احذر طول الأمل

اعلم رحمك الله بأن طول الأمل عائق عن كل خير وطاعة، جالب لكل شر وفتنة، داء عضال يوقع الخلق في أنواع البليّات.
واعلم أنك إذا طال أملك هاج لك منه أربعة أشياء:
أحدهما: ترك الطاعة والكسل فيها، تقول: سوف أفعل والأيام بين يدي، ولا يفوتني شيء.
الثاني: ترك التوبة وتسويفها، تقول: سوف أـوب، وفي الأيام السّعة وأنا شاب، والتوبة بين يدي، وأنا قادر عليها متى رمتها، ورّما اغتاله الحمام على الاصرار، واختطفه الأجل قبل إصلاح العمل.
الثالث: الحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة.
الرابع: القسوة في القلب والنسيان لللآخرة، لأنك إذا أمّلت العيش الطويل، لا تذكر الموت والقبر، وإنما رقة القلب وصفوته بذكر الموت والقبر، والثواب والعقاب وأحوال الآخرة.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكّر في الآخرة". رواه الحاكم في المستدرك (1\376) (1363)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4584).

أسوأ من هذه؟ وأي آفة أعظم من هذه؟ ومل هذا بسبب طول الأمل.
واعلم أن ذكر الموت، أعظم دواء في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل. كفانا الله والمؤمنين شرّه.
فاحتفظ بهذه الجملة، وحصّلها موفقا، فإنّ الحاجة إليها ماسّة، ودع عنك تضييع الوقت في القيل والقال، واللهو واللعب.
والله الموفق بفضله.

كن غريبا أو عابر سبيل

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي وقال:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدّ نفسك من أهل القبور" رواه الترمذي (23333)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 1902).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا ب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها" رواه الترمذي ( 2377) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1936).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا اليوم من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولاحساب، وغدا حساب ولا عمل" رواه البخاري 11\239) معلقا مجزوما به. وانظر الكلام على هذا الأثر في الفتح (11\240 ـ 241).

وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبا، وهو على جناح سفر، لا يحلّ عن راحلته إلا بين أهل القبور؟ فهو مسافر في صورة قاعد، وقد قيل:

وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها داع الى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى، والمسافر قاعد

وقال القائل:

وما المرء إلا راكب على ظهر عمره
على سفر يطويه كل يوم وليلة
يبيت ويصبح كل يوم وليلة
بعيدا عن الدنيا قريبا من القبر

ولله درّ القائل:

نسير الى الآجال في كل لحظة
وأيامنا تطوى وهنّ مراحل
ترحل عن الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهنّ قلائل

وقال القائل:

حتى متى نحن والأيام نحسبها
وإنما نحن فيها بين يومين
يوم تولّى وانت تأمله
لعله أجلب الأيام للحين

فالكيّس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتمّ بقطعها سالما من السيئات والخطيئات غانما من الباقيات الصالحات، فإذا قطعها استقبل المرحلة الأخرى من عمره كذلك. فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها.

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة: فجلس على شفير القبر. فبكى حتى بلّ الثرى ثم قال:" يا إخواني لمثل هذا فأعدوا".

اغتنم الصحة والفراغ

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". رواه البخاري (6412).
أي: ذو خسران فيهما كثير من الناس.

فمن استعمل فراغه وصحّته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم لكفى.
قال القائل:

يسرّ الفتى طول السلامة والبقى
فكيف ترى طول السلامة يفعل
يردّ الفتى بعد اعتدال وصحة
ينوء إذا رام القيام ويحمل

ولله درّ القائل:

إن في الموت والمعاد لشغلا
وادّكارا لذي النّهى وبلاغا
فاغتنم نعمتين قبل المنايا
صحة الجسم يا أخي والفراغا
العاقبة (ص 79).

وقال القائل:

اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح مات من غير سقم
ذهبت نفسه الصحيحة فلته
اقتضاء العلم العمل ( ص 156).

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه:" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" رواه البيهقي في شعب الإيمان (10248) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1077).

انظر أيها المتأمل في هذه الموعظة البليغة، المستقلة بالمعاني الجمّة الجليلة، واغتنم أوقاتك النفيسة بطاعة رب البريّة سبحانه وتعالى.

ولله درّ القائل:

تفكّر قبل أن تندم
فإنك ميت فاعلم
ولا تغترّ بالدنيا
فإن صحيحها يسقم
وإنّ جديدها يبلى
وإنّ شبابها يهرم

وقال القائل:

وما حالاتنا إلا ثلاث
شباب ثم شيب ثم موت
وآخر ما يسمى المرء شيخا
ويتلوه من الأسماء ميّت
لطائف المعارف (ص 539).

فينبغي للعاقل في حال الصحة أن يغتنم الفرصة، حتى إذا مرض كتب له عمله في الصحة، وأن يحرص ما دام مقيما على كثرة الأعمال الصالحة، حتى إذا سافر كتب له ما كان يعمل في الإقامة. شرح رياض الصالحين (3\227) للعلامة ابن عثيمين.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا" رواه البخاري (2996).


القبر صندوق العمل

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يتبع الميت ثلاثة، فيرجع إثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله" رواه البخاري (6514) ومسلم ( 2960).

تزوّد قرينا من فعالك إنما
قؤين الفتى في القبر ما كان يفعل
وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن
بغير الذي يرضى به الله تشغل
فلن يصحب الإنسان من بعد موته
إلى قبره إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الانسان ضيف لأهله
يقيم قليلا عندهم ثم يرحل
جزء فيه الكلام على حديث يتبع الميت ثلالث، لإبن رجب.

ولله درّ القائل:

يا من بدنياه اشتغل
وغرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتة
والقبر صندوق العمل

وقال الشاعر:

الموت بحر طافح موجه
تذهب فيه حيلة السابح
يا نفس إني قائل فاسمعي
مقالة من مشفق ناصح
لا يصحب الإنسان في قبره
غير التقى والعمل الصالح

اغتنم حياتك قبل موتك

اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشيء الممكن وجوده لا يعرف مقداره على الحقيقة إلا إذا عدم وفقد، وطلب فلم يوجد، كما قال القائل:

مرّ الشباب ولم أقدر أراجعه
ولم أحييه إلا بعدما انصرف
والمرء يجهل قدر الشيء يمكنه
حتى إذا فاته إمكانه عرفا

ألا ترى رحمك الله أن الصحة لا يعرف مقدارها على الحقيقة إلا المرضى، والعافية لا يعرف مقدارها إلا المبتلى، فكذلك الحياة لا يعرف مقدارها إلا الموتى، لأنهم قد ظهرت لهم الأمور وانكشفت لهم احقائق، وتبدت لهم المنازل، وعلموا مقدار الأعمال الصالحة، إذ ليس ينفع هناك إلا عمل صالح زكي، ولا يرتفع هناك إلا عبد تقيّ، وكلما ازداد في الدنيا فضيلة كان أقرب الى الله وسيلة.

فلما استبان لهم ذلك، وعلموا مقدار ما ضيّعوا، وقيمة ما فرّطوا ندموا وأسفوا، وودوا لو أنهم الى الدنيا رجعوا ليتوبوا ويجتهدوا في الطاعة، ولا سبيل لهم إلى ذاك. كما قال القائل:

لو قيل للقوم ما مناكم طلبوا
حياة يوم ليتوبوا فاعلم
ويحك يا نفس ألا تيقظ
ينفع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في توان وهوى
فاستدركي ما قد بكى واغتنمي

فلو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية، حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.

فانتهز أخي فرصة الزمان، قبل تعذر الإمكان، قبل أن تنقل من اسم ما زال الى خبر كان، قبل أن يأتي يوم يدوم فيه الندم لمن زلت به القدم، قبل أن يقول المذنب: ربّ أرجعون. فيقال: فات. كان ما كان وأتى ما هو آت.

قال صلى الله عليه وسلم:{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ أرجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون} [ المؤمنون: 99 – 100].

وقال جل جلاله:{ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخرّتني الى أجل قريب فأصّدق وأكن من الصالحين* ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون} [المنافقون: 10 – 11].

البدار البدار قبل الفوات، والحذار الحذار قبل الموت، ما في المقابر من دفين إلا وهو متألم من سوف.

الدنيا مزرعة الآخرة

إنّ الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل، حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل، حصد غدا الندامة. جامع العلوم والحكم ( 2/ 124).

ولله درّ القائل:

غدا توفى النفوس ما كسبت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم
وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
لطائف المعارف (ص 375).

وقال القائل:

من فاته الزرع في وقت البذار فما
تراه يحصد إلا الهمّ والندما
لطائف المعارف ( ص 34).

عن جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة" أخرجه الترمذي (3464) وابن حبان ( 826) والحاكم (1/ 501 -502) وصححه ووافقه الذهبي.

فكم يضيّع الآدمي كم ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل! وهذه الأيام مثل المزرعة، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟!

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد: أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنّة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر" أخرجه الترمذي ( 3462) وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي ( 2755).

أوما سمعت بأنها قيعان فاغـ
ـرس ما تشاء بذا الزمان الفاني
وغراسها التسبيح والتكبير والتـ
ـحميد والتوحيد للرحمن
تبا لتارك غريسه ماذا الذي
فاته من مدّة الإمكان
يا من يقرّ بذا ولا يسعى له
بالله قل لي كيف يجتمعان
أرأيت لو عطّلت أرضك من غرا
س ما الذي تجني من البستان

قال ابن القيّم رحمه الله: السنة سجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها؛ فمن كانت أنفاسه في طاعة: فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية: فثمرته حنظل، وإنما يكون الجداد يوم الميعاد، فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرّها.

فنافسوا في اقتناء النفائس، فإنما يجني أحدكم ما هو اليوم غارس.


الأعمال بالخواتيم

• عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:".. إنما الأعمال بخواتيمها" قطعة من حديث رواه البخاري ( 6493) و ( 6607).
• عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما الأعمال كالوعاء، إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه" رواه ابن ماجه (4199)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ( 3385).
• العمر بآخره، والعمل بخاتمته.
• من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
• ما أصعب الانتقال من البصر الى العمى، وأصعب منه الضلالة بعد الهدى، والمعصية بعد التقى. كم من شارف مركبة ساحل النجاة، فلمّا همّ أن يرتقي لعبت به موج الهوى فغرق. الخلق كلهم تحت هذا الخطر، قلوب العباد بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

ليس العجيب ممن هلك كيف هللك
إنما العجيب ممن نجا كيف نجا

فكم رأينا وكم سمعنا ممن إذا لاح فجر أحدهم فجر، وإذا أوشكت على المغيب شمس صيامه أفطر. نسألك اللهم العافية.
نسأل الله الحيّ القيّوم ذا الجلال والإكرام أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى، ويختم لنا بخير في عافية، فإنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، آمين.














عبر وعظات

• عن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى، حتى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار، فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" رواه الترمذي ( 2424)، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (1878).

بكى عثمان وغير عثمان، لأنه الأمر الذي يبكى عليه، ويصرف الاهتمام كله إليه. وهذا هو الذي قطع قلوب الخائفين، وأسال الله عبرات التائبين، وأسهر ليالي العابدين. ونحن في غفلة عن هذا الأمر العظيم.

فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
وإلا فإني لا أخالك ناجيا

• عن أبي بكرة عن أبيه أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال:" من طال عمره وحسن عمله" قال: فأي الناس شر؟ قال:" من طال عمره وساء عمله" رواه الترمذي (2330)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1889).

إن العبد على جناح سفر، إما إلى الجنة وإما الى النار، فإذا طال عمره وحسن عمله كان على طول سفره زيادة له في حصول النعم واللذة، وإذا طال عمره وساء عمله كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابه، ونزولا له الى أسفل، فالمسافر إما صاعد وإما نازل.

فينبغي للمؤمن ان يكون طول عمره زيادة في عمله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" .. واجعل الحياة زيادة في كل خير.." قطعة من حديث رواه مسلم (2720) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

• عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الجنة أقرب الى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" رواه البخاري (6488).

والمعنى أن الطاعة موصلة الى الجنة، والمعصية مقرّبة الى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء.

فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها.
فتح الباري (11/ 329).

• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها" رواه الترمذي (2601) وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2097).

يعني: النار شديدة والخائفون منها نائمون غافلون. وليس هذا طريق الهارب، بل طريقه أن يهرول من المعاصي الى الطاعات.
والجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والعاملون لها نائمون غافلون.

• عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ي امحمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به. ثم قال: يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الحاكم ( 4/ 324 – 325) ( 7921)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع ( 73).

أنظر أيها المتأمل في هذا الكلام الجامع، وانتهز الفرصة كيلا تندم. ونعم ما قال من قال:

إذا هبّت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها
فما تدري السكون متى يكون
الجامع لأحكام القرآن (5/ 246).

ومن أخّر الفرصة عن وقتها، فليكن على ثقة من فوتها.

فالبدار البدار قبل فوات الأوان وضياع الفرص.
قال الشاعر:

بادر بخير إذا ما كنت مقتدرا
فليس في كل وقت أنت مقتدر

• اعلم أنك في ميدان سباق، والفرص تمر مرّ السحاب، ولا تخلد الى كسل. فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم.

عن أبي هريرة رذي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمرّ على جبل يقال له: جمدان، فقال: " سيروا هذا جمدان سبق المفرّدون" قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله! قال:" الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" رواه مسلم ( 2676).

• الموفق من إذا تلمّح قصر الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له أورثه ذلك الجدّ والاجتهدا، وانتهب حتى اللحظة، وزاحم كل فضيلة، فإنها إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها، أو ليس في الحديث:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود (1464) من حديث عبدالله بن عمرو وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1300).
فلو أن الفكر عمل في هذا حق العمل حفظ القرآن عاجلا.

• الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل، والذي لك من الباقي قليل، ولم يبقى من قليلك إلا القليل، وقد أصبحت في دار العزاء وغدا تصير الى دار الجزاء، فاشتر نفسك لعلك تنجو.

• أنت مطلوب، ولك ذنوب وما تتوب، وشمس الحياة قد تدلت للغروب، فما أقسى قلبك من بين القلوب، وهل أتاك ما يصدع الحديد:{ يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} [ ق: 30].

• أيها المغرور بالدنيا انتبه لنفسك،
إنها حال ستفنى وتحول
واجتهد في نيل ملك دائم
أي خير في نعيم سيزول
لو عقلنا ما ضحكنا لحظة
غير أنّا فقدت منا العقول

• وجدّ وسارع واغتنم زمن الصبا
ففي زمن الامكان تسعى وتغنم
وسر مسرعا فالسير خلفك مسرعا
وهيهات ما منه مفرّ ومهزم
فهنّ المنايا أي واد نزلته
عليها القدوم أو عليك ستقدم

• قد بلغ مركبك ساحل الأجل، وقاربت شمس عمرك من الغروب، وبقي من ضوء الأجل شفق، فاستدرك باقي الشعاع قبل غروب الشمس.

• فكيف قرّت لأهل العلم أعينهم
والموت جهرا علانية ينذرهم
لو كان للقوم أسماع لقد سمعوا
والنار ضاحية لا بدّ موردها

ومن تأمّل هذا حق التأمل أوجب له القلق. فإنّ ابن آدم متعرّض لأهوال عظيمة من الموت والقبر وأهوال البرزخ وأهوال الموقف، كالصراط والميزان. وأعظم من ذلك الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ودخول النار، ويخشى على نفسه الخلود فيها بأن يسلب إيمانه عند الموت ولم يأمن المؤمن شيئا من هذه الأمور { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [ الأعراف: 99]. فتحقق هذه الأمور يمنع ابن آدم القرار. المحجة في سير الدلجة ( ص 99 -100) لإبن رجب.

• يا غافلا تتمادى
غدا عليك ينادى
هذا الذي لم يقدّم
قبل الترحّل زادا

• أخي المسلم: اذكر ساعة ضاعت منك فكفى بها عظة ذهبت لذة للكسل فيها، وفاتت مراتب الفضائل.

• يا غافلا عما خلقت له انتبه لنفسك

جدّ الرحيل فلست باليقظان

• عجبا لقوم أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، وحبس أولهم على آخرهم، وهم قعود يلعبون.

• كيف يفرح بالدنيا! من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره. كيف يفرح! من يقوده عمره الى أحله، وحياته الى موته. لطائف المعارق ( ص 346).

• إني خرجت من الدنيا ليس معي
من كل ما ملكت كفي سوى كفني

• تزوّد من التقوى فإنك لا تدري
إذا جنّ ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من فتى يمسي ويصبح لاهيا
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم
وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر

• الدنيا دار الأشغال، والآخرة دار الأهوال، ولا يزال العبد متردّدا بين الأشغال والأهوال حتى يستقرّ به القرار؛ إما إلى جنة وإما الى نار.

• هذا الطائر إذا علم أن الأنثى قد حملت أخذ ينقل العيدان لبناء العش قبل الوضع، أفتراك ما علمت قرب رحيلك الى القبر؟ فهلا بعثت فراش:{ ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} [ الروم: 44} بدائع الفوائد ( 3/ 327).

• عجبا لعين أمست بالليل هاجعة، ونسيت أهوال يوم الواقعة.

• إذا كان العمر في إدبار، والموت في إقبال فما أسرع الملتقى.

• يا نائما في ليل الغفلة تيقظ فقد لاح فجر الرحيل.

• ألا للموت كأس أي كأس
وأنت لكأسه لا بدّ حاسي
الى كم والممات الى قريب
تذكّر بالممات وأنت ناسي

• يا غافل القلب عن ذكر المنيّات
عما قلبل ستلقى بين أموات
فاذكر محلّك من قبل الحلول به
وتب الى الله من لهو ولذات
إن الحمام له وقت الى أجل
فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئن الى الدنيا وزينتها
قد آن للموت يا ذا اللبّ أن يأتي

• أذكر الموت هادم اللذات
وتهيأ لمصرع سوف يأتي

• يا هذا الشيب أذان، والموت إقامة، ولست على طهارة.
كفى مؤذنا باقتراب الأجل
شباب تولى وشيب نزل

يا من كلما طال عمره زاد ذنبه. يا من كلما ابيضّ شعره بمرور الأيام اسودّ بالآثام قلبه.

شيخ كبير له ذنوب
تعجز عن حملها المطايا
قد بيّضت شعره الليالي
وسوّدت قلبه الخطايا

من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمّت شهور حملها، فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر غير الموت، فقبيح منه الاصرار على الذنب.

• أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقتت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها.

• إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
وأبصرت يوم الحشر من قد تزوّدا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

• يا هذا عليك بالجدّ والاجتهاد, وخلّ الكسل والرّقاد، فطريقك لا بدّ لها من زاد.
جدّوا فإنّ الأمر جدّ
وله أعدّوا واستعدّوا

• ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما.
تولى العمر في سهو
وفي لهو وفي خسر
لطائف المعارف ( ص 351).

• المبادرة المبادرة الى اغتنام العمل فيما بقي من العمر، فعسى أن يستدرك ما فات من ضياع العمر.

• أليس من الخسران لياليا

تمرّ بلا نفع من عمري
لطائف المعارف (ص 517).

• كم جاء الثواب يسعى إليك فوقف بالباب، فردّه بوّاب ( سوف) و (لعل) و ( عسى)!

• وساعة الذكر فاعلم ثروة وغنى
وساعة اللهو إفلاس وفاقات

• يا طويل الأمل في قصير الأجل! يا كثير الزلل في يسير العمل! خلا لك الزمان وما سددت الخلل! أفما عندك وجل من هجوم الأجل؟!

• إنّا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا
فإنما الربح والخسران في العمل

• إذا كنت أعلم علما يقين
بأنّ جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها
وأجعلها في صلاح وطاعة

• مضى أمسك الماضي شهيدا معدّلا
وأعقبه يوم عليك جديد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة
فثنّ بإحسان وأنت حميد
فيومك إن أعقبته عاد نفعه
عليك وماضي الأمس ليس يعود
ولا ترج فعل الخير يوما الى غد
لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد

• يا من يعد غدا لتوبته
أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في ذلك على أمل
ومنيّة الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد
ولعلّ يومك آخر العدد

• ليس العجيب من نائم لم يعرف قدر ما مرّ من يومه، وإنما العجب من نائم في يقظة عمره.

• يا هذا مثل لنفسك صرعة الموت. وما قد عزمت أن تفعل وقت الأسر، فافعله وقت الإطلاق.

• حاسب نفسك فالعمر محسوب، وامح قبيحك فالقبيح مكتوب، واعجبا لنائم وهو مطلوب، ولضاحك وعليه ذنوب.

• يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب،، خلّ الأمل الكذوب، فربّ شروق بلا غروب.

• يا ثقيل النوم أما تنبّهك المزعجات! الجنّة فوقك تزخرف، والنار تحتك توقد، والقبر الى جانبك يحفر، وربّما يكون الكفن قد غزل أيقظان أنت اليوم أم أنك حالم؟! يا حاضرا يرى التائبين، وهو في عداد الغائبين.

• واقف في الماء عطشان
ولكن ليس يسقي

• يا ساهيا لاهيا عمّا يراد به
آن الرحيل وما قدّمت من زاد
ترجو البقاء صحيحا سالما أبدا
هيهات أنت غدا فيمن غدا غاد

• ابك على نفسك قبل أن يبكى عليك، وتفكّر في سهم قد صوّب إليك، وإذا رأيت جنازة فاحسبها أنت، وإذا عاينت قبرا فتوهّمه قبرك، وعدّ باقي الحياة ربحا.

• ذهب العمر وفات
يا أسير الشهوات
ومضى وقتك في لهو
وسهو وسبات
بينما أنت على غيّك
حتى قيل مات

• يا عبد الله لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة.
قدّم لنفسك توبة مرجوّة
قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها
ذخر وغنم للمنيب المحسن
الجامع لأحكام القرآن ( 5/6).

• أيام العافية غنيمة باردة، وأوقات السلامة لا تشبهها فائدة، فتناول ما دامت لديك المائدة، فليست الساعات الذاهبات بعائدة.

• قد كان عمرك ميلا
فأصبح الميل شبرا
وأصبح الشبر عقدا
فاحفر لنفسك قبرا

• يا من أنفاسه محفوظة، واعماله ملحوظة، أينفق العمر النفيس في نيل الهوى الخسيس؟!

• جدّ الزمان وأنت تلعب
والعمر لا في شيء يذهب
كم كم تقول غدا أتوب
غدا غدا والموت أقرب

• يا مغرورا بطول الأمل! يا مسرورا بسوء العمل! كن من الموت على وجل، فما تدري متى يهجم الأجل؟! لطائف المعارف ( ص268).

• كل امرئ مصبّح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله

• كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومن مؤمّل غدا لا يدركه. لطائف المعارف ( ص 268).

• كم ممن راح في طلب الدنيا أو غدا أصبح من سكان القبور غدا. لطائف المعارف ( ص 268).

• عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح! عجيا لمن أيقن بالنار كيف يضحك!

• العجب كل العجب من غفلة من تعدّ عليه لحظاته، وتحصى عليه أنفاسه، ومطايا الليل والنهار تسرع به، ولا يتفكّر إلى أين يحمل، ولا إلى أيّ منزل ينقل؟
وكيف تنام العين وهي قريرة
ولم تدر في أيّ المحلين تنزل؟

• أؤمّل أن أخلّد والمنايا
تدور عليّ من كل النواحي
وما أدري وإن أمسيت يوما
لعلي لا أعيش الى الصباح

• إن لله عبادا فطنا
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحيّ وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا

• السعيد من وظع بغيره، وإنما هي ساعة واحدة وإن طال المدى وامتد العمر واتصلت الأيام، كما قال القائل:

وإنما عمرك المرجى
هذا الذي نلته كساعة

• انتبه يا مسكين قبل الممات، وحسن القول والعمل، فقد قرب الأجل، لله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الذيل على طبقات الحنابلة ( 4/ 210 _ 211).

الخاتمة

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أيقظنا الله وإياكم من رقدة الغافلين، ووفقنا الله وإياكم للتزود قبل النقلة، وألهمنا اغتنام الزمان بما يقرب من الرحمن.

هذا ما تيسر جمعه، ونستغفر الله من كل ما زلّ به القدم، أو أطغى به القلم، ونستغفره من أقاويلنا التي لا توافق أعمالنا، ونستغفره مما ادّعيناه وأظهرناه من العلم بدين الله تعالى مع التقصير فيه، ونستغفره من كل خطرة دعتنا الى تصنّع وتزيّن، في كتاب سطّرناه أو كلام نظمناه، أو علم أفدناه.

ونسأله أن يجعلنا وإياكم، بما علمناه عاملين، ولوجهه به مريدين، وان لا يجعله وبالا علينا، وأن يضعه في ميزان الصالحات إذا ردّت أعمالنا إلينا، إنه جواد كريم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.