قناة «اقرأ» ودعوة للفرح

د. عائض القرني


كنت أشكو لزملائي عدم انطلاقي في الحديث والمحاضرات من دون جمهور، فأنا إذا خلوت بالكاميرا كان الشيطان ثالثنا، ووجدت نفسي مع الناس، حتى قرأت كتابا عجيبا عنوانه «الفوز مع الناس» لمؤلفه «جون سي ماكسويل» يرى أن الناس مصدر حماس وتشجيع وإلهاب للمتحدث، ثم زارني صديقي الأستاذ اللامع محمد سلام المدير التنفيذي لقناة «اقرأ»، الذي ارتفع بالقناة إلى العالمية، فطرح علي فكرة مواجهة الناس في برنامج جماهيري عنوانه «دعوة للفرح» تبثه قناة «اقرأ» في شهر رمضان، وفي جامع بغلف بجدة كنت ألتقي ليليا بما يقارب ثلاثة آلاف من الحضور الكريم، فوجدت نفسي مع الناس، فحضر معنى الآية وروح الحديث والنكتة والقصة والبيت والمثل والشاهد مع الغرائب والعجائب، وأرسلت نفسي على سجيتها، وكنت أنظر إلى عيون الحضور فكأنني أقرأ الإبداع فيها، وأستلهم منها التدفق والحماس وحضور الروح ولهيب المشاعر وحرارة العاطفة، ومكثنا أسبوعا كاملا مع الجمهور نسجل ثلاثين حلقة في جو المسجد الإيماني، فمرة أشاهد الجمهور تدمع عيونهم، ومرة تشرق وجوههم، ومرة يتبسمون، ومرة يهزون رؤوسهم تفاعلا مع الحديث ومشاركة للمحاضر، وقد اجتمع نور الذكر ونور المسجد ونور الإيمان في قلوب الحاضرين، فصار المشهد نورا على نور يهدي الله لنوره من يشاء، وتذكرت قول الشاعر العربي:
«ولو أنه نورٌ لكنتُ وصفته.. ولكنه نورٌ وثان وثالثُ»..

واكتشفت بعد هذا البرنامج أن هذا هو الوضع الطبيعي، أن تتحدث في الدرس والخطبة والمحاضرة مع الناس، وأن تنظر في عيونهم، وأن تطالع بسمات وجوههم، وأن تطلق روحك تغرد مع أرواحهم، وليس الجميل للمحاضر والخطيب والمدرس أن يغلقوا عليه غرفة بين أربعة جدران وتُسلط على وجهه كاميرا تكاد إضاءتها تخطف بصره، ويقال له: مكانك قف، والزم المحل، ولا تتحرك، وانظر هنا، ولا تكثر من الإشارات، وحاول أن ترفع عينيك وتنصب ظهرك، وركز مضبوط، وانتبه زين، وارفع رأسك.. حينها يُقتل الإبداع وتموت الروح وتجف المشاعر وتبذل العواطف ويشرد الذهن ويحل الملل ويزور السأم ويحط الضجر. نعم وجدت نفسي في برنامج «دعوة للفرح» وكان أخي الأستاذ محمد سلام ذكيا ولماحا وهو يلغي البرنامج المعلب المقسطر المعقم ويخرجني إلى الهواء الطلق وأرواح المؤمنين ونور المسجد، لأكون حرا طليقا أغرد مع إخواني، أرتل معهم الآية، وأدبج معهم الحديث، وأترنم معهم بالقصيدة، وأسافر معهم في زورق الإبداع، وننتقل في عالم الملكوت، وندخل روضة من رياض الجنة، ونعبر جسر السرور، وننزل بستان السعادة، ونصعد جبل المجد، ونقعد على ضفاف النهر، ونسبح في غدير البهجة، وننطلق في صحراء الفرح، لنقول عبر قناة «اقرأ» للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها: تفضلوا «دعوة للفرح»، واحضروا حفلنا البهيج حيث تكون قناديله أرواحكم، ونجومه هممكم، وأنواره إيمانكم، وزاده العلم النافع، وقهوته المعرفة الصادقة، وبخوره الأدب الجميل، وعطره الذكر الجليل. والحمد لله الذي وفقنا لبرنامج «دعوة للفرح» فاجتمع فيه القرآن والحديث والتفسير والفقه والتاريخ والأدب والثقافة، والفضل لله وحده ثم لمن حضر من الجمهور وضحى بوقته، وصابر نفسه، ولم ينصت لدواعي الدنيا الفانية بل جلس في روضة من رياض الجنة. شكرا لقناة «اقرأ» والأستاذ محمد سلام والمشرفين على القناة ولأخي الأستاذ مجدي القاضي.