الجسور


الجسور bridges منشآت تكوّن قسماً من الطريق، لتكون بديلاً عن الردميات الترابية في العوائق التي يمكن أن تكون مجاري مائية، كالأنهار والبحيرات، أو مجاري سيول أو وديان عميقة يوجد صعوبة في ردمها أو أن تكاليفها كبيرة أكثر من بناء الجسور بسبب ارتفاعها الكبير.
تصادف مثل هذه الجسور في دمشق في أكثر من مكان، ومنها جسر الهامة العالي وجسور معربا وغيرها.
تبنى الجسور أيضاً عند تقاطع الطرقات المزدحمة لتسهيل المرور فيشاد بعضها فوق بعض في مستويين أو أكثر، وتترك معظم مداخل الجسور في المدن مفرغة للاستفادة من هذه المساحات ولمنع حجب الرؤية وللمنظر المعماري الجميل.
لمحة تاريخية
إن الاتجاه الرئيسي في تطوير بناء الجسور كان متعلقاً بمستوى تطور القوى الإنتاجية عبر العصور المختلفة، ولعل وقوع جزء من شجرة على طرفي جدول هو الذي أوحى على الغالب للإنسان فكرة إنشاء ما يشبه ذلك المعبر عبر العوائق المختلفة.
عمد الإنسان قديماً إلى إنشاء جسور معلقة بدائية من النباتات المرنة من الحبال وربطها من طرف واد إلى الطرف الآخر وعلق وسادة خفيفة عليها. ومع تطور وسائل الإنتاج والحاجة إلى تبادل السلع بين أفراد البشر وبين المجتمعات أصبح بناء الطرق ضرورة حياتية. غير أن كثيراً من الطرق تعترضها أنهر أو وديان الأمر الذي تطلب تغطية جزء هذه الأنهر بالجسور، وكانت هذه الجسور في البدء على شكل قناطر من الحجر أو الخرسانة أو جسوراً خشبية ثم صارت تشيد من المعدن ومن الخرسانة المسلحة بالتسليح العادي أو بالتسليح المسبق الإجهاد.


جسر معدني في فرنسة (تنفيذ غستاف إيفل)


وكان بناء الجسور الخشبية في العصور القديمة شائعاً، ومنها جسر في رومة شيد عام 630ق.م، وجسر عائم على البوسفور(515)، وجسر على الدانوب وغيرها. ولكن هذه العصور شهدت بناء جسور حجرية، وخاصة في عصر العبودية، إذ إن استخدام أعداد كبيرة من العبيد مكّن، مع تدني مستوى التقنيات، من بناء منشآت حجرية ضخمة مثل المعابد والأهرام وغيرها. وكانت الجسور الحجرية في تلك العصور ضخمة وثقيلة، فبلغت سماكة الركيزة نحو نصف طول الفتحة، وبقيت الجسور الحجرية على حالتها هذه من حيث الضخامة والوزن حتى منتصف القرن الرابع عشر، ثم شاع بعد ذلك بناء جسور حجرية أخف وزناً وأصغر حجماً. فأقيم في كل من إيطالية وجنوب فرنسة وغيرهما من المناطق الجنوبية من أوربة عدد من الجسور الحجرية الخفيفة. وفي القرن التاسع عشر بدأ استخدام المعدن في بناء الجسور، وساهم في تطوير بناء مثل هذه الجسور المعدنية انتشار طرائق حساب المنشآت الجسرية وعلى الأخص في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (الشكل - 1).
أنواع الجسور
تقسم الجسور من حيث الاستخدام إلى جسور طرق السيارات، وجسور خطوط السكك الحديدية وجسور مختلطة طرقية وسككية وجسور للمشاة وجسور لقنوات المياه أو أنابيب الغاز والنفط.
تصنف الجسور من حيث المكان إلى جسور داخل المدن أو خارجها، ومن حيث نوع التقاطع قد تكون جسوراً عبر الموانع المائية أو عبر المسيلات والوديان العميقة أو عند تقاطع الطرقات بعضها مع بعض.


جسر خرساني مسلح بالقرب من شامونكس (فرنسة)


تقسم الجسور من حيث مادة البناء إلى جسور حجرية وهي أقدم أنواع الجسور، وجسور خرسانية وخرسانية مسلحة تسليحاً عادياً أو تسليحاً مسبق الإجهاد، وجسور خشبية، وجسور معدنية، وجسور مختلطة (الجزء العلوي منها من المعدن والخرسانة المسلحة). وقد كان للجسور الحجرية في العصور الماضية مكانة كبيرة وأفضلية. إلا أن استخدامها في الوقت الحالي قلّ بسبب صعوبة مكننة تنفيذ الأعمال وبسبب الحاجة إلى العمل اليدوي الذي يعدّ مكلفاً.
ولاتشيد الجسور الحجرية عملياً في الوقت الحاضر، إلا على نطاق ضيق ولغايات معينة. ولاتستخدم الجسور الخشبية في الوطن العربي لعدم توافر الغابات التي تمد هذه الجسور بالمواد اللازمة، وتستخدم الأخشاب في الغالب لبناء جسور مؤقتة، وخاصة في المناطق التي توجد فيها الغابات والأشجار الحرجية. أما الجسور المعدنية فقد أنشئ عدد منها فيما مضى إلا أن استخدامها في الوقت الحالي قلّ بسبب ضرورة استيراد المعدن. أما الجسور الخرسانية المسلحة (الشكل -2) فتعد أكثر أنواع الجسور انتشاراً في سورية والبلاد العربية سواء كانت مسلحة تسليحاً عادياً أو مسلحة بالتسليح المسبق الإجهاد، وذلك لتوافر المواد اللازمة لبناء هذه الجسور، وللتطور الملحوظ عالمياً في بناء هذا النوع من الجسور، وعدم الاضطرار إلى استيراد المواد اللازمة لها من الخارج إلا ما ندر. وتقام هذه الجسور إما بصبها في المكان أو تكون مسبقة الصنع. وغالباً ما تبنى الركائز بصبها في المكان ثم يقام الجزء العلوي منها من قطع مسبقة الصنع ومسلحة بالتسليح العادي للفتحات الصغيرة وبالتسليح المسبق الإجهاد للفتحات الأكبر. وتستخدم في سورية رافعة انزلاقية يمكنها أن تحمل قطعاً مسبقة الصنع يزيد وزنها على 140 طناً وبفتحة تصل حتى 45متراً. وقد تم بوساطة هذه الرافعة بناء عدد كبير من الجسور، ويوجد في مصر عربات متحركة يمكن بوساطتها بناء الجسور الخرسانية المسلحة المصبوبة في المكان أو المسبقة الصنع بالطريقة المعلقة حيث يصل طول الفتحة إلى 150 متراً.
العناصر الرئيسية للجسر
يتألف الجسر من العناصر الرئيسية الآتية:
الركائز والجزء العلوي الذي يغطي الفراغ بين الركائز، يضاف إلى ذلك في الجسور المقامة على الأنهر المنشآت المنظمة لجريان المياه تحت الجسر وخاصة أثناء الفيضانات.
أما أساسات الجسور فقد تكون سطحية أو على أوتاد. والأوتاد إما أن تكون مصبوبة في المكان أو مسبقة الصنع.


جسر دير الزور (سورية)


تقسم الجسور من حيث عدد الفتحات إلى جسور ذات فتحة واحدة أو متعددة الفتحات وتقسم من حيث الشكل الإنشائي إلى جسور جائزية (بسيطة وظفرية ومستمرة) وتكون ردود الأفعال فيها شاقولية، وجسور إطارية ردود الأفعال فيها شاقولية وأفقية، وجسور إطارية مكبلة لتغطية الفتحات الكبيرة، وخاصة عبر الوديان العميقة. وهي مقاومة أساساً لقوى الضغط. ولتغطية الفتحات الكبيرة جداً هناك ما يعرف بالجسور المعلقة التي تقاوم كبولها الفولاذية قوة الشد (الشكل -3).
وتقسم الجسور بحسب منسوب المرور، أي بحسب توضع غطاء الجسر بالنسبة لجسم إنشاء الجسر، إلى جسور ذات منسوب علوي أو وسطي أو سفلي، ومن حيث الديمومة هناك جسور دائمة تخدم لسنين طويلة وجسور مؤقتة تخدم لمدد محدودة، وتنقل من مكان إلى آخر، ومنها الجسور العسكرية العائمة. ومن أجل مرور السفن تحت الجسور يرفع منسوب الجزء العلوي منها بقدر كاف فوق منسوب المياه، أو يتم بناء جسور متحركة تسمح بمرور السفن برفع غطاء الفتحة المخصصة لهذه الغاية أو بتدويره أو بفتحه جزئياً. كذلك وتقسم الجسور بحسب أبعادها وصعوبة تصميمها وتنفيذها إلى أربعة أنواع: جسور صغيرة لا يزيد طول المسافة بين طرفي الركيزتين الطرفيتين فيها على 25 متراً، وجسور متوسطة يراوح طولها الكامل بين 25 متراً و100 متر وطول الفتحة الواحدة فيها نحو 50 متر، وجسور كبيرة يصل طولها الكامل إلى نحو 500 متر أو يكون طول الفتحة الواحدة فيها في حدود 100متر، وهناك أيضاً الجسور ذات التصنيف العالي التي يزيد طولها الكامل على 500 متر أو التي يكون طول الفتحة الواحدة فيها أكثر من 100 متر.
من الأمور المهمة للجسور المبنية عبر الممرات المائية تحديد طول الفتحة المائية الأعظمية التي تسمح بمرور الغزارات الأعظمية (التصميمية) للمياه في أثناء الفيضانات، ومن الضروري تأمين عبور المياه الأعظمية بأمان مع مراعاة وجود الردميات وجذوع الأشجار وغيرها في أثناء الفيضانات. تحدد أبعاد العناصر الرئيسية للجسر (الجزء العلوي والركائز والأساسات) عند وضع الدراسة لتصميم الجسر، ويحدد عرض الجسر بحسب عرض الطريق الذي يخدمه، أما أبعاد ما تحت الجسر فتحدد بحسب المواصفات الخاصة بالجسور، وهي تختلف بحسب الغاية كأن تكون لتمرير السيارات أو القطارات. وعند تصميم الجسور يلتزم بأن تكون هذه المنشآت متينة وذات ديمومة عالية وثابتة تحت تأثير الحمولات الثابتة والمتحركة وأن تضمن الحركة السليمة على الطرقات التي تخدمها من دون انقطاع مع مراعاة إمكانية تطور حمولات المركبات التي تسير عليها.
إن اختبار الجسور ضروري لمعرفة مدى توافق التصميم مع الواقع. ولهذا يجب تجربتها للحمولات الثابتة (الستاتيكي) بوضع حمولات غير متحركة عليها أما تجربتها ديناميكياً فيتم بتمرير حمولات متحركة بأوزان مختلفة وبسرعات متعددة.
ويتم عادة في الاختبارات الستاتيكية قياس تشوهات الجزء العلوي وقياس الإجهادات ومقارنة ذلك مع التشوهات والإجهادات التصميمية، وتأثير الحمولة الثابتة والحمولة الحية.
أما الاختبارات الديناميكية فتهدف إلى دراسة عمل الجسر من جميع النواحي تحت تأثير الحمولات المتحركة وذلك بقصد تحديد المعطيات والعوامل الخاصة بالحسابات الديناميكية.