لا تنظر إلي السماء عند الدعاء!
الله سبحانه وتعالي جل جلاله موجود في كل مكان فلا تظن أن النظر إلي السماء له علاقة بالاستجابة، فالخشوع والخضوع والتسليم لأمر الله عند الدعاء متعة لا يجب أن نحرم أنفسنا منها عندما نقترب من الله ونرجوه ونتوسل إليه أن يرحمنا ويغفر لنا، ولا يحملنا ما لا طاقة لنا به، ويسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض وأن يعطينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ويبعدنا عن النار.
الدعاء لا يفرق بين كبير وصغير، بين غني وفقير، بين شيخ جليل ورجل بسيط، فعندما سمع النبي - صلي الله عليه وسلم - رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» قال الرسول«والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي».. هذا هو سر الدعاء يصل دون حجاب لذلك «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» هكذا علمنا إمام المرسلين، وما أكثر المظلومين في بلد نحن فيه في أمس الحاجة إلي الدعاء.
1-الدعاء هو العبادة


«الدعاء هو العبادة»..هكذا لخص رسول الله -صلي الله عليه وسلم- سر الدعاء حين تكون رافعاً يدك وقلبك ورجاءك للسماء خافضاً كبرياءك وغرورك إلي الأرض شاعراً بأقصي درجات الضعف البشري أمام خالقك العظيم تناجي الله-تعالي- بلا وسيط.
ولجوء الإنسان العاجز بطبيعته البشرية إلي إله قادر غريزة دفعت الناس منذ الأزل إلي البحث عن ذلك الإله وتقديم القرابين إليه وطلب كل ما يحتاجونه ويتمنون حدوثه أومنع ما لا يريدون وقوعه، فسألوا الشمس والقمر والنار والأصنام إلا أن الله -تعالي-أرسل رسلاً ليوجهوا دعاء الناس إلي مكانه الصحيح لله الواحد، ثم أرسل خاتم الأنبياء محمد -صلي الله عليه وسلم- وأوحي إليه القرآن وقال فيه: «ادعوا ربكم تضرعاً وخفية» و«وقال ربكم ادعوني استجب لكم» و«وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان».
وقد بين الرسول-صلي الله عليه وسلم- أن فضل الدعاء عند الله -تعالي- عظيم قائلاً:«ليس شيء أكرم علي الله من الدعاء» بل إن الله يغضب علي عبده إذا لم يدعوه ويسأله فقال الرسول: «من لم يسأل الله يغضب عليه».
2-كيف ندعو الله ؟




الدعاء عبادة روحية خالصة وعلاقة سرية خاصة بينك وبين الله، يمكن أن تؤديها في كل مكان وزمان ووضع «الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم»، إلا أن بالدعاء نكون أقرب للإجابة «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب من قلب غافل لاه».. القاعدة الأولي التي وضعها الرسول -صلي الله عليه وسلم- لنا حين ندعو الله-تعالي- بأن نكون علي يقين من الاستجابة لأن الله لا يستجيب لمن يشك في وعده حين قال :«ادعوني استجب لكم».
ثم نستقبل القبلة وكأنها صلاة حتي نشعر وكأننا أمام الكعبة ونرفع أيدينا إلي أعلي دليلاً علي الخشوع والافتقار إلي الله، ولأن الله لا يرد يدا ممدودة له كما قال الرسول-صلي الله عليه وسلم-:«إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا».
ويكون بدء الدعاء بالثناء علي الله -تعالي- بأسمائه الحسني ثم الصلاة علي النبي-صلي الله عليه وسلم- وإعادة ذلك في وسط الدعاء وآخره.. وقد سمع، النبي-صلي الله عليه وسلم - رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» فقال الرسول-صلي الله عليه وسلم-:«والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي».
كما يستحب تعميم الدعاء بأن يدعو الإنسان لنفسه ولسائر المسلمين، لأن المؤمن الكامل هو الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكون الدعاء في الخفاء بين العبد وربه ليبتعد عن شبهة الرياء وألا يرفع الداعي صوته جداً ولا يخفضه جداً، فقد قال الرسول-صلي الله عليه وسلم- للذين كانوا يجهرون بالتكبير بصوت عال:«أربعوا أنفسكم-أي ارفقوا بها- فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلي أحدكم من عنق راحلته».
الإلحاح في الدعاء مستحب أيضاً، فالله يحب الملحين في الدعاء كما قال النبي-صلي الله عليه وسلم- وكان يكرر الدعاء ثلاث مرات.
وفي النهاية نقول «آمين» ومعناها: استجب يارب العالمين، ونمسح وجهنا بكفينا كما فعل الرسول-صلي الله عليه وسلم-.
3-أوقات الاستجابة




فضّل الله أوقاتاً معينة وخصها بميزة استجابة الدعاء وكأنه-تعالي- يقدم لعباده عروضا خاصة في هذه الأوقات وليجعلهم دائمي البحث والانتظار لهذه الفرص، وهذه الأوقات هي : الثلث الأخير من الليل حيث ينزل الله للسماء الدنيا ويقول«هل من داع فاستجيب له»، وبعد الصلوات الخمس، وبين الأذان والإقامة، وبعد التشهد في الصلاة، وأقرب ما يكون العبد إلي ربه وهو ساجد ويوم الجمعة حيث به ساعة إجابة أوصي الرسول بالتماسها في آخر ساعة بعد العصر، وفي يوم عرفة وفي شهر رمضان وفي الحرب والسفر وعند زيارة المريض ووقت هطول الأمطار وعند القيام بعمل صالح لأن الله يقول:«إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» والدعاء من الكلم الطيب.
4-الدعاء وشهر رمضان




هل هناك وقت أنسب للتوجه إلي الله تعالي بالدعاء من الشهر الذي تغلق فيه أبواب النار وتفتح أبواب الجنة وتصفد الشياطين وينادي ملك : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر؟
شهر رمضان وقت من أوقات الاستجابة بصفة عامة وفيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر يتلمسها المسلمون في الليالي الوترية من العشر الأواخر من الشهر إذا دعا فيها مؤمن بالله ورسوله دعوة استجيب له بخير مما سأل.
وبالإضافة إلي الشهر كله نهاره وليله وليلة القدر بشكل خاص، في رمضان ساعة إجابة يومية وهي عند الإفطار كما قال الرسول-صلي الله عليه وسلم- أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد.
5-هل الدعاء يرد القضاء؟




سؤال يدور ببال الكثيرين إذا كان كل شيء بقضاء وكانت أقدارنا مكتوبة فلماذا نسأل الله أن يرفع بلاء أو يجلب خيرا؟ هل يغير الدعاء القدر؟
الإجابة تتلخص في أن الدعاء في حد ذاته قدر، فيكون هذا القدر سبباً في دفع قدر آخر أو جلب قدر آخر وذلك ينطبق علي ما قاله عمر بن الخطاب حين سمع أن الطاعون حل بـالشام فأمر الناس بالرجوع إلي المدينة فقيل له أتفر من قدر الله؟ فقال :«أفر من قدر الله إلي قدر الله».
والدعاء كالدواء للمريض، حيث لا يمكن ترك المريض بلا دواء لأن مرضه قدر ولكن يكون الدواء قدراً سبباً في شفائه من مرضه الذي كان قدراً أيضاً، وقد بيّن الرسول-صلي الله عليه وسلم- العلاقة بين الدعاء والقضاء بقوله:«إن الدعاء والقضاء يعتلجان-يتصارعان- بين السماء والأرض».
6-أنبياء الله يدعون




لأن جميع البشر ضعفاء وعاجزون بطبيعتهم البشرية يلجأون إلي الإله القوي القادر مهما كانوا، فلابد أن تمر عليهم لحظات يرفعون فيها أيديهم إلي السماء طالبين العون حتي وإن كانوا ملوكاً أو سلاطين أو أكثر..حتي لو كانوا أنبياء..
وعلي سبيل المثال لا الحصر نري إبراهيم-عليه السلام- «أبو الأنبياء» يدعو وهو يرفع قواعد بيت الله بأن يجعل مكة بلداً آمناً ويرزق أهلها رزقاً واسعاً وأن يتقبل منه ومن ابنه إسماعيل وأن يجعل من ذريتهما أمة مخلصة لله ويبعث في هذه الأمة من أبنائها رسولا يعلمهم ويزكيهم ويبلغهم آيات الله فيستجيب الله لدعائه ويجعل مكة حرما آمناً ويرزق أهلها حتي الكافرين ويجعل النبوة والرسالة في نسل إسماعيل فيقول محمد-صلي الله عليه وسلم-:«أنا دعوة إبراهيم».
أما زكريا-عليه السلام- فدعا «رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين» طلب من الله الولد بعد أن كبر وشاب وكانت امرأته عاقراً فرزقه الله بيحيي-عليه السلام- «فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه».
وهذا أيوب-عليه السلام- يصبر ويحتمل أمراضاً وآلاما ثم يدعو ربه:«وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر».
ثم نبي الله يونس-عليه السلام- الإنسان الوحيد الذي دعا الله وهو في بطن حوت في أعماق بحر، فيستجيب الله له وينجيه ويجعل لدعائه فضلاً أنه إذا دعا به مسلم كشف الله ضره وفرّج همه وكربه «فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين».
أما سليمان-عليه السلام- فقد دعا الله أن يهب له ملكا عظيما لا يكون لأحد من بعده أبدا فاستجاب الله له وسخر له الرياح والشياطين والجن وأفهمه لغة الطيور والحيوانات.
ويوسف-عليه السلام- دعا الله أن يصرف عنه كيد النساء اللاتي ظلمنه وحاولن إغواءه فقال:«رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم».
كما دعا نوح- عليه السلام-حين ظلمه قومه وتولوا عنه وعن دعوته سنوات طوال فقال:«رب لا تذر علي الأرض من الكافرين دياراً - إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا» فعاقب الله-تعالي- قومه وأنجاه «ونوحا إذ نادي ربه من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم».
7-دعوة المظلوم




«اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»..هكذا أوصي الرسول، والمعني أي مظلوم مهما كان دينه أو عمره أو جنسه إذا تعرض لظلم من ذي سلطان أو مسئول أو رجل عادي مثله ودعا لله علي من ظلمه استجاب الله-تعالي- له لأنه لا يحب الظالمين وهو-تعالي- العدل المطلق الذي لا يظلم ولا يريد ظلما للعباد أو بين العباد وهو القائل: «إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون».
ولذلك أقسم الله-تعالي- بعزته أن ينصر المظلوم ولو بعد حين كما جاء في حديث رسول الله-صلي الله عليه وسلم-:«ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين».
8-الدعاء بظهر الغيب




هو أن يدعو الشخص لشخص آخر بالخير في غيابه أو دون أن يعرفه فهي دعوة صادقة خالصة من أي شبهة رياء أو نفاق أو مصلحة وهي دليل علي محبة الشخص لأخيه ما يحب لنفسه ولذلك تؤمن الملائكة علي دعوته وتدعو له بالمثل، فبينما دعا هذا الإنسان لأخيه الإنسان تدعو له بمثلها ملائكة الرحمن، لذلك حث الرسول -صلي الله عليه وسلم- علي ذلك حيث قال:«إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين، ولك بمثل».



9-لماذا لا يستجيب الدعاء دائما ؟
مليارات من الدعوات تصعد كل يوم إلي الله ويتساءل الكثيرون لماذا لا تستجاب كلها؟
الإجابة في نقاط أولا: لأنه لا يمكن الاستجابة لجميع الناس لأسباب تتعلق بسنة الحياة فمثلا الكل يطلب الغني ولو استجاب الله لذلك لاستغني الناس وطغوا وفسدت الأرض فالله -تعالي- يقول:«ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير».
ثانيا: أن الإنسان يقصد في دعائه جلب خير أو دفع شر ولكن ليس الخير والشر دائما هما ما يتصوره الإنسان بعقله المحدود فقد يدعو بما يراه خيراً وهو شر وقد يختار له القدر أمراً يحسبه شرا ثم تظهر له الأيام أنه خير، وفي هذا يقول الله:«وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
ثالثا: الدعاء خير للإنسان في جميع الأحوال سواء تحقق ما دعا به أم لم يتحقق فإذا تحققت الدعوة يسعد بها وإذا لم تتحقق فإما أن يكون الله قد أبعد بسببها عنه شرا أو أنه يدخرها له ليحققها بعد حين أو ليعوضه عنها في الآخرة وهذا ما أكده رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في الحديث حيث قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدي ثلاث :إما أن تعجل له دعوته وإما أن تدخر له وإما أن يكشف عنه من السوء بمثلها».
رابعا: البعض يدعو الله ولكنه لا يوقره ولا يحترم شعائره ويفرط في أوامره ونواهيه أو يدعوه بقلب غافل ولاه غير خالص لله فيكون ذلك سببا في عدم الإجابة، فعندما قال سعد بن أبي وقاص للرسول-صلي الله عليه وسلم- : ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال له: «أطب مطعمك تستجب دعوتك».



10-الدعاء الممنوع
نعم هناك دعاء ممنوع..فليس كل الدعاء خيراً.. فالدعاء بالشر ممنوع سواء كان علي النفس أو الآخرين لذلك قال الله -تعالي-: «ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا» فلا يجوز للإنسان أن يدعو علي نفسه بالموت أو المرض أو أي أذي بسبب شعوره باليأس أو الظلم كما لا يجوز أن يدعو علي أحد بشر بسبب غضبه منه وكذلك لا يصح أن يدعو الأب أو الأم علي أولادهما، وفي ذلك قال الرسول-صلي الله عليه وسلم-: «لا تدعوا علي أنفسكم ولا تدعوا علي أولادكم ولا تدعوا علي أموالكم».
وقال : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي».
ومن الدعاء الممنوع أيضا الدعاء بما فيه معصية وإثم أو قطيعة رحم لأن ذلك يعد اعتداء في الدعاء وقال الله -تعالي-:«ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين»، ومن الممنوع أيضا أن يقول الداعي «اللهم افعل كذا -إن شئت-».
المراجع:
-الدعاء - محمد سيد طنطاوي
-صفحات من نور في الدعاء المأثور- محمد بكر إسماعيل
> من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به
عمر بن الخطاب

>خُزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر،أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
علي بن أبي طالب

> لايصيبُ عبد شيئاً من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله عز وجل وإن كان عليه كريماً
عبدالله بن عمر

> إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميراً علي اثنين فافعل سلمان الفارسي