السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شهدت قاعات المحاكم على مدار التاريخ محاكمات نالت العديد من الشخصيات المهمة؛ كالملوك والرؤساء والزعماء الوطنيين وغيرهم، وقد تنوعت الادعاءات التي وجهت إليهم ما بين: الخيانة وجرائم الحرب والانقلاب والفساد والتحرش الجنسي، كما تنوعت العقوبات ما بين: الإعدام والنفي والسجن والغرامة المالية، أيضًا فقد تنوعت حالات الرؤساء أثناء المحاكمة؛ فهناك من حوكم وهو في منصبه الرئاسي، وهناك من حوكم بعد إجباره على التنحي بسبب احتلال أو انقلاب أو غير ذلك، وهناك من حوكم بعد انتهاء فترة حكمه.


1. محاكمة الملوك والرؤساء أثناء فترة رئاستهم:

· شارلز الأول (يناير 1649م)
رفض الملك الاعتراف بسلطة المحكمة، التي أصرت على إدانته بتهمة الخيانة والحكم عليه بالموت، وفي 30 يناير 1649م تم إعدام الملك الإنجليزي (شارلز الأول) بقطع عنقه، بعد محاكمة استغرقت 11 يومًا، وكان (أوليفر كرمويل) قد قام بقيادة البرلمان إلى ثورة ضد الملك.

· لويس السادس عشر (يناير 1793م)
آخر ملوك فرنسا حيث قامت في عهده الثورة الفرنسة، بعد أن فقد ثقة شعبه عندما حشد جنوده حول فرساي مرتين، حاول الفرار من فرنسا هو وزوجته (ماري أنطوانيت) عام 1793م، لكن ألقي القبض عليهما وتم إعدامهما في باريس.

· بهادر شاه (يناير 1856م)
خلف أباه (محمد أكبر شاه الثاني) سنة 1838م، في فترة كان السلاطين الهنود يتقاضون فيه رواتبهم من المحتل الإنجليزي الذي أحكم قبضته على البلاد، إلى أن هبت ثورة الجنود المسلمين والهندوس واختير (بهادر شاه) قائدًا للثورة؛ وأُعلن الجهاد العام في البلاد، ولكن بسبب كبر سنه وافتقاد الثورة إلى القيادة الواعية، واستعانة المحتل بالهنود الموالين له والسيخ، تم القضاء عليها والقبض على (بهادر شاه) وأهل بيته، ثم حوكم محاكمة صورية في دلهي (2 يناير 1856م، واتهم بالتعاون مع الثورة ضد الإنجليز، وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة رانكون عاصمة بورما، وبذلك سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، ثم وافته المنية سنة 1862م.

· رولانداس باكساس (2004م)
فاز بانتخابات الرئاسة اللتوانية عام 2003م، وما لبثت المحكمة اللتوانية عام 2004م أن حكمت بمخالفته الدستور إثر تورطه خلال العام نفسه بفضائح كبيرة، ثم قرر البرلمان الذي أحيلت إليه القضية عزل (باكساس) من منصبه.

2. محاكمة الملوك والرؤساء بعد خلعهم أو الإطاحة بهم:

· فيليب بيتان (1951م)
عينه البرلمان الفرنسي رئيسًا للدولة بعد سقوط فرنسا بيد ألمانيا النازية عام 1940م، لكنه تعاون مع المحتل الذي نقض الهدنة عام 1942م وقام باحتلال باقي فرنسا، إلا أن قوات الحلفاء تمكنت من دخول فرنسا وطرد القوات النازية، وفي تلك الفترة عادت الحكومة الفرنسية المؤقتة برئاسة (شارل ديغول) إلى فرنسا، وألغت دولة (بيتان) عام 1944م بينما أُخذ الأخير إلى ألمانيا، ثم لم يلبث أن عاد وسلّم نفسه للمحكمة الفرنسية التي حكمت عليه بالإعدام للخيانة العظمى، ثم خفف الحكم إلى السجن الانفرادي المؤبد بجزيرة (أيل دي يو) حيث مات في معتقله عام 1951م.

· سلوبودان ميلوسيفيتش (2001)
حكم صربيا ويوغوسلافيا (1989 – 1997م)، وفي عام 2001م مثل أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب بعد أن ارتكب جرائم بحق المسلمين في كوسوفا والبوسنة وكرواتيا، وكانت مذبحة سربرينتشا 1995م هي الأكثر دموية له، حيث راح ضحيتها زهاء 8000 مسلم، عثر عليه ميتا في معتقله 2006م.

· تشارلز تايلور (2003م)
استولى على السلطة الليبيرية في انتخابات خاصة أجريت عام 1997م فاز فيها الحزب الوطني الذي كان يتزعمه، لكن محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة أدانته عام 2003م بتهم تسليح متمردين وتدريبهم وتهريب الألماس، وقبل (تايلور) عرضًا باللجوء السياسي من الرئيس النيجيري بعد أن عرض تنحيه عن السلطة إذا ما أدى ذلك إلى إحلال السلام.

· محمد خونا ولد هيدالة (ديسمبر 2003م)
انضم إلى قادة الحركة العسكرية الانقلابية ضد حكومة أول رئيس موريتاني عقب الاستقلال (المختار ولد داداه)، تلك الحركة التي نجحت في الاستيلاء على السلطة إثر انقلاب عسكري عام 1978م، وبعد خلافات بين رفقاء الانقلاب وحوادث غامضة آلت مقاليد الحكم في نهاية الأمر إلى (ولد هيدالة) عام 1980م، فقام بتطبيق الشريعة الإسلامية وإلغاء الرق وسجن المعارضين والاعتراف بالجمهورية الصحراوية، إلى أن أطاح به (معاوية ولد الطايع) في انقلاب عسكري ضده عام 1984م، وأُدخل السجن عدة مرات؛ لكنه عاد عام 2003م لينافس في الانتخابات الرئاسية؛ إلا أنه تعرض للمحاكمة بتهم الاعتداء والتآمر لتغيير النظام الدستوري بالعنف، والإضرار بالمصالح الجوهريـة لموريتانيا والمشاركـة في ذلك، وحكم عليه بـ5 سنوات مع وقف التنفيذ وبغرامة قدرها 400 ألف أوقية، والحرمان النافذ من الحقوق السياسية والمدنية.

· جوزيف أسترادا (مارس 2006م)
كان قد اتهم بالفساد وفشلت إقالته، فأطاح به تمرد شعبي بمساعدة الجيش عام 2001م، وفي 2006م مثل الرئيس الفلبيني السابق أمام المحكمة بتهمة تحويل 80 مليون دولار من الأموال العامة.

· رادوفان كراجيتش (2008م)
عقب انهيار الاتحاد اليوغوسلافي والاعتراف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة، أعلن (كراجيتش) جمهورية الصرب البوسنية وعاصمتها سراييفو، ثم سعى إلى ما سُمي حينئذٍ بالتطهير العرقي للمسلمين البوسنيين، وكانت مذبحة سربرينتشا هي الأشد دموية حيث قتل خلالها ما لا يقل عن 7500 من الشباب والرجال المسلمين، لكنه فر عقب اتفاقية دايتون بعدما أجبر على الاستقالة من منصبه الرئاسي عام 1996م، إلى أن تم إلقاء القبض عليه الشهر الماضي (يوليو 2008م) لتقديمه إلى المحكمة الدولية التي كانت قد أدانته بقتل آلاف البوسنيين من المسلمين والكروات وبقصف مدينة سراييفو، وباستعمال ما لا يقل عن 280 من رجال حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة كدروع بشرية في تلك الحرب التي امتدت ما بين عامي 1992 و 1995م.

3. محاكمة رؤساء بعد انتهاء فترة ولايتهم:

· ألبرتو فوجيموري (2007م)
هو أول رئيس بيروفي سابق تتم إدانته بتهم ارتكبها أثناء رئاسته، وتتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء حملة حكومته ضد التمرد الذي قام به حزب الطريق المشع في أوائل التسعينيات، وإصداره أوامر بالاستيلاء على شرائط حساسة من منزل زوجة رئيس استخباراته السابق 2000م دون مذكرة قضائية، وتهم أخرى تتعلق بالفساد، وقد رفض (فوجيموري) التهم الموجهة إليه لكن المحكمة حكمت عليه بالسجن 6 سنوات والغرامة المالية 92 ألف دولار.

· موشيه كتساف (2008م)
انتخبه الكنيست عام 2000م رئيسًا لإسرائيل خلفا لـ (عيزر فايتسمان)؛ وفي 2006م قامت الشرطة الإسرائيلية بالتحقيق معه حول اتهامات بعض النساء له بالتحرش الجنسي بهن، وانتهى التحقيق بتقرير طالب على إثره رئيس النيابة العامة الإسرائيلية باستقالة (كتساف) كي تتسنى محاكمته، لكن الأخير نفى الاتهامات ورفض الاستقالة، لكنه أعلن في الوقت نفسه العجز المؤقت عن القيام بواجبات الرئاسة، وفي 2008م بدأت محاكمته في ظل مظاهرات ودعاوى جنائية ضده.