كيف تجاهد نفسك؟

كيف تتم مُجاهدةُ النَّفس والتَّغلُّب على الأهواء مع المُحافظة على الصَّلاة والأذكار وقراءة القرآن؟

مُجاهدة النَّفس، والمُصابرة والمُغالبة لا شكّ أنَّها تَتِم بِمُخالفة هوى النَّفس، النَّفس تَمِيل إلى ما حُفَّتْ بِهِ النَّار؛ لأنَّها شهوات، تشتهِيها النَّفس، وتَمِيل إليها، والنَّار حُفَّتْ بالشَّهواتْ، فعليكَ أنْ تُجاهِد نَفْسَك في مُقاومة هذهِ الشَّهوات، الشَّهوة منها المُحرَّم الذِّي لا يجُوزُ فِعْلُهُ بحال ((إذا نَهيتُكُم عنْ شيءٍ فاجْتَنِبُوهُ))، منها المكرُوهات التِّي فِعْلُها لا إثْمَ فيهِ إلاَّ أنَّ الإكْثَارَ منها يَجُرُّ إلى ارتِكَاب المُحرَّمات، من الشَّهوات المُباحات لا إشكالَ في ذلك في مُزاوَلَة هذهِ الشَّهوات المُباحات؛ إلاَّ أنَّ الاسترسال في هذهِ الشَّهوات قَدْ تَطْلُبُهُ النَّفس في وقتٍ لا يكُونُ مَقْدُوراً عليهِ أو وُجُوداً فَتَجُرُّهُ النَّفس إلى بعض المكرُوهات وهكذا..، ولذا كان سلفُ هذهِ الأُمَّة يَتْرُكُونَ بعض الحلال أو حتّى قال: تسعة أعشار الحلال خَشْيَةَ أنْ يَقَعُوا في الحرام، فإذا تَقَلَّلَ الإنْسَانْ من هذهِ المُباحات، وجَمَع ذِهْنَهُ وحَصَرْ نَفْسَهُ على فِعْلِ الطَّاعات وجاهد؛ يُوَفَّق، وإذا صَدَق اللَّجَأ إلى الله -سُبحانَهُ وتعالى-، وانْكَسَر وانْطَرَح بين يَديْهِ، وسَأَلَهُ الرَّغْبَة والإقْبَال، والتَّلَذُّذ بِمُناجاتِهِ، الإشكال عند كثيرٍ من النَّاس أنَّهُ تبعاً لِما جُبِلَ عليهِ الإنْسَان من كونِهِ مدنيّ الطَّبع، يَكْرَه العُزْلَة، يُحِبُّ الخُلْطَة، جُبِلَ الإنْسَانُ على ذلك؛ لكنْ من جَاهَد نَفْسَهُ، وتَلَذَّذْ بِمُناجَاة الله -عَزَّ وجل-، وذِكْرِهِ، وتِلاوةِ كِتَابِهِ، تَجِدْهُ أحْرَصْ ما يكُون على العُزْلَة، ولمَّا لما قِيل لابن مَعِينْ: ماذا تَتَمَنَّى في المرض الذِّي مات فيهِ؟! فما أُمْنِيَتُهُ رحمهُ الله؟! بيتٌ خَالِ، وسندٌ عالِ، الآن لو يَجْلِسْ إنْسَان في بيتِهِ، أهلهُ في زيارة مثلاً وهو جالس، يضيق بنفسِهِ، تَضِيق بِهِ الدُّنيا ذَرْعاً؛ لأنَّهُ ما تَعَوَّدْ على الخَلْوَة، وكيف يَسْتَغِلّ هذهِ الخَلْوَة! وكيف يَسْتَفِيد من هذا الفَرَاغ! الفَرَاغ يا الأخوان نِعْمَة، كما أنَّ الصِّحَّة نِعْمَة ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفَرَاغ)) اليوم فارغ ما عندك شيء، لماذا لا تَسْتَغِلّ هذا الفَرَاغ بِما يَنْفَعُك؟! يَسُرُّك يوم القِيَامةِ أنْ تَراهُ، وما يُدْرِيكْ لَعَلَّك تَنْشَغِلْ بَقِيَّة عُمُرِك؟! سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة تُقال في دقيقة ونِصف سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة، في الصَّحيحين وغيرِهِما لا أحد يقول لنا أجرٌ عظيم رُتِّب على عملٍ يسير وهذا دليل، لا أبداً هذا حديث في الصَّحيحين وغيرهما ليس لأحدٍ كلام، سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة ((...من قالها في يوم مائة مرَّة حُطَّتْ عنهُ خطاياهُ وإنْ كانتْ مِثل زَبَدِ البَحْر)) يا الأخوان متى يَتَضَايق الإنسان من الانتظار؟، الآنْ منْ اشَقِّ الأُمُور على النّفس دقيقةُ الانتظار، لا نقُول ساعة الانتظار! من أشَقِّ الأُمُور على النَّفس، لماذا؟! لأنَّنا ما رَبَّيْنَا أنْفُسَنا على اسْتِغلالْ الأوْقَاتْ، ولو أنَّ الإنْسَان بدل ما هو مُنتظر، الحمد لله، تأخَّر صاحبي خمس دقائق، لِيتُهُ تأخَّر ساعة، اسْتَغِلّ وقْتِكْ بالذِّكِر والفِكِرْ، تَفَكَّر يا أخي ممَّا يَزِيدُ إيمانَك، ويَقِينك، وارْتِبَاطَك بِرَبِّك.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير