السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم اكتشاف البرازيل عام 1500م على يد البحار "بيدرو ألفارس كابرال"، هذا البلد الجميل الذي ضم المتناقضات المختلفة، والتي دفعت عالم الاجتماع البرازيلي جوبيرتو فريري لتأليف كتابًا حولها سماه "عالم جديد في الأوساط الاستوائية".


هذا التمازج في تكوينة الشعب البرازيلي الاجتماعية والحضارية، أثر على كل شيء في هذا البلد حتى في سبب تسميته بهذا الاسم، فيوجد رأي يقول: إن كلمة "البرازيل "ترجع لكلمة "براسيل" نسبة لنوع من الأشجار كانوا يستخرجون منه الصبغة الحمراء، وأخرى "هي برازيل" Hy Brasil والتي تعني أرض العظمة والقوة والجمال، وثالثة ترجع لكلمة "Bress" بريس وتعني المبارك بلغة شعوب غرب أوربا. والمتعارف عليه في معظم المصادر التاريخية هو الرأي الأول.


تختلف الروايات حول أول اتصال للمسلمين بالبرازيل، فيذهب بعض المؤرخين إلى احتمالية وصولهم إلى أرض البرازيل قبل اكتشافها عن طريق بعض القوارب؛ نظرًا لتقدمهم في علوم البحار، ويستدلون على ذلك ببعض الكتابات والنقوش العربية التي وجدت محفورة على بعض الأحجار في مدينة "ريو دي جانيرو" وغيرها من سواحل البرازيل وأمريكا اللاتينية عمومًا، وكذلك بعض الروايات في الكتب التاريخية لعلماء المسلمين الذين اهتموا بعلوم الجغرافيا، ولكن هذه الروايات تحتاج لمزيد من البحث والتحقيق العلمي الدقيق.


وتذهب الروايات الأخرى إلى أن مكتشفي امريكا والبرازيل اصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، هؤلاء المرشدون تظاهروا بالنصرانية للهروب من محاكم التفتيش في إسبانيا "المورسكيين"، وحال وصلوهم إلى البرازيل بدءوا في إظهار بعض الشعائر الإسلامية، ولم يلبثوا كثيرًا حتى تم اكتشاف أمرهم وأقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة باهية 1594م، وتم تحديد بعض المواصفات التي تبين من هو مسلم سرًّا ونصراني جهرًا، مثل" الاغتسال والاستيقاظ المبكر والصيام ونظافة الملابس.


وذهب إلى هذا الرأي الدكتور علي الكتاني رحمه الله، وهو الخبير بشئون الأقليات المسلمة في العالم، يقول: "عندما قام البرتغاليون بغزو البرازيل، منعوا المسلمين من الهجرة إلى هناك، غير أن هذا المنع لم يحل دون وصول العديد من الموريسكيين الذين كانوا من الكثرة، بحيث أشهروا في القرن السادس عشر إسلامهم، وقد أعلنت محكمة باهية بسبب ذلك بدء العمل بمحاكم التفتيش الكاثوليكية منذ عام 1594م، هذه المحاكم نفذت ضدهم أحكامًا دموية تمثلت في إعدام أو إحراق أو استعباد الآلاف منهم.


كانت خبرة المستعمر البرتغالي قليلة في مجال استصلاح الأراضي، ولديهم مساحات شاسعة من أرض البرازيل البكر التي تم اكتشافها، فبدءوا عملية استجلاب العبيد من إفريقيا عام 1538م، وبعد 40 عامًا كان قد تم استجلاب 14 ألف عبد، ثم 600 ألف من أنجولا، وخصوصًا من قبائل "داهوتي - الهوسا - أشانتي - الفولاني ".


إن البحث يقودنا للتعرف على أوضاع المسلمين في إفريقيا بدايات القرن السادس عشر، وهي الفترة التي تم فيها بيع هذه الأعداد الهائلة من الأفارقة، والتي تقدر بالملايين "فقط من دولة بنين ثلاثة ملايين تم بيعهم خلال القرن السابع عشر.


كانت إفريقيا في ذلك الوقت لا تزال تنعم بآثار الممالك الإسلامية القوية، وما كان لديها من حضارات زاهرة، وعلوم مقدمة، في مجالات الزراعة، والعمارة، والثقافة والفنون، والصناعات المختلفة، ولقد تأثر هؤلاء العبيد -بلا شك- بتلك الثقافات المتعددة، والعلوم المزدهرة، وكانت سببًا لترك بصمتهم الواضحة في بناء حضارة الدولة البرازيلية الجديدة.


تعتبر الفترة من 1000 إلى 1500 للميلاد العصر الذهبي بالنسبة لتطور منطقة غرب افريقيا، حيث فترة توسع وازدهار تجاري بين المدن والدول والإمبراطوريات وفي جنوب شرق السودان كانت دول الهوسا وإمبراطورية كانيم - بورنو من أهم الكيانات السياسية في تلك المنطقة.


لقد تم انتزاع هؤلاء العبيد قسرًا من أرضهم، وعوملوا معاملة غير آدمية، وسيقوا إلى بلاد بعيدة ومجهولة لهم، ومات منهم الكثير أثناء عملية النقل الوحشية، ومن وصل منهم إلى أرض البرازيل أرغم على التنصُّر، وعاش في ظروف غير آدمية.


يقول عياش دراجي: "مائة وخمسون كيلو مترًا طول طريق العبيد في بنين لم يبق منها سوى أربعة كيلو مترًا، ولكن لا بد من التوقف عند الشجرة المقدسة التي تُسمى "شجرة النسيان"، إذ يقوم الرجال من العبيد بالطواف حولها تسع مرات والنساء سبع مرات، وتلك الطقوس الوثنية كان الهدف منها حمل العبد على نسيان الماضي وغسل الذاكرة، ثم ينتقل العبيد إلى المحطة الثالثة ليتم حبسهم في ركن خاص إلى أن تصل السفن وقد يدوم الانتظار أربعة أشهر، يحبسون في ركن زوماي، أي المكان الموحش الذي لا نار ولا نور فيه، يُقسَّمون إلى أفواج في زنزانات مظلمة لتعويدهم على الصبر في عنابر السفن الضيقة .


حينما وصل هؤلاء العبيد إلى أرض البرازيل تم تعميدهم، ولكنهم ظلوا محافظين على إسلامهم، يمارسون شعائرهم الإسلامية خفية، ويحفظون صفحات من القرآن، وكان بينهم علماء ومشايخ، ظلوا يوجهونهم للتمسك بدينهم، وقد أقاموا داخل أكواخهم حِلَق القرآن، ومجالس العلم، وكان نتيجة هذا التمسك القوي بالإسلام أن سمح لهم أسيادهم البرتغاليون بهامش من الحرية الدينية.


وتذكر بعض الكتب التاريخية أن هؤلاء العبيد كانوا أسرى ملك داهومي الوثني، أسرهم في حروبه مع الدول الإسلامية وباعهم للبرتغاليين، وصادف أن كان من بين هؤلاء علماء في الدين، فنجحوا في الحفاظ على علمهم وأسسوا جاليات إسلامية قوية ومنظمة من المستعبدين في ولايات "باهية - وريو دي جانيرو - وسان لويس دو مرانيون"، ونجحوا في إدخال كثير من العبيد الآخرين في الإسلام، وكانت لهم المدارس الإسلامية والمساجد وشيء من الحرية الدينية، وكان يسميهم البرتغاليون بالمعلمين.


يتفق المؤرخ "نينا رودريجيز" مع هذا القول ويوضح ذلك في مقال له تحت عنوان (المسلمون الزنوج في البرازيل)، اعتمد فيه على أرشيفات الشرطة ومراسلات حكام الولايات، وتصريحات المتهمين المتورطين في التمرد الذي قام به الزنوج المسلمون ضد نظام الرق الذي كان وراء تهجيرهم إلى البرازيل. ولقد زار هذا المؤرخ بعض أئمة الزنوج بمدينتي باهية وريو دي جانيرو، وتحدث عن أنشطتهم ولباسهم ومبررات تمردهم وعلاقتهم ببقية الزنوج غير المسلمين.


ويؤكد الباحث الإيثنوغرافي الفرنسي "روجيه باستيد" أن المسلمين الزنوج كانت لهم مساجد في الأغواس، وبرنامبوكو وباهية
كل هذه الدراسات تؤكد وتصف الإسلام بأنه الديانة التي تبعث على عزة النفس وتقاوم كل محاولات التمسيح (التنصير)، كما تصف الذين يدينون بها في البرازيل بـ "أناس متسامحين ثائرين لهم عزة نفس

المصادر:


المسلمون في أوربا وأمريكا ص251.
الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية ص207.