سؤال يتردد صداه في نفس كل إنسان ويتجذر ليتأصل في أعماقه وينزرع في مكنونات تفكيره ونمط حياته .

سؤال حار فيه الكثيرون ولم يجد معظمهم جوابا عليه إنما سلكوا مسلك المسافر المستظل فيء شجرة في حر الهجيرة ثم يمضي متابعا سيره .


من أنا ؟
يعود
السؤال من جديد ليطرح نفسه بقوة مع تغيرات واقع الحياة , مع ميلاد كل جيل
جديد ويبقى السؤال الذي حارت فيه النظريات وتباينت فيه الآراء وتعددت فيه
الأقاويل محطة كل إنسان يريد من حياته أن يكون لها معنى وأبعاد غير التي
ينتهجها أهل المادة والشهوات الأرضية الفانية .


الإنسان
، الكون ، الحياة ، عبارات ثلاث حار ت البشرية في الإجابة على حقيقتها
ولكنها جاءت في ديننا واضحة وضوح الشمس وسط النهار، وضوح الإنسان نفسه في
عواطفه وأفكاره وعقله فكانت مبادئ الشريعة السمحة وعقيدة الإيمان تبين
حقيقة الإنسان وحقيقة وجوده وطبيعته ووظيفته وأهدافه في هذه الحياة
وعلاقته بالكون الواسع وبالكرة الأرضية والحياة نفسها .

الإنسان المخلوق البشري الصغير مدار الحياة وسرها المتميز بعقله وعاطفته ،
المتحفز إلى معرفة الأسرار ، استطاع بفضل ما جعل الله فيه من ملكات
التفكير أن يبني الحضارات ويعمر الكون في حدود ما هيأه الله من مساحات حضه
على سلوكها واكتشافها ومعرفة سر أسرارها .


من أنا إذا؟ سؤال بات الإجابة عليه سهلة بعد أن بينت الشرائع والأديان السماوية, وخاتمتها شريعتنا السمحاء ، حقيقة الإنسان وغايته في الوجود .

المسلم
المتميز المؤمن بالله سبحانه وتعالى المتفكر في ملكوت السموات والأرض
الخاضع لأمر الله وتدبيره المؤمن بوحدانيته وألوهيته وربوبيته وأسمائه
وصفاته . المسلم المتميز الملتزم بأوامر ربه ونبيه والمنته عما نهى الله
ورسوله . المتأدب بالعبادة والمتسامي بأخلاق النبوة وهدي القرآن وأصول
الشريعة حامل الخير للبشر ونور الهداية لبني الإنسان . المسلم الذي عرف
الحلال والحرام فالتزم وابتعد , تفكر في نفسه ومآله ومصيره فأعد عدته
للآخرة وهيأ لها الزاد واستعد بقلبه وروحه لذلك اليوم العظيم . عامر الأرض
بأفكاره السامية حامل السعادة لبني جنسه ، مريد الخير والرحمة لكافة البشر
" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
المتعلم المتفكر في الكون ومصيره ومآله ، المنظم لحياة البشر والسائس لقضاياهم وفق مبادئ الحق والعدل والفضل .

هكذا هو المسلم وما يجب أن أكون عليه وهكذا أفهم حقيقة وجودي وهي تتلخص
بكلمات الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله والذي وضح فيه غاية الإنسان من
الوجود على الأرض بقوله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فغاية
الإنسان من وجوده على الأرض هو العبادة ولا تعني العبادة القيام بشعائر ما
افترضه الله علينا فقط والتنحي عن أخذ دورنا في الحياة وفق ما افترضه الله
علينا ، بل كل عمل يفضي إلى عمارة الأرض وسعادة الإنسان في حياته وآخرته
يدخل ضمن نطاق العبادة لله سبحانه وتعالى .

وهذا ما يريد أن يحمل الناس عليه لما فيه من خير وحماية لهم وهنا يأتي دور
التغيير , التغيير الذي ينشده الإنسان لبني الإنسان التغيير الذي يجعل من
الحياة منظومة كاملة متناسقة متناغمة . ولكن كيف يتم التغيير ؟

يبدأ من النفس من الإيمان بالفكرة أولا إيمانا راسخا لا حياد عنها حتى
تتجذر في الأعماق وتمتد بين ثنايا الروح فتصبح جزءا لا يتجزا من عقل
الإنسان وتفكيره .

ومن الإيمان بالفكرة تتولد الإرادة والعزيمة للالتزام بها لتكون واقعا يعيشه الفرد بكل أبعاده العقلية والعاطفية والعملية .

وبعد ذلك يحمل فكرته ويقدمها للآخرين ويعمل على نشرها بالتعاون مع
المجموعة التي اقتنعت أيضا بما يحمله من مبادئ وآمنت بها فتتوحد الجهود في
بوتقة واحدة حيث تتوسع الدائرة ويأخذ كل دوره الراشد في حمل الرسالة
وإيصالها للآخرين ومن هنا تنشأ المجموعة الواحدة والمجتمع المنسجم مع بعضه
فيضع لنفسه الأنظمة والسنن المنبثقة من شريعة الله وسننه العليا .

وهكذا تتأصل رسالة الإسلام في المجتمعات حتى تصبح نظاما عالميا ربانيا
شاملا يحكم مسار الحياة ويرشدها إلى طريق السعادة الهناء ويقود بها إلى
دنيا الاطمئنان والحق والخير والفلاح .

على أن ذلك لا بد له من القيام بأعباء صقل النفس وترويضها لتكون قادرة على
حمل الرسالة للعالم ولتكون القدوة المؤثرة الفاعلة كما قرأنا في شخصية خير
البشر محمد صلى الله عليه وسلم حيث كانت حياته قبل البعثة تتهيأ لحمل
المشقات والقيام بواجبات الدعوة الغراء " لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة ".

وبعد القدوة يأتي الاتباع والالتزام بالهدي الشريف والسنة العطرة ثم الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ليستقيم الأمر وتتوحد الجماعة على مبادى الحق
وأصول الإيمان .

من هنا يبدأ التغيير من " أنا " حتى تصبح هذه "الأنا" " نحن " لتتناول فيما بعد " هم"
الإيمان والقناعة والإرادة ثم العمل. تغيير شامل يبدأ من الجذور ليبني
الجذع فتنشأ الأغصان والأوراق ثم تثمر الشجرة بإذن ربها طيبة تحقق سعادة
الإنسان ورفاهيته في الدنيا والآخرة .