فإن أيام التشريق هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، أي أنها أيام الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهي الأيام المعدودات التي أمر الله تعالى بذكره فيها في قوله جل شأنه: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) وهذه الأيام هي التي يبيت الحجيج لياليها في منى، فيبيتون ليلة الحادي عشر من شهر ذي الحجة، والثاني عشر، ومن تعجل يغادر "منى" في يوم الثاني عشر بعد أن يرمي الجمرات بعد الزوال، ومن لم يتعجل يبيت ليلة الثالث عشر، ويرمي الجمرات بعد الزوال في يوم الثالث عشر، ثم يغادر منى بعد ذلك. وهذه الأيام الثلاثة بعد يوم الأضحى هي أيام أكل وشرب وذكر لله ـ عز وجل ـ كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه الأيام المعدودات غير الأيام المعلومات التي جاء ذكرها في قول الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
قال البخاري: وقال ابن عباس: واذكروا الله في أيام معلومات أيام العشر يعني أيام العشر من شهر ذي الحجة. والأيام المعدودات أيام التشريق.
قال وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، قال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا.
أما تسمية الأيام في مناسك الحج، فإن يوم الثامن من ذي الحجة يسمى يوم التروية؛ لأنهم كانوا يروون الإبل، ويحملون الماء معهم عند الذهاب إلى عرفة لعدم وجود مياه أو آبارها في ذلك الوقت. ويوم التاسع يسمى يوم عرفة، واليوم العاشر يسمى يوم النحر، والثلاثة أيام بعده أيام التشريق، قيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، يقدرونها، ويبرزونها للشمس، وقيل لأن صلاة العيد بعد شروق الشمس، وهذه الأيام تبع ليوم العيد فسميت أيام التشريق. وقيل لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس.
أعمال الحج أيام التشريق إذا أراد الحاج الخروج من مكة فلا يخرج حتى يطوف طواف الوداع لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ; ولقول ابن عباس رضي الله عنهما :
أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض فالحائض ليس عليها وداع وكذلك النفساء , وفي حديث عائشة رضي الله عنها
أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد طواف الإفاضة فقال صلى الله عليه وسلم فلتنفر إذا .
فيطوف سبعة أشواط بالبيت ثم يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام , ثم يخرج من المسجد الحرام ويقول دعاء الخروج من المسجد كما تقدم ثم يذهب إلى بلاده . زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
1- تستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهي مشروعة في أي وقت , وفي أي زمان , وليس لها وقت محدد , وليست من أعمال الحج , ولا يجوز شد الرحال والسفر من أجل زيارة القبر ; فإن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور , وإنما يكون للمساجد الثلاثة , كما قال صلى الله عليه وسلم :
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر , ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف , فإذا وصله زار قبره صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه , فدخلت الزيارة لقبره تبعا لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم ; لما في زيارة المسجد من الثواب العظيم . قال صلى الله عليه وسلم :
صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وقال صلى الله عليه وسلم :
صلاة مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه .
2- إذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول :
أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك يقول ذلك عند دخول سائر المساجد .
3- يصلي ركعتين تحية المسجد , أو يصلي ما شاء , ويدعو في صلاته بما شاء والأفضل أن يفعل ذلك في الروضة الشريفة , وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي . أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصف الأول .
4- ثم بعد الصلاة إن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقف أمام قبره : بأدب , ووقار , وخفض صوت , ثم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قائلا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . أو يقول : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام وإن قال : أشهد أنك رسول الله حقا , وأنك قد بلغت الرسالة , وأديت الأمانة , وجاهدت في الله حق جهاده , ونصحت الأمة , فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته . فلا بأس ; لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم .
5- ثم يأخذ ذات اليمين قليلا فيسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويدعو له بما يناسبه , ثم يأخذ ذات اليمين قليلا أيضا فيسلم على عمر بن الخطاب , ويترضى عنه , ويدعو له , وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالبا على قوله : السلام عليك يا رسول الله , السلام عليك يا أبا بكر , السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة , أو الطواف بها , ولا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته , أو شفاء مريضه , ونحو ذلك ; لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله وحده .
والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره ; لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور. لكن تزور المسجد , وتتعبد لله فيه رغبة فيما فيه من مضاعفة الصلاة , وتسلم على النبي وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أي مكان كانت ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وقال صلى الله عليه وسلم :
إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام .
6- يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين وعن سهل بن حنيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة وقال أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه يرفعه :
صلاة في مسجد قباء كعمرة .
7- ويسن للرجال زيارة قبور البقيع - وهي مقبرة المدينة - وقبور الشهداء , وقبر حمزة رضي الله عنهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم ; ولقوله صلى الله عليه وسلم :
زوروا القبور فإنها تذكركم بالموت .
ويقول إذا زارهم :
السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون [ يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ] نسأل الله لنا ولكم العافية .
ولا شك أن المقصود بزيارة القبور هو تذكر الآخرة والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم , واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه هي الزيارة الشرعية . وأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم , أو سؤالهم قضاء الحاجات , أو شفاء المرضى , أو سؤال الله بهم , أو بجاههم , ونحو ذلك فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله , ولا فعلها السلف الصالح .
وبعض هذه الأمور المذكورة بدعة وليس بشرك : كدعاء الله عند القبور , وسؤال الله بحق الميت , أو جاهه , ونحو ذلك .
وبعضها بدعة من الشرك الأكبر : كدعاء الموتى , والاستعانة بهم , وسؤالهم النصر , أو المدد .
فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه .
والحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده الأمين , نبينا محمد بن عبد الله , وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . منقول
المفضلات