ممدوح المهيني
لماذا تستمر كل المشكلات التي نشتكي منها دائما من غياب الحريات , إلى التعصب الديني , إلى التعصب العرقي والمناطقي ؟!. أحد الأجوبة هو : أنه لم يوجد جيل يستطيع أن يقف بوجهها ويحلها ويسهل على الأجيال التي تأتي بعده حياتها . ولكن هذا لم يحدث للأسف , بل الذي حدث هو العكس , فمثل هذا الأفكار تنتقل من مرحلة لأخرى وأحيانا بشكل أكثر . حدث ذلك بصور متعددة إحداها بشكل متعمد حيث يتم الإصرار والتركيز على أن يتشرب الجيل الجديد بشكل حرفي أفكار الجيل القديم . هذا ما عشناه في المدارس حيث يتعلم الطلاب والطالبات بشكل مكثف كيف يتشربون القيم القديمة ليصبحوا بعد مدة بسيطة شديدي الشبه بالمدرسين والوكلاء والمرشدين . وهناك صورة اخرى أقل وعيا وهي ما تحدث في البيت مثلا حيث تنتقل القيم بشكل تلقائي كما يحدث في الثقافات التقليدية حيث يكبر الابن ليصبح مثل أبيه أو عمه أو جده . تختلف الساعة والسيارة ولكن الأفكار الأساسية تظل ثابتة. الجد يتعصب لعرقه ويحاكيه الأب وينسخهما الابن ولكن هذه المرة مع شعور أعمق بالأصالة..
لم يوجد ذلك الجيل الذي يمثل السد الذي يوقف مثل هذه الأفكار من الانتقال المستمر . في الواقع ربما لم تع الأجيال القديمة أن عليها بالفعل أن تقوم بذلك . من الصحيح أن هناك أفرادا وأصواتا نادت بالوقوف بوجه هذه الأفكار التي ستورث الكوارث ولكنها لم تنجح بأن تحدث تغييرا حقيقيا في روح الجيل نفسه تجعله ينتفض بالكامل ويفهم أن أهم دور أساسي له هو بمنع الأفكار المتطرفة أن تنتقل إلى جيل الأبناء. لا يحدث ذلك فقط عندنا بل في كل مكان . من يقرأ مثلا كتب الكاتب التنويري المصري سلامة موسى يتعرف فيها على الهمّ الذي كان يسكنه لإحداث التغيير وإيقاظ الناس وتبديل القيم ليس فقط في مصر ولكن في العالم العربي. ولكن موسى رغم عظمة قلمه ونبل روحه وأهدافه لم ينجح كما هو واضح الآن. ولكن مثلا من يقرأ الفليسوف الفرنسي فولتير ويتعرف على سيرة حياته يدرك أنه صارع حتى النهاية واستطاع مع مجموعة المفكرين أن يضيء العقول ويحدث التحول الكبير في فرنسا وأوروبا .
استقيظ الناس من الظلام بمنع القيم القديمة ، واستبدالها بقيم إنسانية عصرية. لذا يعتبر عصر التنوير واحدا من مفاخر الأوروبيين لأنه استطاع بشجاعة أن يمنح الأجيال التي أتت بعدهم حياة جديدة , أكثر إشراقا وعدلا.
بالنسبة لنا نحن هنا يبدو أن جيل الشباب الآن هم القادرون على إحداث مثل هذا الانقلاب الثقافي الذي يمكن أن نرى بعض ملامحه من الآن , ولكنه بحاجة إلى فهم أكثر. ولكن لماذا هذا الشباب الآن وليس في وقت سابق ؟! . في الواقع لأسباب متعددة. الشباب هم أكثر من أحرقتهم نار التطرف والإرهاب بشكل حرفي وليس مجازيا. انظر مثلا إلى الاشخاص الذين تم دفعهم للتطرف والإرهاب سترى أنهم من فئة الشباب. المحرضون لهم من الأجيال القديمة ولكن هم الوقود. أيضا الشباب الآن يشهدون أكبر موجة من الحوار والنقد والجدل الأمر الذي سيخلصهم على الأقل من وصاية الرأي الواحد . الشباب يملكون بشكل طبيعي حس التواصل مع العالم اليوم بسبب ارتباطه الوثيق بالتقنية . موجة الابتعاث التي تركز على الشباب تمثل ميزة إضافية لم توجد في اوقات سابقة. الوعي المتزايد لدى الشباب بأهمية الحرية واحترام حقوق الإنسان والكرامة يوجدالآن لدى الشباب وعلى نطاق عريض داخل المملكة بشكل لم يوجد في السابق.
الأمر الرائع أن مثل هذه الأفكار الجديدة تربط الشباب مع بعضهم . شاب من الجوف لديه نفس الحرص على أهمية تطوير التعليم بنفس الطريقة التي تدعو لها فتاة في الخرج , وذات الأمر يؤمن فيه شاب وشابة أخرى من القطيف أو الباحة.
من الواضح أن هناك روحا فكرية شبابية صاعدة تسعى لتبني قيم وأفكار جديدة تركز على الحرية والتسامح الديني ونبذ التعصب العرقي، وحزمة متنوعة من الأفكار والمثل . جيل الشباب مرشح لأسباب متعددة للعب ذلك الدورالأساسي الذي لم تنجح فيه الأجيال السابقة وذلك من خلال قدرته على منع القيم المتطرفة من التسرب إلى الأطفال الصغار . مهمة شباب وبنات السعودية الأساسية الآن هي أن يوقفوا عملية توريث هذه القيم . إذا فهم جيل الشباب هذه المهمة الكبيرة فإن كل شيء بعدهم سيتغير .إذا نجحوا في مهتمهم هذه واستبدلوها بنشر وترسيخ المبادئ الحقوقية والإنسانية فإنهم على الأقل سيسهمون بجعلها خيارا لمن هم أصغر منهم . مثلا عندما تتبنى شابة في العشرين من العمر ثقافة التسامح الديني فإنها على الأقل ستجعل هذه الفكرة مطروحة لدى شقيقتها ذات العشرة أعوام. معلم شاب للتو تخرج مهتم بحقوق الإنسان بإمكانه أن يعلم طلابه الصغار أهمية احترام قيمة الإنسان.عندما كنا أطفالا من الصعوبة أن نجد أحدا مهتما بهذه القضايا ، لا شقيق ولا صديق ولا معلم . الآن الفرصة متاحة بشكل أكبر..
الشباب الآن يكبرون ومع الوقت سيكونون فاعلين ومؤثرين أكثر سواء كآباء وامهات أو معلمين ومعلمات أو عاملين ومسئولين في مختلف المجالات. ستجهز الظروف أكثر ليحققوا مثل هذا الهدف الجماعي النبيل. هل يفعلونها ؟! هذا ما آمله وأتوقعه.



المزيد...