بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة و الأخوات السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، يسعدنا في هذا اللقاء و في هذه الليالي المباركات أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، فضيلة الشيخ الدكتور السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
الدكتور راتب: عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.
المذيع: فضيلة الشيخ أنتم في جامعة دمشق في كلية التربية أستاذ محاضر و أيضاً في مساجد دمشق خطيب و مدرس، بالإضافة إلى أنك أستاذ مادة الإعجاز العلمي في جامعة الأزهر فرع دمشق , طبعاً هناك دائماً سماحة الشيخ حديث جميل و رائع عن ليلة القدر المباركة، هذه الليلة الهامة جداً للأخ المؤمن الذي أحب الله و أحب رسوله عليه الصلاة و السلام، كيف نتحدث عن ماهية هذه الليلة المباركة ؟
الدكتور راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ جمال ليلة القدر ليلة عظيمة، هي خير عند الله من ألف شهر، و الحقيقة أنها ليلة اللقاء مع الله، ليلة الإقبال عليه، ليلة الصلح معه، ليلة المغفرة، ليلة التوبة، هي خير عند الله من ألف شهر، إذا قدرت الله حق قدره فقد وصلت إلى كل شيء.
ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، و إن فتك فاتك كل شيء، و أنا أحب إليك من كل شيء، كيف يصل الإنسان إلى الله عز وجل ؟
لابد من أن يذكر نفسه بالله، الإمام الجليل أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى خاطب نفسه التي بين جنبيه مشيراً إلى واعظين بليغين ناطقاً و صامتاً، فالناطق هو القرآن الكريم و الصامت هو الموت، و فيهما كفاية لكل متعظ، الإمام الغزالي يقول: أنت يا نفس مصدقة بأن القرآن هو الواعظ الناطق، فإن الله تعالى يقول في كتابه:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)﴾
[ سورة هود ]
فيا نفس لقد وعدك الله سبحانه و تعالى بالنار على إرادة الدنيا و حبها، و كل ما لا يصحبك بعد الموت فهو من الدنيا، و لو أن طبيباً وعدك بالمرض على تناول ألذ الأكلات لتحاشيتها و اتقيتها أيكون الطبيب يا نفس أصدق عندك من الله ؟ فإن كان كذلك فما أكفرك، و إن كان المرض أشد عندك من النار فما أجهلك، و يتابع الإمام الغزالي رحمه الله تعالى خطابه لنفسه فيقول: ثم وعظتها بالواعظ الصامت و هو الموت فقلت لها: لقد أخبر الواعظ الناطق عن الواعظ الصامت حيث قال تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) ﴾
[ سورة الشعراء ]
و كان سيدنا عمر بن عبد العزيز إذا دخل إلى عمله في الخلافة يتلو هذه الآية، ثم ذكر نفسه بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا يا رب مكرم لنفسه و هو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه و هو لها مكرم، ألا يا رب متخوفض و متنعم ماله عند الله من خلاق، ألا و إن عمل الجنة حزن بربوة، ألا و إن عمل النار سهل بسهوة، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً ))
المذيع: فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي دائماً هناك مثوبة من الله عز وجل العبادة لذة، لكن ما وراء العبادة هناك ثواب و عقاب كيف نتحدث في هذا الموضوع بشكل معمق ؟
الدكتور راتب: لن نستطيع الحديث بأفضل مما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هذا الإمام الجليل إنه ليس شيء شر من الشر إلا العقاب، و ليس شيء خير من الخير إلا الثواب، و كل شيء في الدنيا سماعه أعظم من عيانه، و كل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العيان السماع و من الغيب الخبر، و اعلموا أن ما نقص من الدنيا و زاد في الآخرة خير مما نقص في الآخرة و زاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح، و كم من مزيد خاسر، و اعلموا أن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، و ما أحل لكم أوسع مما حرم عليكم، فذروا ما قلّ لما كثر، و ما ضاق لما اتسع، قد تكفل الله لكم بالرزق و أمرتم بالعمل فلا يكن المضمون لكم أولى بكم من المفروض عليكم، فبادروا بالعمل و خافوا بغتة الأجل.
و قد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: (( عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ ))
[ الترمذي ]
أيها الإخوة الكرام: يروى عن سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال: من حمل ذنبه على ربه فقد فجر.
و أن الله تعالى لا يطاع استكراهاً و لا يعصى بغلبة، فإن عمل الناس بالطاعة لم يحل بينهم و بين ما عملوا، و إن عملوا بالمعصية فليس هو الذي أمرهم، و لو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب، و لو أمرهم بالمعية لأسقط العقاب، و لو أهملهم لكان عجزاً بالقدرة، فإن عملوا بالطاعة فله المنة عليهم، و إن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم.
و ابن عطاء الله السكندري في كتابه الحكم العطائية أقوال طيبة يقول هذا العالم الجليل: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره، و ربما أعطاك فمنعك، و ربما منعك فأعطاك، و قد يكون العطاء من الخلق حرمان، و قد يكون المنع من الله إحسان، و متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء، و متى أوحشك من خلقه فليفتح لك باب الأنس به، و ربما وجدت من الفاقات ما لا تجده في الصوم و الصلاة، فلا تستبطئ منه النوال و لكن استبطئ من نفسك الإقبال، و ما لم تفرغ قلبك من الأغيار فلن يملأه بالمعارف و الأسرار، فكما أن الله تعالى لا يحب العمل المشترك لا يحب القلب المشترك، العمل المشترك أي العمل الذي فيه شرك لا يحبه الله، فكما أن الله تعالى لا يحب العمل المشترك لا يحب القلب المشترك، العمل المشترك لا يقبله، و القلب المشترك لا يقبل عليه.
لذلك يقول عليه الصلاة و السلام في إحدى خطبه قال: ((رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له إن لم يغفر له فمتى ؟ ))
المذيع: نشكركم سماحة الشيخ محمد راتب النابلسي والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الدكتور راتب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.والحمد لله رب العالمين