العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (100-100)ب : اسم الله الوكيل 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-08-03


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الوكيل):
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في اسم "الوكيل".
التوكيل يحتاج إلى علم وحكمة:
قالوا: من توكل عليه تولاه وكفاه، ومن استغنى به أغناه وأرضاه، وإذا تولى الله عبده بجميل العناية كفاه، كفاه عن كل شغل، وأغناه عن كل غير.
و التوكل يحتاج إلى معرفة، لن تتوكل عليه إلا إذا عرفته، أنت في حياتك الدنيا إذا سافرت تسلم محلك التجاري لإنسان تثق به، تثق بعلمه، بكفاءته، بحكمته، بأمانته، لن تضع إنساناً مكانك في عمل له شأن كبير إلا إذا وثقت بصفات كثيرة، فالتوكل ليس كلمة تقولها، وليس وهماً تتوهمه، التوكل حقيقة أنت لن تتوكل إلا على القوي، العليم، الحكيم الذي يحبك، الذي لا يخونك، المخلص لك، فأنت في حياتك الدنيا لن تسلم عملك، شأنك ، بيتك أحياناً، لإنسان لا تثق به، بل توكل شقيق زوجتك الذي يحبك، وحريص على سمعتك، وحريص على مالك في غيابك.
إذاً التوكيل يحتاج إلى علم.
الضعف في أصل خلق الإنسان لحكمة من الله تعالى:
لكن هناك نقطة دقيقة: لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان قوياً، إن خلقه قوياً لن يتوكل عليه، إن خلقه قوياً لن يلجأ إليه، إن خلقه قوياً لن يتوب إليه، إن خلقه قوياً لن يطيع أمره، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة خلقه ضعيفاً، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فإذا افتقر في ضعفه سعد في الدنيا والآخرة، لم يخلقه قوياً لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، السعادة أن تكون معه، السلامة أن تكون معه، فالضعف في أصل خلقك في صالحه، عنده السعادة، عنده الأمن، عنده الرضا، عنده التفوق، خلقك ضعيفاً كي تلجأ إليه.
بعض العارفين قال:
إذا كنت في كل حـال معي فعن حمل زادي أنا في غنى
فأنتم والــحق لا غيركم فيــا ليت شعري أنا من أنا
* * *
وقالوا:
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
قرأت قصة عن طائرة تحطمت فوق جبال الألب، مكان انشقاق جسم الطائرة هناك راكب وقع فنزل بعد ثلاثة و أربعين ألف قدم على غابة في جبال الألب، الثلج فوق الأشجار خمسة أمتار، هذا الثلج والأغصان المرنة امتصت هذه الصدمة فنزل واقفاً، من أندر الحوادث في التاريخ أن إنساناً يقع من طائرة على ارتفاع ثلاثة و أربعين ألف قدم ينزل واقفاً ؟.
وإذا العناية لاحظتك جفونه ا نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
إذا توكلت على الله خدمك أعداؤك، وإذا اعتددت بنفسك قد يتطاول عليك أبناؤك.
آخر رحلة للكونكورد من باريس إلى واشنطن، في المطار حديدة صغيرة، هذه الحديدة الصغيرة سببت احتراق الطائرة بأكملها، مع أربعمئة و خمسين راكباً.
أحياناً الله عز وجل يهلك على أتفه سبب، وأحياناً يحفظ لأتفه سبب، الأخطار قائمة إذا كنت معه نجاك من هذه الأخطار. بطولة الإنسان أن يأتي ربه طائعاً و بمبادرة منه :
أخواننا الكرام مرة ثانية: نحن نعاني من متاعب، طبيعة الحياة الدنيا متعبة، هناك قلق على الصحة، هناك أمراض لا تعد ولا تحصى، وبعض هذه الأمراض يحيل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، هناك أمراض وبيلة، هناك نقص مياه، و غلاء أسعار، و عدو متسلط أحياناً، هناك شبه مصيبة، شبح حصار، شبح حرب أهلية، فرص عمل قليلة جداً، طرق مسدودة، لو أن أحدنا سأل هذا السؤال: يا رب لماذا هذه المتاعب ؟ لأنك في دار العمل، فإذا قصرت بالعمل ابتلاك الله بالهم، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه.
(( عجب ربنا من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل ))
[رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة]
هو البطولة أن تأتيه طائعاً، أن تأتيه بمبادرة منك.
مرة إنسان أراد أن يسألني سؤالاً، أنه أنت تدعو إلى الله من خمس و ثلاثين سنة، قلت: نعم، قال: ما ملخص هذه الدعوة ؟ قلت له: بالتعبير الدارج إما أن تأتيه ركضاً، أو أن يأتي بك ركضاً، اختر إحدى الحالتين، لأنه يحبنا، لأنه خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، إذا غفلنا عنه، وانشغلنا بالدنيا، ولم نطعه، وأقمنا حجاباً بيننا وبينه هو رب، يسوقنا إلى بابه، أنا أقول دائماً: لو دخلت إلى مسجد، رأيت فيه عشرة آلاف مثلاً، اعتقد يقيناً أن تسعة آلاف من هؤلاء جاؤوا إلى الله عقب تدبير حكيم، هذا بمشكلة، هذا بمصيبة، هذا بمرض، الله عز وجل رب العالمين، يعالجنا في الدنيا، يسوق لنا بعض الشدائد، والله الذي لا إله إلا هو وهذا إيماني يوم القيامة إذا كشف الله لك عن حكمة الشدائد التي ساقها إليك يوم القيامة، إن لم تذب كالشمعة محبة له فهذا الدين باطل، هذا إيماني، والدليل:
﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة يونس )
تعلق إرادة الله عز وجل بالحكمة المطلقة:
أيها الأخوة، دققوا في هذه الآية:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة القصص )
هذه الشدائد لو لم تكن لكان الله ملوماً يوم القيامة، هذه الشدائد لو لم تكن لكان نقصاً في حكمة الله عز وجل، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
إذاً: سعادتك بالإقبال عليه، أمنك بالاتصال به، راحتك بمعرفته، فإذا قصرت بمعرفته ساق لك من الشدائد ما يدعوك إليه.
والله إنسان أصابته أزمة قلبية، وكان مفرطاً في المعاصي، لما شعر ببلوغ أجله وهو في العناية المشددة، قال لي: ناجيت ربي، قال له: يا رب أتحب أن آتيك عارياً ؟ ولا عمل صالح لي ؟ أمهلني أي أعطيني فرصة، أعطاه فرصة، بعد أيام تحسن وضعه وخرج، فبدأ يحضر دروس علم، قال لي: في إحدى ساعات النشوة مع الله، قلت له: يا رب كل هذه السعادة بالإقبال عليك، لمَ لم تأت هذه الأزمة من عشر سنوات ؟ لا أحد يعرف ما عند الله من سعادة لو اصطلح معه وأقبل عليه.
فأحياناً يسوق لك الشدائد من أجل أن تقبل عليه، من أجل أن تصل إليه، من أجل أن تتوكل عليه، التوكل على الله شيء مسعد، لكن قلّما يفعله الناس، التوكل يحتاج إلى استقامة، والتوكل يحتاج إلى معرفة، تعرفه وتستقيم على أمره الآن:
وإذا العناية لاحظتك جفونه ا نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
لكن إنسان معرفته بالله ضعيفة جداً كيف يتوكل عليه ؟ الآن الناس يحتاجون إلى سند أرضي، يريد ماله يهبه الأمن، يريد إنساناً قوياً يعتمد عليه يقيم علاقة مودة بينه، يريد راحته بأسباب أرضية، قلّما تجد إنساناً مؤمناً ثقته بالله وحده، ليس له سند أرضي إلا أن الله عز وجل يطمئنه. من أحبه الله ألقى هيبته في قلوب الناس:
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن قُلُوبَ بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يُصَرِّفُه حيث شاء ))
[أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
هل تعلم أن هذا الحديث وحده يهبك الأمن، هؤلاء الأقوياء الذين حولك، الأقوياء الذين لا تستطيع أن تواجههم، قلوبهم بيد الله، فإذا أحبك الله ألقى هيبتك في قلوبهم، وإذا لم يحبك الله ألقى القسوة في قلوبهم عليك، أي إنسان يعاملك معاملة اعلم علم اليقين أن قلبه بيد الله، فإما أن يقسو هذا القلب، أو أن يرق، إما أن يمتلئ قلب عدوك هيبة منك، أو قسوة عليك، قال عليه الصلاة والسلام:
(( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
[ البخاري ومسلم عن أبي هريرة ]
وحينما تركت أمته منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام، هذا الذي تخافه قلبه بيد الله.
(( إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يُصَرِّفُه حيث يشاء ))
[ رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
في بعض الآثار:
(( أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ـ بالآخرة لا يوجد كذب ـ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، الله عز وجل يقول له: إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، ويقول لعبد آخر: عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي أنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله:
أناس كثيرون ما تركوا لأولادهم شيئاً، لكن تركوا لهم سمعة طيبة، يقول أحد الآباء وقد عاتبه امرأته ما ترك لأولاده شيئاً، يقول لها: أنا ما أكلت مالاً حراماً، فاطمئني الله عز وجل سوف يرزقهم.
قالوا: إذا أرادت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله، أوثق منك بما في يديك، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله، دقق في هذه الآية:
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾
( سورة المزمل )
والله إنسان يوكل محامياً لامعاً جداً له هيبة بقصر العدل، ينام مرتاحاً، وكلت فلاناً، فإذا وكلت الواحد الديان، فإذا وكلت قيوم السماوات والأرض كيف تكون راحتك ؟. مشاعر المتوكل على الله مسعدة لأن علاقته مع الله فقط :
أخواننا الكرام، مشاعر المتوكل على الله مسعدة، أي علاقته مع جهة واحدة يرضيها، ويتقي أن يسخطها، وعلى الله الباقي، أنا لا أرى آية أشعر أنها حاسمة كهذه الآية:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ﴾
( سورة الزمر الآية: 66 )
مهمتك فقط أن تعبده:
﴿ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة الزمر )
﴿ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
عليك أن تعبده، وعلى الله الباقي، يتولاك ، يدافع عنك، ينصرك، يقربك، يلقي محبتك في قلوب الخلق، ويلقي هيبتك في قلوب الأعداء، ألا تكفينا هذه الآية ؟
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة البقرة )
من خرج في سبيل الله توكل الله بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى بيته:
أيها الأخوة، دققوا في هذا الحديث الصحيح:
(( توكل الله بحفظ امرئ، خرج في سبيل الله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، وتصديق بكلمات الله حتى يوجب له الجنة، أو يرجعه إلى بيته، أو من حيث خرج ))
[ أحمد عن أبي هريرة ]
إنسان خرج في سبيل الله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، توكل الله بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى بيته، أو من حيث خرج ﴿ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ﴾
إما أن نستشهد، أو أن ننتصر، أبداً، و الأحاديث التي وردت عن الشام بعضها فيه كلمة رائعة:
(( فإن الله توكل لي بالشام وأهله ))
[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن حوالة ]
وهناك حديث آخر رواه أبو داود:
(( عليك بالشام، فإنها خِيَرةُ الله في أرضه، يَجتبِي إليها خيرتَه من عباده ))
[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن حوالة ]
(( فإن الله توكل لي بالشام وأهله ))
بلاد الشام هي البلاد التي حول بيت المقدس.
﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 1 )
أحياناً تشعر أنه يوجد حفظ إلهي، يوجد رحمة، و عناية، أنا لا أقول بهذا المعنى لا يوجد عندنا مشكلة، لكن يبدو أن هذه البلاد، الإقبال على الدين فيها متميز. قوة المؤمن تأتي من توكله على رب العرش العظيم:
الدعاء القرآني:
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾
( سورة التوبة الآية: 129 )
هذا التوكل.
﴿ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾
( سورة التوبة )
آية ثانية:
﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
كلمة توكل كلمة كبيرة جداً.
أحياناً طفل لا تستطيع أن تكلمه كلمة، هو لا يخيفك، هو طفل صغير، تخاف من أبيه، يكون أبوه إنساناً قوياً، المؤمن كذلك، الله عز وجل معه:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
( سورة التحريم )
هذه الآية دقيقة، إذا أردت أن تنال من مؤمن هل تعلم من وراءه ؟ أحياناً إنسان يتقي أن يؤذي موظفاً، يقول لك: الدولة كلها وراءه، قد يكون ضعيفاً لكن قوته بقوة من ينتمي إليه، كذلك المؤمن مع الفارق طبعاً.
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
فالمؤمن تأتي قوته من الذي توكل أمره، إنه الله. من آمن بالله و توكل عليه حفظه الله من كل مكروه :
الآية الثالثة:
﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾
( سورة الملك الآية: 29 )
تعتقد الذي يعيش الظروف الصعبة يعرف معنى هذه الآية ؟ فرعون، فرعون قتل الإنسان أهون عليه من قتل ذبابة، كيف يقول له السحرة ؟
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
( سورة طه )
الآن بالقصة القضية سهلة ، أما أنت عش الظرف، هم أمام فرعون، قالوا:
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
( سورة طه )
ما هذه القوة ؟ من يستطيع أن يواجه أقل موظف في فرع قوي ؟ أقل موظف ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
( سورة طه )
التولي و التخلي:
أيها الأخوة، لذلك دعوات المكروب:
(( اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ))
[ أبو داود عن أبي بكرة]
بالمناسبة أيها الأخوة، هذا قانون، تقول: أنا، يتخلى عنك، يكلك إلى نفسك، تقول: الله، يتولاك، أنت في كل دقيقة بين التولي والتخلي، تقول: أنا قوي، خبراتي متراكمة، اختصاصي نادر، أنا أعرف كيف أتصرف، يكلك إلى نفسك، تقول: الله عز وجل يحفظني، نحن مفتقرون إليه، يتولاك، من أنت ؟ الصحابة قمم البشر، وفيهم سيد البشر لما اعتمدوا على كثرتهم في حنين تخلى الله عنهم، قال:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾
( سورة التوبة الآية: 25 )
هم، هم، لما افتقروا إلى الله في بدر تولاهم الله، فأنت بين التولي والتخلي تحتاج لهذا الدرس كل يوم وكل دقيقة، تقول: أنا لي حجم مالي كبير، لي سمعة طيبة، أنا أستطيع أن أقنع فلاناً بأن ينتقم من عدوي، عندما تعزو الأمر إلى فلان يتخلى الله عنك، فإذا عزوته إلى الله موحداً يتولاك، فأنت بين التولي والتخلي، دعوات المكروب:
(( اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ))
[ أبو داود عن أبي بكرة]
والنبي عليه الصلاة والسلام يخاطب فاطمة يقول:
(( يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ))
[ أخرجه الحاكم عن أنس بن مالك ]
أركان التوكل:
1 ـ أن توقن بعلم الله وبقدرته وبرحمته وبمحبته:
بقي فكرة دقيقة جداً، المتوكل، ما أركان التوكل ؟ أو ما مراحل التوكل ؟ أو ما خصائص التوكل ؟ ثلاثة أركان، ثلاث مراحل، ثلاث خصائص، أول شيء أن توقن بعلمه، وبقدرته، وبرحمته، وبمحبته، هذا التوكل، واثق أن الله بيده كل شيء ، وأن الله قادر على كل شيء، وأن الله يحب أن يرحمك، وأن الله يحبك، عليم، قدير، حكيم، رحيم، محب، شرط التوكل أن تعرفه، فاجتهد أن تعرفه من أجل أن تتوكل عليه، هذه مرحلة إيمانية، آمنت به الإيمان الذي يحملك على التوكل عليه.
2 ـ أن تأخذ بالأسباب:
اثنان: أن تأخذ بالأسباب، هنا المشكلة الكبرى في العالم الإسلامي، توكل بلا أخذ بالأسباب، الجماعة في غاية الراحة، توكلنا على الله، المسلمون ينتظرون معجزة يقضي الله بها على عدوهم، هذا مستحيل، لا بد من أن تعد للأعداء عدتهم.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
فالتوكل إيمان بالله، إيمان بقدرته، إيمان برحمته، بعلمه، بحكمته، بمحبته، ثم أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، هذا الأخذ بالأسباب برع به الغربيون، واعتمدوا على الأسباب وألهوها، وقعوا في الشرك، وتركه المسلمون، تركوا الأخذ بالأسباب، وقعوا في المعصية، يجب أن تتوكل عليه بعد أن تعرفه وأن تأخذ بالأسباب. 3 ـ أن تستسلم للنهاية:
المرحلة الثالثة: وأن تستسلم للنهاية، أنت توكلت عليه ثقة وعلماً، وأخذت بالأسباب، الآن الله عز وجل ييسر أو لا ييسر، يسمح أو لا يسمح، يجيب أو لا يجيب، أنت راض عن الله عز وجل، العلم أولاً والأخذ بالأسباب ثانياً، والرضا بقضاء الله وقدره ثالثاً.
على الإنسان ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن يأخذ بالأسباب:
الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين:
(( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر: حَسْبيَ الله ونعم الوكيل ))
[رواه أبو داود والنسائي عن عوف بن مالك ]
هذا كذب ودجل، هذه الكلمة فيها سوء أدب، إنسان ما درس أبداً، فلم ينجح، قال: حسبي الله ونعم الوكيل، لم تنجح جزاء تقصيرك، فالنبي مشرع، فلما قال هذا الرجل الذي حكم عليه حينما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، قال النبي الكريم له:
(( فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ردوا عليّ الرجل، فردوه عليه فقال: ما قلت ؟ قال: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال عليه الصلاة والسلام: إِن الله يَلُومُ على العَجْز، ولكن عليكَ بالكَيْس، فإِذا غَلَبَك أَمر، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل ))
[رواه أبو داود والنسائي عن عوف بن مالك ]
أي طالب ما درس أبداً فإذا رسب ينبغي ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل، ينبغي أن يرى عدم النجاح جزاء طبيعي لعدم الدراسة، أما حينما يدرس دراسة متقنة، ويأتيه مرض لا سمح الله، يحول بينه وبين الامتحان، الآن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لا تقل حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن تأخذ بالأسباب.
ولحكمة بالغةٍ بالغة الله عز وجل يقرر ألا يستجاب دعاؤك، هذا موضوع ثان فهذه الكلمة إما أن تقال بأدب جم، وبحكمة بالغة، وإما أن تقال بسوء أدب مع الله.
مثلاً طالب ما درس إطلاقاً فلم ينجح، كلما سألوه، يقول: الله هكذا كاتب لي، أنا توكلت عليه، هذا دجل، أنت ما درست وما نجحت، بحسب قوانين ربنا ينبغي ألا تنجح، أما درست وأصبت بمرض منعني من أداء الامتحان، تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
تاجر ما درس الصفقة اشتراها ببساطة، ما ربحت، خسرت، الله هكذا كاتب لي، لا، أنت مقصر.
وهكذا نرى أن كل أخطائنا نردها للقضاء والقدر، هذا كذب ودجل، و لكن إذا أخذت بالأسباب، عندئذٍ تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لا تقال هذه الكلمة حينما لا تأخذ بالأسباب، إن لم تأخذ بالأسباب هناك نظام عند الله عز وجل، في أسباب المسببات، ذي القرنين:
﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
( سورة الكهف )
والحمد لله رب العالمين