رغم بعض الجهود المتناثرة، لا نستطيع أن نقول حتى الآن إن هناك خطة رسمية متكاملة تتعلق بإنترنت الأشياء
بعد سنوات طويلة من تواصل البشر عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، بات المجال مفتوحًا الآن لمرحلة جديدة تكون فيها كل عناصر الكرة الأرضية متصلةً بعضها ببعض، ولنا أن نتخيل ملايين التطبيقات التي يمكن أن تُبنى على ذلك في الصحة والتعليم والخدمات والنقل، أو حتى الطاقة التي قال بصددها جيرمي ريفكن -مستشار الاتحاد الأوروبي، وصاحب كتاب "الثورة الصناعية الثالثة"-: إن شبكة الإنترنت في المستقبل ستتيح تبادل الطاقة كما تتيح تبادل المعلومات!
عالم أكثر ذكاءً
إنترنت الأشياء أو ما يُعرف بـIoT، ذلك التوجه التكنولوجي العالمي الجديد الذى يفتح المجال واسعًا لربط كل شيء وأي شيء، من بشر وأجهزة معًا، عبر شبكة الإنترنت، أصبح المصطلح المستخدَم للإشارة إلى عملية تبادل غير مسبوقة للبيانات المتاحة، بالإضافة إلى توفير نظم وتقنيات فائقة لتعزيز الإنتاجية، وخلق نماذج تجارية عصرية، وتوليد مصادر جديدة للدخل.
يتمثل إنترنت الأشياء في ربط الأجهزة -على اختلاف أنواعها- بشبكة الإنترنت، بحيث يمكنها جميعًا التواصل وتبادل المعلومات فيما بينها. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، ما يُطلَق عليه «الثلاجة الذكية» التى يمكنها أن تتواصل مع مالكيها عبر خاصية الرسائل النصية لتخبرهم إذا كان الحليب قد نفد، أو أن ما تبقى من البيض في الثلاجة هو ثلاث بيضات فقط. قد يبدو مثالًا ساذجًا، ولكنه يعكس حالة التواصل الفعال بيننا وبين ما يحيط بنا من أشياء، وإلى أي حد قد تصل!
وتبرز الأهمية الكبرى لهذه التقنية الجديدة، إذا كانت عملية التواصل تتم بين مهندس وبين الأجهزة الموجودة في الورشة التي يديرها بأحد المصانع، بحيث يمكنه التواصل معها، بل وتغذيتها بالمعلومات أو استقباله للمعلومات منها، وربما فَحْص إحداها وإصلاحها وهو في منزله، أو أي مكان آخر.
والسؤال الآن، ليس هل يجب أن تدخل مصر لعصر إنترنت الأشياء Internet of Things؟ لأنه ليس سؤالًا اختياريًّا، وإنما: كيف يمكن لها أن تُوجِد لنفسها موطئ قدم في سوق يُعَد الملعب الاستثماري الأكبر في العالم في المستقبل القريب؟... مجلة «للعلم» عملت على استطلاع آراء عدد من الخبراء والمتخصصين حول متطلبات الدخول إلى هذا العالم الجديد.
فجوة واضحة
يرى د. طارق خليل -رئيس جامعة النيل- أن مصر تملك فرصة كبيرة في تطبيقات إنترنت الأشياء، ويؤكد: "المجال مفتوح الآن، خاصة وأنه سوق لا يزال في بدايته، ومصر لديها وفرة في الكفاءات البشرية من باحثين ومطورين".
قبل عامين قررت جامعة النيل -وهي جامعة أهلية مصرية- أن تبدأ في تشجيع طلابها على البدء في مشروعات بحثية حول إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة وتحليل البيانات، ويشدد د. خليل -الذي كان يشغل في السابق رئيس قسم الهندسة الصناعية بجامعة ميامي الأمريكية- على أن "إنترنت الأشياء من الموضوعات الساخنة الآن على الساحة التكنولوجية في الجامعة، لكن مخرَجاتها لم تصل بعد لنطاق تجاري".
ووفقًا لتقديرات العديد من الشركات العالمية الكبرى، هناك 6 تريليونات دولار استثمارات متوقعة في السنوات الخمس القادمة، مع عائدات متوقعة تبلغ 13 تريليون دولار. كما يتوقع أن يكون هناك 24 مليار جهاز متصل بالإنترنت في العالم بحلول 2020، وفق دراسة لمجلة "بزنس إنسايدر" الاقتصادية المتخصصة.
لا يمكن لإنترنت الأشياء أن تنجح دون شبكة إنترنت قوية وسريعة، وهو ما توفره شبكات الجيلين الرابع والخامس 4G و 5G، كما أن هناك حاجة ماسة لتقنيات ومعالِجات جديدة متناهية الصغر، وذات قدرات أكبر، ومدة تشغيل أطول، مع استهلاك أقل للطاقة، وهو تحدٍّ كبير، وهناك الآن جهود مكثفة تجرى من شركات الاتصالات العالمية لبناء هذه الشبكات الضخمة وتطويرها.
"لكن الأمر ليس سهلًا على الإطلاق"، كما يقول د. شريف مراد، عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة ، والذى يعلل ذلك بأن "تبنِّي مقترح زيادة التخصصات في أمور تقنية دقيقة مثل إنترنت الأشياء، يستوجب توافر كادر أكاديمي لهذا التخصص، وهذا ليس متوفرًا حاليًّا".
تُعَد كلية الهندسة بجامعة القاهرة أقدم كليات الهندسة المصرية والعربية، ويدرس فيها قرابة 10 آلاف طالب، ولديها 600 عضو هيئة تدريس، أي بنسبة أستاذ جامعي لكل 20 طالب، وهي نسبة جيدة وفق ما يراه عميد الكلية، ويضيف "هناك رسائل ماجستير ومشروعات تخرج عديدة تقدم ابتكارات لتطبيقات إنترنت الأشياء".
ورغم أن هناك فجوة واضحة بين مخرجات الجامعة وسوق العمل، إلا أن د. مراد يرى أن هناك جهودًا كبيرة تُبذَل لسد هذه الفجوة عبر التنسيق مع العديد من الشركات العالمية.
الامتداد الطبيعي للإنسان
باتت الاختراعات والابتكارات تأتي من الشركات الكبرى لا الحكومات، شركة إنتل نموذج للشركات التي تقف بقوة خلف تطوير IoT، وتعتبره الاستثمار الأهم لها في السنوات القادمة، ويقول راين كرزانيتش -الرئيس التنفيذي للشركة-: "الأمر بدأ في الانتشار بالفعل، في معاصمنا، وحقائبنا، وسيارتنا، وبيوتنا، إنه الامتداد الطبيعي للإنسان، وهو الشيء الضخم التالي".
وتبشر إنترنت الأشياء بانفجار أكبر جديد في عالم تبادل المعلومات عالميًّا، فكم البيانات التي ستخرج من مليارات الأجهزة والأشياء المتصلة بالإنترنت ستولد بشكل يومي مليارات من وحدات البيانات، وهو ما يُطلَق عليه البيانات الضخمة Big Data، وباستغلال هذه البيانات يمكن أن تتغير الحياة على كوكب الأرض.
ويمكن لك من خلال توظيف تطبيق بسيط يعتمد على شريحة ذكية بسيارتك الاستفادة من سرعة نقل وتبادل البيانات عبر الآلاف من أجهزة المستخدمين الآخرين Crowdsourcing، ليتيح مثلًا تطبيق القيادة الذاتية الآمنة وسط شوارع مدينة شديدة الازدحام.
وكان هناك حضور كبير لشركة إنتل الأمريكية في السوق المصري في السنوات الماضية، ورغم أن أنشطتها قلت بعض الشيء مؤخرًا، إلا أنها ما زالت تؤكد التزامها بالبقاء والاستثمار في مصر.
يقول سامح الملاح -المدير الإقليمي لشركة إنتل في مصر والشام-: "نعتمد في عملنا في أي مكان في العالم على دائرة كبرى من الشركاء، وفي مصر لدينا مطورون ذوو كفاءة عالية، ونتطلع لتطوير علاقات العمل معهم، وإمدادهم بمنصات تطوير غنية، تتيح توفير تطبيقات أكثر لها علاقة بإنترنت الأشياء".
ولا يختلف الحال مع شركة إريكسون، التي أكدت أنها تحاول أن تكون الجسر بين الجهود العالمية المتقدمة في IoT والسوق المصري، وترى هيلين هينريكسون -رئيس إريكسون مصر- أن الإطلاق المتوقع لشبكات الجيل الرابع 4G في مصر سيُسهِم بصورة كبيرة في خلق العديد من تطبيقات IoT.
وتضيف: "نحاول أن نكون الجسر بين الشركات المقدمة لخدمات الاتصالات، والعملاء الذين يحتاجون إلى تطبيقات IoT، ومصر لديها بنية أساسية قوية مع شبكات الجيل الرابع، وجاهزة لأن تبدأ تجارب قوية لإنترنت الأشياء". وهناك شركات أخرى عديدة أكدت اهتمامها بالسوق المصري فيما يتعلق بإنترنت الأشياء، مثل سيسكو وهانويل وهواوي.
دوري إنترنت الأشياء
على المستوى الرسمي لا يمكن إنكار بعض الجهود، مثل ما يحاول أن يقوم به مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال، من تحفيز الشركات الصغيرة والمطورين من خلال "دوري إنترنت الأشياء" والذي عُقد لأول مرة في شهر يوليو 2016، من خلال معسكر بمحافظة القليوبية، مع وعود بتمويل أفضل خمسة مشروعات ودعمها.
ورغم بعض الجهود المتناثرة، إلا أننا لا نستطيع أن نقول حتى الآن إن هناك خطة رسمية متكاملة في مصر تتعلق بإنترنت الأشياء، ويقول المهندس خالد العطار -مدير البنية التكنولوجية في وزارة الاتصالات والمعلومات-: "لدينا مشروعات عديدة، لكنها تجريبية، تتعلق بمجالات الصحة والخدمات المحلية، وأيضًا إدارة المخاطر اعتمادًا على تطبيقات IoT".
ولا يربط المسؤول الحكومي -الذي عمل مدةً طويلة في شركات عالمية كبرى مثل آي بي إم- نجاح تطبيقات IoT بوجود شبكات الجيل الخامس فقط، بل يرى أنه يمكن لشبكات الجيل الثالث والرابع أن تفيا بالغرض، خاصة في التطبيقات الحالية.
ورغم وجود صعوبات تقنية وشبكية وأيضًا قانونية عالمية قبل أن تكون محلية، إلا أن العطار متفائل بمستقبلIoT ، ويقول: "التخوفات والتحديات تزيد الإصرار ولا تعطل"، مؤكدًا أن العاصمة الإدارية الجديدة ستشهد أول تطبيق عملي على نطاق كامل وليس تجريبيًّا لإنترنت الأشياء.