أرجوكم أن تقرأوا معي هذه القصة الرائعة التي لا أعرف كاتبها الأروع .. حيث يقول:

" كنتُ عائداً بسيارتي من أمريكا إلى كندا حيث إقامتي ، وعلى الحدود أعطيتُ جواز سفري الكندي إلى الموظفة ، ففتحَته وقرأتْ مكان الولادة اليمن ، فقالت: كيف اليمن ؟
قلتُ: بخير ونرجو من الله أن تبقى بخير.

قالت: منذ متى وأنت تعيش في كندا ؟
قلتُ: أنهيتُ لتوي السنة العاشرة.

قالتْ: متى زرتَ اليمن آخر مرة ؟
قلتُ: منذ ثلاثة أعوام.

فنظرتْ إليَّ وهي تبتسم وقالت: من تحب أكثر اليمن أم كندا ؟
قلتُ: الفرق عندي بين اليمن وكندا كالفرق بين الأم والزوجة ، فالزوجة أختارها ، وأرغب بجمالها ، وأحبها ، وأعشقها ، لكنها لا يمكن أن تنسيني أمي ، الأم لا أختارها لكني أجد نفسي ملكها ، لا أرتاح إلا في أحضانها ، ولا أبكي إلا على صدرها ، وأرجو من الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها.

فأغلقتْ جواز السفر ونظرتْ إليَّ باستغراب وقالتْ: نسمع عن ضيق العيش فيها فلماذا تحب اليمن ؟!
قلتُ: تقصدين أمي ؟
فابتسمتْ وقالت: لتكن أمك .
فقلتُ: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ، ولا أجرة الطبيب ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ، ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني.

قالتْ: صف لي اليمن.
فقلتُ: هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاحين إذا رأيت وجهها ، وليست بذات العيون الزرقاء ، لكنك تشعرين بالطمأنينة إذا نظرت إليها ، ثيابها بسيطة ، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة ، لا تتزين بالذهب والفضة ، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح ، تطعم به كل جائع ، سرقها اللصوص ، ولكنها لا زالت تبتسم.

أعادت إليَّ جواز السفر وقالتْ: أرى اليمن على التلفاز ولكني لا أرى ما وصفت لي ؟
فقلتُ لها: أنت رأيت اليمن على الخريطة ، أما أنا فأتحدث عن اليمن التي تقع في أحشاء قلبي.

قالتْ: أرجو أن يكون وفاؤك لكندا مثل وفائك لليمن ، أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك.
فقلتُ لها: بيني وبين كندا وفاءٌ وعهد ، ولست بالذي لا يفي عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي.