بين الحين والآخر تنقل وسائل الإعلام العالمية الأخبار والتقارير المكثفة عن ظاهرة فلكية نادرة أو مهمة جداً يتوقع حدوثها بعد فترة قصيرة. وهذا شيء طبيعي, لأنه يتوجب في مثل هذه الحالات نشر الثقافة العلمية بين الجمهور العادي, كما يتوجب أيضاً محاربة بعض الخرافات والأوهام والتصورات الخاطئة حول مثل هذه الظواهر, كظواهر الخسوف والكسوف وظهور المذنبات الجديدة و زخات الشهب... وتستغل الجمعيات الفلكية وجمعيات هواة الفلك في العالم هذه المناسبات لنشر الثقافة الفلكية ولكن أيضاَ بهدف كسب أنصار جدد لها.
تحاول وسائل الإعلام العربية, وعلى الأخص الأردنية أن تجاري وسائل الإعلام الغربية, ولكن بدون توفيق أحياناً. والسبب هو أنها تترجم بعض المفردات الفلكية خطأ, فيأتي الخبر مرعباً للذي لديه ثقافة فلكية بسيطة أو متوسطة. وأحياناً يأتي الخبر مضحكاً جداً: فناقل الخبر لا يميز بين القمر والكوكب والمجرة والمذنب والشهاب... وكثيراً ما نجد خبراً عن كوكب في مجموعتنا الشمسية, لنكتشف أن المقصود به هو كوكب آخر.
وذات مرة, كتب أحد كتاب الزوايا الصحفية أن مسألة الانفجار السكاني على الأرض سوف تكون محلولة في المستقبل, إذ يمكن لملايين البشر أن يعيشوا على سطح مذنب. وهذا الكاتب لا يدري أن أحجام المذنبات التي نشاهدها تتراوح ما بين خمسة إلى عشرين كيلومتراً فقط, بل وأحياناً فقط كيلومتر واحد لا غير, كالمذنب الشهير ياكوتاكي, الذي ظهر رائعاً في صفحة السماء عام 1996م.
ولكن أكثر الأخطاء في وسائل الإعلام الأردنية ( وعلى الأخص التلفزيون والإذاعة) هو ما يتعلق بالمذنبات والشهب والنيازك. في أوائل التسعينات من القرن الفائت, كنا في الجمعية الفلكية نتنادى هاتفياً إذا ما عرفنا بوجود فيلم فلكي وثائقي ستبثه إحدى المحطات التلفزيونية العربية, بما فيها الأردنية. كنا ننتظر مثلاً فيلماً عن المذنبات فنكتشف أن التلفزيون يبث فيلماً عن الكويكبات أو النيازك.
وبمناسبة اصطدام شظايا المذنب شوميكر مع كوكب المشتري في تموز 1994, كانت وسائل الإعلام تصر أن الاصطدام سوف يحدث مع كوكب المريخ. وبدلاً من شظايا المذنب, كنا نسمع أحياناً أن النيازك هي التي سوف تصطدم بالكوكب.
وبمناسبة عاصفة شهب البرشاويات Perseids في آب 1993, كان للإعلام الأردني ضجيج يزعج حتى الأموات حول هذه الظاهرة الفلكية البسيطة. ولكثرة الأخطاء التي كان يضحك عليها هواة الفلك ويرتعب منها الناس العاديون. كنا في الجمعية نتلقى كل يوم العديد من المكالمات الهاتفية من المواطنين العاديين, يسألون عن خطر الشهب, وهل من الضروري مثلاً تغطية السيارات بالحرامات?? في حينها جمعت نصوص الأخطاء في الصحافة الأردنية مع بعض التعليقات التصحيحية فملأت عشرين صفحة مطبوعة بالحرف الصغير. وتكرمت جريدة الرأي آنذاك ونشرت بعض هذه النصوص. وفيما يلي عينة من الأخطاء الشائعة في الإعلام الأردني حول عاصفة شهب البرشاويات في عام 1993 ولكن حتى نفهم فداحة هذه الأخطاء وجسامتها, سنعطي تعريفاً بسيطاً لهذه الظاهرة الفلكية:
الشهب: عبارة عن حبيبات غبارية أو معدنية تدخل الغلاف الجوي الأرضي بسرعات كبيرة وتحترق كلية في الغلاف الجوي على ارتفاع ما بين 110 إلى 80 كيلومتراً فوق سطح الأرض. إذن لا يصل منها شيء إلى الأرض. فلا خطر منها بتاتاً. والغبار الذي هو مادة الشهب, يأتي معظمه ( أو كله) من المذنبات حين تقترب من الشمس, فيتبخر الجليد من سطحها نتيجة حرارة الشمس, جارفاً معه حبيبات الغبار المخلوطة في مادة المذنب. وهكذا في كل زيارة للمذنب إلى الشمس يخلف وراءه كميات كبيرة من الغبار, الذي مع مرور الوقت الطويل يتوزع على شكل حزام غباري عريض حول مدار المذنب/ فإذا ما مرت الأرض في هذا الحزام الغباري, حدث ما يعرف بالزخة الشهبية (كما سيأتي شرح ذلك فيما بعد).
وشهب البرشاويات هي تلك التي تحدث في كل عام عند منتصف شهر آب تقريباً حينما تمر الأرض في الحزام الغباري الذي خلفه المذنب سويفت تتل .Swift Tuttle ولأن الحزام الغباري غير متجانس في توزيع حبيبات الغبار, فإن الأرض تمر أحياناً في مناطق من الحزام كثيفة بتواجد الغبار, فتحدث الزخات الشهبية القوية, وأحياناً تمر في مناطق لا يوجد فيها إلا القليل من الغبار فلا تحدث زخة شهابية قوية. بالنسبة للبرشاويات في عام 1993, تنبأ الفلكيون لها بحدوث عاصفة فوية.
والخلاصة: إن الشهب لا خطر منها. و شهب البرشاويات ( إسمها باللغة الإنكليزية (Perseids ), أصلها من المذنب سويفت تتل, الذي يدور حول الشمس مرة كل 130 عاماً.
والآن إلى عينات من أخطاء الصحافة الأردنية بشأن البرشاويات :
نص: " وسقطت آلاف الشهب والمذنبات والنيازك في الساعة الواحدة". التعليق: لا علاقة بين هذه الثلاثة حين حدوث الزخة الشهبية. وإذا ما سقط مذنب واحد على الأرض ( قطره مثلاً عشرة كيلومترات فقط) فإن القدرة التدميرية ستكون بقوة عشرة آلاف مليون قنبلة ذرية كالتي سقطت على هيروشيما. فما بالك لو سقطت آلاف المذنبات في الساعة على الأرض, إذن لاختفت كل مظاهر الحياة على الأرض.
نص: " انطلاق أعداد كبيرة من المذنبات في الثانية", والصحيح هو"الشهب".
نص: " مرور الأرض عبر المذنب سويفت تتل", هذا يعني اصطدام المذنب مع الأرض, مما
يعني الكارثة. وكان المقصود هو مرور الأرض في الحزام الغباري الذي خلفه المذنب المذكور".
نص : "نيزك بيرسايد". لا يوجد نيزك بهذا الإسم. فالمقصود هو شهب البرشاويات, لأن إسمها اللاتيني perseid إذن ليس نيزكاً.
نص: " وأصل الشهب مواد أصلها من حزام الكويكبات", و هذا خطأ, أصل الشهب هو من المذنبات. والحزام المعني يحتوي فعلاً الكويكبات ولكن ليس ما يخص الشهب.
نص: " الشهب حبيبات رملية صغيرة أو جلاميد صخرية كبيرة قد تبلغ آلاف الأطنان". و هذا خطأ. الشهب فقط حبيبات رملية هشة جداً وتزن فقط غرامات و ليس أطناناً.
نص:" وخاب ظنهم فالشهب لم تظهر". و هذا منتهى المكابرة أو الجهل. فقد ظهرت الشهب وعلى شكل عاصفة قوية, بل ومعظمها من الكرات النارية اللامعة. رصدتها الجمعية الفلكية في وادي رم وهكذا قالت أيضاً كل المصادر الفلكية. وتقريرنا الرصدي لهذه الشهب نشرته منظمة الشهب الدولية IMO في دورياتها العالمية الشهرة. فيما بعد تبين أن أصل الخبر حكاية تبعث على الأسى والضحك في آن. أحد المواطنين الأردنيين المشهور بتصريحاته الفلكية الكبيرة, قد اصطحب معه مئات الناس في إحدى مناطق عمان المضاءة بقوة وكان ذلك بعد غروب الشمس. وانتظروا سقوط الشهب الذي لم يحدث, لأن موعده عند منتصف الليل ويأتي من جهة محددة في السماء, كما أن رصد الشهب يجب أن تكون في مناطق بعيدة عن الأضواء, أضواء المدن والسيارات وضوء القمر. فجاء هذا " المواطن الصالح" في وقت غير مناسب في مكان غير مناسب, وبالتأكيد كان ينظر إلى بقعة في السماء غير صحيحة.
نص: "الشهب عملت زلازل خفيفة". من أين جاء هؤلاء بمثل هذه المعلومة غير الصحيحة
والقريبة من السذاجة.
نص: " والبقع الشمسية عملت زلازل خفيفة". وهذه أيضا ادعاءات.
فيما يلي جدول بأهم المفردات الفلكية وترجمتها الصحيحة, إذا استعملها إعلاميونا, يأتي الخبر الفلكي المتجم صحيحاً, كما أنني سأورد تعريفات ونصوصاً لشرح وتوضيح بعض هذه المصطلحات الفلكية, لتبيان الفروق الكبيرة بينها:
الشهاب ( وجمعها: شهب ) = Meteor الكرات النارية = Fireballs
الزخة الشهبية = Meteor Shower العاصفة الشهبية = Meteor Storm
الكويكبات = Asteroids المذنب = Comet
كوكب =Planet القمر = Moon
المجرة = Galaxy المادة الشهبية (أو النيزكية ) = Meteoroid
كوكب المريخ = Mars كوكب الزهرة = Venus
كوكب عطارد= Mercury كوكب المشتري = Jupiter
Observing the Perseids
المفضلات