هل تدمّر إنتاجيتك بيدك؟
هل تمارس الإدارة الدقائقية على نفسك؟

ستيفن ديميو
إن مصطلح "micromanagement" (والذي يعني اهتمام المدير وتدخّله في كل التفاصيل من غير مراعاة للظروف وللآثار السلبيّة لهذا الاهتمام والذي سنتفق على تعريبه هنا بـِ "إدارة دقائقيّة" أو "صغائريّة") قد بات الآن مألوفاً في كل أحاديث العمل اللارسمية عند مبرّدة الماء أو حول طاولة القهوة.

هذا الانتشار والقبول للمصطلح ليس بمستغرب إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّه التعبير الذي نستخدمه للوم الآخرين، وأنّه الكلمة المنحوتة بعناية فائقة من أجل بوح الموظفين بشكاياتهم وآلامهم في فواصل الاستراحة واللقاء السريعة التي تتاح لهم.

الجدير بالملاحظة هنا هو أن "الإدارة الدقائقيّة" ليست في كل الأحيان بلاءً يلحقه شخصٌ بآخر. والحقيقة هي أنّ المرء كثيراً ما يكونُ الضحية الغافلة لنفسه! الإدارة الدقائقيّة الذاتية كثيراً ما تكونُ بعيدةً عن ملاحظة الإنسان بسبب شدة التصاقها به. ولا يجدُ المرء دافعاً كبيراً لاستكشاف هذه الخصلة والشكوى منها، فإلى من ستشكو نفسك؟

إنّ خفاء إدارة المرء لنفسه إدارة "دقائقيّة"، وحقيقة أنّه هو من يمارسها على نفسه لا يعني أنّها تصبح عديمة الضرر، بل هي ما تزال تعرقل مقدرته على إتمام المهمّات عندما يعمل منفرداً أو مع فريق.

عزيزي القارئ، فيما يلي خطواتٌ أقوم بها كي أكبح المدير "الدقائقيّ" في داخلي، وكي أعرف أيضاً متى ينبغي عليّ أن أطلقه وأستفيد منه.

1- إيّاك أن تغيب الصورة الكاملة عن ناظريك حتّى عندما تقوم بأعمالٍ ضئيلة مضجرة:
في العادة، يقوم المدير الدقائقي بارتداء العدسات المكبّرة وتوجيه نظره إلى كلّ التفاصيل والنواقص الصغيرة مباشرة ودون مراعاة الاعتبارات الإنتاجية والبشرية وبطريقةٍ تجعل أفضل الاقتراحات يبدو كتفتيش استفزازيّ عن الأخطاء والنواقص بغرض الإزعاج وتكسير المعنويات. إن مارست ذلك التدقيق على نفسك فسوف يملؤك الضيق والضجر، وبما أنّه لا وجودَ لمتهمٍ تلقي باللائمة عليه فإنّ ساعات عملك ستصبح ساعاتٍ من عمل السخرة المضني تقوم بها بنفسك تحت تهديد سوطٍ تمسكه بنفسك.

مهما كانت المهمّة التي بين يديك ضئيلةً، إيّاك أن تغفل عن موقعها ضمن الهدف الأكبر. إن هذا الأمر لا يقيك من التوتر وحسب، بل هو يساعدك في إنجاز المهمّة بسرعة أكبر.

2- تجنّب الخوض في التصحيحات المقاطعة لجريان العمل وخصوصاً في أدوار الانطلاق:
إنّ مرحلتك الأولى في العمل على مشروعٍ ما ينبغي أن تكون هي الأطول. في تلك المرحلة عليك أن تمتح نفسك فرصة الاحتكاك بكل عناصر المشروع. لا تبدأ بصقل وتشذيب ركنٍ صغير وأنت لم تنتهِ بعدُ من الهيكل الأساسي. فمثلما أن إلحاح المدير عديم الصبر ومتابعته للموظفين في أدقّ التفاصيل ستعرقل الإنتاجية، سوف يؤدّي اهتمامك الباكر بالتفاصيل إلى عرقلة مشروعك.

صحيحٌ أنّ ملاحقتك الدؤوبة للتفاصيل لا تزعجك مثلما تزعجك المتابعة الدقائقية من قبل شخصٍ آخر، ولكنّها في النهاية تؤذي إنتاجيتك سواءً بسواء.


3- فوّض مهما استطعت، عندما لا تستطيع تفويض مهمّات كاملة فوّض القرارات الصغيرة:
كلّنا نرى كيف أنّ المديرين الدقائقيين لا يستطيعون أن يفوّضوا أحداً إلاّ بشق الأنفس، وعندما يفعلون ذلك مرغمين فإننا نرى كيف تسير عملية التفويض متعثرةً ضعيفة الكفاءة.

بالتأكيد هنالك مهمّات لا بدّ من أن يتولّاها المرء بذاته، وخصوصاً إن كان يعمل مستقلاً، ولكن هنالك أوقاتٌ كثيرة تجدُ فيها أن استشارةً سريعةً لزميل تثق به هي كل ما يلزمك للنجاة من فشل ذريع كنت ستقع فيه لو أنّك اكتفيت بدماغك رئيساً وعضواً مقرراً وحيداً في مجلس التشاور لصناعة القرار.

ليس لك سوى عينين اثنتين لا تستطيعان رؤية كلّ شيء وإن استطاعتا فإنّ دماغك لا يستطيع إدراك وملاحظة كلّ شيء. ولا تنسّ أنّ ما تقضي في حلّه من المشكلات ساعاتٍ وأياماً قد يحلّه غيرك في لحظات.

تفويض القرارات الصغيرة يساعدك في النجاة من دوّامة الإدارة الدقائقية الذاتية.

4- تذكّر أن للإدارة الدقائقية موضعها:
إن جودة المشروع تعتمد في جزءٍ منها على الإنجاز الصحيح للتفاصيل الصغيرة بحيث لا تصبح عوائق تعرقل المشروع كلّه. إن كان عملك يعج بالهفوات الضئيلة فإنّ النزعات الدقائقية لدى من سيستلمون المشروع قد تفعل فعلها ويصبح انشغالهم بهذه النقائص الصغيرة حجاباً يمنعهم من رؤية جوهر عملك.

على الرغم من أن الصورة الكاملة للعمل ينبغي ألاّ تفارق ذهنك في أيّ مرحلة، فإنّك ينبغي أن تكون شديد التمحيص في التفاصيل حينما يكون ذلك مناسباً. إن النوع الردئ من الإدارة الدقائقية هو نتيجة لانعدام الصبر، ومع توفر الصبر لدى المرء فإنّه يغدو قادراً على ممارسة النوع الحسن من الإدارة الدقائقية.

عزيزي القارئ: ترى ما هي ممارسات الإدارة الدقائقية التي تمارسها على نفسك؟ أخبرنا بذلك، وكذلك نرجو أن تخبرنا بمزيد من الأساليب التي تراها ناجعةً في تجنّب هذه النزعة التي كثيراً ما تكون أداة تدميرٍ ذاتية، وأساليب إطلاقها من عقالها حيثما يكون ذلك مناسباً.