جيمس ماكسويل... عالم مغمور ينافس آينشتاين ونيوتن

في عام 1888، أجريت تجربة علمية في غرفة معتمة النوافذ على الكهرباء وكانت تلك التجربة اول اثبات عملي لنظرية لاتزال معانيها الضمنية تستكشف حتى يومنا هذا.


ولقد كشفت تلك التجربة، ولأول مرة، وحدة قوى الطبيعة وهي تشكل الأساس لصناعة الاتصالات الحالية. وفي كل مرة نجري اتصالاً عبر الهاتف المتحرك او نشاهد التلفاز او نرى صوراً من الفضاء، فاننا نشهد بذلك آثاراً تنبأت بها معادلاتها. كانت تلك المعادلات قد درست قبل 150 عاماً من قبل الشاب جيمس كلارك ماكسويل، وهو عالم غير معروف خارج الأوساط العلمية، مع أنه حظي باعجاب كبير من جانب آينشتاين.


ولايزال علماء الفيزياء يحاولون توحيد قوى الطبيعة في نظرية واحدة لكل شيء، وهو مسعى كان قد بدأ مع ماكسويل. وقد أثبت ماكسويل ان الفرقعة الناجمة عن شرارة تمر بين قطبين كهربائيين وانجذاب مغناطيسين ما هما إلاّ وجهان مختلفان لقوة واحدة هي: القوة المغناطيسية الكهربائية «الكهرومغناطيسية». وبعد ان اوجد العلاقة بينهما مضى ماكسويل في تنبؤه بأنهما سيولدان موجات من الطاقة الكهرومغناطيسية القادرة على الانتقال عبر الفراغ الفضائي. وكانت هذه الموجات هي التي توجت تلك التجربة في المختبر وهي التي منحت ماكسويل مكاناً دائماً له في قائمة مشاهير العلماء.


وقد غطت براعة هذا الاكتشاف على جميع انجازات ماكسويل الأخرى الكثيرة، التي لا ينافسها سوى أعمال آينشتاين ونيوتن. ومن جوهر اللون الى طبيعة الحلقات المحيطة بكوكب زحل، طبق ماكسويل توليفة من القدرة الرياضية والبصيرة الفيزيائية للكشف عن حقائق جديدة حول الكون. وهذه نتيجة جيدة بالنسبة لشخص كان ينعت في المدرسة بـ «الأحمق».


ولد ماكسويل في أدنبرة عام 1831، وكان الطفل الوحيد لأرمل دمث الأخلاق ولكنه غريب الأطوار.


وهذا الجو الذي ترعرع فيه ماكسويل جعله يبدو غريب الأطوار هو الاخر وقاد الى خوض شجارات عديمة الرحمة في المدرسة. ولكن مع بداية سن المراهقة، طور ماكسويل اهتماماً بالرياضيات والعلوم، حيث نشر اول ورقة بحث له حول اسلوب جديد لرسم المنحنيات الرياضية وهو في سن الرابعة عشرة.


وبعد ذلك بعامين، اصبح ماكسويل طالباً في جامعة ادنبرة، حيث أدت اهتماماته المتنامية الى بروز المزيد من اوراق البحث حول الرياضيات والفيزياء. وألح اساتذته على والده ان يرسله الى كامبريدج وبعد تخرجه من كلية ترينيتي في عام 1854 بالترتيب الثاني على دفعته، بدأ ماكسويل بممارسة مهنة أكاديمية ولكن لفترة قصيرة. وفي السنة التالية، استطاع ان يحل لغزين كان قد استعصى حلهما منذ فترة طويلة. الاول كان يتعلق بطبيعة الحلقات المحيطة بكوكب زحل، والثاني ركّز على كيفية رؤيتنا للألوان، والحل الذي توصل اليه بهذا الخصوص وضع الأسس لجميع انواع التصوير الملون الحديث. وقبل ذلك التاريخ بحوالي 150 عاماً، استخدم اسحق نيوتن منشوراً لكي يثبت ان الضوء الابيض يضم جميع الالوان في الطيف الشمسي.


غير ان الرسامين كانوا يعلمون ان خلط جميع الألوان المعروفة لا يعطي اللون الابيض وانما يعطي مزيجاً ذا لون طيني.


استطاع ماكسويل ان يحل هذا التناقض عن طريق اثبات حقيقة ان مزج الألوان الضوئية يختلف بصورة اساسية عن مزج الأصباغ. فالصبغ الأحمر يبدو احمر اللون لأنه يمتص جميع الألوان في الضوء الأبيض باستثناء الاحمر الذي يعكسه. ومزج الأصباغ يؤدي فقط الى جمع ما يطرحه من الوان الضوء الابيض، مما يخلّف لوناً كالحاً. غير ان مزج اضواء ملونة مختلفة يعمل على جمع الالوان المختلفة لكي تعطي لوناً زاهياً وواضحاً.


استخدم ماكسويل هذا الاكتشاف لتأكيد مزاعم توماس يونج من ان اي لون يمكن انتاجه من خلال مزج نسب مختلفة من الوان ثلاثة للضوء هي الأحمر البرتقالي والبنفسجي المزرق والأخضر. وكدليل على ذلك، التقط ماكسويل صوراً لقطعة من قماش الطرطان عبر فلاتر لهذه الالوان الثلاثة، وأثبت ان التوليفة هذه استطاعت ان تلتقط الوان القماش بدقة. وأصبحت هذه الصورة هي الاولى في مجال التصوير الملون ولايزال نظام الألوان «الاحمر والأخضر والأزرق» مستخدماً في التلفزيون الملون حتى يومنا هذا. ومن اكتشافاته المؤثرة والتي بنيت عليها الابتكارات التكنولوجية الحديثة المجال المغناطيسي واستخدامه في نقل الكهرباء من مكان لاخر. ومن هنا وجد العلاقة بين القوة المغناطيسية والقوة الكهربائية، وخرج بما يعرف بالقوة الكهرومغناطيسية التي تنتج موجات كهرومغناطيسية أصبح لها فيما بعد استخدامات مفيدة كثيرة.


وكانت لماكسويل بحوث أخرى في مجال الضوء والذرة. ولكن المرض لم يمهله كثيراً، فقد أصيب بمرض السرطان ومات في عام 1879 قبل ان يكمل عامه الثامن والاربعين وماتت معه تلك العبقرية العلمية الفذة.


وهذه نظرياته الاربع التي فجرت النهضه العلمية في مجال الاتصالات