العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (074-100)ب : اسم الله الحفيظ 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-04-05


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنىالحفيظ):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا مع اسم "الحفيظ"، والحقيقة الدقيقة أن أكبر أسباب حفظ الله للمؤمن أن يكون المؤمن مع الله.
كن مع الله ترَ الله معـك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعك
* * *
أكبر خصائص الإيمان أن الله مع المؤمن:
أيها الأخوة، في القرآن الكريم معيتان، معية عامة، ومعية خاصة، الله عز وجل مع كل الخلق، مع المؤمن، ومع الكافر، ومع الملحد، ومع الفاسق، ومع الفاجر، ومع الطائع.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية: 4 )
أي معكم بعلمه، هذه معية عامة لكل الخلق، مع كل مخلوق، مع كل كائن، مع كل شيء، لكن المعول عليه هو المعية الخاصة فإذا قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنفال )
إن الله مع الصادقين.
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة التوبة )
هذه المعية الخاصة المعول عليها، أي أن الله مع المؤمن يحفظه، أي أن الله مع المؤمن يوفقه، أي أن الله مع المؤمن ينصره، أي أن الله مع المؤمن يؤيده، فأحد أكبر خصائص الإيمان أن الله مع المؤمن. المعية الخاصة أحد أكبر أسباب حفظ الله عز وجل للمؤمن:
الحقيقة التي أُرددها كثيراً: إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ إذا كان الله معك من يستطيع في الكون أن ينال منك، وإذا كان عليك فمن معك ؟ لو أنك تملك كل شيء فإن الله سبحانه وتعالى يلقي البغضاء في قلوب الخلق.
أيها الأخوة، المعول عليه المعية الخاصة، لأن حفظ الله لك أحد أكبر أسبابه المعية الخاصة، إلا أن الحقيقة الدقيقة هي أن معية الله الخاصة التي يعول عليها لها ثمن.
أن تطمع بعطاء كبير بلا ثمن، من السذاجة، الله عز وجل لا يحابي خلقه أبداً هناك قواعد دقيقة، فكلما كان المؤمن أكثر وعياً يطبق هذه القواعد لينال هذه النتائج.
إذاً المعية الخاصة هي المعية المعول عليها في الحفظ، الله عز وجل يحفظك إذا كنت معه، وإذا كنت معه كان معك.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ))
[ تفسير ابن كثير ]
من اصطلح مع الله ألقى الله في قلبه الأمن و السعادة و الطمأنينة:
أيها الأخوة، أحد أكبر أسباب التوجيه إلى الدين، ما الذي يربطك بالدين ؟ لماذا أنت تقبل على رب العالمين ؟ لماذا تحرص على طاعة الله ؟.
سؤال: قد يقول قائل إن أفكار الدين هي التي تشدني إليه، هذا الكلام صحيح إلى حدٍّ ما، أفكار الدين رائعة، الدين قدم لك تفسيراً عميقاً، دقيقاً، متناسقاً، للكون والحياة والإنسان، أعطاك التفسير الجامع المانع، أعطاك التفسير الذي لم يظهر في المستقبل ما ينقضه، فالمؤمن يتمتع بما يسمى بالأمن العقدي، هناك حقائق صارخة، ودقيقة للكون والحياة والإنسان.
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
الدين قدم لك تفسيراً علمياً، فلسفياً، صحيحاً، عميقاً، دقيقاً للحياة، للكون للإنسان، ولكن الذي يشدك إلى الدين معاملة الله لك، معاملة الله لك المتميزة حينما تصطلح معه، وحينما تنيب إليه، وحينما تقبل عليه، وحينما تؤثر طاعته على كل شيء، المعاملة المتميزة التي تشدك للدين هي أهم ما في السلوك إلى الله عز وجل، تشعر أن الله معك ، تشعر أن الله يؤيدك، تشعر أن الله يحفظك، أن الله يلهمك الصواب، أن الله يلقي في قلبك الأمن، أن الله يلقي في قلبك السعادة، كل هذه المشاعر، وهذه التوفيقات، وهذه التكريمات بسبب صلحك مع الله. المعاملة المتميزة التي تشد الإنسان للدين هي أهم ما في السلوك إلى الله عز وجل:
الحقيقة الدقيقة أن الذي يشدك إلى الدين فضلاً عن أنه قدم لك تفسيراً عميقاً دقيقاً، متناسقاً للكون، والحياة، والإنسان، أن الذي يشدك إلى الدين معاملة الله لك.
لذلك هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
(( وإن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْرا تَقَرَّبتُ إِليه ذِراعا، وإن تقرَّب إِليَّ ذِرَاعا اقْتَرَبتُ إِليه باعا، وإِن أَتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَة ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
لمجرد أن تتخذ قراراً بالصلح مع الله، بالإقبال على الله، بطاعة الله، بتقديم ما تملك في سبيل الله ترى معاملة تفوق حدّ الخيال.
لذلك هنيئاً لمن عرف الله، هنيئاً لمن عامله، هنيئاً لمن خطب وده، حفظ الله لك أحد نتائج الإقبال على الله، الله عز وجل حفيظ، ويحفظ المؤمن من كل مكروه، من كل شيء مؤلم، من كل خطر.
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية: 48 )
هذه الآية فيما يبدو موجهة للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن العلماء قالوا: آية موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام هي في الحقيقية موجهة لكل مؤمن بقدر إيمانه وإخلاصه واستقامته. أحد أكبر نتائج الإيمان أن الله مع الإنسان يحفظه و يسدد خطاه:
أيها الأخوة، أنت متى تحافظ على استقامتك ؟ أنت متى تسعى للحفاظ على ما أنت فيه ؟ حينما تصل من خلال الدين إلى شيء ثمين، الذي وصل من خلال الدين إلى شيء ثمين ذاق طعم القرب، ذاق طعم الحب، ذاق طعم الإقبال على الله، ذاق طعم أن يكون الله معك، هذه النتائج الباهرة التي يحصها الإنسان هي التي تحمله على طاعة الله.
إنسان دُعي إلى طعام، وجلس على الطاولة، لكنه لم يأكل لسبب أو لآخر، فإذا دُعي ثانية زهد في هذا الطعام، لأنه ما أكله، وما ذاقه، أما إذا ذاق الطعام النفيس الذي قُدم له، إذا دُعي ثانية يسارع إلى تلبية الدعوة.
فالإنسان حينما يصلي صلاة شكلية، وحينما يصوم صياماً شكلياً، وحينما يؤدي العبادات أداء شكلياً لأنه ليس مستقيماً على أمر الله، يزهد في الدين، لا يبالي أصلى أم لم يصلِ، لا يبالي أأطاع الله أم لم يطعه، لأنه محجوب بالمعاصي، محجوب بالعيوب ، محجوب بالذنوب، أما إذا أخلص الصدق مع الله، أما إذا أطاع الله، أما إذا أقبل على الله يصل إلى نتائج، عندئذٍ يحافظ عليها، يحافظ عليها فيحفظه الله، لابدّ من أن تقدم شيئاً، أن يتوهم الإنسان أنه بإمكانه أن يأخذ كل شيء، من دون أن يقدم شيئاً، هذا سذاجة في الإنسان وغباء فيه، لابد من أن تقدم شيئاً، هذا الذي تقدمه طاعة الله عز وجل.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
( سورة الأحزاب )
أنت متى تحافظ على ما أنت فيه ؟ إذا وصلت إلى شيء نفيس أحد أكبر نتائج الإيمان أن الله معك، أن الله قريب منك، أن الله يحفظك، أن الله يؤيدك، أن الله يسعدك ، أن الله يسدد خطاك. بطولة الإنسان لا أن يصل إلى القمة بل أن يبقى فيها:
الآن أيها الأخوة، كلكم يعلم أن بلوغ القمة شيء يحتاج إلى جهد كبير، لكن البطولة لا أن تصل إلى القمة أن تبقى فيها، أناس كثيرون في ساعة من ساعات الإقبال على الله يتألقون، ثم لا يتابعون سيرهم إلى الله، عندئذٍ يتراجعون، هذا الوضع الذي يتكرر أحياناً يقبل ثم يدبر، يتألق ثم يخبو، يتحرك ثم يسكن، هذا الوضع لا يرضي الله عز وجل.
(( أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن عائشة أم المؤمنين ]
فلذلك دقق في هذه الكلمة: ليست البطولة أن تصل إلى القمة، البطولة أن تبقى فيها، أنت حينما تحافظ على هذه الصلة من أن تنقطع، أنت حينما تحافظ على هذا التوثيق من أن ينقطع، أنت حينما تحافظ على هذا التأييد من أن يلغى تكون قد بلغت القمة وحافظت عليها. أسباب حفظ الله للإنسان هي طاعته والتوكل عليه والاستقامة على أمره والإخلاص له:
أيها الأخوة، نحن في عالم الدنيا إنسان أحياناً يصل إلى منصب رفيع، يبذل جهداً كبيراً للحفاظ عليه، حينما يصل إلى دخل كبير يبذل جهداً كبيراً للحفاظ عليه، هذا شيء من طبيعة الإنسان، ولكن الحقيقة الدقيقة في هذا اللقاء الطيب أنك لن تحافظ على ما أنت فيه لأسباب أرضية، بل لأسباب علوية، كيف ؟
إنسان معه أموال طائلة، يضع الأقفال، يوثق، يسجل، يقدم كل سبب للحفاظ على هذا المال لكن إن لم يكن مستقيماً على أمر الله، الله عز وجل يحبط له كل هذه المساعي، وكنت أقول دائماً: الله عز وجل لا يجدي معه أن تكون معه ذكياً، يؤتى الحذر من مأمنه، يحفظك لا بأسباب أرضية، بل بأسباب علوية، أنت حينما تكون مستقيماً يحفظك، أنت ينبغي أن تأخذ بالأسباب ولكن حفظ الله عز وجل لا يكون بالأخذ بالأسباب وحدها، لابدّ من أن تأخذ بأسباب أرادها الله عز وجل أن تأخذ بها.
أنت حينما تستقيم، حينما تتوكل، حينما لا تسمح لدخلك أن يكون فيه شبهة ، حينما تصل إلى مكاسب كبيرة، عندئذٍ تسعى للحفاظ عليها لا بأسباب أرضية فقط، بل بأسباب علوية هي طاعة الله، والتوكل عليه، والاستقامة على أمره، والإخلاص له.
امتحان الله عز وجل للإنسان من أصعب الامتحانات :
أيها الأخوة، الله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
يعني الله عز وجل يمتحن الإنسان، من أصعب الامتحانات، أحياناً تغلق أمام الإنسان كل الأبواب المشروعة، يفتح له باباً غير مشروع، ضعيف النفس يقول: ماذا أفعل ؟ أنا مضطر، طرق كسب الحلال مغلقة، في طريق سهل للكسب الحرام، هنا الامتحان الصعب، فحينما ترى أن الأبواب كلها موصدة أمامك، و هناك باب واحد لا يرضي الله مفتوح على مصراعيه اعلم أنك أمام امتحان صعب، ينبغي أن تنجح فيه، كيف تنجح ؟ تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
( سورة الطلاق )
والله أيها الأخوة، لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية لكفت، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
كن عن همومك معرضا وكلِ الهموم إلى القضا
وابشر بخــير عاجل تنسى به ما قـد مضى
فلرب أمـر مسخــط لك في عواقبه رضـا
* * *
ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الـفضـا
الله يفــعل ما يشاء فلا تـــكن معترضا
الله عودك الــجميل فقس على ما قد مضى
* * *
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً:
المؤمن الصادق لو أن كل أبواب الحلال مغلقة باب الحرام مفتوح يقول:
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾
( سورة يوسف الآية: 23 )
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الحشر )
فحينما يعلم الله منه هذا الورع، وهذا الحرص على طاعة الله، يفتح له الأبواب المشروعة على مصارعها، أنا أقول أي إنسان يعاني من ضائقة، من ضائقة مادية، من مشكلة صحية، من مشكلة اجتماعية، من مشكلة في العمل، من مشكلة في البيت، عليه بهذه الآية، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين. قانون العناية الإلهية يحمي الإنسان من المشكلات و ينال رضوان الله:
أيها الأخوة، كل بلد له خصوصية، كل مجتمع له خصوصية، الخصوصية يعني من حركة الحياة تستنبط حقائق، قد تكون غير مشروعة، أي بلد له خصوصية، أو بتعبير آخر له تركيبة خاصة، فمن حركة الحياة تستنبط قواعد، هذه القواعد إن فعلت كذا ، إن لم تفعل كذا، غضب الناس عليك، وإذا غضب الناس عليك أتعبوك، هذه القواعد في معظمها قد تكون غير صحيحة، وتتناقض مع منهج الله عز وجل.
الآن دققوا: لما إنسان يواجه مشكلة فإذا أراد حلّها وفق القواعد المستنبطة من حركة الحياة قد لا ينجح عند الله، قد يسقط، أما إذا طبق منهج الله، ولم يعبأ بهذه القواعد هناك حكمة بالغة بالغة يخضعه الله لقانون لا يعلمه، هذا القانون هو قانون العناية الإلهية فينجو من هذه المشكلات، وينال رضوان الله عز وجل .
أحياناً تجد إنساناً يقول يجب أن أفعل هذا حتى أنجو، هذا الفعل لا يرضي الله عز وجل، فالذي لا يعبأ بمنهج الله، يطبق القواعد المستنبطة من حركة الحياة، ظناً منه أنها تنجيه هي لا تنجيه، لكن حينما يصر على طاعة الله، يصر على منهج الله، أحياناً طبيعة الحياة تقتضي أن تفعل كذا، من أجل أن تنجو، من أجل أن تسلم، من أجل أن يقوى مركزك، وقد يكون هذا الفعل لا يرضي الله، فالمؤمن من حرصه على طاعة الله، وحرصه على إرضائه، لا ينفذ هذه القاعدة، فيبدو أنه دمر نفسه، لكن الله سبحانه وتعالى يخضعه لقانون لا يعرفه هو قانون العناية الإلهية فيزداد مركزه قوة.
فلذلك: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
هذه حقيقة مهمة جداً.
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه:
من هنا أقول مرة ثانية:
كن مع الله تـرى ال له واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
* * *
الحقيقة التي لابدّ منها في موضوع الحفظ: الله متى يحفظك ؟ ورد في بعض الأحاديث أنه:
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
هذه القاعدة قاعدة ذهبية كما يقولون، قانون.
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
تركت هذا المنصب لله، تركت هذه الصفقة الكبيرة لأن فيها شبهة، تركت هذا المكسب الكبير لأنه فيه شبهة، تركت هذا العمل لأن الله لا يرضى عنه.
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
أنا أتكلم الآن عن أسباب حفظ الله لك، الله "الحفيظ" متى يحفظك ؟ حينما تدع شيئاً لله، في صفقة كبيرة أرباحها طائلة، لكن البضاعة محرمة، أو طريقة التعامل محرمة فيقول المؤمن: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
يركلها بقدمه، فالله عز وجل يكافئه على هذا الموقف البطولي بعطاء كبير في الدنيا قبل الآخرة.
أروي قصة: هناك فلاح أُعطي عشرون دنم من أراضي إنسان أُخذت منه غصباً بسبب أو بآخر، هذا الفلاح له شيخ، سعى إليه والفرحة تملأ نفسه، عاش كل عمره فقيراً الآن أصبح يملك عشرين دنم، أرض زراعية، كاد يطير فرحاً، فشيخه قال: يا بني هذا المال مغتصب، ولا يجوز أن تأخذه، كل هذا التألق، وهذا الفرح انطفأ، قال له: هذا مال حرام لا تأخذه، فلما رآه قد علته الكآبة، قال له: يا بني اذهب لصاحب الأرض، لعله يبيعها لك تقسيطاً، افعل، حاول هذه المحاولة، وذهب إليه، قال له: أنا أُعطيت عشرين دنم من أرضك، ولي شيخ قال لي: إن أخذها حرام، هل تبيعني إياها بالتقسيط ؟ قال له: يا بني أنا أُخذ مني أربعمئة دنم، ولم يأتِ أحد إلا أنت، هذه هدية لك.
(( ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
مرة ثانية: زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً من أجله ثم يضيعك. الله عز وجل هو الوحيد معك ومع أهلك في وقت واحد:
الآن أنت مسافر، ماشي، أهلك في بلد آخر، في بلدك الأصلي، يا ترى أثناء غيابك في مشكلة، في حادث، في مرض شديد، في إنسان اعتدى عليهم، ابنك بالطريق أصابه مكروه، في قلق دائم، فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا هذا الدعاء:
(( اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد ))
[ورد في الأثر]
أي لا يوجد جهة بالكون هي معك ومع أهلك في وقت واحد:
(( أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد ))
ولازلنا في حفظ الله لهذا الإنسان، الدعاء المشهور الذي كان النبي يدعو به:
(( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا، اللهم أمتعنا بأسماعنا ، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ))
[ رزين عن نافع مولى ابن عمر]
هذا الدعاء من أدعية النبي التي كان يكثر الدعاء بها. التولي و التخلي:
أيها الأخوة الكرام، الآن لابدّ من حقيقة دقيقة: أنه من اعتمد على نفسه أوكله الله إياها، أنت بين كلمتين، إما أن تقول أنا، وإما أن تقول الله، إن قلت أنا تخلى الله عنك وإذا قلت الله تولاك، أي أنت بين التولي والتخلي، تقول أنا معي اختصاص، معي شهادة عليا، أنا من أسرة فلانية، أنا عندي خبرات متراكمة، أنا حجمي المالي كبير، إذا قلت أنا تخلى الله عنك، فإذا قلت الله تولاك الله، أنت بين التولي والتخلي.
الله حفيظ لا يخفى عليه شيء فبطولة الإنسان أن يصفي قلبه من كل شيء لا يرضي الله:
آخر شيء أيها الأخوة، من تطبيقات هذا الاسم أن الله حفيظ بمعنى لا يخفى عليه شيء، فالبطولة أن تصفي قلبك من كل شيء لا يرضي الله.
(( عبدي طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة ))
[ورد في الأثر]
ما منظر الله عز وجل ؟ قلب المؤمن، طهر قلبك من كل حقد، من كل احتيال، من كل كراهية.
الشيء الثاني: الله حفيظ، يحفظ عباده، وأنت كمؤمن اشتق من هذا الكمال كمالاً تقرب به إلى الله، احفظ من حولك، احفظ أولادك، احفظ دينهم، احفظ عقيدتهم ، احفظ عباداتهم، احفظ دراستهم، احفظهم بكل ما تملك حتى الله عز وجل يكرمك بحفظهم بعد موتك.
أيها الأخوة الكرام، هذا الاسم من ألصق الأسماء الحسنى بحاجات الإنسان، ألا تتمنى أن يحفظك الله ؟
(( احفظ الله يَحْفَظْك ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]
والحمد لله رب العالمين