جولة شعرية على أنقاض الأمجاد الإسلامية

أهوَ حلمٌ في جفنِ هذا الوجودِ ؟
قد ترنّحت في مداه البعيدِ

ثارَ في خاطري القريضُ ، فعفواً
يارفاقي ، إذا أزلتُ حدودي

وصحبت الخيال أسبح في الما
ضي على متن عزِّنا الموءودِ

ياحياة رأيتها من كُوى التَّا
ريخ نشوى ، إنِّي انطلقت فعودي

يا خيالاً وصلتَني بسنا الأمجـــ
ـــادِ هلاَّ أزلتَ عني جمودي

هَبْكَ ياقلب قد تمزَّقت حُزناً
فلماذا وقفتَ عن تأييدي

حرِّك العزمَ علَّني أصنعُ الأمجـــ
ـــادَ ، أبني صروحها من جديدِ

مُدَّ لي جسر ذكرياتي لعلِّي
أعبرُ الجسر نحوَ مجدٍ تليدِ

وازرع الوردَ في طريقي فإني
أعشقُ السَّير في ظلالِ الورودِ

لم تزل تنزع الحروف بقايا
ذكريات تهزّ ركنَ وجودي

فوراءَ الرمالِ ألفُ حديثٍ
عن أبِيٍّ مناضلِ وشهيدِ

لم تزل تنبش القصائد عنها
خلف باب المفاخرِ الموصودِ

قد مضغنا كلَّ الحكايات عنهم
ونظمنا قصائد التمجيدِ

لو نهجنا طريقَهم وبذلنا
في سبيل الإسلام بعضَ الجهود

لرأينا الزمان يركض طوعاً
وضربنا بقبضةٍ من حديدِ

ذاكَ شأنُ الحياة ، تخضع مهما
كان إعراضها ، لكلِّ سديدِ

سافَر الشعرُ في عوالم إحسا
سي فرفقاً بالشاعرِ المهدودِ

سافرَ الشعرُ ياحروفُ أفيقي
واستقرّي كاللؤلؤ المنضودِ

سافرَ الشِّعرُ يامراكِبَ حسِّي
هاجَ شوقي إلى اللّقاء فعودي

راحِلٌ في مواطِني أقتل الرُّعـــ
ـــبَ وأمضي على الطريق السديدِ

خاطِرُ الشعرِ لوعةٌ ، وفؤادي
لوعةٌ ، والأسى أشدّ القيودِ

هزَّةٌ عاطفيَّةٌ لو يشاءاللـــ
ـــه لاستجمعت رُفاتَ جدودي

غرِّدي ياقصيدتي فالمآسي
تتهاوى على لسانِ النشيدِ

وانقليني إلى صروح المعالي
رغم هذا المدى الطويل البعيدِ

لا تظنِّي ما بيننا من سِنِيِّ العمــ
ــرِ يقضي على اللّقاء السّعيدِ

لمْ أزل انتشي لشدْو ابن زيـــ
ـــدونَ على سفحِ مجدِنا المفقود

لمْ تزلْ هاهُنا بقايا زهورٍ
غُرستْ حول رايَة التوحيدِ

إيهِ قصرَ الحمراءِ ، ماذا دهاهم ؟
أينَ من زيَّنوك بالتَّشييدِ

لم تزلْ في ثراكِ نكهة أمجا
دٍ أثارتْ صوتَ الرِّضى في قصيدي

وعلى السّفح طارقُ بن زيادٍ
أريحيّ الخُطا سليل الأسود

وخطا جُندِهِ أحاديث نصرٍ
ولسان الثَّرى حكاية عيدِ

مصرُ يامصرُ قد تضيعُ الأماني
فتغنِّي برغم كلِّ حسود

قبّليني ففيك نكهة عمرو
ويقايا من الخباء المجيد

وعليهِ "اليمامتانِ" تبثَّا
نِ نشيداً يزيد صفو السعيدِ

وهنا الأزهر الشريف ولكن
ضاعَ صوتُ الشريف خلف السدودِ

مزِّقي صفحة الهوى وأفيقي
ولَقَد يعصف الهوى بالتَّليدِ

أيُّها الشَّام يا وثيقة عزٍّ
سُجِّلت في دفاتر التّأييدِ

نسيَ القومُ مجدنا والتَّآخي
وبطولاتِ خالدِ بن الوليدِ

نُسيتَ أيُّها العزيزُ وقامت
في بلادي وسائل التهويد

أيُّها الشّامُ قد أتيتُك مجرو
حاً فداوِ الجراحَ واحمل بريدي

وإذا ما أتيتَ مسجدنا الأقصــ
ـــى وأحسستَ بالظلام العنيد

ورأيتَ الشموعَ موبوءة الأضــ
ـــواء مطعونةً برمح الجحود

ورأيتَ الأبطالَ تندى مآقيهم
وتهفو نفوسهم للقعودِ

فانتفض صارخاً وبدِّد سُبا
تَ القومِ واهتف بدعوة التوحيد

لترى ذلك النّؤوم وقد ثا
رَ وأهوى بسيفهِ المعهودِ

ذاكٓ طبع النفوسِ كالنّار يقوى
عزمُ أضوائها بفعل الوقود

غرِّدي يا عراق ، فالشَّدْوُ نُعمى
في صداها يذوب كل جُحودِ

واحمليني على سفائن أشوا
قي إلى دوحة اللقاء السَّعيد

عانقي قلبي الحزينَ فإني
رغمَ حُرِّيَّتي أخاف قيودي

واعذريني اذا تغرّب ذهني
فثراك النّديُّ يُذكي شرودي

أنا في غُربتي أكبِّر للما
ضي وأحدوا قوافلَ التَّأييد

وأرى هاهنا معالمَ مجدٍ
عبقريٍّ وصورةً للرَّشيدِ

حينَ كانَ الوئامُ صورة أوطا
ني وكان الضلالُ رهنَ الرُّكودِ

ولبغدادَ عزّةٌ وإباءٌ
في ظلال الهُدى ، ظلال الخلودِ

سامحيني ، بغدادُ ، قد سئم الشّعــ
ــر وشاختْ وسائل التقليدِ

سامحيني إذا تبعثر إحسا
سي نشيداً وهمّت بالتَّرديدِ

فأنا شاعرٌ أحبَّك يا بغدا
دُ حُبَّاً تضيقُ عنه حدودي

مثلَ حُبّي لكُلِّ قطرٍ ، عليهِ
رفرفتْ راية الكتاب المجيدِ

شاعرٌ يُطربُ القلوبَ ولكنْ
كم يُعاني من قلبهِ المفؤودِ

سُنَّة الشعر أنْ يعيشَ ذَوُوهُ
في شقاءٍ يخفُّ بالتّغريدِ

إنَّني يا عراقُ أنفثُ إحسا
سي وإبدي محبتي ، أو صدودي

هو طبعي ، فإنّ قلبي نقيٌّ
لا يُرائي ، وذاكَ طبعُ الودودِ

ربّما يُوصِلُ النفاق لمن يَرْ
ضى طريقَ النفاقِ للمقصودِ

وليكن ذاك إنهالمعة البَرْ
قِ ومن بعدها هديرُ الرُّعودِ

منطِقُ الحقِ خيرُ ما يذكر الـــ
ـــشهم فسحقاً لمنطِقِ التمجيدِ

حكمة الله أن يظلَّ رفيعُ النّفـــ
ـــسِ وخْزاً في قلبِ كلّ حسودِ

أمّتي كيفَ تطلبينَ وفاءً ؟
من غريقٍ ، في غدرِهِ بالعهودِ

ها هُنا موعدٌ لإصلاحِ شأني
وهنا نظرة إلى تبديدي

وإذا أهدرت كريمة أصلٍ
أصلها ، لم يعُدْ بلطْم الخدودِ

أمَّتي لم يزلْ يُحرِّك عزمي
أملٌ في طريقكِ المنشودِ

فثراكِ الطهور، يا أمّة الإســـ
ــلام كم فيه من رُفاتِ شهيد

أمَّتي ثارت الجِراحُ فثوري
وأفيقي على زوالِ اليهود

#عبدالرحمن_العشماوي
القاهرة - بغداد
1397/11/17هـ