قد اصطفى الله تعالى شهر رمضان وخصه بخصائص ليست في غيره من الأشهر منها :

= وجوب صيامه بل جعله ركناً من أركان الإسلام الخمسة .قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ولمن صامه ممتثلا ما جاء في أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) البخاري(38)

= شرع قيامه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) البخاري (37).

= فيه ليلة القدر .( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) وقال نبينا صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (1901) ومسلم (760)

= أنزل فيه كتابه قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) بل أنزل فيه كتبه كذلك فعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) أحمد (16984) وحسنه الألباني.

= شهر رمضان هو شهر القرآن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ". البخاري (6) وكان من هدي السلف في هذا الشهر كثرة تلاوة القرآن حتى جاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة وما ذاك إلا لعظم أجر تلاوته فيه .

= مشروعية الاعتكاف فيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنها -: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . رواه البخاري (2026)

= تُصفد فيه مردة الشياطين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) البخاري (3277)

= عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي(682) وصححه الحاكم(1532) .

= مضاعفة أجر الصائم بما لا يعلم قدره إلا الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ) مسلم(1151)

=دعاء جبريل عليه السلام على من لم يغفر له في رمضان عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال :
(آمِينَ آمِينَ آمِينَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ ) رواه البخاري في الأدب (907) وصححه ابن خزيمة (1888) وابن حبان(907) فكما نرى في تلك الأحاديث وغيرها كثرة أسباب مغفر الذنوب "الصيام وقيام رمضان وقيام ليلة القدر" وهيأ الله تعالى لعباده أسباب ذلك من تصفيد للشياطين ، وسلسلة مردة الجن ، ورغب عباده بأن فتح لهم أبواب الجنة كلها ، وأغلق أبواب النار كلها ، وقد أدرك ذلك سلفنا الصالح فكانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ليظفروا بما سبق ذكره من فضائل ، ولما علموا ماله من مزايا .

أما نحن في عصرنا هذا فمن أشهر وجيوش من شياطين الإنس يعلنون ما سيبثونه من سموم في شهر رمضان عبر شاشات التلفزيون والصحف ، ويزينون به الباطل والمنكرات عند المشاهدين اختطافاً لحرمة الشهر قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) وبدأوا بالإعلان والدعوة لمشاهدة ما سيبث عبر قنواتهم من مسلسلات هابطة ( عري – خمور- كلمات نابية وبذيئة- انحرافات عقدية وشركية -ومسلسلات عن نكاح المحارم– نشر للدعارة – مخدرات- وبرامج كرتون تمثل أسماء الله الحسنى ، ومسابقات يقدمها نساء متبرجات تبرجا فاحشا ) وغيرها كثير وتتابع تلك البرامج كل ذلك لجر الناس واختطافهم من شهرهم ، والحول بينهم وبين القيام بما يوجب لهم مغفرة الذنوب ، وجعل الصيام فقط خاصا بالامتناع عن الأكل والشرب وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903) ، ومن الزور مشاهدة تلك المحرمات ، واقتناء تلك القنوات التي تبث تلك السموم ، والتي مع الأسف كثير من ملاكها ممن يحمل جنسية هذه البلاد المباركة ، ويتم دعمها بأموال بعض تجارنا بالدعاية فيها وهذا من المشاركة في نشر الفجور في هذا الشهر عن رفاعة –رضي الله عنه- أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال:( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ)، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال:(إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلاَّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ) رواه الترمذي(1210) وقال : حديث حسن صحيح . فهل من تقوى الله تعالى الإعلان في قنوات تحارب دين الله تعالى جهارا نهارا .


لذا أرى أنه يجب علينا
:

إخراج
تلك القنوات من بيوتنا عن معقل رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» البخاري (7151) ومسلم (142).

= مقاطعة المعلنين من تجارنا ممن يعلن فيها لأنهم يتعاونون معها على الإثم والعدوان روى ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مَنْ أَعَانَ بَاطِلًا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الحاكم (7052) وصححه وذكر الألباني في الصحيحة (1020) وهؤلاء يعينون تلك القنوات بدعمها بإعلانهم فيها ؛ لتدحض الحق ، وتنشر الرزيلة ، وتفسد الأخلاق فمثلا من يعلن من تجار الرز فيها لا نخرج منه زكاة الفطر وبهذا يتضرر ضررا بالغا مما سيجعله يمتنع من الإعلان فيها ، وكذا غير الرز من المنتجات الأخرى كالشاي والمنظفات والحلويات والأطعمة والألبسة ، والسيارات ، وغيرها وهذا سيحد من دعم تلك القنوات .


= وأقول لأصحاب تلك القنوات
ما قاله الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)

وقال تعالى(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) مسلم(1017) من حديث جرير –رضي الله عنه-

= وأقول لكم أيها الصائمون : ما قاله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) وما قاله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903)


ولنتذكر جميعا قول ربنا الرحمن
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)
اللهم وفقنا لصيام وقيام رمضان إيمانا واحتسابا ، واجعلنا من المقبولين ، اللهم اهد أصحاب تلك القنوات وردنا وإياهم إليك ردا جميلا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبه نايف بن أحمد بن على الحمد .