الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، ما مِن شيء أحبُّ إلى الإنسان من تَيْسير أعْمالهِ وما مِن شيء يُزْعِجُ الإنسان من التَّعْسير، وفرق كبير بينهما !
التَّيسير مُريحٌ ومُسْعِد، أما التَّعْسير مُزْعِج، والإنسان أحْيانًا لا يعرف للتَّيْسير والتَّعْسير قانونًا، ويظُنّه قاعِدَة عَشْوائِيَّة ؛ فالأمور أحْيانًا تُيَسَّر، وأحْيانًا تُعَسَّر، يكاد الإنسان يخْرج من جلْدِهِ من تعْسير أموره، وأحْيانًا يشْعُر أنَّ التَّيْسير يُسْعِدُهُ إلى درجة كبيرة، لكِنَّ الله سبحانه وتعالى بيَّن في سورة اللَّيل للتَّيْسير والتَّعْسير قانونًا.
لا يوجد مع الله تعالى ذَكِيّ، فَيُمْكِن أن تقوم بِعَمَل ميكانيكي تشْتَغِل عشْرة ساعات، وبعد أن تنتهي تكْتَشِف أنَّ هناك قِطْعَةً يجب أن تضَعَها في أوَّل مرْحَلَة !! فهذه العشْر ساعات هُدِرَت، وقد تتعَطَّل آلة فَتُراسِل شركة أجنبية وتنتظر بالبريد أيامًا إلى أن يأتيك قياسٌ أكبر من الذي طلبْتَهُ !! فَهِموا القياس غلط ؛ الآلة مُعَطَّلَة، والعُمَّال تدفع عنهم.
أحيانًا يأتي صقيع مَحْصوله ثلاثمائة ألف حتى مليون، فالصَّقيع بِثَلاثة دقائق، لكن كل شيء أصبَحَ أسْوَدًا، قال تعالى:
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)﴾
[ سورة القلم ]
أحْيانًا يأتي المطر أكثر مِمَّا ينبغي فَيُتْلِفُ المحاصيل وأحْيانًا يأتي مطر يُنْقِذُ ألف مليون، وأحْيانًا يأتي مطر أثناء حصْد القطن والقمح تُفْسِدُ كلّ المحْصول، فالأمور كُلُّها بِيَد الله عز وجل، فهو تعالى يجْعل من الماء رحْمة، ومن الماء نِقْمَة، ومِن الرِّياح نعمة، ومنه نقْمة، ومن الحرّ أحْيانًا نعمة، ومنه ما هو نِقْمَة، فَكُلُّ شيء بِيَد الله عز وجل، والتَّيْسير مُريح، والتَّعْسير صَعْب.
أحْيانًا تشْتري بِضاعة، ولا شيء يُحَطِّم التاجر مِن أن يشْتري بِضاعة وتبْقى مُكَدَّسية عنده، ولا أحد يسأله عنها ! والله عز وجل قال:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾
[ سورة التوبة ]
أصْعبُ شيء بالتِّجارة الكساد، فالتِّجارة بِيَد الله، ورواجُها وكسادُها منه تعالى.
أحْيانًا تخْليص بِضاعة، بِسَبب تافه جدًا البِضاعة لا تُخَلَّص، ويجب أن تُعيدَها إلى مصْدَرِها ؛ هذا بالاستيراد، بالسُّوق المحلِّي تشتري شيئًا تظنُّ أنَّك ترْبَحُ به فإذا السِّعْر غالي، إذْ هناك عرض بِسِعْر أقلّ بِكَثير فلا يكون أمامك إلا أن تخْسر خسارَةً كُبْرى، والله عز وجل يقْدر على أن يُشَغِّلَك سنَةً بِكَامِلِها وحسابات وتحْصيل، ثمَّ المُحَصِّلَة خسارة ثمان مائة ألف !! لو جلَسْتَ في بيْتِك وألْقَيْت رأسك على الوِسادة لَكُنْتَ أسْعَدَ من هذا، رغْمَ التَّعَب الشديد والجُهد خسارة، وأحْيانًا بِجُهْد يسير وقليل ربِحٌ كبير، وأحْيانًا تخْتار زوْجَةُ مُناسِبَة وتُريحُكَ، وهناك زوْجة عِبء عليك، أحيانا يأتيك ولدَ رحْمة من الله ؛ ووهبنا له إسحاق، وأحيانًا يقول الأب: لو يندَعِس ابني أحْتَفِلُ !! لماذا ؟! لأنَّهُ مُجْرِم فالابن نِقْمة أو رحْمة، وكذا التِّجارة والصِّناعة.
أحْيانًا يأتيك جارٌ يُعيفُكَ المَسْكن كُلَّهُ !! تبيعُ المنزل بِرُبْعِ قيمتِه فقط تتخلَّص منه !! فالأمْر بِيَد الله تعالى.
فهذا التَّعْسير والتَّيْسير ؛ ما هو قانونه وما هي أحْوالهُ ؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً..))
" والله عز وجل يقول:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
هذه الآية قانون التَّيْسير والتَّعْسير.
أعْطى وبنى حياته على العطاء، ويُعْطي من ماله وجُهْدِهِ وخِبْرَتِه ومِن ابْتِسامَتِه واهْتِمامه وحِكْمَتَهُ لِكُلِّ الناس، وقبل العَطاء اتَّقى أن يعْصي الله تعالى اسْتِقامَةً، وقبل الاسْتِقامة صَدَّق بهذا الدِّين، فَهُوَ آمَنَ واسْتَقام وعمِلَ عملاً صالِحًا ؛ هذا الإنسان سَيُيَسَّرُ لليُسْرى، وله مُعامَلَة خاصَّة، وأقوى دليل قوله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾
[ سورة الجاثية ]
أحْيانًا الإنسان يُخَطِّط لِرِحْلَة وسفر، لا يترك شيئًا إلا ومعه ؛ مال وزوجَة وأولاد وسيارة، ولِأتْفَهِ الأسباب تُصْبح الرِّحْلة قِطْعَةً من الجحيم ! وأحْيانًا مِن دون تَخْطيط يقول لك: ذَهَبنا رِحْلَةً لا ننْساها إلى الموت ! فالله يُيَسِّر السَّفر ويُعَسِّرُه، ويُلْهِمِ الناس فَيُضايِقوك، ويُلْهِمُهُم فَيُعينوك، لماذا يُضايِقُك فلان أو يُكْرِمُك ؟! هذا الشَّخْص بِيَد الله إذا أحَبَّ الله تعالى أن يُكْرِمَك ألْهَمَهُ، وإذا أحبَّ تعالى أن يُضايِقَك ضايَقَك مِن أجل كلمة فقط.
لذلك قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
[ سورة الليل ]
والآية الدقيقة جدًا قوله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾
[ سورة الجاثية ]
مِن سابِع المُسْتحيلات أن يسْتوي المُحْسِنُ مع المُسيء، والمُسْتقيم مع المُنْحَرِف، والصادق مع الكاذب، والمُخْلِص مع الخائن، والمُتَفَلِّتْ مع المُنْضَبِط، ومَن كان دَخْلُهُ حلالاً، ومَن كان دَخْلُهُ حرامًا، واسْمَعوا هذه الكلمة وسَجِّلوها: أن يسْتَوِيَ الذين اجْترَحوا السيِّئات مع الذين آمنوا وعملوا الصالِحات، أن يسْتَوِيَ هؤلاء، وهؤلاء، هذا لا يتناقض مع عدالة الله تعالى فَحَسْب بل يتناقضُ مع وُجودِه، فأنت أمام خِيارٍ صعْب ؛ إمَّا أن تؤمن أنَّ لِهذا الكون إلهًا عادِلاً، وما دام هو المُسَيْطِر والأمر يرجع إليه، ومادام ملكوت السماوات والأرض بِيَدِهِ فلَن يُسَوِّيَ بين الذين اجْترَحوا السيِّئات وبين الذين آمنوا وعملوا الصالِحات ؛ تعمل السيِّئات وتظنَّ نفْسَك شاطِرًا وفالحًا، والناس لا يفْهمون ؛ هذا هو الغباء بِعَيْنِه، والآخر يعمل الصالحات ويسْتقيم ويلْزَمُ دروس العِلْم ويطلب العلم، ويكون بِأسْفل القائِمَة ؛ هذا مُسْتحيل ! وهذا يتناقض مع وُجود الله.
ثمَّ قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
بنى حياته على الأخذ، وقد ذَكَرْتُ بِخُطْبَةِ الجمعة أنَّ النَّمْلَةُ تُعَلِّم الإنسان درْسًا لا يُنْسى ‍بالمُؤاثَرة، فالنَّمْلة غن كانتْ شبْعانَة والْتَقَتْ مع نمْلة جَوْعانَة لها جِهاز ضخّ ! تَضُخّ لها من خُلاصاتِها الغِذائِيَّة إلى للنَّمْلة الجائِعة، فأحَدُهم علَّق على هذا تعْليقًا جيِّدًا فقال: أما نحن البشر ؛ الذي سَيَنْفَجِر شبَعًا، له جِهاز مَصّ وليس ضخّ، فَفَوْقَ غِناه يمُصّ جُهود الآخرين، له أموال لا تأكلها النِّيران وتَجِدُهُ يُحاسِبُ على اللِّيرة ! هذا هو اللُّؤْم، هذه ليْسَت شطارة.
قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
بنى حياته على الأخذ وليس على العَطاء فالأنبياء أعْطَوا ولم يأخُذوا، والذين على نقيضِهم أخَذوا ولم يُعْطوا، وبَقِيَّةُ الناس يأخُذون ويُعْطون ؛ يُقَدِّم خِدْمَة ويأخذ الأَجْر عليها إلا أنَّهُ يُقَدِّمُها بِإخلاص وليس بِغِشّ.
ثمَّ قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
لا تَقُل لي: فلان يَدُهُ خضْراء، وهذا محظوظ ؛ هذا شِرْك، فلا يوجد كلٌّ من هذا، وهذا كلام اله تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
يُؤتى الحَذِرُ مِن مَأمَنِه، اِلْتَقَيْتُ بِطَبيب بأمْريكا يُعَدُّ الأوَّل بالطِبّ، معه أخبث مرض بالقلب، إلا أنَّه نَسِيَ الله فأصابَهُ الله تعالى بِمَرضٍ في اخْتِصاصهِ فَمَع الله لا يوجد ذَكِيّ !
وكذا بالتِّجارة، يُريك صَفْقَة تقول سوف أخرج من الغرق، لكنَّك بالأخير تجد انَّك فلَّسْتَ منها ؛ اسْتَعِن بالله، وإذا كُنْتَ مُسْتَقيمًا وفَّقَك الله، ومع الله توجد الاسْتِقامة وليس الذَّكاء، وقدْر ما تكون ذَكِيًّا تُفْلِس، وقدْر ما تكون تَقِيًّا تربَح، فقد تعمل عملاً لا يُرْضي مَن حوْلَك لكنَّ الله تعالى يُرْبِحُكَ فيه، وأحْيانًا تعمل عمَلاً لا يُرضي الله فتَخْسر فَمن ابْتغى وجْه الله تعالى مكَّن له عملَهُ.
لا يوجد إلا التوحيد، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
هذا قانون التَّعْسير والتَّيْسير، وكلّ شيء خِلاف ذلك شِرْك، ونحن في حياتنا اليَوْمِيَّة هناك آلاف الكلمات هي شِرْك، نحن لا طَيَرَة ولا تشاؤُمَ ولا يوم أربِعاء، ولا يوم الثالث عشر ولا... إنَّما بالاسْتِقامَة تُيَسَّر الأمور وبالمعْصِيَة تُعَسَّر، والتَّعْسير تأديب، والتَّيْسير إكرام، فأنت آمَنْتَ واسْتَقَمْتَ وعَمِلْتَ الصالِحات تكون دَفَعْتَ ثمَن التَّيْسير، أو كذَّبْتَ واسْتَغْنَيْتَ عن طاعة الله، وأخذْتَ ولم تُعْط حينها تكون مُيَسَّرًا للعُسْرى لذا عليكم أن تجْعلوا القرآن قوانين حياتِكم، ولا تأخذوا كلام الناس، ونحن عندنا كلام الشيطان، وعندنا كلام الرحمن، وكلام فيه معنى، وآخر لا معنى له، بعضهم يقول: امْش بِجَنازة ولا تمْش بزواج، فهذا لا آية ولا حديث، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: أفضل شفاعة أن تشْفع بين اثنين في نِكاح فأعْظم عمل أن تكون سبب زواج شاب بِمُؤمنة، ونحن عندنا آية ؛ قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
[ سورة الليل ]
فالله يُرْخي الحبْل، ويسْتدْرِجُك، وبعد ذلك تكون أنت الغالِط والخاسر فالحرام يُجْمعُ دفْعةً، ويُدْفَعُ دُفْعَةً ! الذَكيّ هو الذي يُطيع الله عز وجل وإذا كان المنحرف هو الفهمان يكون هذا الدِّين باطل ؛ سبحانك إنَّه لا يذل من والت ولا يعِزُّ من عادَيْت.
والحمد لله رب العالمين