الحديث الحادي عشر: اترك ما شككت فيه


عن أبي محمد الحسن بن على بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته رضي الله عـنهـما، قـال: ( حـفـظـت مـن رســول الله : { دع ما يـريـبـك إلى ما لا يـريـبـك } ).

[رواه الترمذي:2520، والنسائي:5711، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح]


شرح الحديث الحادي عشر: اترك ما شككت فيه


عن أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله وعن أبيه وأمه وهو ابن بنت رسول الله وهو أفضل الحسنين فإن النبي أثنى عليه وقال: { إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين }، فأصلح الله بين الفئتين المتنازعتين حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فنال بذلك السيادة.

أن النبي قال: {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } يعني اترك الذي ترتاب فيه وتشك فيه إلى الشيء الذي لا تشك فيه، وهذا يشبه الحديث السابق أن النبي قال: { بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } فالذي يريبك وتشك فيه سواء كان في أمور الدنيا أو أمور الآخرة فالأحسن أن ترتاح منه وتدعه حتى لا يكون في نفسك قلق واضطراب فيما فعلت وأتيت.

فمن فوائد هذا الحديث:


ما دل على لفظه من ترك الإنسان للأشياء التي يرتاب فيها إلى الأشياء التي لا يرتاب فيها، ومنها أن الإنسان مأمور باجتناب ما يدعو إلى القلق

.................................................. .................

الحديث الثاني عشر: الاشتغال بما يفيد


عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : { من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعـنيه }.

[حديث حسن، رواه الترمذي:2318 وابن ماجه:3976 ].

شرح الحديث الثاني عشر: الاشتغال بما يفيد


هذا الحديث أصل في الأدب والتوجيه السليم وهو أن الإنسان يترك ما لا يعنيه أي ما لا يهمه وما لا علاقة له به فإن هذا من حُسن إسلامه ويكون أيضاً راحة له، لأنه إذا لم يكلف به فيكون راحةً له بلا شك وأريح لنفسه.

فيستفاد من هذا الحديث: أن الإسلام يتفاوت منه حسن ومنه غير حسن لقوله: { من حسن إسلام المرء }.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه لا في أمور دينه ولا دنياه، لأن ذلك أحفظ لوقته وأسلم لدينه وأيسر لتقصيره لو تدخل في أمور الناس التي لا تعنيه لتعب، ولكنه إذا أعرض عنها ولم يشتغل إلا بما يعنيه صار ذلك طمأنينة وراحة له.

ومن فوائد الحديث: أن لا يضيع الإنسان ما يعنيه أي ما يهمه من أمور دينه ودنياه بل يعتني به ويشتغل به ويقصد إلى ما هو أقرب إلى تحصيل المقصود.

.................................................. ....................

الحديث الثالث عشر: من كمال الإيمان


عـن أبي حـمـزة أنـس بـن مـالـك رضي الله عـنـه، خــادم رسـول الله ، عن النبي قــال: { لا يـُؤمـن أحـدكـم حـتي يـُحـب لأخـيـه مــا يـُحـبـه لـنـفـسـه }.

[رواه البخاري:13، ومسلم:45].

شرح الحديث الثالث عشر: من كمال الإيمان


{ لا يؤمن } يعني الإيمان الكامل. قوله: { حتى يُحب لأخيه } أي أخيه المسلم. { ما يُحب لنفسه } من أمور الدين والدنيا، لأن هذا مقتضى الأخوة الإيمانية أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.

فيستفاد من هذا الحديث: أن الإيمان يتفاضل منه كامل، ومنه ناقص وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.

ومن فوائد هذا الحديث: الحث على محبة الخير للمؤمنين لقوله: { حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه }.

ومن فوائد هذا الحديث: التحذير من أن يحب للمؤمنين ما لا يحب لنفسه لأنه ينقص بذلك إيمانه حتى أن الرسول نفى عنه الإيمان، مما يدل على أهمية محبة الإنسان لإخوانه ما يحب لنفسه

ومن فوائد الحديث: تقوية الروابط بين المؤمنين.

ومن فوائد هذا الحديث: أن من اتصف به فإنه لا يمكن أن يعتدي على أحد من المؤمنين في ماله أو في عرضه أو أهله، لأنه لا يحب أن يعتدي أحد عليه بذلك فلا يمكن أن يحب اعتداءه هو على أحد في ذلك.

ومن فوائد الحديث: أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون يداً واحدة وقلباً واحداً وهذا مأخوذ من كون كمال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

ومن فوائد الحديث: استعمال ما يكون به العطف في أساليب الكلام في قوله: { لأخيه } ولو شاء لقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه ) لكنه قال: { لأخيه } استعطافاً أن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه.
.................................................. ......................

الحديث الرابع عشر: متى يهدر دم المسلم؟


عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : { لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بـإحـدي ثـلاث: الـثـيـّب الــزاني، والـنـفـس بـالنفس، والـتـارك لـديـنـه الـمـفـارق للـجـمـاعـة }.

[رواه البخاري:6878، ومسلم:1676 ].

شرح الحديث الرابع عشر: متى يهدر دم المسلم؟


هذا الحديث بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن دماء المسلمين محترمة وأنها محرمة لا يحل انتهاكها إلا بإحدى ثلاث:

الأول: { الثيّب الزاني } وهو الذي تزوج ثم زنى بعد أن منّ الله عليه بالزواج، فهذا يحل دمه، لأن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت.

الثاني: { النفس بالنفس } وهذا في القصاص لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].

الثالث: { التارك لدينه المفارق للجماعة } والمراد به من خرج على الإمام، فإنه يباح قتله حتى يرجع ويتوب إلى الله عزوجل، وهناك أشياء لم تذكر في هذا الحديث مما يحل فيها دم المسلم لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كلامه يجمع بعضه من بعض ويكمل بعضه من بعض.

في هذا الحديث فوائد: منها احترام المسلم وأنه معصوم الدم لقوله: { لا يحل دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث } ومنها أنه يحل دمُ المرء بهذه الثلاث { الثيب الزاني } وهو الذي زنى بعد أن منّ الله عليه بالنكاح الصحيح وجامع زوجته فيه ثم يزني بعد ذلك فإنه يرجم حتى يموت. { والنفس بالنفس } يعني إذا قتل شخصاً وتمت شروط القصاص فإنه يُقتل به، لقوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]. وقال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]. { والتارك لدينه المفارق للجماعة } وهذا المرتد وإنه إذا ارتد بعد إسلامه حل دمه، لأنه صار غير معصوم الدم.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب رجم الزاني لقوله: { الثيب الزاني }.

ومن فوائده أيضاً: جواز القصاص لكن الإنسان مخيّر - أعني من له القصاص - بين أن يقتص أو يعفو إلى الدية أو يعفو مجاناً.

ومن فوائده أيضاً: وجوب قتل المرتد إذا لم يتب.

.................................................. ...................

الحديث الخامس عشر: إكرام الضيف


عن أبي هـريـرة رضي الله عـنه، أن رســول الله قــال: { مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الآخر فـلـيـقـل خـيـراً أو لـيـصـمـت، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الآخر فـليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه }.

[رواه البخاري:6018، ومسلم:47 ].


شرح الحديث الخامس عشر: إكرام الضيف


هذا الحديث من الآداب الإسلامية الواجبة:

الأول: إكرام الجار فإن الجار له حق، قال العلماء: إذا كان الجار مسلماً قريباً فله ثلاث حقوق: الجوار والإسلام والقرابة، وإن كان مسلماً غير قريب فله حقان: وإذا كان كافراً غير قريب له حق واحد حق الجوار.

الثاني: وأما الضيف فهو الذي نزل بك وأنت في بلدك وهو مارٌ مسافر، فهو غريب محتاج وأما القول باللسان فإنه من أخطر ما يكون على الإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول فيقول خيراً أو يسكت.

ففي هذا الحديث من الفوائد: وجوب إكرام الجار فيكون بكف الأذى عنه وبذل المعروف له، فمن لا يكف الأذى عن جاره فليس بمؤمن، لقول النبي : { والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن } قالوا من يا رسول الله ؟ قال: { من لا يأمن جاره بوائقه }.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب إكرام الضيف لقوله عليه الصلاة والسلام: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه } ومن إكرامه إحسان ضيافته، والواجب في الضيافة يوم وليلة وما بعده فهو تطوع ولا ينبغي لضيف أن يكثر على مضيفه بل يجلس بقدر الضرورة، فإذا زاد على ثلاثة أيام فليستأذن من مضيفه حتى لا يكلف عليه.

ومن فوائد هذا الحديث: رعاية الإسلام للجوار والضيافة، فهذا يدل على كمال الإسلام وأنه متضمن للقيام بحق الله سبحانه وتعالى وبحق الناس.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يصح نفي الإيمان لانتفاء كماله لقوله: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } ونفي الإيمان ينقسم إلى قسمين:

نفي مطلق: ونالإنسان به كافراً كفراً مخرجاً من الملة.

ومطلق نفي: وهذا الذي يكون به الإنسان كافراً في هذه الخصلة التي فرط فيها لكنه معه أصل الإيمان، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال الإيمان وخصال الكفر.
.................................................. .......................

الحديث السادس عشر: النهي عن الغضب


عــن أبـي هـريـرة رضي الله عــنـه أن رجــلاً قـــال للـنـبي : أوصــني.

قال: { لا تغضب } فردد مراراً ، قال: { لا تغضب }.

[رواه البخاري:6116]

شرح الحديث السادس عشر: النهي عن الغضب


الوصية هي العهد بالأمر الهام، وهذا الرجل صبي من النبي أن يوصيه فقال: { لا تغضب } وعدل النبي عن الوصية بالتقوى التي أوصى الله عز وجل بها هذه الأمة وأوصى بها الذين أوتوا الكتاب من قبلنا إلى قوله { لا تغضب } لأنه يعلم من حال هذا الرجل والله أعلم أنه كثير الغضب ولهذا أوصاه بقوله { لا تغضب } وليس المراد النهي عن الغضب الذي هو طبيعة من طبيعة الإنسان، ولكن المراد: املك نفسك عند الغضب بحيث لا تنفذ إلى ما يقتضيه ذلك الغضب، لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلهذا تجده تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وربما يذهب شعوره بسبب الغضب ويكون أشياء لا يحمد عقباها، وربما يندم ندماً عظيماً على ما حصل منه، فلهذا أوصاه النبي بهذه الوصية وهي وصية له ولمن كان حاله مثل حاله.

ما يؤخذ من الحديث: أنه ينبغي للمفتي والمعلم أن يراعي حال المستفتي وحال المتعلم وأن يخاطبه بما تقتضيه حاله، وإن كان لو خاطباً غيره فخاطبه بشيء آخر

.................................................. ..................

الحديث السابع عشر: الرفق بالحيوان


عـن أبي يعـلى شـداد بـن أوس رضي الله عـنه، عـن الـرسـول صلى الله عـليه وسلم قـال: { إن الله كتب الإحـسـان عـلى كــل شيء، فـإذا قـتـلـتم فـأحسـنوا القـتـلة، وإذا ذبـحـتم فـأحسنوا الذبحة، وليحد أحـدكم شـفـرتـه، ولـيـرح ذبـيـحـته }.

[رواه مسلم:1955]

شرح الحديث السابع عشر: الرفق بالحيوان


{ الإحسان } ضد الإساءة وهو معروف. { كتب } بمعنى شرع، وقوله: { على كل شيء } الذي يظهر أنها بمعنى في كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً في بني آدم بل هو عام في كل شيء { فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } وهذا من الإحسان.

وقوله: { إذا قتلتم } هذا حين القتل من بني آدم أو مما يباح قتله أو يسنُ من الحيوانات من وحوش وغيرها.

وقوله: { فأحسنوا القتلة } أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود بغيرأذية لكن يرد على هذا ما ثبت من رجم الزاني المحصن والجواب عنه أن قال: إنه مستثنى من الحديث وإما أن يقال: المراد { فأحسنوا القتلة } موافقة الشرع وقتل المحصن بالرجم موافق للشرع.

وأما قوله: { فأحسنوا الذبحة } والمراد به المذبوح من الحيوان الذي يكون ذبحه ذكاة له مثل الأنعام والصيد وغير ذلك .. فإن الإنسان يسلك أقرب الطرق التي يحصل بها المقصود الشرعي من الذكاة، ولهذا قال: { وليحد أحدكم شفرته } أي سكِّينه، { وليرح ذبيحته } أي يفعل ما به راحتها.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الله سبحانه وتعالى جعل الإحسان في كل شيء حتى إزهاق القتلة، وذلك بأن يسلك أسهل الطرق لإرهاق الروح ووجوب إحسان الذُبحة كذلك بأن يسلك أقرب الطرق لإزهاق الروح ولكن على الوجه المشروع.

<>ومن فوائد هذا الحديث: طلب تفقد آلات الذبح لقوله عليه الصلاة والسلام: { وليحد أحدكم شفرته }.

ومن فوائد هذا الحديث: طلب راحة الذبيحة عند الذبح ومن ذلك أن يضجعها برفق دون أن تتعسف في إضجاعها ومن ذلك أيضاً أن يضع رجله على عُنقها ويدع قوائمها الأربعة اليدين والرجلين بدون إمساك، لأن ذلك أبلغ في إراحتها وحريتها في الحركة، ولأن ذلك أبلغ في خروج الدم عنها فكان أولى.
.................................................. ...............

الحديث الثامن عشر: الخلق الحسن


عـن أبي ذر جـنـدب بـن جـنـادة، وأبي عـبد الـرحـمـن معـاذ بـن جـبـل رضي الله عـنهما، عـن الرسول صلى الله عـليه وسلم، قـال: { اتـق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخـلـق حـسـن }.

[رواه الترمذي:1987، وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح]

شرح الحديث الثامن عشر: الخلق الحسن


قوله: { اتق الله } فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها.

وقوله: { اتق الله حيثما كنت } في أي مكان كنت، فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فاتقه حيثما كنت.

وقوله: { وأتبع السيئة الحسنة } يعني اعل الحسنة تتبع السيئة، فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك - أي إتباع السيئة بالحسنة - أن تتوب إلى الله من السيئة فإن التوبة حسنة.

وقوله: { تمحها } يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

وفي هذا الحديث من الفوائد: حرص النبي على أمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح، ومنها وجوب حرص تقوى الله عزوجل في أي مكان كان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن، لقوله : { اتق الله حيثما كنت }.

ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنها تمحوها وتزيلها بالكلية، وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة، لأن التوبة تهدم ما قبلها، أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسان عملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زالأُره كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] ثم قال: { وخالق الناس بخلق حسن } عاملهم بالأخلاق الحسنة بالقول والعمل، فإن ذلك خير وهذا الأمر، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب.

فيستفاد منه: مشروعية مخالفة الناسب الخلق الحسن وأطلق النبي كيفية المخالفة، وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص، ولا تكون حسنة لغيره، والإنسان العاقل يعرف ويزن.

.................................................. ................

الحديث التاسع عشر: الإيمان بالقضاء والقدر


عـن أبي العـباس عـبدالله بن عـباس رضي الله عـنهما، قــال: كـنت خـلـف النبي صلي الله عـليه وسلم يـوماً، فـقـال : { يـا غـلام ! إني أعـلمك كــلمات: احـفـظ الله يـحـفـظـك، احـفـظ الله تجده تجاهـك، إذا سـألت فـاسأل الله، وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك؛ رفـعـت الأقــلام، وجـفـت الـصـحـف }.

[رواه الترمذي:2516 وقال: حديث حسن صحيح].

وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }.

شرح الحديث التاسع عشر: الإيمان بالقضاء والقدر


قوله: ( كنت خلف النبي ) يحتمل أنه راكب معه، ويحتمل أنه يمشي خلفه، وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة.

قال: { إني أعلمك كلمات } قال ذلك من أجل أن ينتبه لها.

الكلمة الأولى: قوله: { احفظ الله يحفظك } هذه كلمة { احفظ الله } يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك، لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم.

وعُلم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل، وفي هذا الترغيب على حفظ حدودالله عزوجل.

الكلمة الثانية: قال: { احفظ الله تجده اتجاهك } ونقول في قوله: { احفظ الله } كما قلنا في الأولى، ومعنى { تجده اتجاهك } أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه.

الكلمة الثالثة: قوله: { إذا سألت فاسأل الله } إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ولا تسأل المخلوق شيئاً، وإذاقُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عز وجل فاعتمد على الله تعالى.

الكلمة الرابعة: قوله: { وإذا استعنت فاستعن بالله } فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب إلا من الله، لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء، وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوقٍ فيما قدر عليه فاعتقد أن سبب وأن الله هو الذي سخره لك.

الكلمة الخامسة: قوله: { واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك } الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة، لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزوجل.

الكلمة السادسة: { وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك } وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40].

الكلمة السابعة: { رفعت الأقلام وجفت الصحف } يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله.

رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك } وهذا بمعنى: { احفظ الله تجده اتجاهك }.

{ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة } يعني قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء، وفي حال الصحة، وفي حال الغنى { يعرفك في الشدة } إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك، أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل.

{ واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك } يعني أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك، بلا لابد أن يقع، لأن الله قدره.

وأن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال: { واعلم أن النصر مع الصبر } فهذه الجملة فيها الحث على الصبر، لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر.

وقوله: { وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً } الفرج انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروب كمال قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].

في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنها فوائد:

من فوائده: ملاطفة النبي لمن هو دونه حيث قال: { يا غلام إني أعلمك كلمات }.

ومن فوائده: أنه ينبغي لمن ألقى كلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال: {يا غلام إني أعلمك كلمات }.

ومن فوائد الحديث: أن من حفظ الله حفظه لقوله: { احفظ الله يحفظك } وسبق معنى احفظ الله يحفظك.

ومن فوائد الحديث: أن من أضاع الله - أي أضَاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه قال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].

ومن فوائد هذا الحديث: أن من حفظ الله عز وجل هداه ودله على ما فيه الخير، وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله: { احفظ الله تجده تجاهك } كقوله في اللفظ الآخر: { تجده أمامك }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ولكن لا مانع أن يستعين بغيرالله ممن يمكنه أن يعينه لقوله النبي : { وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة }.

ومن فوائد الحديث: أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له ولن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه.

أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عزوجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً.

ومن فوائد هذا الحديث: أن كل شيء مكتوب منتهى منه، فقد ثبت عن النبي أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

ومن فوائد الحديث: في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة والرخاء، عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.

ومن فوائده: أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه، وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه.

ومن فوائد هذا الحديث: البشارة العظيمة للصابرين وأن النصر مقارن للصبر.

ومن فوائده: البشارة العظيم أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدات مقرون بالكرب فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه.

ومن فوائده أيضاً: البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر الله تعالى ذلك في القران فقال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6] فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عز وجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده.
.................................................. ....................

الحديث العشرون: الحياء من الإيمان


عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.

[رواه البخاري:3483]

الحديث العشرون: الحياء من الإيمان


قال في الأربعين النووية: الحديث العشرون عن أبي مسعود عقبة بن عمروالأنصاري البدري قال: قال رسول الله : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت } يعني أن من بقايا النبوة الأولى التي كانت في الأمم السابقة.

وأقرتها هذه الشريعة { إذا لم تستح فاصنع ما شئت } يعني إذا لم تفعل فعلاً يستحى منه فاصنع ما شئت هذا أحد وجهين، أي ففعله في المعنى الثاني أن الإنسان إذا لم يستح يصنع ما شاء ولا يبالي وكلا المعنين صحيح.

يستفاد من هذا الحديث: أن الحياء من الأشياء التي جاءت بها الشرائع السابقة، وأن الإنسان ينبغي له أن يكون صريحاً، فإذا كان الشيء لا يستحى منه فليفعله وهذا الإطلاق مقيد بما إذا كان في فعله مفسدة فإنه يمتنع الفعل خوفاً من هذه المفسدة