عالية من البيانات الرقمية؛ ولكن تكلفة المحطات الأرضية، والأقمار الصناعية، أكثر ارتفاعاً؛ غير أنها قادرة على مقاومة الإعاقة الإلكترونية. أمّا الأقمار الصناعية، التي تستخدم الترددات المرتفعة جداً EHF فقط، فنفقتها مرتفعة كذلك؛ ولكنها توفر حركة للمحطات الأرضية، ودرجة عالية لمقاومة التشوش الإلكتروني؛ فضلا عن قدرتها العالية على استيعاب الرسائل ذات المعدلات العالية من البيانات الرقمية.

ومنذ إطلاق أول قمر للاتصالات (القمر SCORE الأمريكي) في 18 ديسمبر 1958، يحلق العديد من الأقمار الصناعية في مدارات مختلفة حول الكرة الأرضية؛ منها أقمار، أطلقت خصيصاً لتقوية الاتصالات العسكرية وها، مثل:
منظومة أقمار FLTSATCOM لاتصالات الأسطول الأمريكي
ومنظومة AFSATCOM لاتصالات القوات الجوية الأمريكية
؛ ومنظومتَي DSCS وMILSTAR للقيادة الإستراتيجية الأمريكية
ومنظومة SKYNET البريطانية
ومنظومة NATO لحلف شمال الأطلسي
ومنظومة YESS-2
ومنظومة STRELLA الروسية.

ومنها أقمار، أطلقت خصيصاً لتعزيز الاتصالات المدنية، وتقوية شبكات الاتصال العالمية، مثل:
منظومة INTELSAT،
ومنظومة INMARSAT التي تديرها المنظمة الدولية للملاحة البحرية IMO؛
إضافة إلى أقمار أخرى، متعددة الجنسيات؛ منها الروسي، والياباني، والفرنسي، والإسرائيلي. وقد دخلت الدول العربية إلى هذا المجال،
فأُطلقت عدة أقمار للاتصالات، تُستخدم أساساً في الإرسال التليفزيوني.



ويمكن تقسيم الأقمار العسكرية ثلاثة أجيال :

(1) الجيل الأول
حقق الجيل الأول مطالب الاتصالات، على المستوي الإستراتيجي، عام 1968، بواسطة القمر Molniya -1؛ إذ عمل في نظام، أطلق عليه اسم Korund. وفي عام 1972 طورت منظومة Korund، باستخدام القمر Molniya-2. وانتهي هذا التطوير في عام 1975، وأصبحت المنظومة متاحة لاستخدام قيادات القوات: الصاروخية والجوية والبحرية.

(2) الجيل الثاني
تمثل في تطوير منظومة أقمار الاتصال الإستراتيجية، Geo - 1K، وهي تعتمد على أقمار صناعية، وضعت في مدارات متزامنة. ولم تصبح المنظومة عاملة بالطاقة الكاملة، إلا في النصف الأول من عام 1980.

(3) الجيل الثالث
تكونت المنظومة GKKRS من مجموعة الأقمار Potok، التي حققت الاتصال بين المواقع الثابتة وأقمار الاستطلاع الكهروبصري YANTAR-4KS1؛ ومن مجموعة الأقمار لوتش Lutch، التي حققت الاتصال بين المحطات الفضائية: مير وسويوز، وسفن الأسطول السوفيتي. وبدأت روسيا تطوير منظومة القيادة والسيطرة العامة GKKRS، لتوفير اتصالات ذات معدل عال، لتبادل البيانات بين مواقع أرضية ثابتة ومنصات متحركة، إضافة إلى الطائرات، والقطع البحرية، والوحدات البرية.

واستمرت منظومة الاتصالات الموحدة YESS-2 في استخدام القمرَين: Molniya-1T، وMolniya-3، إضافة إلى استخدام القمر الحديث Raduga-1. وخصصت هذه المنظومة للاتصالات الإستراتيجية، مع المنصات المتحركة ذات الطبيعة الخاصة. وتخطط الحكومة الروسية، أن تستبدل، تدريجاً، بالأقمار الصناعية، التي تكون منظومة Molniya للاتصالات، أقماراً أحدث، أطلق عليها اسم Mayak، يراوح وزن كلّ منها بين 2500 و3 آلاف كجم؛ ويحمل معدات اتصال، يصل وزنها إلى 580 كجم؛ ويغطي حيزات الاتصال الترددية C , L، ويمكنه العمل مع قنوات اتصال منظومة INMARSAT الدولية؛ ويزيد عمره الافتراضي على 10 سنوات.



أحدثت الأقمار الصناعية نقلة نوعية في مجال الاتصالات، سوف يستمر تأثيرها إلى مديات بعيدة جداً؛ بل هي من أهم أسباب ثورة الاتصالات الحديثة؛ فقد قضت على مشاكل كثيرة، كان يعانيها مستخدم الاتصالات اللاسلكية على وجه الخصوص. كما أن هذه الأقمار، قد أضافت أبعاداً جديدة، في المجالات كافة، وفي جميع الميادين، وعلى المستوى: العالمي والمحلي. فالمجال الاقتصادي، يدين بكلّ الفضل في سرعة نقل البيانات الخاصة بسوق المال والبورصات العالمية، وعقد حجوم كبيرة من التجارة الإلكترونية. والقادة والمفكرون العسكريون يرون أن هذه الصناعة الحديثة، قد أوجدت منفذاً كبيراً إلى عمق العدوّ وقراءة أفكاره عن بعد. والساسة في العالم، يعلمون تماماً أن هذه الأداة أصبحت ضمن أدوات السياسة وصنع القرار والتأثير في الرأي العام: المحلي والعالمي، من خلال سرعة إيصال المعلومات.