العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (022-100)ب : اسم الله الأعلى 2لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-08-06


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الأعلى ):
1 ـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
أيها الإخوة الكرام، لازلنا مع اسم الله ( الأعلى )، الذي ورد في قوله تعالى:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾
( سورة الأعلى )
2 ـ الدعاء بأسماء الله الحسنى:
والحقيقة أنه في ضوء هذا الاسم، ولأن الله جل جلاله يقول:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف)
دعاء القنوت:
والدعاء الذي يدعى به في القنوت هو من هذا النوع، هذا الدعاء يقول النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه الذي كان يدعو به في القنوت:
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ))
[ الترمذي عن الحسن بن علي ]
نعمة الهدى والصحة والكفاية والأمن:
أيها الإخوة، ما من نعمة أعظم عند الله من نعمة الهدى، هي النعمة الأولى، وكي أوضح هذا المعنى أقول:
نعمة الهدى رقم واحد، ونعمة الصحة صفر، فصارت عشرة، نعمة الزوجة الصالحة صفر ثان صارت مئة، نعمة الأولاد الصالحين صفر ثالث، صارت ألفا، نعمة السمعة الطيبة صفر رابع، جميع النعم أصفار تضاف إلى الواحد، فإذا ألغيت الواحد صار كل الذي عندك أصفارا، لذلك تمام النعمة الهدى، الإمام علي رضي الله عنه يرى أن النعمة الأولى هي الهدى، ثم الصحة، ثم الكفاية، ومن أكرمه الله بالهدى وبتمام الصحة والكفاية فقد تمت له نعم الدنيا.
إنسان سألته عن حالته المادية فقال لي: والله الحالة وسط، الدخل يقابل المصروف، قلت له: إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فاستغرب، قال: ماذا دعا ؟ قلت له: قال:
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
[ ورد في الأثر ]
سأل ملِكٌ وزيره: " مَن الملك ؟ قال: أنت، قال: لا، الملِك رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إنْ عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه ".
لذلك من أصاب الهدى والصحة والكفاية فما فاته من الدنيا شيء، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]
الأمن الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو أمنُ الإيمان، الإيمان معه أمن، والدليل قول الله عز وجل:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، ولغيرهم، لكن "
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
هذا التركيب في البلاغة يسمى القصر والحصر، فلا ينعم بنعمة الأمن إلا المؤمن، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزِّع على أهل بلد لكفاهم.
أيها الإخوة الكرام، (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ـ أمن الإيمان ـ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
لكن لا بد من التوضيح: من أجل أن تضيف إلى اسمك حرف دال، فإنك تصبر ثلاثا وثلاثين سنة في الدراسة، حتى يقولوا: الدكتور فلان، هذه الدال كلفتك ثلاثًا وثلاثين سنة دراسة، ومن أجل الآخرة، من أجل السعادة الأبدية، من أجل ما أعد الله لعباده المؤمنين:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ... ))
[ متفق عليه ]
الهدى يحتاج إلى جهد ووقتٍ:
الهدى يحتاج إلى جهد، إلى وقت، ترى الإنسان هدفه الأول كسب المال.
دعي رجلٌ إلى عقد قران، فقام متكلم وتكلم كلمة، ثم قال الرجل: والله استفدنا، لا، هذا طلب علم عشوائي، من أجل أن تكون مهتدياً يجب أن تلزم دروس العلم، يجب أن تتابع العلم، جزء أساسي من حياتك بالتعبير المعاصر ضمن البرمجة، عندك طلب علم، أما أنها قضية عشوائية غير مركزة، غير مبرمجة، فهذا لا يقدم ولا يؤخر، كما أنه لا يمكن أن تكون طبيباً إذا تصفحت بعض المجلات الطبية، هل لك أن تكتب: دكتور اختصاصي في الأمراض الداخلية إذا كنت متصفحا لمجلة طبيبة ؟!!! هناك شهادات، وعلامات، وثانوية، تفوق، وسبع سنوات، وثماني سنوات دراسة تخصصية، فلذلك قضية الإيمان قضية تحتاج إلى جهد، لذلك تمام النعمة الهدى:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
هناك نقطة دقيقة، في حياة الناس يتصور الهدى منحة، فهو جالس أو نائم، وما بذل أي جهد، فصار مهتديًا !!! يقول: حتى يهديني الله، مَن قال لك ذلك ؟ الله هداه، هداك بالكون، هداك بالأنبياء، هداك بالكتب، هداك بالقرآن، الله عز وجل قدم لك الهدى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
بيان الهدى على الله:
كل كلمة فيها لفظ ( على ) مع لفظ الجلالة معناها أن الله عز وجل ألزم ذاته العلية بشيء.
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ (9) ﴾
( سورة النحل)
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾
( سورة هود الآية: 6 )
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود الآية: 55 )
مادام هناك ( على ) إلى جانب لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم ذاته العليّة بهذا الشيء: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
الهدى على الله، عليك أن تستجيب.
تصور إذاعة تبث، ما مهمتك أنت ؟ ني جهاز استقبال، البث مستمر، مهمتك أن تستقبل هذا البث، أما أن تقول: حتى يبثوا لنا نسمع، هذا وهم كبير، البث مستمر، الهدى منتهٍ، بقي أن أستجيب، لذلك: (( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ))
[ الترمذي عن الحسن بن علي ]
أربع محطات مهمة في حياة الإنسان:
هذا أول دعاء حسب التسلسل الرائع:
(( وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ))
البارحة ذكرت أن في حياة الإنسان أربع محطات كبيرة، محطة مع الله، ومحطة مع الأهل والأولاد، ومحطة مع العمل، ومحطة مع الصحة، ولا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً، وأي خلل في بعض هذه المحطات ينعكس على المحطات الأخرى.
المحطة الأولى: العلاقة مع الله:
الشبهة والشهوة يهزّان كيان المسلم:
إذا كانت علاقة الإنسان مع الله سيئة، كيف ؟ عنده شبهات غير واضحة، شبهات متعلقة بالعقيدة، وعنده شهوات متعلقة بالسلوك، فأكبر آفتين يهزان علاقتك مع الله شبهة لم تتضح لك، اسأل يا أخي، قال تعالى:
﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة النحل )
يقول لك: الغرب كفر وفسق، وفجور وانحراف، وشذوذ وزواج مثلي، وتبادل زوجات، وخمور ومخدرات، وأقوياء وأغنياء، ويتصدرون الشاشات، ويقهرون الشعوب، وهذه الشعوب من زلزال، إلى فيضان، إلى قهر، إلى اجتياح، هذه شبهة كبيرة عندهم، فالذي يفسد علاقتك مع الله الشبهات، الشبهات متعلقة بالعقيدة، لكن لكل شبهة جواب مفحم.
جواب هذه القضية أن إنسانًا معه ورم خبيث منتشر، وسأل الطبيب: ماذا آكل ؟ قال له: كل ما شئت، ورجلٌ آخر معه التهاب معدة حاد، أمل الشفاء بالمئة تسعة وتسعون، لكن يحتاج إلى حمية، فإذا كنا نحن من نوع التهاب المعدة، وعلينا شدة شديدة جداً، لأن الشفاء محتمل، ومطلوب، فنحن بألف نعمة، والباقون في ألف نقمة، الله عز وجل قال: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
إذا كانت لديك شبهة تعرقل العلاقة مع الله، أو شهوة محرمة.
ما هو القلب السليم ؟
الله عز وجل قال:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يحتكم إلا لشرع الله، ولا يعبد إلا الله، هذا أكبر إنجاز تحققه في الدنيا، قلب سليم، يوم لا ينفع مال، ( بيل غيت ) عنده تسعون مليار دولار، وهو شاب ليس كبيرًا. ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
القلب سلم من شهوة لا ترضي الله، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وسلم من عبادة غير الله، وسلم من تحكيم غير شرع الله.
قد ترى امرأةً محجبة في بلاد الغرب تختلف مع زوجها، فترفع أمرها لقاضٍ غربي، لماذا ؟ ليحكم لها بنصف أملاك زوجها، وهي مسلمة، لو رفعت أمرها إلى قاضٍ في مركز إسلامي لحكم لها بالمهر فقط، فلمجرد أن تحتكم لغير شرع الله فأنت ليس لك قلب سليم.
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ))
عندنا أربع محطات، محطة علاقتك مع الله راجع الشبهات والشهوات، ولاحظ بيتك، هل فيه مخالفات ؟ هل خروج بناتك وزوجتك يتوافق مع شرع الله ؟ هل في البيت معاص وآثام، وغيبة ونميمة، وتبذل وعورات مكشوفة ؟ لا حظ عملك، هل فيه مادة محرم بيعها، هل في بمحلك التجاري بضائع لا ترضي الله عز وجل ؟ إذا كانت محرمة يجب أن تلغيها، لا حظ نفسك وبيتك وعملك، هل أنت مقيم للإسلام ؟ هل عقيدتك سليمة ؟ هل السلوك سليم ؟ هل العبادات سليمة ؟
بيتك هل فيه مخالفة ومعصية ؟ هل فيه لقاءات مختلطة ؟ مثلاً، هل فيه أشياء لا ترضي الله ؟ هل فيه أجهزة تفسد الأخلاق ؟ أنت متساهل بها، مثلاً.
عملك هل فيه بضاعة محرمة ؟ لا يوجد، الحمد لله، هل فيه تعامل محرم ؟ هل فيه مخالفات في البيع والشراء ؟ فأنت مهمتك أن تضبط الإسلام في نفسك، وفي عملك، وفي بيتك، وانتهت مهمتك، هذه المحطة الأولى.
المحطة الثانية: العلاقة مع الأهل:
المحطة الثانية: علاقتك مع أهلك، يا ترى هناك تفاهم ومودة وحب وتسامح و رحمة وحب حقيقي، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
هذه حليلتك وزوجتك، وأم أولادك، هل تحبها ؟ ينبغي أن تحبها، لا أن تحب غيرها.
بالمناسبة، الشيطان له مهمة أولى هي إفساد العلاقة بين الزوجين، مهمة الشيطان الأولى أن تكره زوجتك، وأن تحب غيرها ممن لا تحل لك، لذلك:
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ))
المحطة الأولى: علاقتك بالله، المحطة الثانية: مع أهلك وأولادك، وبشكل مختصر: بطولة الأب أن يكون العيد إذا دخل البيت، والأب السيئ يكون العيد إذا خرج من البيت، هل يتمنى أهلك بقاءك في البيت ؟ أو هل يتمنون حياتك ؟ إذا كان الأب بخيلًا جداً، وأصابه مرض، وجاءوا بالطبيب، وقال لهم: قضية سهلة، ينزعجون كثيرًا، نتمنى هذه قاضية، يمكن لكل مؤمن أن تكون علاقته مع أولاده طيبة، يجب أن تكون علاقتك مع أهلك وأولادك عالية جداً، علاقة حب، علاقة ود.
والله الشيء الذي لا أصدقه كيف يدخل القضاء بين زوجين ؟ وبين الزوجين أقدس ميثاق: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ (21) ﴾
(سورة النساء)
أقدس علاقة بين اثنين بين الزوجين.
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾
(سورة الشعراء)
المحطة الأولى مع الله، والثانية مع الأهل والأولاد.
المحطة الثالثة: العمل:
والثالثة مع العمل، العلاقة مع الله جيدة، ومع الأهل جيدة، وتأخرت ساعة، وأنت مدرِّس أخذتَ شهادة ثانوية، والمدير غير منضبط كثيراً، انفلت بكلام قاسٍ أمام الطلاب، يهزك شهرًا، هذا عمل، يجب أن تعتني بدوامك، وبأداء عملك.
المحطة الثالثة: العمل.
المحطة الرابعة: الصَِّحة:
والمحطة الرابعة: الصحة، إذا لم يكن الإنسانُ مهتمًا صحته، وفي وقت مبكر أصابته أمراض كثيرة أفسدت عليه علاقته بالله عز وجل، كان نشيطًا يصلي بالجامع، يقوم بأعمال صالحة، صار مُقعَدًا، لأنه أهمل صحته، أهمل طعامه، أهمل شرابه، ما اعتنى بما يدخل جوفه، ما اعتنى بما يخرج منه من كلام.
أيها الإخوة الكرام، أربع محطات لا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا غطاها جميعاً، وليس هناك نجاح جزئي، تنجح في بيتك، وتخفق بعملك، هذا ليس نجاحاً، تنجح بعملك و لا تنجح في بيتك، هذا ليس نجاحاً، تنجح بعملك وبيتك ومع الله العلاقة غير طيبة، هذا ليس نجاحاً، تنجح في الثلاثة وصحتك متردّية، هذا ليس نجاحًا، فلا بد من متابعة النجاح في هذه المحطات الأربع، لأن أي خلل في واحدة منها ينسحب على المحطات الثلاث.
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ))
المعالجة والمتابعة الربانية دليل خيرٍ للمؤمن:
والله أيها الإخوة، المؤمن الصادق يشعر بجبر حينما يتابعه الله عز وجل، إذا أخطأ يبعث له مشكلة
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
تكون عند الله في أعلى مستوى لما تشعر أنه يتابعك، أما حينما تكون خارج العناية المشددة لا يتابعك، بل يتابع نعمه عليك، وأنت في معصيته، أما المؤمن فيحاسب على النظرة، على الغفلة، على الكلمة.
سمع شاب من شيخه أن لكل معصية عقاباً، يبدو أن قدمه زلت، فارتكب معصية، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله، مضى أسبوع، صحته، بيته، أهله، سيارته لا شيء فيها، أسبوع آخر لا شيء، في أثناء المناجاة قال: يا رب، لقد عصيتك ولم تعاقبني، قال: وقع في قلب هذا الشاب: أن يا عبدي، قد عاقبتك، ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك ذلك ؟
الذي له صلة مع الله عز وجل صدقوا ولا أبالغ أكبر عقاب أن تحجب عنه فقط، رغم مكانتك وصحتك وبيتك وأولادك وعملك وأرباحك لكنك محجوب، تقرأ القرآن فلا تشعر بشيء، أنت محجوب، تصلي فلا تشعر بشيء، تذكر الله فلا تشعر بشيء، إذا قرأ إنسان القرآن، وما شعر بشيء إطلاقاً، وذكر الله وما شعر بشيء، وصلى وما شعر بشيء، فليعلم أنه لا قلب له، هذا عقاب الحجب، والإنسان يحجب بقبائح الذنوب وبالعيوب.
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ))
لذلك:
(( لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُص البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر ]
ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام.
أخطر ما في الحديث:
(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ،َ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر ]
إياك أن تبرئ نفسك، الله عز وجل يقول:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية: 174 )
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله شدة إلى إنسان بلا سبب، اتهم نفسك، أين الخلل ؟ أين المعصية ؟ أين المخالفة ؟
قال رجل لصاحبه: الدراهم مراهم، أحلُّ بها كل شيء، هو رجل ميسور جداً، لكن هذه الكلمة ( الدراهم مراهم ) أنسته الله عز وجل، وقع في مشكلة، قال لي: بقيتُ ثلاثة وستين يومًا في السجن المنفرد، وفي اليوم الواحد يأتيه هذا الخاطر: ( الدراهم مراهم )، تفضل وحلها.
هناك أخ من أكبر المستوردين للسحابات، أقل صفقة خمسمئة ألف دزينة، جاءت امرأة لا تعرف أن هذا محل جملة، قالت له: عندك سحابات ؟ قال لها: كم تريدين ؟ قالت له سحّاب واحد، فقال: أنا لا أبيع مفرقًا، ونهرها، يقسم بالله ما دخل محلَّه مَن يشتري مِن عندِه ثلاثةً وخمسين يومًا، جف دمه، قال لي: الآن أبيع سحابًا واحدًا، لأنه وقع في كبر، الله يؤدبك، ويتابعك.
أحيانًا كلمة قاسية أو موقف قاسٍ يسبب لك مصيبة.
والله هناك أخ يعمل في تصليح كومبيوترات المعامل، دخُله كبير جداً، وهناك معمل أوصاه، لكنه طلب ثمناً ضخمًا، قال له صاحب المعمل: هذا المبلغ كثير، قال له: أنا لست بحاجتك، أنت بحاجتي، متى تحب فأنا جاهز، قال: كل العمل ينتهي بساعة إلى ثلاث ساعات، قال لي: أول يوم لم يظهر شيء، وكذلك ثاني يوم، والمبلغ على الإنجاز لا على الساعات، قال لي: تسعة أيام الطريق مغلق، فطلب إجازة يوم، راجع نفسه حتى انتبه إلى ما قال ؟ قال: أنا لست بحاجتك، أنت بحاجتي، هذا اعتداد، فالله أغلق عليه الحل، بعدما تاب، ودفع صدقة في اليوم الثاني حلّ الخلل في ساعة.
انتبه، إذا تابعك الله تكون مكرمًا عنده، وافرح بحالك إذا كنت في متابعة، وإذا أهملك ترتكب كل المعاصي، لا سمح الله، ودخلك فلكي، ومرتاح، وصحتك جيدة، وما من مشكلة، هذه أكبر مصيبة، ألاّ تتابع من الله عز وجل.
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ))
ما رأيت آلة حاسبة فيها زر البركة، البركة قائمة أحيانا بدخل محدود، تعيش حياة غاية في السعادة، وبدخل فلكي تعيش حياة غاية في الشقاء، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، فلذلك هذا دعاء القنوت:
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))
[ الترمذي عن الحسن بن علي ]
لكن مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، (( وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))
والحمد لله رب العالمين