حكم صلاة العيدين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
...ولهذا رَجَّحنا أن صلاةَ العيد واجبةٌ على الأعيان، كقول أبي حنيفة (1) وغيره، وهو أحد أقوال الشافعي، وأحد القولين في مذهب أحمد.
وقولُ مَن قال: لا تجب؛ في غاية البُعد، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شُرع فيها التكبير، وقولُ مَن قال: هي فرضٌ على الكفاية، لا ينضبط. 00 (2) .
وقال العلامة الشوكاني في "السيل الجرّار" (1/315) (3) :
اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لَازَمَ هذه الصلاةَ في العيدين، ولم يتركها في عيد من الأعياد، وأمر الناس بالخروج إليها، حتى أمَرَ بخروج النساء العواتق (4) ، وذوات الخدور، والحُيَّض، وأمر الحُيَّض أنْ يعتزلن الصلاة، وَيَشْهَدْنَ الخير ودعوة المسلمين، حتى أمر مَن لا جلباب لها أن تُلبِسَها صاحبتُها .
وهذا كله يدل على أن هذه الصلاة واجبة وجوباً مؤكداً على الأعيان لا على الكفاية، والأمر بالخروج يستلزم الأمر بالصلاة لمن لا عذر له، بفحوى الخطاب، لأن الخروج وسيلة إليها، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه. والرجال أوْلى من النساء بذلك.
ثم قال رحمه الله:
ومن الأدلة على وجوبها: أنها مُسقِطةٌ للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد (5) ، وما ليس بواجب لا يُسقِط ما كان واجباً، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لازمها جماعة منذ شُرعت إلى أن مات، وانضم إلى هذه الملازمةِ الدائمةِ أمرُهُ للناس بان يخرجوا إلى الصلاة (6) .
وقال شيخُنا الألباني في "تمام المنّة" (ص 344) بعد إيرادهِ حديثَ أُمّ عطيّة:
"فالأمرُ المذكورُ يدلُّ على الوجوب، وإذا وجب الخروجُ وجبت الصلاةُ مِن باب أوْلى كما لا يخفى، فالحق وجوبُها لا سُنيَّتُها فَحَسْبُ..".

__________
(1) انظر "حاشية ابن عابدين" (2/166 فما بعد) .
(2) "مجموع الفتاوي" (23/ 161) .
(3) وعنه صدّيق حسن خان في "الموعظة الحسنة" (42 43) .
(4) قال ابن الأثير في "النهاية" (3/179) : يقال: عتقت الجارية فهي عاتق، مثل: حاضت فهي حائض.
(5) كما في حديث أبي هريرة عندما اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن ثاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون" رواه أبو داود (1073) وابن ماجه (1311) وسنده حسن، وانظر "المغني" (2/358) و"مجموع الفتاوي" (24/212) .
(6) وقد تقدم دليله، وانظر: "نيل الأوطار" (3/382 383) و"الروضة الندية" (1/142) .