جهاز أمن إبليس

[سائر في ربى الزمن]

جهاز أمن إبليس

أحمد المنسي
Almansi9@hotmail.com



لا يمكن لصاحب قلم مهما كانت قدرته أن يصف حالة النشوة التي يعيشها الشعب المصري الآن بعد سقوط النظام الفاجرالفاسد البائد , ولا توجد كلمات تستطيع أن ترسم معالم هذا الشعور الجارف في قلب كل مصري ومصرية .
ولكن العجيب أن هناك بعض العقول التي تجهل معالم الحدث ولا تدرك أبعاده ولا تفهم أبجدياته , فيخرجون علينا في كل يوم يتباكون على وزير استقال , أو ينادون بفرض الهدوء والاستقرار على الوضع الراهن , أو يبررون سلوكيات بعض الوزراء في العهد البائد أو يمنطقون سلوك بعض الإعلاميين والرياضيين والفنانين بحجة أنهم كانوا يتعرضون لضغوط أدت إلى هذا السلوك , وهذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا , ويدل على أن من ينادي بذلك إما جاهل أو خبيث يريد أن يلوي ذراع الحقيقة كي تتماشى مع هواه وقناعاته ومصالحه .
إن الثورة التي قامت في مصر قد استعادت للأمة كرامتها , ورفعت للحق راية , ونطقت بطيب الدنيا على أفاويه الحق والعدل , واستردت للشعب حريته السليبة , وخلعت عن النظام الفاسد ماكان يتستر به من إعلام منحل منافق , ليبرز معالم الجسد المعتل الخائر من فرط علل الفساد , إن الوجه القبيح الذي كنا نراه لم يكن إلا وجها تجمل بمساحيق الكذب والنفاق والخبث ليستر جسدا سقيما مازالت تتساقط أسباب الستر من فوقه لتفضحه الدنيا ويبصق عليه الناس وتلعنه الأرض والسماء . لم يفهم بعض الناس أن ثورة بالفعل قد قامت , ثورة دفع فيها الشعب ثمنا باهظا جدا لنيل كرامته وتضميد جراحه , ودفع ثلة من أروع وأنقى شباب مصر فيها روحه ثمنا , بموتهم بعثوا الحياة في جسد الأمة , ولم تكن هذه الثورة نزهة ولا تسلية , وإنما كانت صرخة في وجه الظلم والفساد الذي كانت قوته وبطشه وفجوره لا حدود لها , إن الصوت العالي اليوم لابد أن يكون للشعب , والكلمة اليوم لابد أن تكون لهذا الشعب العظيم الذي أعاد صياغة التاريخ وزين وجه الدنيا , وبلغ من الروعة والعظمة مبلغا أذهل العالم كله , وضرب بحسن أخلاقه أروع المثل في التعامل مع الأحداث , ولم يكن ذلك فقط , وإنما كان الفهم والوعي العميق للتاريخ والجغرافيا والواقع من وراء ذلك كله , لابد اليوم أمام هذا الحدث العظيم من المكاشفة والمصارحة وعدم الحرج في كشف مساويء النظام البائد ومحاسبة كل فاسد , والقضاء على كل أسباب الفساد ومن وراءه بشكل كامل دون تقديم أي مبررات للتراخي في ذلك إن الثورة قد حررت المعتقلين خارج السجون ولزاما علينا اليوم أن نحرر المعتقلين داخل السجون من الأشراف والأبرياء وضحايا العهد البائد , إن ثورة الكرامة في مصر لابد أن تتوج بتاج العز والكرامة , ولابد من تطهير مصر من رموز العار والخزي والخسة والنذالة , لابد من حل جهاز أمن الشيطان ( المسمى بجهاز أمن الدولة ) بالكامل والقبض على كل العاملين به والتحقيق معهم , لأن هذا الجهاز لا يمكن بحال أن يكون قد قدم عملا شريفا للوطن , بل كان سببا في زعزعة الأمن في الدولة وأفسد فيها فسادا ليس له نظير , فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما والبلد يتم سرقة خيراته ويتم التعتيم على اللصوص فيه وحمايتهم والتستر عليهم ويتم أخذ خيرات البلد لصالح عصابة من أحط أنواع البشر وأخسهم , ونقل هذه الخيرات إلى الصهاينة بأبخس الأثمان , ويتم استيراد المواد المسرطنة لتدخل بطون الناس , ويتم قتل الأبرياء في دهاليز هذا الجهاز المنحط , والتجسس على خصوصيات الناس وانتهاك حرماتهم , والتجسس على مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة , فما الذي قدمه جهاز أمن ابليس خلال هذه العقود ؟؟؟ , ولو لم يكن دوره أن يحمي مقدرات الشعب وثروات البلد وأمن الناس فما فائدته ؟ , ماترك هذا الجهاز نقيصة إلا وفعلها وما ترك فتنة إلا ونشرها في الناس , الكل يعلم تماما ماذا كانت مهمة هذا الجهاز القذر , إنه أشبه بالقواد الديوث الذي يتاجر بعرض الوطن لحساب أسياده , ولم يعد في مصر متسعا للقوادين وأشباه الرجال , فقد قامت ثورة العزة والكرامة , ولابد من الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه العبث بحرية الناس وأمن هذا الوطن وثرواته ومقدراته. لاوقت للهذر والتهريج ولا مجال لذلك , لم يدفع الشعب أرواح أغلى أبنائه من خيرة شبابنا ثمنا لكي يأتي أشباه الرجال والقوادون يتشدقون بالكلمات ويحاولون غض الطرف عن الإجرام والمجرمين , جاء وقت الحساب , ولا يشف صدور الناس إلا أن يرون السفاحين وسفاكين الدماء واللصوص خلف القضبان , ولا مجال للنفاق والرياء والابتسامات الصفراء , لابد من المصارحة والمكاشفة , إن المجرمين والخونة واللصوص في بوتقة واحدة مع المنافقين , لنقول لهم جميعا كشفناكم يا أوباش , وفي الحديث ( الولد للفراش ) . لابد أيضا من تطهير جهاز الشرطة وإعادة بنائه , وإلحاق الكفء من الشباب الأشراف بكلية الشرطة , ومعالجة الأمراض النفسية الخطيرة المتوطنة في نفوس أغلب رجال الشرطة , ليتعلموا كيفية التعامل مع الشعب , وأن هذه المعاملة يحكمها القانون والاحترام المتبادل , ولابد من الاستماع للمشاكل الخاصة بمنتسبي الشرطة والعمل على حلها حتى تستقيم النفوس وتتطهر القلوب من الكبر والتعالي والحقد , ونرى الصورة الحضارية المشرقة لرجال الشرطة التي تتفق مع نهضة هذا الشعب العظيم الصبور الراقي وثورته المباركة , هذا الشعب الذي علم العالم كله كيف تكون الحضارة البشرية قرينة لمكارم الأخلاق , هذا الشعب الذي يستحق أن يكون حرا بجدارة , وكريما عزيزا بجدارة , وأبيا بجدارة . وكذلك لابد من حل الحزب الوطني وإلغاء ترخيصه تماما لأنه ظل لعقود طويلة رمزا للخسة والقذارة والفساد , ويجب حل المجالس المحلية وإعادة الانتخاب فيها على أساس من النزاهة والعدل والكفاءة , وعندما تكون المناصب تكليفا لا تشريفا لن يتقدم لها إلا الأكفاء . ولابد أن يكون الأزهر الشريف كمؤسسة دينية عظيمة غير تابع للدولة ويكون مؤسسة مستقلة , ويتم اختيار قياداته على أساس الانتخاب الحر النزيه وليس التعيين من قبل الدولة , ولابد من استقلال القضاء , وفصل السلطات الثلاث ( التشريعية والقضائية والتنفيذية ) , وتفعيل الأجهزة الرقابية في كل مؤسسات الدولة .
تحية لشعب مصر العظيم, الذي يستحق كل رفعة وكرامة, آن لكل مصري أي يرفع رأسه. يا شباب مصر , لقد غسلتم وجه الدنيا , وتخلصتم من العار فتحية وألف سلامة وسلام , أما النظام البائد الفاسد الفاجر وعصابته , فلسوف تلعنهم الأرض والسماء , وسيرحلون بعارهم إلى مزابل التاريخ , ليلحقوا بمن سبقهم من أمثالهم , كلما دخلت أمة لعنت أختها , فلا بكت عليهم الدنيا ولا يأسف عليهم الناس .


المقالات السابقه للكاتب احمد المنسي
تجدوه هنا

حتى لا تموت الثورة

أمن الناس أولاً