حاتم الطائي …… ومكارم ُ الأخلاق

رُويَ أنّ الإمامّ عليَّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - قال : سبحانَ الله ! ما أزهدَ كثيرا ً من الناس ِ في الخير ! عجبا ً لرجل ٍ يجيئه ُ أخوه المسلمُ في حاجة ٍ فلا يرى نفسه للخير أهلا ً ، ولا يرجو ثوابا
ولا يخاف عقابا ! وكان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق ، فإنها تدل على سـُـبل ِ النجاح .*
فقام إليه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ، أسمعته من النبي – صلى الله عليه وسلم – ؟
قال : نعم ،
لما أ ُتيَ بسبايا طيء ،وقفتْ جميلة ٌ ، فلما رأيتها أ ُعجبتُ بها ، فلمــــا تكلمت نسيتُ جمالها لفصاحتها ، فقالت : يا محمد ،
إنْ رأيتَ أنْ تـُــخليَ سبيلـــــــي ولا تـُـشمتْ بي أحياءَ العرب ،فإني ابنة ُ سيد قومي !
وإنّ أبي كان يفكُّ العاني ويشبع الجائعَ ، ويكسو العاري ،
ويفشي السلام َ ، ولا يردّ طالباً حاجة ٍ قط ّ ، أنا ابنة حاتم الطائي .

فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " يا جارية ، هذه صفاتُ المؤمنين ،
خـَـلــُّـوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارمَ الأخلاق . "
************************
وكرمُ حاتم طبـَّـقَ الآفاق َ ومن ذلك ما:

1ـ رُويَ أنّ رَكبا ً من بني أسدٍ وبني قيس ٍ قصدواالنعمان ملك الحيرة ، فلقوا حاتما ً ، فقالوا له : تركنا قومنا يثنون عليك ، وقد أرسلوا لك رسالةً ، قال : وما هي ؟ فأنشده الأسديون شعرا ً للنابغة فيه ، وقالوا له : إنا نستحيي أن نسألك شيئا ً ، وإن لنا حاجة ! قال : وما هي ؟ قالوا : صاحبٌ لنا قد أرجلَ – يعني فقد راحلته - فقال حاتم : خذوا فرسي هذه فاحملوه عليها ، فاخذوها ، وربطت الجارية ُفلو الفرس – ابن الفرس - بثوبها ، فأفلت يتبع ُ أمه ، فتبعته الجارية ُ لترده ، فصاح حاتم : ما تـَـبـِـعـَـكم فهو لكم ، فذهبوا بالفرس والفلو والجارية .

ولنقف هنا مع واحدة من قصائد حاتم الخالدة خلال أربعة عشر قرناً من الزمن إذ يقول لزوجته ماوي :
أماوي! قد طال التجنب والهجر وقد عذرتني من طلابكم العذرُ
أماوي! إن المال غادٍ ورائح ويبقى من المال الآحاديث والذكرُ
أماوي! إني لا أقول لسائلٍ ـ إذا جاءَ يوْماًـ : حَلّ في مالِنا نَزْرُ
أماوي! إما مانع فمبين وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجرُ
أماوي! ما يغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ
إذا أنا دلاني الذين أحبهم لِمَلْحُودَةٍ زُلْجٌ جَوانبُها غُبْرُ
وراحوا عجالاً ينفصون أكفهم يَقولونَ قد دَمّى أنامِلَنا الحَفْرُ
أماوي! إن يصبح صداي بقفرة من الأرض لا ماء هناك ولا خمرُ
ترى ْ أن ما أهلكت لم يك ضرني وأنّ يَدي ممّا بخِلْتُ بهِ صَفْرُ
أماوي! إني رُب واحد أمه أجرت فلا قتل عليه ولا أسرُ
وقد عَلِمَ الأقوامُ لوْ أنّ حاتِماً أراد ثراء المال كان له وفرُ

وإني لا آلو بكالٍ وضيعة فأوّلُهُ زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ
يُفَكّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيّباً وما إن تعريه القداح ولا الخمرُ
ولا أظلِمُ ابنَ العمّ إنْ كانَ إخوَتي شهوداً وقد أودى بإخوته الدهرُ
عُنينا زماناً بالتّصَعْلُكِ والغِنى كما الدهر في أيامه العسر واليسرُ
كَسَينا صرُوفَ الدّهرِ لِيناً وغِلظَة ً وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهرُ
فما زادنا بغيا على ذي قرابةٍ غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقرُ
فقِدْماً عَصَيتُ العاذِلاتِ وسُلّطتْ على مُصْطفَى مالي أنامِلِيَ العَشْرُ
وما ضَرّ جاراً يا ابنة َ القومِ فاعلمي يُجاوِرُني ألاَ يكونَ لهُ سِترُ
بعَيْنيّ عن جاراتِ قوْميَ غَفْلَة ٌ وفي السّمعِ مني عن حَديثِهِمِ وَقْرُ