من بيتر سالزبري

صنعاء 18 ديسمبر كانون الأول (رويترز) - عاد عبد الخالق إلى بلده اليمن الشهر الماضي بعد أن عمل في السعودية بشكل غير قانوني لخمس سنوات في أعقاب حملة للسلطات السعودية على المفيمين غير الشرعيين في المملكة لكنه يسعى إلى مغادرة اليمن مجددا في أسرع وقت ممكن.

وقال عبد الخالق (28 عاما) الذي يعيش في الحي القديم في العاصمة صنعاء "الأوضاع في اليمن سيئة للغاية..لا يجد الناس وظائف..لا يوجد أمن وليس أمامي أي شئ هنا. ربما أسافر إلى الصين أو حتى إلى الصومال."

ويتعافى اقتصاد اليمن من الاضطرابات السياسية التي احاطت بالإطاحة بالرئيس السابق على عبد الله صالح في 2011. واستقرت عملة البلاد وهبط التضخم واستأنف بعض رجال الأعمال استثماراتهم.
لكن بالنسبة لعبد الخالق فإن التعافي لا يزال بطيئا للغاية حتى يخلق وظائف أو يرفع مستوى معيشة غالبية سكان البلد الفقير البالغ عددهم 27 مليون نسمة. ولا تزال أعمال العنف القبلية وهجمات المسلحين تضغط بشدة على أنشطة قطاع الأعمال.

ومما يفاقم الوضع أن اسس التحسن الاقتصادي لا تزال هشة: زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي تعتمد على الاقتراض من سوق المال المحلية. ولا تزال الاصلاحات الاقتصادية التي تستطيع دعم التعافي وتجعله مستداما وتوزع ثروة البلاد على نطاق أوسع متوقفة ولا توجد دلالات تذكر إلي وجود إرادة سياسية لإحياء تلك الاصلاحات.

وقالت دانيا جرينفيلد الخبيرة في أتلانتيك كاونسل الأمريكية للبحوث إن المفاوضات المتوترة حول اصلاحات ديمقراطية "تمتص الأكسجين من المناخ السياسي وهو ما يترك مجالا محدودا جدا للتعامل مع حاجات أخرى عاجلة وبصفة خاصة تلك المتعلقة بالمشكلات الاقتصادية.

"هناك افتقار كامل إلي قيادة أو رؤية داخل الحكومة الإنتقالية فيما يتعلق بصنع السياسة الاقتصادية وهذا له تكلفته الباهظة."

وانكمش اقتصاد اليمن -ثاني أفقر بلد عربي بعد موريتانيا- 12.7 بالمئة في 2011 بحسب صندوق النقد الدولي. ونما الناتج المحلي الإجمالي 2.4 بالمئة العام الماضي ويتوقع صندوق النقد ان النمو سيبلغ 6 بالمئة هذا العام لكن تلك الأرقام تخفي اتجاهات مزعجة.

فمعظم هذا النمو يرجع إلى قفزة في الإنفاق الحكومي الذي ارتفع 32 بالمئة في 2012. ولتعزيز الإنفاق فإن الحكومة تحولت بشكل متزايد إلى سوق الدين المحلية وأطلقت سلسلة إصدارات لاذون الخزانة كما أصدرت في نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الأول سندات إسلامية لبنوك محلية للمعاملات الإسلامية.

وقال مسؤولون إنه حتى أكتوبر تشرين الأول 2013 قفزت أذون الخزانة المتداولة 38 بالمئة إلى 6.4 مليار دولار. ويتوقع صندوق النقد عجزا في الميزانية قدره 5.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام لكن مسؤولين حكوميين يتوقعون الآن ان عجزا اكبر يتراوح من 6 إلي 7 بالمئة.

وقال إبراهيم النهاري وكيل البنك المركزي اليمني للعمليات الخارجية والبحوث إن من الممكن الاستمرار في تمويل الميزانية من خلال الأسواق المحلية وقدر أن البنوك الإسلامية بمفردها تستطيع تقديم 500 مليون دولار إضافية.

لكنه أقر بأن زيادة الإنفاق ومدفوعات الدين تشكلان مصدرا للقلق. فلا يتجه معظم الإنفاق الحكومي الي خلق وظائف أو استثمارات في البنية التحتية بما يجعل الاقتصاد أكثر إنتاجية وإنما يذهب إلى تغطية فاتورة الأجور العاملين بالحكومة والقطاع العام ودعم الوقود لشراء سلام سياسي في الأمد القصير بينما يتجاهل الآفاق الاقتصادية الطويلة الاجل.

ومنذ 2011 تسببت الهجمات على خط أنابيب نفطي في خفض الامدادات إلى مصفاة اليمن الرئيسية في عدن وهو ما دفع الحكومة لاستيراد وقود وبيعه بالأسعار المدعمة متكبدة خسائر. وبلغت تكلفة دعم الوقود في اليمن ثلاثة مليارات دولار في 2012.

وهناك أيضا الفساد وهو ما يزيد الضغوط على المالية العامة.

وقال محمد العبسي وهو صحفي يمني يكافح الفساد "يزداد الأمر سوءا منذ 2011.. تتضمن فاتورة الأجور الحكومية عشرات الآلاف من الموظفين المحتالين (الأشباح)."

وساهمت المساعدات الخارجية في استقرار ميزان المدفوعات اليمني. وحصلت صنعاء في 2012 على تعهدات بمساعدات قيمتها 7.9 مليار دولار في السنوات القليلة القادمة من مانحين دوليين من بينهم الولايات المتحدة والسعودية لكن معظم أموال المساعدات تتجه إلى مشروعات المعونة في البلاد وليس إلى خزينة الدولة.

وقال غازي شبيكات ممثل صندوق النقد في اليمن الذي يتفاوض مع صنعاء على قرض بقيمة 500 مليون دولار "اليمن لا يمكنه تحمل تبعة الانتظار لفترة أطول كثيرا في تنفيذ اصلاحات اساسية."

ويحث صندوق النقد على اصلاحات تشمل تخفيضات لفاتورة الدعم واجور العاملين بالحكومة والقطاع العام وإعادة توجيه المدخرات نحو الرعاية الاجتماعية والانفاق على البنية التحتية. ويريد ايضا من صنعاء ان تحسن جباية الضرائب وتنظيم قطاع الاعمال.

وقال شبيكات ان تأجيل الاصلاحات سيعني الانتظار لتنفيذ مشاريع لخفض الفقر وايجاد الوظائف وهي اساسية للاستقرار السياسي.

وهناك بعض العلامات على ان الحكومة تبدأ في ترشيد ماليتها. ويتوقع صندوق النقد ان يتباطأ نمو الانفاق الحكومي الي 6.4 بالمئة في 2013 . لكن من غير الواضح ان المسؤولين مستعدون لقبول صعوبات تحيط باصلاحات رئيسية.

وحتى تغييرات طفيفة للانفاق الحكومي فانها قد تواجه معارضة من اصحاب المصالح الذين يريدون بقاء الوضع القائم. ومع انهماكه في محادثات الحوار الوطني التي تهدف الي وضع دستور جديد للبلاد فان الرئيس اليني عبد ربه منصور هادي ليس في وضع يسمح له بالتصدي لمثل هذه المعارضة.

وقال مسؤول يشرف على المالية العامة "إذا تحدثت الي أي أحد في الحكومة فانه سيقول لك انه ينبغي خفض الدعم... لكن المناخ السياسي لا يسمح بذلك."

(إعداد علاء رشدي للنشرة العربية - تحرير وجدي الالفثي)