الكثيرون ممّن يمكن أن نطلق عليهم بالناجحين في الحياة
يؤكّدون حقيقة مهمّة وهي أنّ ما حقّقوه من عطاءات ومشاريع
كانت تدور في أذهانهم كأحلام، لكنّهم لم يعيشوا تلك الأحلام
على طريقة بعض الكسالى الذين يمنّون أنفسهم بعسى ولعلّ،
بل نقلوا تلك الأحلام من خيالات تطوف في الذهن إلى
مخطّطات على الورق ومن ثمّ إلى مشاريع عمليّة يعيشونها
في الحاضر، أي أنّهم خطّطوا للوصول إلى جزر أحلامهم
ليحيلوها بسعيهم وجهدهم المثابر إلى حقائق واقعة وناطقة.
فبالإرادة القويّة والصبر العنيد والثقة المتفائلة بنصر الله
وتأييده والاستعداد لمواجهة العقبات والتحدِّيات وتقبّل النتائج
مهما كانت، صنعوا سفن الوصول إلى تلك الجزر النائية،
بل إلى القارّات البعيدة غير المكتشفة.
لقد تحدّى (كريستوف كولومبس) مكتشف القارّة الأميركية
حسّاده أن يوقفوا بيضة على طرفها فحاولوا كثيراً فعجزوا،
فلمّا ضغطها على طرفها قامت مستوية، فصاح منافسوه:
كنّا جميعاً نستطيع ذلك! قال: ولكنّكم لم تفعلوا..
وهل كان اكتشاف أميركا إلّا كذلك؟!
إنّ الهدف الذي يبدو بعيداً في أعلى القمّة أو أقصى الأفق
يحتاج إلى قلب شجاع، والحكمة تقول "أمام القلب الشجاع
لا شيء مستحيل"، فما أن تضع قدمك كخطوة أولى في
الطريق حتّى تنطوي مسافاته الشاسعة تباعاً فـ"مسافة الألف
ميل تبدأ بخطوة". ونقول تباعاً بشرط السعي والجدّ والكدح
والإجتهاد، وإلّا فهي لا تطوى تلقائياً كما في بعض الأفلام
الخيالية التي لا تمت إلى الواقع بصلة.
إنّ المشاريع الكبيرة، هي أحلام كبيرة لنفوس لم تقف عند
عتبة التخيّل والتمنّي، فالتمنّي المجرد الذي هو رأس مال
المفلس لا يُسقط رطبة جنيّة من نخلة مليئة بالرّطب،
ولا يقرّب النهر من الفم الظمآن، ولا يقلع شوكة من
الطريق، ولا يبني سوى قصور من رمل قد ترتفع في الهواء
لكنّ أوّل اجتياح مائيّ لها سرعان ما يسوّيها مع الأرض
ويحيلها إلى جزء من الساحل الرملي فتبدو وكأنّها لم تكن،
تماماً كما هي الفقاعات سريعة الانتفاخ سريعة الانفجار.
ولاشكّ أنّك قرأت وسمعت أنّ المجدِّدين والمبدعين والعباقرة
والمصلحين لم يكتفوا بأنّ ينقدوا السائد من الأفكار والآراء
والأساليب والأطروحات المتداولة، بل عملوا – بكل ما اُوتوا
من حكمة وحنكة وصبر وإرادة ووعي – إلى تغيير الموجود
وفق الرؤية التي كانوا يحملونها لما هو أصلح وأسلم وأنفع،
ولو اكتفوا بالنقد السلبيّ، أو انتظروا من غيرهم أن يحقِّق لهم
الصورة الأفضل لبقي العديد من تلك الأفكار والوسائل
والأعمال على حاله لم يتغيّر.
فلو كنتَ مثلاً تريد الوصول إلى مكّة المكرّمة، وتشتهي زيارة
الديار المقدّسة من أعماق قلبك، وبقيت على خط التمنِّي
سنين طويلة فلم تمهِّد السبيل ولم تعدّ الوسائل اللّازمة ولم تفعل
ما من شأنه أن يوصلك إلى هناك، فهل كنتَ ستصل؟!
إنّك ستبقى حيث أنتَ تراوح مكانك، وتبقى مكّة حيث
هي حِلماً لا يُنال، وتبقى المسافة بينك وبينها طويلة
طويلة تحوم عليها أسراب الأحلام التي قد تؤنسك للحظات
لكنّها لا تستحيل إلى واسطة نقل تقلّك إلى مبتغاك.
الحلم مطلوب لأنّه يشكِّل وازعاً محرِّكاً نحو الهدف،
فهو كالنيّة التي تحرِّك الجوارح للعمل، ولكي تكون بذرة
الحلم زهرة يانعة أو حديقة ملأى بالزهور لابدّ من
أن تخرج من ظلام التربة إلى النور والهواء الطلق.
وعلى هذا فالمستقبل = أملٌ + إرادة + سعي في الحاضر.
ــــــــــــــــ
- هوامش:
(1) الوتر: السّهم الذي ينطلق من القوس،
ولولاه لبقي القوس آلة عاطلة.
(2) الدُّسُر: المسامير، أو الحبال التي تُشدّ بها السفينة.
رآقني وأحببت مشآركتكم به ..
أطيب التحآيآ وأجملهآ
لكم أحبتي ..~
المفضلات