الاثار الثراتية للوجود الاسلامي في مدينة تشيوانتشو:

تقع مدينة تشيوانتشو في منطقة مجرى نهر جينجيانغ على سواحل بحر الصين الجنوبية الشرقية، أو بالاحرى عند ملتقى النهر والبحر. فهي ميناء طبيعي جيد. ومنذ عهد أسرة الجنوبية الشمالية دخلت تشيوانتشو في مصاف الموانئ الصينية الخاصة بالتجارة الخارجية. أما في أوائل عهد أسرة سونغ الجنوبية فقد استقبلت تشيوانتشو عشرات الآلاف من التجار ورجال الدين الأجانب القادمين لممارسة النشاطات التجارية والدينية. أما مدينة الزيتون التي ذكرها الرحالة العربي العظيم ابن بطوطة في كتابه" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، فهي المدينة المعنية التي نحن بصدد الحديث عنها. لقد جاء في كتابه ما يلي" لما قطعنا البحر، كانت أول مدينة وصلنا إليها مدينة الزيتون، وهذه المدينة ليس بها زيتون ولا بجميع بلاد أهل الصين والهنود، ولكنه اسم أُطلق عليها. وهي مدينة عظيمة كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا والأطلس، وتعرف بالنسبة إليها. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا أو هو أعظمها." وبفضل تطور المواصلات المائية في تشيوانتشو إلى أبعد مدى، فقد ترك المسلمون العرب آثار أقدامهم فيها منذ زمن بعيد، كما خلفوا وراءهم كميات كبيرة من الآثار التاريخية هناك، من ضمنها مسجد يحمل اسم "تشينغجينغ".


ان مسجد تشينغجينغ مسجد كبير، يشغل مساحة تقدر بهكتار واحد. ويتكون من ثلاثة مبان رئيسية، هي قاعة الصلاة وقاعة الدعوة والبوابة. وقد بنيت قاعة الصلاة بأحجار الغرانيت البيضاء المختلفة الأحجام وهي تشغل مساحة قدرها 600 متر مربع. وعلى قبتها وجدرانهم الأربعة نقوش من الآيات القرآنية. وعلى العتبة العليا لباب القاعة ثلاثة سطور من النقوش تشمل الآيات125—127 من سورة البقرة. ومما يدعو إلى الأسف أن قبة القاعة قد تهدمت بفعل الزلازل الشديدة سنة 1608م. أما بوابة المسجد، فيبلغ ارتفاعها عشرين مترا وعرضها يقارب 5 أمتار. وهي مبنية من الغزانيت الأزرق الضارب إلى البياض. وتبدو عتبتها العليا على شكل عقد مخمس. وقد قيل أن هذا النوع من الأشكال المعمارية قد نقل عن مثيله في دمشق. وكان على سطح البوابة المزدانة بشرفات على شكل فراشة منارة، لكنها لم تعد قائمة. وما نقش على عتبة البوابة العليا هو آيات قرآنية. وبالإضافة إلى تميز بوابة المسجد بممر رباعي العقود وثلاثي الفسحات، فإنها بديعة الهندسة ومتناسقة الأجزاء وجميلة النقوش. وهي جديرة بأن تعد من روائع الفن المعماري الإسلامي في القرون الوسطى. وهناك مبخرة من الغرانيت يرجع تاريخها إلى عهد أسرة سونغ الشمالية، ويبلغ ارتفاعها مترا واحدا، ووزنها مئات الكيلوغرامات، وعليها نقوش بالغة الجمال والدقة، وهي تحفة فريدة جدا.


وقد ظل هذا المسجد العريق المميز بأسلوب العمارة الإسلامي يحظى بالاهتمام البالغ من الإختصاصيين الصينيين والأجانب. ويفيدنا رقيم"تاريخ مسجد تشينغجينغ" الذي دبجه وو جيان باللغة الصينية في سنة 1349 ما يلي" هذا شخص يدعى نجيب مظهر الدين، قد أبحر من سيراف في سفينة تجارية إلى تشيوانتشو في السنة الأولى من عهد شاوشينغ لأسرة سونغ الملكية، فتم له بناء هذا المسجد في الناحية الجنوبية من المدينة، ثم أحضر مصابيح فضية ومبخرة تيسيرا لممارسة العبادة، وألحق به اطيانا ومباني ينتفع بها عامة المسلمين. ولما نقل" هودار" وكان موظفا متجولا في منطقة فوجيان مكتبه إلى تشيوانتشو سنة1349 عهد شيخ الإسلام برهان الدين إلى الخطيب شريف الدين بقيادة عامة المسلمين في تقديم الدعوة إلى الموظف المتجول. وفور ذلك قام فاو تشانغ سي يوى(مبعوث الموظف المتجول) بجولة تفقدية في المسجد، حيث أعرب عن رغبته في استعادة ما فقده المسجد من الممتلكات، مما سر الحاضرين ايما سرور." ومنذ ذلك الوقت تحسن وضع المسجد المتدهور. وعرفنا من الرقيم أن" برهان الدين كان قد بلغ من العمر عتيا(120سنة)، إلا أنه كان قوي البدن، فكان يبدو كأنه في مقتبل العمر. ولتفوقه في العلم لقب ب"شيخ الإسلام". كما عرفنا من الرقيم أن المسجد قد أصبح له مجموعة كاملة من رجال الدين، بينهم خطيب وأمام ومؤذن ومتول، إضافة إلى شيخ الإسلام. فيحق لنا القول بأن الرقيم من أنفس المعلومات التاريخية الخاصة بتاريخ مساجد الصين. هذا هو سر إدخاله في "تاريخ مدينة تشوانتشو" منذ زمن بعيد ليرجع إليه المؤرخون.
وعندما جرى تفكيك سور المدينة على مقبرة من بوابتها الجنوبية في الفترة ما بين سنة 1946 وسنة 1948 اكتشفت أكثر من 20 قطعة من الغرانيت منقوشة بكتابات عربية بارزة، كما اكتشف أكثر من 30 قرمة عمود منقوشة برسوم الأزهار إلى جانب آية من الذكر الحكيم" وان المساجد لله". وجدير بالذكر أن موقع هذه الاكتشافات يتفق مع موقع مسجد تشينغجينغ المذكور في الرقيم الصيني الذي جاءت فيه كلمات" لقد بنى هذا المسجد في الناحية الجنوبية من المدينة." الأمر الذي قدم دليلا تكميليا على صحة قول أصحاب وجهة النظر هذه وعلى الرغم من أن وجهة النظر هذه معقولة نسبيا، إلى جانب أنها لا تخلو من الدلائل التاريخية، إلا أن الكثير من المؤخرين ظلوا يشكون في صحتها، فلا يمكن اعتبارها استنتاجا نهائيا.
ومهما يكن من أمر فإن المؤرخين يتفقون على أن المسجد الوحيد القائم حاليا في مدينة تشوانتشو هو من أنفس الآثار الإسلامية في الصين سواء أ كان مسجد "تشينغجينغ" أم مسجد"الصحابة". فلا حظو أنه قد أدرج في قائمة أهم الآثار التاريخية المحمية على نطاق البلاد سنة 1961.

تحياتيngm