بسم الله الرحمن الرحيم
سوء الاختيار في الزواج و عاقبته الوخيمة
إن الصرح الذي يشيد على أسس غير سليمة سرعان ما ينهار ، مصيباً بانهياره كل من فيه ، وهكذا شأن الأسرة ، ذلك الصرح الاجتماعي الذي سرعان ما تتداعى أركانه إذا ما أسس على أساس واهٍ من الاختيار الظاهري المتعجل غير المدروس ، والذي يتم بعيداً عن المقاييس التي قررها الإسلام لاختيار الزوجين .
فكثير من الشباب في زمننا هذا قد يخدع بجمال فتاة ، أو يغره مالها ، أو حسبها ، فيسعى جاهداً للارتباط بها ، ضارباً عرض الحائط بكل ما قد يقدم إليه من نصح وإرشاد ، وكما قيل : حبك الشيء يعمي ويصم .
وكثير من الفتيات يخدعهن شاب بمعسول كلامه ، وحسن هيئته وقوامه ، وذيع صيته ، ورفعة منزلته ومنزلة أسرته ، ويتم التغاضي من كلا الطرفين في زمن المقاييس المادية عن الدين والخلق ، وبهذا التغاضي يوضع الأساس الواهي للأسرة .
وفي ظل سوء الاختيار تصبح الأسرة مصدر تهديد لأمن المجتمع ، إذ سرعان ما تزال الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها ، بعد أن يقضى وطر الشهوات العاطفية أو المادية، ولا تجد الحقوق والواجبات الزوجية سبيلاً للتواجد في واقع الحياة الزوجية ، وبالتالي تظهر الانحرافات الزوجية ، ويظهر الشقاق الذي قد يصل إلى الطلاق .
وفي ظل هذه الأحداث الأسرية المريرة الناجمة عن سوء الاختيار تفتقد القدوة الأبوية ذات الأثر التربوي الفعال لدى الأبناء ، إذ أن الأبناء مرآة تنعكس عليهم صورة آبائهم إيجاباً أو سلباً ، إضافة إلى التشتت أو التمزق النفسي الذي يصيب الأبناء في حالة الشقاق الأسري ، فضلاً عن شبح التشرد والانحراف الذي يتربص بضحايا التفكك الأسري .
ويطيب لي أن أسوق حادثة يتبين من خلالها ما يمكن أن يؤدي إليه سوء الاختيار من عواقب وخيمة وتهديد أمن المجتمع بسلاح الجريمة : " اختار الشاب المقبل على الزواج إحدى الفتيات ، ولكن أسرته رفضت هذا الاختيار ؛ لأن الفتاة نشأت في أسرة اشتهر معظم أفرادها بتجارة المخدرات، ولكن الشاب أصر على الزواج بها رغم اعتراض أهله وأصدقائه ، وكان يرد على كل معترض بقوله : ما ذنبها إن كان أهلها أهل سوء، وهل سأتزوجها أم سأتزوج أهلها ؟ تم الزواج وأثمر عن بنتين وولد ، ومرت الأيام ، وفي أول اختبار تتعرض له الأسرة وقع ما حذره منه الأهل والأصدقاء فقد تعرضت الأسرة لبعض المصاعب المادية مثلها مثل كثير من الأسر ذات الدخل المحدود ، فماذا حدث من الزوجة ؟ هل صبرت حتى يفرج الله كربها كما يأمرها الإسلام ؟ أو لجأت إلى عمل شريف يساعد أسرتها على أعباء الحياة ؟ كلا ، بل انساقت وراء الشيطان ، وكان الشيطان أختها التي تتجر في المخدرات ، حيث عملت معها في توزيع السموم على الشباب ، حتى تم القبض عليها ووصلت السجن ، وأفقدت الصدمة الرجل عقله وصوابه ، فترك البيت والأطفال وهام على وجهه في الطريق ، ولم تمض إلا أيام قلائل وإذا الشرطة تقبض على البنتين وهما تبيعان المخدرات ليدخلا السجن ويلحقا بأمهما . وأمام عدسات المصورين وقفت الفتاتان تبكيان وتلعنان والدهما ، فهو سبب ما وقعتا فيه .
نعم ، لقد صدقت الفتاتان ، فهو السبب لأنه لم يختر أمهما على أساس المنهج الإسلامي العظيم " (1) .
وبهذا يتضح أن سوء الاختيار لا يقتصر أثره على الزوجين فحسب بل يمتد ليصيب الأبناء ويجعل منهم أدوات انحراف حادة تمزق أمن المجتمع .

د / محمد هلال الصادق هلال
أستاذ الثقافة الإسلامية المساعد
بكلية المجتمع بالرياض – جامعة الملك سعود