انتشرت في الفترة الماضية أخلاقُ العنف التي لا تتناسب مع سماحة الإسلام العظيم، وأصبح تعطيل مصالح المؤمنين والحرْقُ والضرب بلْ والقتل أحيانًا إلى آخر وسائل العنفُ المختلفة هي الوسيلةَ المؤثرة لفرض المطالب على الآخرين.

لذا فإن هذه المقالة تدعو إلى العودة إلى أخلاقِ الإسلام العظيمة.. أخلاقِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ والتي من أهمها: خلُق الرِّفْق. الرفق بين المسلمين بعضهم ببعضٍ، الرفق مع المتعلِّم والمخطيء، الرفق مع الخادم والمرأة والأولاد والمرؤسين، الرفق داخل البيت، الرّفق مع لِئَام أهل الكتاب منهم، الرفق حتى مع الحيوانات والدوابّ.

والرفقُ له عدة معانٍ: المعنى الأول: اللِّين والسهولة، وضده: العُنْف، وهو التشديد والتصعيب، المعنى الثاني: الإرفاق؛ وهو الإعطاء، المعنى الثالث: بمعنى التمهل والتأني والتريث.


عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ تقول: [دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: «السَّامُ عَلَيْكُمْ».
ففَهِمْتُها، فَقُلْتُ: «وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ.. إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».
فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟!».
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» (رواه الخاري)



المهم، طريقة الرد على اليهود ,و ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ»؛
اليهود يقولون: «السام عليكم»
وهو يقول صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا.. إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».

يعني حتى لو كان القائلُ لك ذلك يهوديًّا - وقد كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ يومئذٍ - فإنه صلوات الله وسلامه عليه يقول لها: «مَهْلًا.. إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».

لا يردُّ عليهم هذا الرد، وإنما بكل ما أوتي من رِفقٍ صلى الله عليه وسلم يقول لها: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».

فيُبين لها أنه لا ينبغي أن يعجل المرءُ ولا يترك التأني أو يستخدم العنف عندما يَردُّ، حتى ولو كان هذا الشخص الآخر على هذا النحو من سوء الخُلق ومن العمل والقول المسيء؛ كل ذلك يرجو به المرءُ أن يتألف مَنْ أمامه،

كما قال الحافظ في شرح الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك على سبيل المصلحة في تألفهم وفي نفس الوقت قد رَدَّ عليهم ما يستحقون به، ولكن في غير شَطَطٍ.. وفي غير ما يكون سببًا للمؤاخذة عند الله تعالى ولا عند الناس.



وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»([رواه مسلم]). وهذا الحديث كذلك في صحيح مسلم.

وهذا الحديث له قصة قصيرة كذلك: وهي أن السيدة عائشة رضي الله عنها صَعُبَت عليها ناقة - يعني: كانت تركب ناقة وصعبت عليها - فأخذت تُرَدِّدُها، يعني تشدها هكذا وهكذا.. يمينًا ويسارًا. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».

وهذا المعنى الثالث: وهو كون الرفق زينةَ الأعمال، وزينةَ الأقوال، وزينةَ المعاملات، ومعنى أن يكون الرفق زينةً أي: أن يكون حِلْيةَ المؤمن، فيكون في أخلاقه وشمائله وكل أحواله التي تكون سببًا لإظهار هذه المعاني الجميلة التي ينبغي أن تُرى على المؤمنين في جميع معاملاتهم مع المسلمين ومع الكفرة ومع الدواب ومع كل شيء.

ونشير إلى آخر الأحاديث.. وهو موضع الخطر في قضية الرفق: «مَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ»([رواه الترمذي]).

فاحفظ ذلك جيدًا: كلما هَمَّتْ نفسُك بالخروج عن الرفق واللين والسهولة والتيسير والتريث والتؤدة، وخرجت نفسُك إلى الصعوبة والشدة والعنف والردود السيئة والأعمال الشديدة، وخرجَتْ إلى الرعونة والتهور وما إلى ذلك قُلْ لها هذا المعنى: مَن يُحرم الرفقَ يُحرم الخيرَ. مَنْ حُرم حظَّه من الرفق حُرم حظَّه من الخير.

والمرء إذا كان على هذا الحال السيئ من العنف وغيره مما سوى اللين والرفق – فإنه بِقَدْرِ ما يَقِلُّ حظُّه من هذا الرِّفق يُحرم هذا الحظَّ من الخير.

وهذه المسألة خطيرة: كيف يتحقق المرءُ بالخير بعد أن رأى طريقًا يحقق به خيرَ نفسه وخيرَ قلبه وخيرَ أهله وخيرَ أولاده وخيرَه مع الناس جميعًا وأن يكون محِلًّا للخير؟

فمن رأى حاله على هذا المنوال – يعني منوال مَنْ حُرِم الخير – فإنه يعلم أنه لا يتأتى منه لا دعوة ولا صلاة ولا عبادة ولا ذِكْر على حالٍ يُرجى منه الثوابُ أو الفَضْل أو الدرجة عند الله تعالى؛ لأنه شخصٌ محروم من هذا الخير، حُرم هذا الحظ،....

فكيف يتأتى منه الخير، وكيف تتأتى منه أخلاق، ومودة ومعاملة وغير ذلك مما قد حُرِمَه بسبب حرمان هذا الخير؟! وهذه مشكلة! فعلى قَدْر ما يُحرم المرء من الرفق على قدر ما يحرم من الخير.



لم يقتصر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره للمرء وحده من ترك العنف لتحصيل الخير لنفسه وعدم حرمانه، بل تَعَدَّاهُ إلى أهله وبيته؛ إذ أراد كذلك صلى الله عليه وسلم أن يعمَّ الرفقُ بيوتَ المسلمين وأهاليهم لِتَتَنَزَّل محبةُ الله تعالى عليهم، ويُعْطَى كلُّ أهلِ بيتٍ حَظَّهُم من الخير، ولذا قال صلى الله عليه وسلم مُرَغِّبًا في الرفق: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ»([اخرجه الامام احمد]).

وترى الحديث يُبَيِّن هذه الفضيلة أن إدخال الرفق إنما هو من الله تعالى لمحبته الخير لهم، ثم يقول صلى الله عليه وسلم محذِّرًا من العنف: «مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يُحْرَمُونَ مِنَ الرِّفْقِ إِلَّا حُرِمُوا»([رواه الطبراني]).

إنَّ الرِّفْقَ عندما يُرَفْرِفُ على بيوت المسلمين في مِثْلِ هذه الآوِنة الصعبة التي غَلَبَتْ عليها الأخلاقُ السيئة لَيُعْطِي الأملَ في أن تُبْنَى بيوتٌ صالحة مِلْؤُها الخير، تكون سببًا في عودة الإسلام ورفعِ رايته.

وإنَّ أكثرَ ما نعاني منه في البيوت اليوم سَبَبُه حِرْمانُ الخير، فتلك دعوة إلى سلوك هذا السبيل من قومٍ يُهِمُّهم محبةُ ربهم ويُقْلِقُهم أمرُ دينهم.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الرفق من اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم



"منقول"