لقد إزدادت أهمية الربط بين أنظمة القوى الكهربائية ويعود ذلك بسبب إعتماد العالم كله على الكهرباء وسهولة نقلها بين أقطاره المترامية ، بالإضافة إلى فائدتها الإقتصادية والفنية المشتركة من إستقرار في الشبكات الكهربائية وإستمرارية في التغذية وتوفير في التكاليف ، ومما لا شك فيه أن الربط الكهربائي يشكل أساساً علمياً يجب الأخذ به ، ومحاولة تطبيقه على الأنظمة المتكاملة المعزولة عن بعضها البعض متى ما كان ذلك مناسباً .

حيث أن للربط الكهربائي مزايا متعددة ، ومن تك المزايا مجابهة الأحمال المستقبلية و مجابهة خروج الوحدات المولدة للطاقة الكهربائية من النظام ، بالإضافة إلى تقليل إحتمالية الإنقطاعات الكهربائية وما تسببه من تأثير وخسائر على المستهلكين بإختلاف فئاتهم وحاجاتهم للطاقة الكهربائية .

▪ لماذا الربط الكهربائي؟

إن الهدف الأساسي لاي نظام للقوى الكهربائية إمداد المستهلك بالطاقة الكهربائية بأقصى درجات الاعتماد الممكنة وبأقصى درجات الاقتصاد في تكاليف توليد الطاقة الكهربائية الممكنة . ومما لا شك فيه أن مخاطر فشل النظام الكهربائي وعدم مقدرته على مجابهة الأحمال المستقبلية وما يتبع ذلك يضل أمراً قائماً ، ذلك أن هذا الفشل ينتج لعجز في التوليد أو إرتفاع مفاجئ للأحمال أو غيرها ذو طبيعة عشوائية .
أثناء التخطيط لإنشاء أنظمة القوى الكهربائية يجب أن يراعى قابلية التوسع في قدرات التوليد متى ما كان ذلك ضرورياً ، وإنشاء الوحدات المولدة الجديدة هي أحد الخيارات المتاحة إلا أن تكاليف إنشاء هذه الوحدات الجديدة باهظة الثمن .
وهنا يأتي دور الربط الكهربائي إذ يعتبر هو الخيار الأفضل وخاصة إذا كان هذا الربط بين عدد من المناطق المختلفة في حيث قدراتها التوليدية ونمط أحمالها وإختلاف حدوث أحمالها الذروية .
فالربط الكهربائي يقلل من مخاطر القطع الكهربائي مما يؤدي إلى تحسين مستوى الإعتمادية .

 كيفية ربط الأنظمة الكهربائية :

ربط الأنظمة الكهربائية تتم حسب معطيات وخصائص هذه الأنظمة وإمكاناتها المتوفرة ، وبناءً على دراسات الجدوى الاقتصادية والتقنية في عملية الربط بين هذه الأنظمة .
كما يمكن أن يكون هذا الربط بين نظامين أو أكثر .

*********

 مزايا الربط الكهربائي :

يسعى المخططون والخبراء للمحطات الكهربائية إلى ضمان إمداد الطاقة بأقل التكاليف الممكنة ، وهنا تاتي فائدة الربط الكهربائي حيث تمكن فائدة الربط في تحسين الاعتمادية وتقليل التكاليف ، وهذه نتيجة للمزايا المتعددة للربط الكهربائي .

*********

 فوائد الربط الكهربائي :

من النواحي الاقتصادية :

- إمكانية تركيب محطات توليد ذات استطاعات كبيرة وبالتالي تخفيض التكلفة الاستثمارية وتكلفة الوقود والعمالة ، وبالتالي توفير إنشاء محطات جديدة ذات كلفة عالية ( عند عدم الربط ) أو إضافة وحدات مولدة جديدة .
- إمكانية إنشاء محطات توليد في المواقع الأكثر جدوى اقتصاديا لقربها من مصادر الطاقة الأساسية الرخيصة ( سدود ، الغاز الطبيعي أو المرفق ، مناجم الفحم ، مكامن الصخر الزيتي ، المياه الجوفية الحارة ، إلخ ... ) .
- التقليل من احتياطي التوليد في البلاد المرتبطة مع بعضها كهربائيا ، فمن المعروف أنه في حالة الأنظمة المرتبطة مع بعضها البعض يصبح مجموع الإحتياطي أقل من الإحتياطي الإجمالي في حالة الأنظمة المعزولة .
- الاستفادة من عدم تطابق أوقات الذروة الفصلية أو الأسبوعية أو اليومية ، وذلك يكفل لنا الإستفادة من الطاقة في وقت لا يستفيد منها الأطراف الأخرى المرتبطة ، وذلك أن الأجمال الكهربائية تتباين قيمها الذروية و أوقات حدوثها ، فمن المعروف أن الحمل الذروي لأحمال الأنظمة المرتبطة ببعضها البعض يكون أقل من مجموع الأحمال الذروية لكل نظام على حدة مما يؤدي إلى إتزان في عملية إستهلاك الطاقة وكذلك إلى توفير أكبر في الأحتياطي اللازم .
- الاستفادة من دمج نظامين كهربائيين مختلفين من حيث المسارات بينما يغلب على النظام الثاني الحاجة إلى الطاقة .
- تحسين مردود محطات التوليد العاملة في البلدان المرتبطة بشبكة موحدة بتشغيلها التشغيل الاقتصادي الأمثل .
- خفض التكاليف الثابتة والمتغيرة ، مثل تكاليف إنشاء الوحدات المولدة والصيانة الدورية ( تكاليف ثابتة ) ، و تكاليف إنتاج الطاقة ( تكاليف متغيرة ).
فوائد الربط الكهربائي أيضاً :

من النواحي الفنية :

- إن ارتباط شبكتي دولتين متجاورتين أو أكثر في شبكة موحدة يزيد من ضمانات سحب التغذية إذا اتخذت الإجراءات الفنية اللازمة لحماية الشبكات إذ أنه يمكن مجابهة أي عطل مفاجئ في احدى الشبكات عن طريق تغذيتها من الشبكة المجاورة .
- المساعدة في إستقرارية النظام عند حدوث الأعطال و الإنقطاعات الكهربائية ، ففي حالة الربط الكهربائي فإن إحتمالية حدوث عجزفي التوليد في النظام الكهربائي المرتبط نتيجة للخروج القسري لأحد الوحدات المولدة سوف يقل مقارنة بإحتمالية هذا العجز فيما لو كان النظام الكهربائي معزولاً .
- تبادل الخبرات بين فنيي البلاد العربية نتيجة للعلاقات الوثيقة التي تحدث بسبب الربط الكهربائي وتوحيد النظم والترددات على المدى الطويل .


من النواحي الاستراتيجية :

- لا يمكن بطبيعة الحال اغفال فوائد الربط من الناحية الاستراتيجية ، وخاصة بالنسبة لدول المشرق العربي حيث يتربص العدو الصهيويني بالأمة العربية والإسلامية للتوسع على حسابها ، إذ أن محطات التوليد وأن كانت متفرقة إلا أنها تشكل هدفا سائغا للتخريب أو القصف المباشر كما جرى بالنسبة لمحطات التوليد في دولة سوريا أثناء حرب 1973 .
وقد كان للربط الكهربائي بين دولة سوريا ودولة لبنان في ذلك الوقت الأثر الكبير في التخفيف من العجز في الطاقة في دولة سوريا .
الربط الكهربائي الشامل للوطن العربي :

إن طبيعة المشرق العربي تختلف بصورة واضحة عن طبيعة المغرب العربي ..
من حيث المساحة والتوزع السكاني والطقس ومصادر الطاقة وتطور الكهرباء ..
إذ يبلغ استهلاك الفرد في عام 1983 م في المشرق العربي حوالي 1600 ك . و . س فقط ..
كما أنه المساحة الإجمالية للمشرق العربي تبلغ حوالي 9 . 3 مليون كم2 بينما يبلغ المغرب العربي حوالي 10 مليون كم2 .. ولذلك لا بد من اجراء دراسات اقتصادية لكل من المغرب والمشرق العربي ، كل على حدة .

و لا بد قبل المباشرة باي دراسة للربط ، من أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار :

أ – لربط أي قطر من الاقطار العربية بالأقطار المجاورة له لا بد قبل كل شيء من استكمال الربط الكهربائي بين مختلف أجزاء هذا القطر ، أو على الأقل بين الأحمال الرئيسية في ذلك القطر .

ب – لربط أي قطر من الأقطار العربية بالأقطار المجاورة له لا بد أن تكون الطاقة التي سيتم نقلها متناسبة مع مسافة النقل والتردد الذي سيستعمل لهذا النقل .

ج – لا بد عند دراسة الربط بين قطرين أو أكثر من الاقطار العربية مع معالجة النقاط التالية :
- اجراء الدراسة الاقتصادية وفي حال ثبوت جدواها استكمال بقية النقاط .
- دراسة هيكل الربط .
- المواصفات الكهربائية لتجهيزات محطتي الربط .
- مواصفات خط الربط .
- دراسة استقرار الشبكتين .
- ضبط التردد بين الشبكتين وتنسيق التبادل .




▪ جدوى اقتصادية كبيرة للربط الكهربائي العربي :

(شبكة عربية موحدة للربط الكهربائي) شعار ومضمون لايوجد خيار للدول العربية الا تحقيقه, قبل ان تفرض عليهم تكتلات أشمل وبأسعار مضاعفة.
فبدلاً من ان تسعى كل دولة الى إقامة المزيد من المحطات الكهربائية, لتحقيق الاكتفاء الذاتي لحاجتها من الطاقة الكهربائية أو لتأمين فائض الاحتياطي لمواجهة الطوارىء وتحمل أعباء مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة, والتكاليف الباهظة لإقامة هذه المحطات, تستطيع هذه الدول مشروعات الربط الكهربائي في عدد من بلدان العالم.

وهو ما يعني ان شبكات الربط الكهربائي أصبحت مرادفاً ومعطى للتغيرات الاقتصادية العالمية, وضرورة لدول الوطن العربي التي تطمح الى تحقيق قفزات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية, وتشهد تصاعدا هائلاً في معدلات استهلاك الكهرباء.
بداية المشروع ومنذ عام 1993 والذي شهد انعقاد المؤتمر التأسيسي لمجلس الوزراء العرب المعنيين بالكهرباء والطاقة, والذي بدأ أول دوراته عام 1995 برعاية جامعة الدول العربية بدأت مشروعات ربط الشبكات الكهربائية العربية, تتحول الى واقع فعلي خلال عدد من القرارات التي نصت على البدء في دراسة وتنفيذ مشروعات الربط الكهربائي, وتبادل الخبرات والتدريب في مجال الكهرباء, وجمع وتسهيل تبادل المعلومات المتعلقة بقطاعات الكهرباء, وتوحيد جميع المصطلحات والمواصفات القياسية المتعلقة بالكهرباء في جميع انحاء الوطن العربي.
كما إعتمد المجلس مجموعة من الأسس لضمان النجاح في مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية, تتمثل في وجود نظرة تكاملية لدى جميع الأطراف المشاركة في عملية الربط بين المشرق والمغرب العربي, ووضع معايير عادلة لتوزيع المنافع الناجمة عن هذه المشروعات, وتوفير الخبرات والكوادر الفنية والمستلزمات والتجهيزات, لكافة ما يحتاجه انشاء وتشغيل شبكات الربط الكهربائي.
وتولى الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي, إعداد التقارير والدراسات التي تغطي جميع أقطار الوطن العربي, وساهم بالتمويل في مشروعات لتنفيذ هذه المشروعات التي بدأت بالفعل وتم انجاز مراحل كبيرة منها كنواة لإقامة شبكة كهربائية عربية متكاملة.
وفي استجابة سريعة بدأ مجلس التعاون الخليجي عمل دراسات متخصصة لتنفيذ شبكة كهربائية موحدة تربط بين الكويت والسعودية والبحرين وقطر كمرحلة أولى والامارات وعمان كمرحلة ثانية وتم رصد نحو 6 مليارات دولار لتنفيذ المشروع.
كما أعد مجلس الاتحاد المغاربي دراسات مماثلة لربط شبكات كهرباء تونس والجزائر والمغرب, لتكتمل بذلك الأضلاع المؤهلة لوجود شبكة كهربائية عربية واحدة تمتد من المحيط الى الخليج.

وفي دراسة خاصة للصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي أكد متخصصون ان شبكة الربط الكهربائي بين دول الخليج العربي, يدعم وجودها مجموعة من الخصائص من حيث المنظومات الكهربائية في هذه الدول, والتي تعتمد في مجملها على الطاقة الحرارية ووجود عدد كبير من الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة الكهربائية وتشابه وحدات الانتاج الكهربائي بها من ناحية الحجم والنوع واعتمادها على ترددات نمطية بالنسبة لخطوط وشبكات النقل الكهربائي, وهو ما يسهل كثيراً إقامة شبكات الربط الكهربائي بين هذه الدول, والتي تشكل المملكة العربية السعودية مركز الثقل الكهربائي بها, حيث تصل القدرة الانتاجية والمركبة للكهرباء بها الى 60% من اجمالي الطاقة المنتجة في دول مجلس التعاون الخليجي, والتي يمثل سكانها 60% من سكان هذه الدول.

وأكد عدد من خبراء الطاقة العرب, ان الدول العربية مهيأة بصورة أفضل من غيرها لتنفيذ مشروعات الربط الكهربائي الشامل وتحقيق الاستفادة القصوى من هذه المشروعات بحيث لايقتصر على اقامة شبكات الربط الثنائية بين دولتين أو حتى على الدول المجاورة لكن يجب أن يؤخذ المشروع في اطار شامل لهذه المشروعات, خاصة وان التقنيات التكنولوجية الحديثة, بددت ما كان يتردد في الماضي من صعوبة تحقيق الربط الكهربائي بين المشرق والمغرب العربي.

وتلعب مصر دوراً حيوياً في تحقيق الربط بين جناحي الشبكة الكهربائية العربية في المغرب العربي والجزيرة العربية من خلال كابل كهربائي يمر بالبحر الأحمر, وكابل آخر يمر بالبحر المتوسط ويربط الشبكة العربية بالشبكة الأوروبية. مشيراً الى ان مشروع الشبكة العربية الكهربائية الموحدة, بدأ العمل فيه فعلا تمهيداً لربطها بالشبكة الأوروبية بداية من ربط المشرق العربي والذي يبدأ من القاهرة مروراً بعمان ودمشق وحلب وينتهى في مدينة اسطنبول التركية والثانية ربط المغرب العربي من القاهرة الى طرابلس وتونس والمغرب والمرحلة الثالثة ربط دول الخليج العربي والذي يبدأ من السعودية ويشمل كل دول الخليج ما عدا العراق التي سيتم ربطها بتركيا وبعد اكتمال المراحل الثلاث, يتم ربط الشبكة كلها بالشبكة الأوروبية عن طريق تركيا والمغرب.

ان الدول الأوروبية وهيئات التمويل العالمية تدرك جيداً ان ربط الشبكة العربية الكهربائية الموحدة بالشبكة الأوروبية, سوف يحقق فائدة مزدوجة للدول العربية والأوروبية على حد سواء, وهذا ما جعل بنك الاستثمار الأوروبي يوافق على تقديم 35 مليون دولار لتمويل مرحلة الربط بين تركيا والدول العربية.

وسوف يتم قريباً اطلاق الكهرباء بين مصر والاردن بعد انتهاء آخر مراحل خط الربط الكهربائي بينهما. وكما ان الاتفاقيات التي تم توقيعها بهذا الشأن ومحطات التوليد ومراقبة أعمال الصيانة والتحكم ووضع برامج التشغيل وطرق حساب التعريفة الجمركية لتبادل الطاقة, بما لايضر بمصلحة دولة لصالح دولة اخرى, وبما يحقق في الوقت نفسه استقلالية النظم الكهربائية في كل دولة. وحول الجدوى الاقتصادية لمشاريع الربط الكهربائي بين الدول العربية طالب عدد كبير من الخبراء بضرورة تحقيق التعاون بين مختلف الدول العربية في مجال الطاقة, والتنسيق بين المنظومات الكهربائية في كل منها, حتى لاتذوب الكيانات العربية في اي ربط كهربائي أشمل, بحيث يكون للعرب ميزة تفاوضية فعالة في مجال تحديد الأسعار والأسس, التي سوف يتم بموجبها تبادل الطاقة والقدرة وتحقيق مكاسب متوازنة, ووجود شبكة كهربائية موحدة, سوف يؤدي الى توحيد المواصفات الأساسية للمعدات الكهربائية, وبالتالي توسيع السوق العربية أمام صناعة المعدات الكهربائية, كما يؤدي ربط الشبكات العربية الى إفساح المجال أمام القطاع الخاص من مختلف الدول العربية للمشاركة في مشاريع مشتركة لتوليد الطاقة وادارتها وبيعها للشبكات العربية المرتبطة.

كما لا يخفى ان مشروعات الربط الكهربائي تتسم بأنها ذات طابع يتصف بالديمومة, ومن ثم فإنها ستعمل على ترسيخ الاعتماد المتبادل من خلال التكامل الاقتصادي, وخلق علاقات اقتصادية عربية قوية, وستمثل حجر زاوية في منظومة التعاون الدائم الذي ينعش الآمال في تحقيق وحدة عربية حقيقية تستطيع مواجهة عالم التجمعات الاقتصادية بناء على أسس ثابته وفوائد متبادلة وليس على الشعارات الجوفاء, كما تعتبر أحد أركان الحلم الكبير بإقامة السوق العربية المشتركة.