ما من أمة باغية أهلكها الله إلا ولها مثيلتها في كل عصر من العصور:
أيها الأخوة الكرام, في القرآن الكريم فضلاً عن الأوامر والنواهي، وفضلاً عن الآيات الكونية، وفضلاً عن مشاهد يوم القيامة, وعن قصص الأنبياء، في القرآن الكريم نماذج بشرية فردية وجماعية، فالنماذج الفردية مثلاً كقوله تعالى:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾
[سورة الحج الآية: 66]
﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾
[سورة الفجر الآية: 15-16]
هذا نموذج، النفس الأمارة بالسوء؛ نموذج النفس اللوامة، نموذج النفس المطمئنة، نموذج .....
ولكن هناك نماذج جماعية، يعني مثلاً قوم عاد, الآية:
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
-هذا الاستكبار، والعجرفة، والغطرسة: من أشد منا قوة؟ هذه الصفة ليست في عاد، بل في كل أمة قويت، وكانت مع قوتها جاهلةً بالله عز وجل-:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
[سورة فصلت الآية: 15]
لذلك: ما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوةً، إلا قوم عاد, يوم أهلكهم, ذكرهم أن الله أشد منهم قوة، معنى ذلك: أنه لم يكن فوق عاد إلا الله، فهذه أمة متغطرسة مستكبرة متكبرة، من أشد منا قوة؟ قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
[سورة الفجر الآية: 6-8]
كانت متفوقة في شتى ميادين التفوق، هذه أول صفة، لم يخلق مثلها في البلاد، مع التفوق؛ الغطرسة, والكبر, والاستعلاء, والاستكبار، قال تعالى-:
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[سورة فصلت الآية: 15]
ثم إن عاداً قال الله عنها:
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 128-129]
تفوق في البنيان ناطحات السحاب، تؤكد هذه الحقيقة:
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 128-129]
الآن: تتمتع عاد بقوة عسكرية جبارة، قال تعالى-:
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 130]
وعاد تتمتع بتفوق علمي كبير، قال تعالى:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 38]
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 128-129]
الآن: قال تعالى:
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾
[سورة النجم الآية: 50]
إذا قال الله: عاداً الأولى, معنى ذلك: أن هناك عاداً الثانية، والثانية ليست عنكم ببعيد؛ لا عن أخبارها، ولا عن عدوانها، ولا عن احتلالها، ولا عن غطرستها، أهلك عاداً الأولى، دليل ثان:
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
-وما كان فوقهم إلا الله-:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةًأَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾
[سورة فصلت الآية: 15]
وتفوق عمراني بالغ، وتفوق عسكري بالغ، وتفوق علمي بالغ:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 38]
ماذا فعلت عاد؟ قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
[سورة الفجر الآية: 6-8]
طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، طغوا؛ أي اعتدوا، أكثروا فيها الفساد، أفسدوا الأخلاق ، طغوا؛ أي فسقوا، وأفسدوا بأفلامهم، بصواريخهم طغوا, وهدموا, وبأفلامهم أفسدوا الأخلاق.
لذلك: أرسل الله عليهم ريحاً صرصراً، قال تعالى:
﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾
[سورة الحاقة الآية: 1-7]
لذلك: عقابهم في الدنيا أعاصير لم يشهد الله لها مثيلاً، سرعة الإعصار ترتفع إلى مئتي كيلو متر، هذه السرعة تدمر كل شيء، ولا تبقي شيئاً.
مجموعة صفات تنطبق تماماً على دولة عظمى مستكبرة, طاغية ومفسدة في العالم.
لذلك: أنا كنت في هذه البلاد قبل حين، فلما عدت إلى بلدي سألت: أين كنت؟ قلت: في عاد الثانية.
ففي القرآن نماذج بشرية متكررة, القرآن الكريم أبلغ من أن يصف قوماً عاشوا واندثروا وانتهى أمرهم, أبلغ من ذلك، يقدم لك نماذج مستمرة، فهذا نموذج في النهاية أهلكها الله عز وجل، قوة مستكبرة عاتية طاغية، أن تخطط لمستقبلها على حساب بقية الأمم والشعوب، وعلى حساب كرامتها وثقافتها, وعلى حساب كفاءتها، هذه الخطط لا تنجح، لأن نجاحها يعني أن الله غير موجود، نجاح خططها يتناقض مع وجود الله، لذلك قال تعالى:
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة آل عمران الآية: 139]
لكن هؤلاء المؤمنين الذين يعاصرون هذه القوى الباغية, ليسوا كما يريد الله عز وجل، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، لكن المسلمين هم أقل الأمم معرفةً بعظم منهجهم.
انهيار الكتل الأرضية تحت قدم الإسلام:
لذلك: عالم أمريكي هداه الله إلى الإسلام، وتعمق فيه، وزار بريطانيا، والتقى بالجالية الإسلامية هناك, وقال بالحرف الواحد: أنا لا أعتقد أن في المدى المنظور يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب لاتساع الهوة بينهما، ولكنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لأن في منهجهم خلاص البشرية.
لذلك: الساحة فارغة -أيها الأخوة- كانت الساحة ثلاث كتل للقيم والمبادئ، كان هناك كتلة شرقية وكتلة غربية، والإسلام الإسلام لا شرقية ولا غربية، ولكن علوية، خطاب السماء إلى الأرض، لا شرقي ولا غربي، وأكبر خطأ أن نقول: في الإسلام ديمقراطية، في الإسلام اشتراكية، الإسلام لا شرقي ولا غربي، الإسلام منهج الله عز وجل، منهج علوي من عند الخالق, لذلك أيها الأخوة الكرام: كان هناك ثلاث كتل، الكتلة الشرقية تداعت من ذاتها، تداعت بقدرة قادر.
ومن كان يصدق أن هذه الكتلة التي تملك من القنابل النووية ما تستطيع تدمير القارات الخمس خمس مرات, تداعت من الداخل وتساقطت، وهي من الدول المتخلفة الآن؟ أليس كذلك؟.
بقي في الساحة قوتان، الإسلام قوة مبادئ، قيم الإسلام مع مبادئ الإسلام، وقيم الغرب مع مبادئ الغرب، فالغرب فضلاً عن أنه قوي جداً, طرح قيم رائعة، طرح الحرية, الديمقراطية، حقوق الإنسان، الرفق بالحيوان، حق المقاضاة، العدالة، تكافؤ الفرص، أشياء رائعة، هذه طرحت فصار الغرب قبلة الأبصار في العالم، يعني طموح كل إنسان، أن ينال هذه البطاقة الخضراء: green card، طموحه.
وكان قديماً إذا حج إنسان ورجع يقول له: الله يطعمها لكل مشته، الآن إذا ذهب واحد إلى عاد الثانية, يقول: الله يطعمها لكل مشته، اختلف الوضع.
فصار في كتلتان بعد الأحداث الأخيرة، والفضل لله عز وجل, الكتلة الغربية كقيمة حضارية سقطت, بقيت قوة عاتية، فقط قوة مخيفة، فقط قوة، أما كحضارة، كقيم, كديمقراطية، كحرية، كحقوق إنسان، كتكافؤ فرص، كعلاقات إنسانية راقية، ليس هناك من هذا شيء.
يعني رجعنا بالبشرية إلى عصور الاستعمار التقليدي، بالأربعينات، والثلاثينات, كان الاستعمار التقليدي، دولة تحتل دولة، الآن دققوا في ساحة القيم والمبادئ، عندنا مبادئ، وقيم كان، كتلة شرقية، وكتلة غربية، والإسلام، الشرقية تداعت من ذاتها، والغربية بعد الحادي عشر من أيلول تداعت، وأصبحت قوة جبارة, عاتية, طاغية, مستكبرةً.
يعني واحد يطلع علينا من بلاد الغرب البعيد، الغرب القريب أوربا، والبعيد معروف يقول : إن إله المسلمين وثن، وسوف نحاربه، وسوف نحارب هذا الشيطان، والتصريح قبل شهر تقريباً, لا يتكلم أحد حول هذا التصريح.
ببلاد ماليزيا مهاتير محمد في مؤتمر قال كلمة على اليهود, قامت الدنيا ولم تقعد، دين يحتل ثلث الأرض، يعتنقه مليار ومئتا مليون؛ يهان الدين، ونبي هذا الدين، وإله هذا الدين، ولا يتكلم أحد، وأما قلة لا تزيد على ثمانية عشر مليون، اليهود في الأرض تكلم كلمة عن تآمرهم, وعن عنصريتهم, فقامت الدنيا ولم تقعد.
لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
((تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً, فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))
لذلك في آخر الزمان: يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير؛ إن سكت استباحوه، وإن تكلم قتلوه.
ويقول عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان:
((موت كعقاص الغنم.
-في جنوب أفريقيا مذبحة, خمسمئة ألف ذبحوا في ليلتين-:
موت كعقاص الغنم, لا يدري القاتل لم يقتل, ولا المقتول فيم قتل؟))
نحن في آخر الزمان, فيا أيها الأخوة, قوم عاد نموذج متكرر، وقد تكرر إذاً في القرآن الكريم: نماذج فردية, ونماذج جماعية، وهو أعظم من أن يكون تاريخاً لقوم عاشوا، واندثروا، وانتهى الأمر, لا نموذج متكرر.
والحمد لله رب العالمين